في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المعاصرة، أصبح من الضروري تبنّي سياسات مالية متوازنة تحفز النمو الاقتصادي وتحقق الاستدامة المالية، مع الحفاظ على العدالة الاجتماعية. يُعَد النظام الضريبي من أهم الأدوات المالية التي تستخدمها الحكومات لتعزيز الإيرادات وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، فإن الضرائب في الفكر الإسلامي تحكمها مبادئ تسعى إلى تحقيق العدالة بين جميع الأطراف، حيث "لا ضرر ولا ضرار".

في هذا السياق، حاورت "عُمان" الدكتور قيس السابعي، المستشار القانوني والخبير الاقتصادي وعضو الجمعية الاقتصادية العُمانية؛ للحديث عن دور الحوافز الضريبية والعلاقات الاقتصادية الدولية في ضوء الشريعة الإسلامية، ورؤيته لتحقيق التنمية والاستدامة.

ما الضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية لتنظيم الضرائب والحوافز الضريبية؟ مع التعريج على المفهوم والتعريف؟

بداية حديثه لـ "عُمان" عرَّف الدكتور قيس السابعي الحوافز الضريبية أو ما يُطلَق عليها المزايا الضريبية، بأنها استثناءات أو إعفاءات أو خصومات من الضرائب المستحقة للحكومة، تُمنح للشركات أو الأفراد بهدف تحفيزهم على إعادة الاستثمار في أعمال محددة، أو اتخاذ خيارات سليمة بيئيا، أو دعم الأقليات أو أصحاب الأعمال المتضررين. أما بالنسبة للشركات، فتتمثل هذه الحوافز في أحكام خاصة أو إعفاءات في قانون الضرائب، تتيح للشركات تخفيض الالتزامات الضريبية أو الحصول على معاملة تفضيلية مقابل تحقيق معايير معينة أو المشاركة في أنشطة اقتصادية محددة.

ويضيف السابعي أن الشريعة الإسلامية وضعت ضوابط لتنظيم الضرائب والحوافز الضريبية، بحيث تساهم في تعزيز الاقتصاد دون أن تشكل عبئًا غير مبرر على الأفراد والمؤسسات. وفي السياق نفسه، تحظى العلاقات الاقتصادية الدولية بأهمية كبيرة في دعم الاقتصاد الوطني من خلال الاستثمارات الأجنبية، والتبادل التجاري، وإثراء قاعدة التنويع الاقتصادي ككل، وهو ما يجب أن يكون قائمًا على أسس عادلة ومتوافقة مع تعاليم الإسلام التي تحث على التعاون الاقتصادي العادل وتحقيق المصالح المشتركة دون الإضرار بالسيادة الاقتصادية للدولة الإسلامية. وتبرز أهمية الحوافز الضريبية في قدرتها على تحفيز السلوك الاقتصادي الإيجابي، وتعزيز بيئة استثمارية جاذبة، ما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والرفاه الاجتماعي.

نعرج على الإطار الإسلامي للحوافز الضريبية؛ تحقيق التوازن بين العدالة والتنمية؟

وحول الإطار الإسلامي للحوافز الضريبية أشار الدكتور قيس السابعي إلى أن الحوافز الضريبية تعد إحدى الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها الحكومات لجذب الاستثمارات وتعزيز الأنشطة الاقتصادية، حيث تشمل التخفيضات والإعفاءات الضريبية التي تهدف إلى تشجيع المشروعات التنموية والقطاعات الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية، لافتًا إلى أن "في الشريعة الإسلامية، تتعدد أشكال الضرائب مثل الزكاة، والخراج، والعشور، وغيرها، وهي ضرائب تفرض ضمن إطار ديني واجتماعي يهدف إلى تحقيق العدالة الاقتصادية والتكافل الاجتماعي. فالزكاة على سبيل المثال ليست مجرد ضريبة مالية بل هي عبادة تهدف إلى توزيع الثروة بشكل عادل وتحقيق التوازن الاجتماعي بين أفراد المجتمع".

وأضاف الدكتور السابعي: "الدراسات الإسلامية الحديثة تناولت الحوافز الضريبية من منظور الشريعة الإسلامية، مؤكدة على أن هذه الحوافز يجب أن تساهم في تحقيق المصلحة العامة دون أن تؤدي إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وفي هذا السياق، يمكن استخدام الحوافز الضريبية لتقديم تخفيضات في الضرائب على المشاريع الصغيرة والمتوسطة لدعم رواد الأعمال والمستفيدين منها. كما يمكن تقديم إعفاءات ضريبية للقطاعات الحيوية مثل الزراعة، والصناعة، والثروة السمكية، والحيوانية، التي تعد من الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقديم تسهيلات ضريبية للمؤسسات غير الربحية التي تساهم في تنمية المجتمع من خلال الأنشطة الخيرية، والتعليمية، والصحية، وغيرها..".

بذلك، فإن الحوافز الضريبية في الإطار الإسلامي تسعى إلى تحقيق توازن بين العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، من خلال التركيز على دعم القطاعات الحيوية والمشروعات التي تسهم في رفاهية المجتمع وتقدمه.

العلاقات الاقتصادية الدولية في الإسلام.. بين التعاون والاستقلالية الاقتصادية؟

وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية الدولية في الإسلام أوضح المستشار القانوني والخبير الاقتصادي وعضو الجمعية الاقتصادية العُمانية أن العلاقات الاقتصادية الدولية تؤدي دورًا محوريًّا في تعزيز الاقتصاد الوطني، حيث تمثل التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية مصدرًا مهمًّا للنمو الاقتصادي. وقال: "قد أقر الإسلام العلاقات الاقتصادية الدولية ضمن إطار يضمن تحقيق العدالة والمصلحة العامة، حيث أكد القرآن الكريم على أهمية التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الدول. وقد كانت الأسواق الإسلامية في العصور الإسلامية الأولى مركزًا تجاريًّا عالميًّا، حيث ساهمت في تسهيل حركة التجارة بين الدول المختلفة".

ويضيف الدكتور قيس السابعي أن من المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات الاقتصادية الدولية في الإسلام هو مبدأ المعاملة بالمثل، حيث يجب أن تكون الاتفاقيات التجارية عادلة ولا تؤدي إلى هيمنة اقتصادية لطرف على حساب طرف آخر، كما يشدد على ضرورة تجنب المعاملات الربوية والاحتكارية في الاتفاقيات الدولية؛ لضمان عدم الإضرار بالاقتصاد الإسلامي، مؤكدًا على أهمية الحفاظ على الاستقلالية الاقتصادية للدولة الإسلامية، بحيث لا تصبح تابعة اقتصاديًّا للقوى الخارجية.

أهمية الحوافز الضريبية بين زيادة الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية؟

وعن دور الحوافز الضريبية في تحقيق التنمية المستدامة يرى الدكتور السابعي أن التنمية المستدامة تعتمد على تحقيق التوازن بين متطلبات الاقتصاد الحديث، والعدالة الاجتماعية، وقد أثبتت التجارب أن تقديم حوافز ضريبية مدروسة، يسهم في زيادة الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد.

وأكد الدكتور قيس السابعي بأن التكامل بين الحوافز الضريبية والعلاقات الاقتصادية الدولية يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحقيق التنمية المستدامة، مضيفًا: "من خلال تقديم حوافز ضريبية مدروسة، يمكن جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الأنشطة الاقتصادية المحلية، ما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتحسين مستوى الدخل. ومن ناحية أخرى، فإن هذه الحوافز يمكن أن تشجع على الاستثمار في القطاعات المستدامة مثل: الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، ما يسهم في تحقيق الاستدامة البيئية إلى جانب التنمية الاقتصادية المستدامة".

ويشير السابعي إلى أن سلطنة عُمان تبنّت سياسات مالية مرنة تهدف إلى تشجيع الاستثمارات في القطاعات الاستراتيجية مثل السياحة والصناعة والتكنولوجيا، وغيرها.. ما ساهم بدوره في جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي، كما تعمل الحكومة على تقديم تسهيلات ضريبية للشركات الناشئة ورواد الأعمال؛ بهدف دعم الابتكار وزيادة فرص العمل للشباب العماني. إلى جانب ذلك، تبنّت السلطنة مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية لتعزيز بيئة الأعمال، وتحقيق التوازن بين متطلبات السوق والحفاظ على العدالة الاجتماعية وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية.

كيفية تنظيم الاستثمارات الأجنبية في ضوء الشريعة الإسلامية؟

وفيما يتعلق بكيفية تنظيم الاستثمارات الأجنبية في ضوء الشريعة الإسلامية قال الدكتور قيس السابعي، المستشار القانوني والخبير الاقتصادي وعضو الجمعية الاقتصادية العُمانية: "تعد الاستثمارات الأجنبية أحد الأشكال المهمة للعلاقات الاقتصادية الدولية، حيث تسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال نقل التكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة. ومع ذلك، فإن الإسلام يضع ضوابط للاستثمارات الأجنبية لضمان أنها لا تؤدي إلى تبعية اقتصادية أو استغلال غير عادل للموارد. وقد أشار الفقهاء إلى أن الاستثمارات الأجنبية يجب أن تحقق مصلحة واضحة للدولة المضيفة، وألا تؤدي إلى سيطرة الشركات الأجنبية على القطاعات الحيوية للاقتصاد".

وأكد الدكتور قيس السابعي أن هناك ضوابط شرعية تحكم طبيعة الاستثمارات الأجنبية، حيث يجب أن تكون الاستثمارات في مجالات مشروعة ومتوافقة مع القيم والتعاليم الإسلامية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإسلام يشجع على الاستثمارات التي تحقق التنمية المستدامة، مثل الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والتي تعود بالنفع على المجتمع بأسره.

وفي ختام حديثه، يؤكد الدكتور السابعي أن الحوافز الضريبية والعلاقات الاقتصادية الدولية تشكل ركيزتين أساسيتين، لتحقيق التنمية الاقتصادية، والاستدامة في العصر الحديث، ومن المهم أن يتم تنظيمهما وفق مبادئ الشريعة الإسلامية؛ لضمان تحقيق العدالة الاقتصادية، وحماية الحقوق المالية للأفراد والمجتمعات؛ فالحوافز الضريبية يمكن أن تكون أداة فعالة لتحفيز الاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي، إذا تم تطبيقها -بطبيعة الحال- بطريقة تتوافق مع القيم الإسلامية وتعاليمها، كما أن العلاقات الاقتصادية الدولية، يجب أن تكون قائمة على التعاون العادل، والمعاملة بالمثل، مع الحفاظ على الاستقلالية الاقتصادية للدولة الإسلامية.

وأكد أن تبنّي سياسات مالية واقتصادية تستند إلى تعاليم الإسلام يمكن أن يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، يحفظ حقوق الأفراد ويعزز التكافل الاجتماعي، ويضمن الاستقرار المالي والازدهار الاقتصادي على المدى الطويل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاستثمارات الأجنبیة الحوافز الضریبیة فی العدالة الاجتماعیة التنمیة المستدامة الشریعة الإسلامیة تحقیق العدالة تحقیق التوازن تحقیق التنمیة التوازن بین تؤدی إلى فی تحقیق یمکن أن من خلال أن تکون إلى أن یجب أن

إقرأ أيضاً:

رئيسة البعثة الدولية للهجرة: إعادة دمج المهاجرين في ليبيا يسهم في تحقيق الاستقرار

عقد وزير الحكم المحلي بحكومة الوحدة “بدر الدين التومي”، لقاءً مع رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا “نيكوليتا جيوردانو”، حيث تم بحث سبل تعزيز التعاون وعلاقة الشراكة بين الوزارة والمنظمة من خلال تنفيذ مشاريع تنموية مشتركة.

افتتح التومي اللقاء بكلمة ترحيبية، مؤكدًا على أهمية الشراكة مع المنظمة الدولية للهجرة في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها البلاد، خاصة في مجالات الهجرة، وأكد على أن هذا الملف حساس جدًا ويلامس العديد من القطاعات، ويجب العمل عليه وفق الأطر والتنسيقات المعتمدة، وأشار إلى أن تعزيز التعاون مع المنظمة يمكن أن يسهم في تبديد مخاوف الرأي العام حول هذا الملف، ويعزز من قدرة البلديات في التعامل مع قضايا المهاجرين، وفق قوله.

من جانبها، قدمت “نيكوليتا جيوردانو” عرضًا مفصلاً عن الأنشطة التي نفذتها المنظمة في ليبيا خلال الفترة الماضية، مشيرة إلى ضرورة تنسيق المنظمة مع الوزارة في برنامج تقديم الدعم المباشر للمهاجرين والنازحين من خلال التعاون مع البلديات.

كما قدمت “نيكوليتا جيوردانو” عدة مبادرات للعمل المشترك مع الوزارة، منها ما يتعلق بنزع السلاح وإعادة الإدماج، والحماية، وبناء قدرات البلديات في التعامل مع المهاجرين، موضحةً كيف يمكن لهذه البرامج أن تساهم في استقرار المجتمعات المحلية.

وفي ختام اللقاء، أكد الجانبان على ضرورة تكثيف التواصل على المستوى الفني لدراسة المبادرات وتعزيز التعاون وتبادل المعرفة والخبرات، بحسب بيان الوزارة.

مقالات مشابهة

  • شريف الصياد: الصادرات المصرية طوق النجاة للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية
  • حزب العدالة والتنمية التركي: استهداف قوات الأمن في الساحل هجوم إرهابي يستهدف وحدة سوريا
  • هل التبرع بالدم في نهار رمضان يفسد الصوم؟ أستاذ الشريعة الإسلامية يجيب
  • العدالة والتنمية التركي يعلق على التطورات في الساحل السوري.. استهداف لوحدة سوريا
  • الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع.. مجلس الصحوة الثوري يرفض فكرة انفصال دارفور ويؤكد على وحدة السودان
  • رئيسة البعثة الدولية للهجرة: إعادة دمج المهاجرين في ليبيا يسهم في تحقيق الاستقرار
  • تعاون مثمر.. كيف تعزز الكويت ومصر العلاقات الاقتصادية والتنمية المستدامة
  • التخطيط والتنمية الاقتصادية في أسبوع.. شراكة في مجال الأمن الغذائي ومباحثات لدعم الصحة
  • ننشر.. تفاصيل الحصاد الأسبوعي لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية