” #نظام_التفاهة “: قراءة في #ملامح #الانحدار_الثقافي والسياسي
د #امل_نصير

يتناول كتاب “نظام التفاهة” للمفكر الكندي(آلان دونو) بنية المجتمعات الحديثة، وآليات عملها في ظل سيطرة منظومة التافهين على مفاصل الحياة السياسية، والثقافية، وهو عمل فكري جريء، مثير للجدل .
صدر الكتاب أول مرة باللغة الفرنسية عام 2015، وترجم إلى العربية، ليحظى بانتشار واسع في العالم العربي، اذ أثار كثيرا من النقاشات حول مفهوم التفاهة، وأثره على المجتمعات.


يرى مؤلف الكتاب أن النظام الاجتماعي والاقتصادي الحالي في العالم يشجع التفاهة، ويمنحها الأفضلية، حيث يتم تصعيد الأشخاص الأقل كفاءة، والأقل التزامًا بالقيم الأخلاقية والمهنية إلى مواقع السلطة والتأثير، فتصبح الجودة والاستحقاق في هذا النظام أمورًا ثانوية، بينما يتم تهميش الأفراد الذين يسعون لتحقيق الإبداع والجودة.
يشير المؤلف إلى أن النظام الرأسمالي الحديث يُكرّس “التفاهة” عبر آليات عدة، منها تهميش القيم الفكرية العميقة، وتقليص دور المثقفين والمبدعين الحقيقيين، وتحويل النجاح إلى مسألة تتعلق بالاتساق مع المعايير التجارية والاستهلاكية بدلاً من الإنجاز الحقيقي.
ولعل من اهم ملامح التفاهة كما يقدمها الكتاب سيطرة الرداءة على المجالات المهنية، ففي النظام التافه، لا يتم اختيار الأفراد بناءً على كفاءتهم أو قدرتهم، بل بناءً على قدرتهم على التماهي مع النظام القائم، بغض النظر عن قيمتهم الحقيقية، وتصبح المؤسسات خالية من العمق الفكري والمبادئ، فيسود من يفضلون إرضاء رؤسائهم بدلاً من تحديهم أو تقديم أفكار جديدة.
من ملامح التفاهة ايضا تهميش الثقافة والفكر اذ يوضح دونو أن الأنظمة الحديثة تعزز الإنتاج الثقافي السطحي الموجه للاستهلاك السريع، مع تهميش الإنتاج الثقافي العميق، فتصبح الثقافة مجرد أداة للتسلية بدلاً من أن تكون وسيلة لفهم العالم أو تغييره.
ومن ملامح التفاهة تحول القيم الإنسانية إلى سلع اذ يتم تسليع كل شيء، بما في ذلك القيم والأخلاق، فتصبح المعايير الأخلاقية والتفكير النقدي غير ذات قيمة إذا لم تترجم إلى ربح أو نفوذ.
ومن ملامحها ايضا صعود التافهين، فيقدم (دونو) مفهومًا صارخًا لصعود “التافهين”، وهم الأفراد الذين لا يتمتعون بأي مؤهلات حقيقية، لكنهم يتسلقون السلم الاجتماعي بسبب مهارتهم في مجاراة النظام القائم.
تكمن اهمية الكتاب في تشخيص الواقع المعاصر، فيقدم تشخيصًا دقيقًا للعديد من الظواهر التي نعاني منها اليوم، مثل انخفاض مستوى الحوار العام، وانتشار الأخبار المزيفة، وضعف المؤسسات الديمقراطية.
يعد كتاب نظام التفاهة دعوة للتغيير، فرغم سوداوية الطرح، يحمل الكتاب دعوة ضمنية لإعادة النظر في قيمنا المجتمعية ومؤسساتنا، والعمل على استعادة المبادئ الأساسية التي تجعل المجتمعات أكثر عدالة وكفاءة.
الكتاب مرآة للمجتمعات العربية أيضا اذ وجد صدى واسعًا في العالم العربي، حيث يرى كثيرون أنه يعكس واقعًا مألوفًا في العديد من الدول التي تعاني من تهميش الكفاءات وسيطرة الفساد والمحسوبية.
“لقد أصبحت التفاهة نظامًا عالميًا يستبعد الجودة والكفاءة، ويعلي من شأن الرداءة.
على الرغم من شعبية الكتاب، إلا أنه تعرض للنقد من بعض القراء والمفكرين، فراى هؤلاء أن (دونو ) قدم نظرة متشائمة دون تقديم حلول عملية لتجاوز “نظام التفاهة”. كما أن بعض النقاد رأوا أن الكتاب يفتقر إلى أدلة علمية واضحة تدعم أطروحاته، وانه يعتمد بشكل كبير على أسلوب الإنشاء الفكري.
“نظام التفاهة” ليس مجرد كتاب فكري، بل هو صرخة تحذير من أن النظام العالمي الحالي قد يؤدي إلى انهيار القيم الإنسانية الحقيقية لصالح تفاهة تملأ الفراغ. إنه دعوة لإعادة التفكير في مسار المجتمعات واستعادة المبادئ التي تجعل العالم مكانًا أفضل للعيش.
وأخيرا يبرز السؤال الآتي في ظل الانتشار الواسع للكتاب في العالم العربي: هل يمكن أن نواجه “نظام التفاهة” أم أننا سنظل عالقين فيه؟

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: نظام التفاهة ملامح نظام التفاهة فی العالم نظام ا

إقرأ أيضاً:

تمارا حداد: لابد من الضغط على إسرائيل لوقف استخدام التجويع كجزء من الحرب| فيديو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قالت الدكتور تمارا حداد، الكاتبة والباحثة السياسية، إن استخدام الضغط الإنساني يخالف الأبعاد القانونية ويعتبر جزء لا يتجزأ من جرائم الحرب التي تصل إلى التطهير العرقي نظرًا إلى أن عدم إدخال المساعدات الإنسانية وصل اليوم إلى قرابة 31 يوم وهذه أيام كبيرة جدًا أمام أن المواطن الفلسطيني في أمس الحاجة إلى الاحتياجات الإنسانية والغذائية والصحية.

وأضافت "تمارا" في حوارها عبر زووم، لفضائية "النيل للأخبار" اليوم الإثنين، أن المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية تستطيع استخدامها كورقة لعملية توثيق هذه الانتهاكات ورفعها إلى محكمة الجنايات الدولية ومحاكم العدل الدولية حتى يتم الضغط على إسرائيل لوقف استخدام الجوع والتجويع كجزء لا يتجزأ من الحرب التي تستخدمها اليوم للضغط على حركة حماس من أجل إخراج الرهائن، ولكنها عمليًا الضغط على المواطنين الفلسطينيين أن أرض قطاع غزة أصبحت غير صالحة للحياة وأيضًا يستخدمها الإسرائيلي لتنفيذ المشروع الأكبر الذي أصبح أكثر عمليًا وجليًا وواضحًا تحديدًا أن نتنياهو رسم ملامح اليوم التالي.

وتابعت، أن ملامح اليوم التالي بالنسبة لنتنياهو أصبحت واضحة بشكل كبير جدا بعد تصريح يوم أمس الذي كان أكثر وضوحا من الأيام السابقة، إذ أشار أن اليوم التالي يجب أن يكون منزوع السلاح يجب أن تكون خروج قيادات حركة حماس إلى خارج غزة، بالإضافة إلى إعادة السيطرة الأمنية الإسرائيلية على أرض القطاع.

مقالات مشابهة

  • “متحدث التجارة”: الخامس من شوال دخول نظامي السجل التجاري والأسماء التجارية الجديدين حيز التنفيذ
  • “الفيفا” يدرس إقامة مباراة فاصلة بعد استبعاد ليون من مونديال الأندية
  • تمارا حداد: لابد من الضغط على إسرائيل لوقف استخدام التجويع كجزء من الحرب| فيديو
  • زعيم بالجالية اليهودية في إيران يهاجم الاحتلال ويشبه الصهيونية بـ”داعش”
  • أنس خطاب.. من ظل الاستخبارات إلى واجهة داخلية سوريا..
  • عملية أمنية ضد أحد أوكار فلول النظام البائد في حي “الوعر” بمدينة حمص
  • تداعيات سقوط نظام الأسد على القضية الفلسطينية.. قراءة في ورقة علمية
  • شلقم: علي عبد الله صالح “عريف” حكم اليمن في انقلاب عسكري ومات مقتولاً كسابقيه من الرؤساء
  • تقرير حقوقي: نظام الأسد مارس تدميرا ممنهجا للاستيلاء على ممتلكات السوريين بدرعا
  • تغيرات مهمة في سوق العقارات والمركبات في تركيا