ماذا يعني أن تصبح الإنجليزية لغة التخاطب الرسمية بأميركا؟
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
واشنطن- وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يحدد اللغة الإنجليزية لغة رسمية للولايات المتحدة، وهو أول تصنيف من نوعه في تاريخ الدولة الأميركية التي تحتفل العام المقبل بذكرى تأسيسها الـ250.
وطالما احتفت الدوائر الحكومية الأميركية بالتنوع اللغوي والعرقي والإثني إلا أن بروز التيار الشعبوي اليميني الذي يرى أميركا أمة بيضاء مسيحية لغتها الإنجليزية، يثير مخاوف الكثيرين مع زيادة تبني ترامب سياسات محابية لهم ولأجندتهم السياسية والثقافية والاجتماعية.
انتقد زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي حكيم جيفريز هذه الخطوة، مشيرًا إلى أنها قد لا تصمد أمام الطعون القانونية.
ويُلغي هذا الأمر، أمرا تنفيذيا سابقا وقّعه الرئيس الأسبق بيل كلينتون يفرض على الوكالات الحكومية تقديم المساعدة لغير الناطقين بالإنجليزية، إلا أن ترامب سمح للوكالات بالحفاظ طوعا على أنظمة الدعم اللغوي هذه.
الجزيرة تعرض في سؤال وجواب تداعيات هذا القرار على حياة الأميركيين:
هل من الطبيعي أن تحدد كل دولة لغتها الرسمية؟نعم، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 170 دولة لديها لغة رسمية، بعضها لديه أكثر من لغة واحدة، الدول العربية تعترف باللغة العربية كلغة رسمية، وبعض الدول لديها لغة رسمية إقليمية تخص إقليما بعينه مثل اللغة الكردية في شمال العراق.
إعلانوهناك دول لها أكثر من لغة رسمية، كندا مثلا لديها لغتان، الإنجليزية والفرنسية، فيما لسويسرا 4 لغات رسمية، ووفقا لقانون اللغات الرسمية الكندي لعام 1969 فإن الغرض من تعيين لغتين يضمن "المساواة في الوضع وحماية الأقليات اللغوية مع مراعاة حقيقة أن لديهم احتياجات مختلفة".
ماذا يعني أن تصبح الإنجليزية لغة رسمية وحيدة؟يمكن أن يدفع ذلك لأن تعتمد الإنجليزية كلغة وحيدة في المعاملات الحكومية اليومية، وهذا من شأنه خلق أزمة للملايين ممن لا يتحدثون الإنجليزية، كما أن هذا النهج يعكس تصور البيت الأبيض لهوية أميركا البيضاء الأوروبية المسيحية، ويرفض التنوع الذي يتمتع به المجتمع الأميركي.
ما منطق ترامب في جعل الإنجليزية لغة رسمية للولايات المتحدة؟لطالما دعم الرئيس ترامب الجهود المبذولة لتعزيز استخدام اللغة الإنجليزية فقط في الولايات المتحدة، وعندما كان يسعى لأول مرة للرئاسة في عام 2015، سخر من منافسه جيب بوش، الذي أجاب في بعض الأحيان عن الأسئلة باللغة الإسبانية، وقال ترامب "هذا بلد نتحدث فيه الإنجليزية وليس الإسبانية".
وبدا البيت الأبيض حريصا على الوفاء بوعود أخرى من وعود شعار حملة ترامب "أميركا أولا"، وجاء في الأمر التنفيذي أن "اللغة المعينة على المستوى الوطني هي في صميم مجتمع موحد ومتماسك، ويتم تعزيز الولايات المتحدة من خلال المواطنين الذين يمكنهم تبادل الأفكار بحرية بلغة واحدة مشتركة".
وعقب توقيع ترامب الأمر التنفيذي، كتب تشارلي كيري، الناشط السياسي المحافظ يقول، "هذا عمل ضخم، في عصر الهجرة الجماعية، التأكيد على أن اللغة الإنجليزية كلغة أميركية رسمية، هي رسالة وحدة وطنية".
كيف تتسق هذه الخطة مع موقف ترامب من المهاجرين؟يتبنى ترامب موقفا متشددا من المهاجرين خاصة غير النظاميين منهم، وبادرت إدارته بشن حملات واسعة لمداهمة تجمعات المهاجرين غير النظاميين وترحيل الآلاف منهم بصورة أكبر مما هو معتاد عليه خلال السنوات والعقود الأخيرة.
كما يُعتقد أن الحركة المحافظة الداعمة لمبادرة أن تصبح اللغة الإنجليزية فقط يحركهم العداء تجاه المهاجرين ولغاتهم وثقافاتهم.
إعلان هل هناك من لا يتحدث الإنجليزية في الولايات المتحدة؟نعم، هناك ملايين الأميركيين ممن لا يتحدثون بالإنجليزية، بعضهم يعرف الإنجليزية لكنه يفضل الحديث بلغته الأم، وبعضهم لا يعرف الإنجليزية على الإطلاق، في حين أن أكثر من ثلاثة أرباع الأميركيين يتحدثون الإنجليزية فقط في المنزل، أي ما يقرب من 255 مليون شخص، يفضل ما يقرب من 85 مليون أميركي (25% من الأميركيين) التحدث بلغة أخرى داخل منازلهم.
ما أكثر اللغات غير الإنجليزية استخداما في الولايات المتحدة؟تشير بيانات مكتب التعداد الأميركي إلى وجود ما يقرب من 50 مليون متحدث باللغة الإسبانية، تليها الصينية بما يقرب من 4 ملايين شخص، ثم الفلبينية والعربية والفيتنامية بما يقرب من مليونين لكل منها، وهناك ما يقرب من مليون شخص يتحدثون أكثر من 25 لغة أخرى على رأسها الفرنسية، والكورية، والروسية، والألمانية.
ما تداعيات هذه الخطوة على الحياة اليومية لملايين الأميركيين ممن يتحدثون لغات غير الإنجليزية؟لا يوجد تأثير مباشر أو فوري على حياة الأميركيين، ففي مناطق تمركز المهاجرين من الطبيعي ومن العملي أن يكون هناك استخدام ثنائي اللغة لكل شيء سواء في المصالح الحكومية والتعليمية أو المؤسسات الخاصة كالبنوك أو المطاعم أو المراكز الصحية.
ففي الحي الصيني في نيويورك وسان فرانسيسكو وسياتل وغيرها من المدن الأميركية يفرض استخدام اللغة الصينية على كل المؤسسات والمحال التجارية، ولا يمكنك النجاح في هذه المناطق باللغة الإنجليزية فقط.
ما أبرز المخاوف من إعلان اللغة الإنجليزية لغة رسمية وحيدة للولايات المتحدة؟يُخشى أن تؤدي هذه الخطوة إلى التمييز الحكومي والمجتمعي ضد غير المتحدثين بالإنجليزية، ويعتبر أنصار المهاجرين هذه الخطوة استفزازية في جوهرها إذ إنه يعرف عالميا أن أميركا تتحدث الإنجليزية، ولم يكن هناك داع لهذه الخطوة.
في الوقت نفسه، تقول بعض منظمات دعم المهاجرين إن الأمر سيضر بمجتمعات المهاجرين وأولئك الذين يبحثون عن المساعدة في تعلم اللغة الإنجليزية.
وقال زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز إن هذا الأمر "مثل العشرات من الأوامر التنفيذية والإجراءات الأخرى التي تم اتخاذها، وسيتعين علينا فحص ما إذا كان ما يفعله يتوافق بالفعل مع القانون والدستور الأميركي، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فأنا واثق من أنه ستتم معارضته قضائيا".
إعلانكما أثار القرار حفيظة سكان جزيرة بورتوريكو، وهي أحد الأقاليم الأميركية الخمسة، وحيث يتحدث 94% من سكانها اللغة الإسبانية، وقال بابلو خوسيه هيرنانديز ريفيرا عضو الكونغرس عن بورتوريكو "إن أمر الرئيس بإعلان اللغة الإنجليزية لغة رسمية وحيدة يعكس رؤية للهوية الأميركية تتعارض مع هويتنا البورتوريكية".
الإنجليزية أولاً!
???????? وقع الرئيس ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع أمرا تنفيذيا يجعل من اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا علماً أن السيدة الأولى ميلانيا ترامب تتحدث الإنجليزية بشكل محدود، ووالدة ترامب سبق وأن كانت تتحدث باللغة الغيلية الاسكتلندية، وأن… pic.twitter.com/TS7JqGacSX
— White House in Arabic البيت الأبيض بالعربية (@WHinarabic) March 3, 2025
ما موقف الولايات الأميركية من قرار ترامب؟اللغة الإنجليزية هي بالفعل اللغة الرسمية في أكثر من 30 ولاية، منها ولايات توجد بها كتلة سكانية ضخمة ممن يتحدثون اللغة الإسبانية لغة أولى مثل ولاية كاليفورنيا.
ويتوقع أن يشجع قرار ترامب ولايات حدودية مثل تكساس لتبني الإنجليزية لغة رسمية، ويخشى على نطاق واسع أن تؤثر هذه السياسة على مخصصات ترجمة الوثائق الرسمية الخاصة بالولاية إلى لغات أخرى غير الإنجليزية، أو أن تقلل تلك الولايات من مخصصات تعيين مدرسين ممن يتحدثون الإسبانية للتعامل مع أطفال المهاجرين ممن لا يتحدثون الإنجليزية.
ما تأثير ذلك القرار على وثائق الجهات الحكومية الفدرالية؟لن يتطلب الأمر تغييرات في البرامج الفدرالية، لكنه يمثل انتصارا رمزيا للحركة القومية الشعبوية الأميركية التي تنادي باستخدام اللغة الإنجليزية فقط، والتي لها صلات بالجهود المبذولة لتقييد الهجرة والتعليم ثنائي اللغة.
وتوفر الجهات الحكومية الكثير من وثائقها بعدة لغات منها الإسبانية، والفرنسية، والفلبينية، والصينية، والعربية، والفيتنامية، وغيرها من اللغات.
إعلانويتوجس الكثير من المهاجرين من تبرير جهات حكومية لوقف توفير الوثائق بلغات غير الإنجليزية تحت منطق توفير التكلفة الضخمة لعملية الترجمة والطباعة.
هل حاول أي رئيس قبل ترامب فرض الإنجليزية لغة رسيمة لأميركا؟في عام 1753، أعرب بنجامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للدولة الأميركية، عن مخاوفه من أن النمو السكاني للمهاجرين المنحدرين من أصل ألماني سيجعل اللغة الإنجليزية لغة أقلية، لكنه فشل في جعل الإنجليزية لغة وحيدة رسمية.
وفي أوائل القرن العشرين، أعلن الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت عن اعتقاده بأن "لدينا متسعا للغة واحدة فقط في هذا البلد، وهي الإنجليزية"، إلا إنه لم يتحرك لفرضها قانونيا.
وحاول الجمهوريون سابقا تصنيف اللغة الإنجليزية لغة رسمية للولايات المتحدة، حيث قدم أعضاء مجلس النواب تشريعا في عام 2021 لكن المقترح فشل في أن يصبح قانونا.
ما أبرز المعضلات على قطاع التعليم؟يريد بعض المدافعين عن حركة "اللغة الإنجليزية فقط" إنهاء التعليم ثنائي اللغة الذي تطبقه الكثير من المدارس الحكومية، ومن هنا يدفع قرار ترامب للتساؤل حول ما إذا كان استخدام أو التدريس بلغات أخرى غير الإنجليزية يصبح عملا غير قانوني.
وفي العديد من الولايات الجنوبية الحدودية، هناك تعليم ثنائي اللغة، إنجليزي وإسباني، وذلك للتعامل مع أبناء المهاجرين من المكسيك ودول أميركا الوسطى.
وتتخطى نسب الطلاب الذين يتحدثون الإسبانية نظراءهم المتحدثين باللغة الإنجليزية مع ولايات أريزونا ونيومكسيكو ومناطق واسعة من تكساس وكاليفورنيا.
وهناك مخاوف من فرض اختبارات تمييزية في النظام المدرسي خاصة في الولايات الحدودية التي تتخطى نسب المتحدثين بالإسبانية في بعض الحالات 50% من الطلاب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان فی الولایات المتحدة للولایات المتحدة اللغة الإسبانیة غیر الإنجلیزیة هذه الخطوة ما یقرب من أکثر من
إقرأ أيضاً:
حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية
تستحق واجهة الطفل على منصة «عين» التي دشنتها وزارة الإعلام الخميس الماضي أن ننظر لها أبعد، وأعمق كثيرا من كونها مشروعا إعلاميا يضاف إلى مشاريع الوزارة الرائدة، إنها، في الحقيقة، استجابة كبرى ضمن مشاريع عمانية وعربية ودولية أخرى لإنقاذ الطفولة من حالة الاختطاف وإعادة هندسة الوعي الطفولي المبكر بعيدا عن القيم الإنسانية السوية.
ومن يقرأ تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والكثير من الدراسات في نقد الإعلام الموجّه للأطفال، يدرك حجم الكارثة؛ فالطفل لم يعد كائنا يتشكل عضويا داخل ثقافته الأم، بل أصبح مشروعا مفتوحا لتشكيل مزيج مضطرب من الاستهلاك، والانعزال، والتشظي القيمي. لم تعد شاشات العالم، كما حلم التنويريون يوما، وسيلة للمعرفة والترقي، بل أداة تفكيك للهوية وتمييع للانتماء الإنساني الأصيل.
وفي هذا السياق، تأتي تجربة منصة «عين للطفل» محاولة لتجاوز الانفعال اللحظي نحو رؤية فلسفية أعمق تتمثل في محاولة إعادة تعريف وظيفة الإعلام الموجه للأطفال باعتباره حقلا أخلاقيا، لا مجرد نشاط اتصالي. المنصة، كما تشير فلسفتها المعلنة، تحاول أن تبني للطفل فضاء معرفيا وعاطفيا محميا، يراعي إشباع حاجاته النفسية والوجدانية دون التخلي عن مهمة حفظ هويته وتمكينه من التفكير الحر المسؤول.
ولا يمكن فهم أهمية هذا المشروع إلا حين ندرك أن الطفل اليوم ليس متلقيا عاديا، بل يشارك في إنتاج معناه الخاص عبر تفاعله مع الشاشة، كما أثبتت الكثير من الدراسات حول «جيل الشاشة»، حيث لا يتعلق الخطر فقط بما يشاهده الطفل، بل بكيفية تشكيل وعيه من خلال التدفق المعلوماتي غير الخاضع لمعايير الهوية والأخلاق.
ولذلك فإن الرهان الكبير الذي تخوضه واجهة الطفل في منصة «عين» ليس تقنيا فقط إنما هو بكثير من الأشكال رهان وجودي ينطلق من محاولة الإجابة عن أسئلة من قبيل، هل يمكن بناء طفل عربي معاصر، يحيا داخل الزمن الرقمي دون أن يفقد انتماءه إلى الإنسان الكلي وقيم مجتمعه العميقة؟ هل نستطيع أن نقدم له محتوى يدمج بين الجاذبية الشكلية والأصالة المعرفية؟ وهل بمقدورنا أن نربّي في داخله شغف الاكتشاف دون أن نسلمه لآلة الاستهلاك المعرفي المعولم؟
ومثل هذا النقاش أوسع بكثير من إنتاج «قصص مصورة» أو «برامج تعليمية مبسطة»، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة جادة لصناعة جهاز مناعي ثقافي داخل عقل الطفل وقلبه، كما دعت إليه أدبيات اليونسكو في تقاريرها حول «وسائل الإعلام والأخلاقيات الرقمية للأطفال».
هذه التجربة التي أنتجتها وزارة الإعلام تستحق أن تُقرأ كنموذج أولي لمشروع أوسع يتمثل في بناء منظومة رقمية كبيرة وواسعة مبنية على قراءة واعية بآلية تشكيل «المواطن الرقمي الصالح» يكون قادرا على أن يتفاعل مع معطيات التقنية دون أن تبتلعه، وعلى أن يسهم في بناء عالمه الجديد دون أن ينسلخ عن جذوره.
ولكن، حتى ينجح هذا المشروع، لا يكفي إنتاج منصة واحدة، بل ينبغي أن تصاحبها ثورة ثقافية كاملة في إدراك دور الإعلام التربوي، وإعادة بناء المناهج التربوية، واستحداث سياسات عامة تجعل من حماية الطفولة الرقمية جزءا لا يتجزأ من مشروع النهضة الوطني والعربي الأوسع.
إن أي تأخر في البدء بمثل هذا المشروع من شأنه أن يترك فجوات كبيرة، فالطفولة لم تعد مجرد مرحلة عمرية، إنها الآن ميدان لصراع عالمي على القيم والمبادئ والهوية. وإذا لم نبنِ اليوم فضاءات معرفية حقيقية لأطفالنا، سيبنيها الآخرون بما يخدم رؤاهم هم لا رؤانا.
إن «عين الطفل العماني» يمكنها أن تكون نقطة ضوء في زمن تغرق فيه الكثير من الشاشات بألوان زائفة، والضمان الوحيد لاستمرار هذا الضوء ألا نكتفي بأن نُدهش الأطفال بما يُعرض عليهم، بل أن نراهن على عقولهم، ونغرس في قلوبهم جسورا ممتدة بين جذورهم العميقة وأحلامهم البعيدة.