- فـي قوله تعالى: «إن الذين يلحدون فـي آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى فـي النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير»، يُسأل عن كلمة «آمنا»؟

معنى قوله جل وعلا فـي هذه الآية الكريمة «آمنا» أي أنه يكون فـي أمن وأمان فهذا الصنف يقابل الصنف الذي ذكره ربنا تبارك وتعالى ممن يلحدون فـي آياته، ثم بيّن ما توعدهم به، فقال: «أفمن يلقى فـي النار»؟ هذا هو الصنف الذي توعده، بعد أن بيّن حال هؤلاء أو السبب الذي أفضى بهم إلى هذا الوعيد الشديد، فقال: «إن الذين يلحدون فـي آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى فـي النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة» فـ«آمنا» بمعنى أنه فـي حالة من الطمأنينة والأمن والسكون والأمان والاستبشار والبشرى.

وهذا معنى هذه المفردة يقودنا إلى معنى لطيف فـي الآية الكريمة، وإن كان لم يُسأل عنه، وهو أن هذا التقابل فـيه كثير من الدلالات: «أفمن يلقى فـي النار خير أم من يأتي آمنا» فالأول يُلقى بقسوة وعنف، فـيُرمى والعياذ بالله فـي نار جهنم، أما الآخر فإنه «يأتي»، وفـيه معنى السكون والطمأنينة والاستبشار، وكأنه مختار، أما الآخر فإنه يُجر والعياذ بالله بقسوة وعنف، ولذلك قال: «يلقى فـي النار»، كان التقابل اللفظي أن يقال فـي هذا الصنف المقابل له «يدخل الجنة»، ولكن الله تبارك وتعالى بمنّه وفضله أراد بيان عظيم منزلة هؤلاء، بأنهم لا يمسهم سوء، وأنه لا يرهقهم عذاب ولا قطر ولا ذلة، وأن هؤلاء المؤمنين الأتقياء فـي مأمن من كل ذلك، فهم بعيدون كل البعد -بفضل الله تبارك وتعالى- عن كل ما يمكن أن يصيبهم بكدر أو خوف أو حزن «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم فـي الحياة الدنيا وفـي الآخرة ولكم فـيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فـيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم».

فهؤلاء الذين يكرمهم الله تبارك وتعالى بهذا الإكرام، لا يصيبهم شيء من العنت أو الخوف أو الحزن، هم فـي مأمن وأمان، لأن الله تبارك وتعالى أكرمهم بمنّه وفضله، فكانوا فـي مقابل هذه الصورة، ولذلك، فهذا التقابل لم يكن تقابلا لفظيًّا فحسب، وإنما كان تقابلًا معنويًّا يحمل كل هذه الدلالات: أولئك يُسحبون، يُجرّون بعنف وقسوة، وفـي معاناة ومكابدة حتى يُطرحوا فـي نار جهنم والعياذ بالله، وهؤلاء فـي غاية الإكرام، لا يمسهم شيء مما يصيب أولئك لا يصيبهم كدر، ولا خوف، يكرمهم الله تبارك وتعالى، يأتون آمنين مطمئنين مستبشرين فضلًا من الله تبارك وتعالى عليهم، إذن هذا هو معنى هذا الجزء من الآية الكريمة، وفـيه هذا المعنى اللطيف، والله تعالى أعلم.

- فـي قوله تعالى «يلحدون فـي آياتنا» هل هي الآيات التي نتلوها فـي المصحف، أم دلائل الخلق؟ وما معنى الإلحاد فـيها؟

الإلحاد هو الميل والعدول عن الشيء هذا هو المعنى اللغوي فـي أصل معنى الحد وبعضهم يقول بأن الثلاثي أيضًا لا حَدا يأتي بنفس المعنى، وهو معنى الميل والانحراف والعدول عن الشيء، ولذلك، يسمى اللحد «لحدًا» لأنه شق يُمال به فـي الأرض ويكون فـي جانب القبر يسمى اللحد، وهكذا هو معنى الإلحاد، فهو الميل والانحراف والعدول عن الصراط المستقيم.

الآيات قيل بأنها الدلائل والشواهد التي نصبها الله تبارك وتعالى لهم فـي كل ما كان فـيه حجة على وحدانيته سبحانه وتعالى مما ذكر فـي الآية فـي السورة الكريمة فـي سورة فصلت، أو مما نصبه لهم فـي غيرها من المواضع من السور وقيل بأنها آيات القرآن الكريم، وهؤلاء الذين يقولون بأن الآيات هي آيات القرآن الكريم، فإنهم يحملون معنى الإلحاد فـي الآيات بمعنيين: معنى التحريف والتبديل، ومعنى التأويل الفاسد الباطل الذي يخرجون به عن المعنى الصحيح المقبول للآيات الكريمات فـي كتاب الله عز وجل.

والصحيح أن كل ذلك مشمول، فأولئك الذين يلحدون فـي الآيات الظاهرات التي نصبها الله تبارك وتعالى حجة ودليلا على وحدانيته وعلى حقه فـي العبادة، وعلى ألوهيته جل وعلا، كما تشمل أيضًا آيات الكتاب العزيز لأنها حجج وبراهين فـي القرآن الكريم أقامها الله عز وجل على عباده للاهتداء إليه وللإيقان بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا من عند الله تبارك وتعالى الخالق القادر المدبر لما فـي هذا الكون، وأن الإلحاد فـي هذه الآيات يشمل الزيغ والضلال والانحراف والعدول عن كل ما كان صراطًا مستقيمًا فـيها، والله تعالى أعلم.

- لو أطلنا الحديث فـي هذا الموضوع قليلا عندما نقرأ هذه الآية فـي سياقات أخرى، يمكن أن تقرأ فـي سياق التعددية الفكرية والدعم لمبدأ «لا إكراه فـي الدين»، وأن الله تعالى أوكلهم إلى ما يعملون فـي حياتهم؟ لكن ماذا نقول بالنسبة للذين يصادرون حرية التفكير، مثلًا فـي داخل السياق الإسلامي نفسه؟ يصادرون حق الإنسان فـي اختيار اختيارات معينة فـي داخل الدائرة الإسلامية، ويتهمونه بالتكفـير أو التبديع أو التفسيق أو الانحراف، رغم أن الآية تشير إلى خلاف ذلك؟

الآية فـي الحقيقة تنصب الحقائق «لا تكرهوا أحدًا»، وإنما تبين عاقبة ما يؤول إليه حال من يسلك طريقًا، فإن اختار طريق الحق والإيمان والاستجابة لدواعي البراهين والحجج الماثلة أمامه، فإنه يكون من الصنف الذي يأتي آمنا يوم القيامة، وإن اختار طريق الزيغ والضلال والانحراف، والعدول بتأويلات باطلة، أو بتحريف وتبديل، أو بإعراض وإنكار، فإن الآية تبصره أيضًا بالمآل الذي ينقلب إليه، لأجل أن يكون على بينة، ومحجة واضحة بيضاء، لا غبش فـيها فـيكون ما يختاره بأمانة ومسؤولية، مفضيًا إلى نتيجة عرف بها واطلع عليها.

ولذلك فإن هذه الآية الكريمة فـيها وعيد وتهديد هذه الصيغة، لما يأتي ربنا تبارك وتعالى قائلا: «إن الذين يلحدون فـي آياتنا لا يخفون علينا» هنا يخاطب العقل، والقلب، يخاطب الروح، لأنه جل وعلا هو الخبير البصير، هو المطلع على خفايا العباد، فـيذكرهم بأنه مطلع على ظواهرهم وبواطنهم، على حقائقهم وسرائرهم، «لا يخفون علينا».

وفـي هذا تذكير أيضًا لهم بأن يتذكروا هذه الحقيقة، وأن يستصحبوا مراقبة الله عز وجل لهم، واطلاعه جل وعلا على كل ما تكنه أنفسهم، وما يبدونه، ثم يأتي فـي آخر الآية الكريمة ويقول: «اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير» مرة أخرى يجعل القرار إليهم فـي الاختيار بإرادة حرة، على أن يتحمّلوا عواقب ما يختارونه فالإنسان جعل الله تبارك وتعالى له إرادة، نصب له الحجج والبراهين، وخاطب فـيه كوامن هذه النفس، وخاطب فـيه عقله وقلبه وجوارحه، لأجل أن يستجيب للحق، وأن ينقاد له، فإن اختار غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه هذا هو المبدأ الذي تقرره الآية الكريمة.

وأن المسلمين انحرفوا عما تحمله هذه الآية الكريمة، أو عما هو فـي حقائق هذا الدين، من أن عليهم واجب التبليغ والبيان، وبعث رسالة الحق فـي الناس وفـي العالمين، وأن ما كان مما فـيه سعة رأي، ومجال للنظر مما يحتمله الحق، ومما هو من فروع هذا الدين، ولكنهم مع ذلك ضاقوا نفوسًا، وأعملوا هذه الأوصاف فـي غير محالها، حصل ذلك منهم، لكن هذا لا يمكن أن يعاتب به مجموع هذه الأمة، ولا العدول من علمائها أما ما يتعلق بالزيغ عن الحق والانحراف عن الصراط المستقيم مما أشارت إليه الآية الكريمة، أو مما يحتمله معنى الآية الكريمة من الإلحاد فـي آيات الله تبارك وتعالى، فهذا لا يمكن إلا أن ترد مزاعمه، وأن تبين أباطيله، وأن يحاور، ويكشف عواره وأن تنصب الأدلة على قائديه، وأن يدعى هؤلاء الذين يتبنون ما يمكن أن يزيغ بهم عن الصراط المستقيم، أن يدعو إلى اتباع الحق بمختلف الوسائل والحجج».

هذا من واجب المسلم على أخيه المسلم، لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأنه من الانتصار لدين الله تبارك وتعالى، ولأن فـيه سدا لأبواب النيل من هذا الدين والطعن فـيه، فهو ابتلاء لهؤلاء قبل أن يكون ابتلاء لأولئك الذين يستجيبون لمزاعم الإلحاد وقبول الشبهات، «والزعم بأن فـي مثل هذه القضايا والحقائق الإيمانية الحقة، أن فـيها مجالا للقبول والأخذ، لا بل قبل أن يكون هذا بناءً عليهم، أو فتنة، وابتلاءً لهم، هي أيضًا فـي الوقت ذاته، ابتلاء لعموم المسلمين، كيف يصنعون حينما يتنقص دين الله تبارك وتعالى، حينما تثار مزاعم أو شبهات، وحينما يدعى حول هذا الدين أباطيل وأراجيف.

ولا سيما فـي وقتنا المعاصر، مع كثرة وسائل التواصل، ومع ضعف الحصانة العلمية الدينية عند طائفة غير يسيرة من شباب المسلمين، فهنا لا بد أن يقوم المسلمون بواجبهم كل بما يستطيع، نصرة للحق، ودعوة للحق، وبيانًا للباطل، وردًا لهذه الشبهات، وكشفًا لزيدي لزيف هذه الأباطيل، وأن يستعملوا فـي تحقيق هذه الغايات، كل الوسائل المتاحة الممكنة، والله تعالى المستعان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى الآیة الکریمة الإلحاد فـی الله تعالى هذه الآیة هذا الدین إن الذین أن یکون فـی هذا یمکن أن هذا هو ما کان

إقرأ أيضاً:

مرايا الوحي.. المحاضرة الرمضانية (3) للسيد القائد 1446هـ

يمانيون/ مراد شلي مرايا الوحي – حكايات المحاضرات الرمضانية للسيد القائد “المحاضرة الرمضانية الثالثة” ( تجسيد المحاضرات الرمضانية كـ”مرايا” تعكس أنوار المعرفة الإلهية بطريقة السرد الروائي ). ( المحاضرة الرمضانية الثالثة )

استدراك : ستظل شخصيات الدكتور احمد ونجليه صلاح ومنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ .
الدكتور أحمد.أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر
أما نجَلاه صلاح ومنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها.

” يجلس ثلاثتهم بانتظار المحاضرة فيما صلاح يحدث اباه واخاه عن اهمية محاضرات القصص القرآنية وتنوعها كونها تساعد طلاب العلم على ربط التخصصات المختلفة برؤية إيمانية .
اومأ الدكتوراحمد برأسه موافقاً كلام ابنه معقباً : طرح السيد عبدالملك لقصص القرآن هو دعوة للتفكر وتأكيد على ان القصص القرإني مدرسة متكاملة لصناعة الوعي والايمان .
نظر الاثنان لاباهما باعجاب وفي تلك اللحظة انطلقت المحاضرة الرمضانية الثالثة وتسمر الثلاثة لمتابعتها بكل شغف واهتمام .

في قصص القرآن عن أنبياء الله ورسله، يأتي الحديث عنهم في إطار مهامهم الرسالية، وسعيهم لهداية المجتمع البشري، وشده إلى الله سبحانه وتعالى، والعودة به إلى الصراط المستقيم، ويأتي الحديث عنهم أيضاً في مقام الاهتداء بهم، والتأسي، والاقتداء بما هم عليه من كمالٍ إيمانيٍ عظيم، وكذلك ما يتعلق بالهداية في الواقع العملي، سواءً بأسلوب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، أو في التصدي لمشاكل الحياة، والتعامل مع ظروفها وأوضاعها المختلفة، فلهم هذا المقام العظيم في الواقع البشري، هم القدوة، هم الأسوة، هم القادة، هم الهداة، هم الرموز الذين يجب أن يلتف حولهم المجتمع البشري.
– بالفعل يا ولديّ كما قال السيد القائد الحديث عن الانبياء يأتي من باب التأسي والاقتداء بهم وما هو بنعلق بالهداية الايمانية

قصة الهدايا الإلهية للمجتمع البشري هي متزامنةٌ منذ الوجود البشري على الأرض، الله سبحانه وتعالى جعل أول إنسانٍ يخلقه جعله نبياً، نبياً، أوحى اليه، هداه، علَّمه سبحانه وتعالى ما يحتاج إلى علمه في مسيرة حياته، قدَّم له الهداية؛ ليسير في مسيرة هذه الحياة على الصراط المستقيم، يتحرك في حياته وفق تعليمات الله سبحانه وتعالى، علَّمه الالتزامات الأساسية في هذه الحياة، في ما على الإنسان أن يعمله، وما عليه أن يحذره، في إطار الأوامر والنواهي الإلهية .

– يعقب منير بكل اعجاب قائلاً : هل سمعتم تأصيل قصة الهداية الإلهية للمجتمع البشري التي اوردها السيد عبدالملك .

في الواقع البشري نشأت حالة الانحراف، وحالة المعاصي، وحالة الخلل الكبير في مستوى الالتزام بتعليمات الله وهديه، وفي مستوى الاتِّباع للهداة الأنبياء، الذين جعلهم الله هداةً للناس، فتعاظمت حالة الانحراف في الواقع البشري، على المستوى العملي، على مستوى الأخلاق والقيم، على مستوى المحرمات، فيما هو حلال، وفيما هو حرام، ووصلت في نهاية المطاف إلى انحرافٍ خطير جداً في مستوى التوحيد لله سبحانه وتعالى، الإيمان بأنه هو وحده “جَلَّ شَأنُهُ”، الإله الذي نعبده، ونتَّجه إليه بالعبادة، والاعتراف بأننا عبيدٌ له، وأنه وحده المدبر لشؤون السماوات والأرض
– هل لاحظتم يا ولديّ كيف بدأت حالة الانحراف وكيف رسمها السيد عبدالملك وكيف وصلت في النهاية المستوى خطير جدا حد الانحراف في التوحيد للله سبحانه وتعالى

تنوعت هذه المعتقدات في مسألة الشرك بالله سبحانه وتعالى:

البعض من البشر في نظرتهم إلى بعض الظواهر الكونية، وتأثرهم بها، اعتقدوها آلهة، مثلما هو حال من عبدوا الشمس، من عبدوا القمر، من عبدوا النجوم… اختلفت أحوال البشر في ذلك.

البعض اتَّجهوا إلى جمادات، إلى الأصنام التي ينحتونها إمَّا من الصخر، أو يصنعونها من الخشب، أو من معادن أخرى، وجعلوا منها تماثيل، بأشكال معينة، ونصبوها في المعابد، واعتقدوها آلهة.

البعض من البشر ألَّهوا الملائكة، اعتقدوا الملائكة كذلك مشاركين في مسألة الألوهية.

والبعض منهم ألَّهوا البعض من البشر، البعض من الناس ألَّهوا أُناساً، إمَّا من الطغاة المجرمين الظالمين، الذين يصل بهم طغيانهم إلى ادِّعاء الربوبية والألوهية، مثل ما هو حال فرعون، الذي قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:38]، فقال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات:24]، ومثلما هو حال أيضاً بعض الملوك والطغاة الآخرين .

والبعض اتخذوا آلهة بغير رضاً منها، يعني: مثل من ألَّهوا عيسى عليه السلام، عيسى المسيح رسول الله، عبد الله ورسوله، ألَّهوه، هو لا يرضى بذلك، وحدث هذا من بعد زمان، من بعد سنوات طويلة من توفي الله له، لكن اتَّجهوا بانحرافهم هذا الاتِّجاه الخاطئ، الذي يتناقض تماماً مع رسالة الله، مع دعوة رسوله إلى عبادة الله، وهو الذي أنطقه الله، فكان أول ما نطق: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}[مريم:30]، الإقرار بعبوديته لله سبحانه وتعالى، وهو الذي كان العنوان الأبرز لدعوته في رسالته: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}[مريم:36].

– يتحدث الدكتور احمد معقباً لقد لخص السيد عبدالملك تنوع مظاهر الشرك بالله عبر التاريخ، فاتخذ البعض آلهة من الظواهر الكونية كالشمس والقمر، أو أصناماً منحوتة، بينما ألَّه آخرون الملائكة أو بشراً طغاة كفرعون. كما انحرف بعضهم بتأليه الأنبياء كعيسى عليه السلام رغم رفضه ذلك، متناقضين مع جوهر الرسالات السماوية الداعية لتوحيد الله.

ولذلك ما بين نبي الله نوح عليه السلام، والذي كانت البشرية، وكان الناس قد استأنفوا حياةً جديدةً معه بعد الطوفان العظيم، قائمةً على التوحيد الكامل لله سبحانه وتعالى
إلى عهد نبي الله إبراهيم عليه السلام، كانت المجتمعات البشرية قد انتشرت على نطاقٍ جغرافيٍ أوسع، وكانت أيضاً في واقعها السياسي، قد نشأت بحالة جديدة في الواقع السياسي في المجتمعات البشرية، وهي الممالك، يعني: من الوضع العشائري، الذي كانت عليه المجتمعات البشرية في عصر نبي الله نوح عليه السلام وما قبله، وكذلك إلى عهد نبي الله هود عليه السلام، إلى عهد نبي الله صالح، لكن مع الكثافة السكانية، وانتشار الناس في نطاقٍ جغرافيٍ أوسع، بدأت المجتمعات تتشكل بشكل ممالك (مملكة)، يعني: تشبه حالة دولة في هذا العصر، ممالك معينة؛ لأن الواقع البشري اتَّسع،

– يتحدث صلاح بان السيد عبدالملك يعدد لنا حياة الناس ما بين عهد نوح عليه السلام وعهد نبي الله ابراهيم .

ولد نبي الله إبراهيم عليه السلام في تلك المنطقة، فيما يحسب الآن من جنوب العراق، بالامتداد إلى أطراف تركيا، أو أجزاء من تركيا، وفي تلك المرحلة كان هناك مملكة كبيرة، عليها حاكمٌ ظالمٌ، متكبرٌ، ضالٌّ، وصل به الطغيان إلى أن يدَّعي الألوهية، أن يدَّعي نفسه إلهاً، وكذلك كانت حالة الشرك قد شملت وعمَّت وانتشرت إلى حدٍ كبير في ذلك المجتمع، وتوارثها لأجيال، توارث حالة الشرك لأجيال؛ فاستحكمت في أوساط الناس،
ففي ذلك المجتمع كان هناك تثبيت لدعائم ذلك الباطل، يعني: باطلٌ محميٌ رسمياً من خلال السلطة الحاكمة، وعلى رأسها طاغية وصل به الحال أن يدَّعي لنفسه الربوبية، وكذلك استحكام حالة الشرك التي يتشبث بها المجتمع كموروثٍ اعتاد عليه،وكان مجتمعًا شديداً، ومع أن الطاغية بنفسه، الذي يقال أنه: (النمرود)، وفي بعضها يقال: (النمروذ)، وفي بعضها… تختلف الأسماء باختلاف اللغات، هو بنفسه يدعم تلك الحالة من الشرك ويتبناها، وهي- في نفس الوقت- مرتبطةٌ به،

– لقد بدء السيد عبدالملك بتقديم الاوضاع التي كانت عند مولد نبي الله ابراهيم عليه السلام لنعرف اهمية وجود رسالته في ذلك المجتمع .

على كلٍّ نشأ نبي الله إبراهيم عليه السلام في جنوب العراق، وسط ذلك المجتمع الذي قد وصل به الانحراف إلى ذلك المستوى، فهو مجتمع متشبث بذلك الباطل، وباطلٌ وضلالٌ كبيرٌ قد أصبح مرتكزاً على حماية رسمية من السلطة، وحماية اجتماعية من نفوذ الأشخاص الذين ارتبطوا بمصالح في ذلك الوضع
نشأته كنشأة بقية الأنبياء والرسل، ينشؤون موحِّدين لله تعالى، هذه قضية أساسية، هذا مبدأٌ أساسيٌ، لم يكن هناك أبداً أي رسولٍ أو نبيٍ من أنبياء الله كان قبل رسالته قد اتَّجه في حالة شرك، أو انحرف هذا الانحراف لكن تلك الحالة حالة وصلت إلى محيطه الأسري، حالة الانحراف والشرك، وصلت إلى محيطه الأسري، يعني: حالة مسيطرة على المجتمع من حوله .

– لقد عرفنا السيد عبدالملك على المناخ المجتمعي الذي كان يحيط نشأة نبي الله ابراهيم عليه السلام .

هنالك مقامات لنبي الله إبراهيم، مقامات متعددة، وصلت في نهايتها إلى مستوى الاحتكاك الكبير بينه وبين قومه، إلى درجة أنهم عملوا على حرقه بالنار، وستأتي هذه القصة.
إن شاء الله ندخل في هذه المقامات مع قومه، وكيف هي الأساليب الحكيمة التي عمل بها نبي الله إبراهيم عليه السلام، ليعالج الحالة التي وصلوا اليها من التشبث الشديد بذلك الضلال والباطل

– انتهت المحاضرة وثلاثتهم يشعرون بسرعة انقضاء الوقت ليهمس صلاح قائلاً ليته لم ينتهي ويكمل ليجيبه والده الدكتور احمد لا عليك يا صلاح سنستمع غداً لهذه المقامات المتعلقة بسيدنا ابراهيم عليه السلام مع قومه بإذن الله .

مقالات مشابهة

  • مرايا الوحي.. المحاضرة الرمضانية (5) للسيد القائد 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (5) للسيد القائد 1446
  • الحكومة المصرية توافق على مشروع قانون لحصر فتاوى الشأن العام بجهتين
  • شيخ الأزهر يشرح معنى اسم الله «الودود» في القرآن ويؤكد: قد يوصف سبحانه بالمحب ولكنه لا يمكن أن يكون اسمًا له تعالى
  • شيخ الأزهر يشرح معنى اسم الله «الودود» في القرآن
  • وزير الأوقاف ينعى فضيلة الشيخ المبارك عايش رجا الحويان
  • رمضان فرصةٌ لإيقاظ الغافلين
  • مرايا الوحي.. المحاضرة الرمضانية (3) للسيد القائد 1446هـ
  • فتاوى للصائمين