البرهان والوثيقة الدستورية وهرج الأداء الحكومي
تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT
البرهان والوثيقة الدستورية وهرج الأداء الحكومي:
في معنى الحيرة والأسف..
والكلام الملولو والكلام الساكت
نأسف؟ !!
* ما أعظم تضحيات الجند والشعب في ميادين القتال فليس بعد الفداء بالأرواح من فداء.
* ما أتعس تعبيرات وزارة الخارجية عن عظمة هذا الفداء وما أكبر خيانته على مستوى الخطاب!! فغاية ما أبدته من استنكار لموقف حكومة كينيا من السودان هو (الأسف).
* هذه الدبلوماسية الناعمة الحيية المستخذية التي لا تستطيع أن ترفع سبابتها في وجه من دمروا البلاد وأزهقوا الأرواح بالفعل المباشر أو بالدعم والإسناد العسكري والسياسي أو بالتواطؤ أو بالإيواء لهي دبلوماسية مؤذية للبلاد وتغري بها أكثر مما تدفع عنها.
* على السيد البرهان قائد الجيش (والرئيس بسلطة الأمر الواقع) أن يعمل على مراجعة الأداء التنفيذي الذي يعاني من مشاكل ناتج بعضها من العجز الوظيفي ( لغياب حكومة حقيقية قادرة و فاعلة) وبعضها مشاكل ناجمة من جراء ( قلة الجدارة ) الطاعنة في الأهلية التي تقتضيها الساعة.
*على السيد قائد الجيش و (رئيس البلاد بسلطة الأمر الواقع) أن يغادر المحطة التي وقف فيها طويلا وهو (يعول على عنصر الوقت) في جعل فكرة القبول بحكمه (أمرا لازما ضرورة) وما يمكنه من فعل ذلك هو (تمدين سلطته) عبر تعديل الوثيقة الدستورية التي يظنها مناط شرعيته وما هي هي. فالوثيقة الدستورية بالغا ما بلغت من قوتها القانونية في المحاججة بها في تأسيس فترة الانتقال هي في نهاية الأمر ليست أكثر من (اتفاق سياسي) بين الحرية و التغيير وبين الجيش. وهذه الوثيقة لم يأخذها أحد من الأطراف مأخذ جد بعد (حفل التوقيع عليها) بل ما أكثر ما وظفت توظيفا انتقائيا ما خلا من حيل ومكر لتوافي ظرفا سياسيا عارضا لتشرعنه. فشركاء الوثيقة لم يكوِّنوا مجلسا تشريعيا كما قضت بذلك وهو ضلع ثالث لا تقوم الفترة الانتقالية بغيره رقيبا على الأداء التنفيذي. لكن طرفي الوثيقة احتالا على تشكيل جسم هجين من مجلس الوزراء ومجلس السيادة ليقوم مقام المجلس التشريعي. وما زالت القوى المدنية تسوف في شأنه حتى أدرك الناس من اليأس ما ساء معه ظنهم في قدرة الحرية والتغيير وحمدوك على تحقيق الحد الأدنى من أحلام الثورة. فلما قامت الحرب وقبلها اجرءات تصحيح المسار ( سمه الانقلاب) لم يبق من الوثيقة ما يصلح أن يحاجج به أحد في (شرعنة السلطة القائمة). قلنا مرارا إن (سلطة البرهان هي سلطة أمر واقع) لم يختره أحد شأنه شأن الحرية والتغيير لكنهما صنعا شرعيتهما (بمنطق الأمر الواقع) دونما انتخاب. (كلو حمدو في بطنو) ولذلك على السيد البرهان أن يترك هذه (المناورة السياسية) غير المنتجة ويعمد إلى ممارسة (سلطة الأمر الواقع) دونما تذرع بأنه يفعل ذلك (بمشروعية الوثيقة الدستورية).
بل إنني أمضي أبعد من ذلك فأقول ليست (الوثيقة الدستورية) وحدها التي أصبحت غير ذات صلة وموضوع بواقع الحال بل إن(إتفاقية جوبا) مع (حركات المسلح) هي الأخرى أصبحت من الماضي في ظل الحرب التي لم تبق على شيء. فقوات (المشتركة) التي تقاتل مع الجيش وتستبسل في الدفاع عن الفاشر لا تفعل ذلك لأنها ( تحمي وثيقة عزيزة عليها ترجو خيرها بعد الحرب). هذا قتال متعلق بصيانة الوجود المادي للدولة كيانا و بشرا.
وربما يصنع قادة الحركات خيرا في أنفسهم وفي شعوبهم وفي البلاد لو أنهم بادروا من تلقاء أنفسهم بتحرير رقبة (الدولة المقاتلة) من (تبعات إتفاق جوبا). وهذا أمر يتطلب قدرا عاليا من الواقعية السياسية وأقل من ذلك من الحصافة السياسية التي تمكنهم من ( رؤية ما انتهت إليه البلاد.). ولا يخفى أن ( حركات الكفاح المسلح) تتشبث (بالوثيقة الدستورية) تشبث البرهان بها لأنها في تقديرهم هي(المشرعنة وجودهم في مجلس السيادة وداخل مجلس الوزراء). وهذا التفكير نفسه هو المسيطر على البرهان باعتبار أنه موجود هو (حيث هو) بموجب الوثيقة الدستورية. وهذا سوء تقدير سياسي وعملياتي يورث صاحبه هماَ واضطرابا في مقاربة القضايا فضلا عن (خرمجة) في ترتيب أولوياتها فيدفع بآخر القضايا إلى سطح عقله فلا يكون شاغل له غيرها. ومن ذلك الفكرة (الفطيرة) حول خريطة الطريق التي تمخضت عن ( نقاشات واسعة لقوى سياسية و مجتمعية) في تعبير بيان الخارجية. (فخريطة الطريقة وهمة خرجت من (رحم) الحاضنة وباعتها ( خديجا للبرهان) وسارعت الخارجية الى تسميتها (خريطة طريق) ودعت المجتمع الدولي إلى مباركة المولود ..ماذا يكون العبث السياسي إن لم يكن هذا.
إن من حق الشعب على البرهان أن يقود البلاد في مهمة واحدة هي تحقيق النصر الحاسم و( تصحيح الوضع المائل) بما كسب (تطنيشه ) عن المخاطر التي سارت بها تقارير ضباطه في الاستخبارات. ولكي يفعل ذلك عليه أن يخلي ذهنه الآن من (المعادلات السياسية المتعلقة بالمستقبل) ولا ينشغل قلبه وعقله (بالحواضن) ولا (بفكرة العطايا السلطوية) ثمنا للانخراط في الحرب. هناك شاغل واحد يجب أن يكون الأولوية التي لا تتقدمها أولوية وهو تحقيق النصر المكرس حيازة السلاح في يد الجيش وأجهزة الدولة وحدها.
إن ثقة الشعب في قيادته في أوقات السلم هي رأسمال الحاكم وتتزايد الثقة بمقدار تحقق الرضا العام عنه. في أوقات الحرب تزيد حاجة القائد الى ثقة شعبه وإمتلائه بها ولا ثقة تمنح لقائد مضطرب يمحو كلام نهاره كلام ليله. ولا ثقة مع خطاب ينصرف عن رفع معنويات الجنود والمقاتلين إلى الحديث عن (القسمة و النصيب) في سلطة لما تنبسط على كامل التراب السوداني. يجب أن يدرك السيد البرهان أنه في لحظته التاريخية هذه ( لا حاضنة له غير الشعب ) فإن طلبها في غيره (صادقا أو مناورا) فإنه يكون قد خطى بقدميه إلى باب الخروج. فهذا الشعب قد أنضجته الحرب حتى (الحريق) ولذلك لن يمكن أحدا من اللعب بوطنه وبمصيره ومصير أجياله المقبلة.
*على السيد البرهان أن يبادر الى تشكيل حكومة تكنوقراط صرفة من خبرات سودانية بلا ولاءات سياسية لتقوم بالمهام المطلوبة من الحكومة على الوجه الأكمل. فمن شأن أهل القدرة و المعرفة والخبرة منح الخطاب الحكومي كثيرا من الرشد والسداد المفقودين فيه واللازمين لمعالجة طوارئ الأحداث وما أكثرها في الأيام المقبلة.
* على السيد البرهان أن يكون (خلية أزمة تضم دبلوماسيين وضباط استخبارات وجيش رفيعي المستوى وسفراء من ذوي الكعب العالي للتفكير في سيناريوهات المستقبل ومن بينها: ما العمل حال قامت جماعة نيروبي بإعلان حكومة سواء بقيت في الخارج أو استقرت في أي مكان بدارفور. والحاجة إلى هذا الأمر كشف عنها البيان الهزيل للخارجية السودانية في مخاطبته حكومة كينيا. خطاب الخارجية لم يحسن التعبير عن الاحتجاج ولا أحسن التعبير عن المفتدين البلاد وأهلها بأرواحهم.
* على السيد البرهان أن يفرق بين خطابات المناسبات العارضة وهذه لا تطلب أكثر من رفع المعنوية وبين الخطابات التي توجه الى الشعب كله لبيان أمر عظيم. وهذه خطابات يجب أن تكون مكتوبة وتجلي كل قضية بحيث لا تبقي أمرا ما يحيط به الغموض. (الغموض) لن يفيد السيد البرهان في شيء فقد سئم الشعب (اللف والدوران). وسئم من الخطابات التي يلقى بها وفق ما تجود به الخواطر (بنت لحظتها) حتى إذا المتحدث فسمع ما قال مرة أخرى عاد إليه ينقضه حرفا حرفا يصحح فلتات لسانه. ما هكذا تدار الدول في السلم ..أهي تدار هكذا في الحرب؟ نأسف.!!
فوزي بشرى
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الوثیقة الدستوریة الأمر الواقع
إقرأ أيضاً:
دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني
في خضم الحرب الأهلية التي تعصف بالسودان، تطفو على السطح مفارقة مأساوية لا يمكن تجاهلها: أولئك الذين يتشدقون بالوطنية ويلوكون كلمة "العمالة" بأفواههم هم أنفسهم من أشعلوا نيران الفتنة، وسكبوا دماء الأبرياء، وحوّلوا البلاد إلى ساحة مفتوحة للقتل والدمار. إنها سخرية الأقدار أن يتحول القتلة إلى دعاة للوطنية، وأن يرفعوا أصواتهم بالحديث عن الخيانة بينما هم من جلبوا الخراب إلى أرض السودان.
في ظل هذه الحرب الضروس، تحولت منصات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي من أدوات لنشر الوعي إلى منابر للتحريض على العنف. ما كان يُفترض أن يكون وسيلة لإظهار الحقائق وتحقيق العدالة، أصبح أداة لتأجيج الكراهية وتمزيق النسيج الاجتماعي. يتنافس المتحدثون على هذه المنصات في إطلاق الاتهامات والتخوين، بل إن بعضهم لا يتورع عن الدعوة الصريحة للعنف، وكأن الدم السوداني قد أصبح رخيصًا في عيونهم.
الأمر الأكثر إيلامًا هو أن العديد من هؤلاء المحرضين لا يمتلكون أي مشروع سياسي أو فكري حقيقي. هم مجرد أدوات تُستخدم لخدمة أجندات خارجية أو مصالح شخصية ضيقة. لا فرق بين من يدعمون المليشيات أو الجيش النظامي؛ فكلاهما يساهم في إطالة أمد الحرب من خلال خطاب الكراهية والتحريض. هم وقود الصراع، وليسوا حلًا له.
القتلة يرفعون شعار الوطنية!
المفارقة الأكثر إثارة للاشمئزاز هي أن أولئك الذين سفكوا دماء السودانيين باتوا اليوم يتحدثون عن "الوطنية" و"الشرف". كيف لمن قتل الأبرياء ودمر المدن أن يدعي الدفاع عن الوطن؟ كيف لمن يتلقى الدعم من جهات خارجية أن يتحدث عن السيادة الوطنية؟ إن خطاب "العمالة" الذي يروجون له ليس سوى محاولة يائسة لتبرئة أنفسهم من الجرائم التي ارتكبوها، ولإقناع الشعب السوداني بأنهم الضحايا وليسوا الجلادين.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن هؤلاء المحرضين هم جزء لا يتجزأ من المشكلة. هم من ساهموا في تحويل السودان إلى ساحة حرب بالوكالة، حيث تُستخدم البلاد كمسرح لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. لا يمكن لمن يقف وراءه دعم خارجي، ويمارس القتل والنهب، أن يدعي أنه يحمي سيادة الوطن.
ما الحل في زمن الحرب؟
في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يبقى الحل الوحيد هو فضح زيف هذه الخطابات وكشف تناقضات أصحابها. يجب على الشعب السوداني أن يرفض الانجرار وراء خطابات الكراهية والاستقطاب، وأن يعمل على إيقاف نزيف الدم الذي يستنزف البلاد. السودان بحاجة إلى أصوات العقل والحكمة، لا إلى أمراء الحرب ودعاة الفتنة.
لن يتحقق السلام إلا بمحاسبة كل من تورط في سفك الدماء، ورفض كل الأصوات التي تحرض على العنف. يجب أن يُحاكم كل من استخدم السلاح ضد شعبه، وأن تُحاسب كل جهة ساهمت في تأجيج الصراع. فقط عندها يمكن أن يعود السودان وطنًا آمنًا لكل أبنائه، بعيدًا عن لغة التخوين والتحريض التي أوصلته إلى حافة الهاوية.
السودان يستحق أن يعيش بسلام، وأن يبنى من جديد على أسس العدل والمساواة. أما دعاة الحرب والقتلة، فليعلموا أن التاريخ لن يرحمهم، وسيحكم عليهم بما يستحقون.
zuhair.osman@aol.com