إقرار تعديلات دستورية بالسودان تعزز نفوذ العسكر وتوسع سلطات البرهان
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
الخرطوم- بعد شهور من الجدل السياسي والقانوني، نشرت وزارة العدل في الصحيفة الرسمية تعديلات على الوثيقة الدستورية بعد إقرارها عبر مجلسي السيادة والوزراء "مجلس تشريعي مؤقت"، وتعزز التعديلات سلطة العسكر بزيادة تمثيلهم في مجلس السيادة، وتمدد استمرار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الحكم 39 شهرا، كما منحته سلطات واسعة ووضعته في مقام رئيس الجمهورية، حسب مراقبين.
وفي أغسطس/آب 2019، وقّع كل من المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم) وثيقتي "الإعلان الدستوري" و"الإعلان السياسي"، بشأن هياكل وتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة الانتقالية بعد إطاحة نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
ثم أدخلت تعديلات على الوثيقة الدستورية عندما صادق عليها مجلسا السيادة والوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2020 شملت اعتبار اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بين حكومة السودان الانتقالية، وأطراف العملية السلمية "جزءا لا يتجزأ منها".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في السودان، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية والشراكة مع تحالف قوى الحرية والتغيير بعد إزاحتها عن السلطة واستقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
رئيس مجلس السيادة القائد العام يترأس الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء ..
الإجتماع يجيز الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية
بورتسودان ١٩ فبراير ٢٠٢٥م
برئاسة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة أجاز الإجتماع المشترك لمجلسي… pic.twitter.com/DTDie8sVo1
— القوات المسلحة السودانية (@SudaneseAF) February 19, 2025
إعلان أبرز البنود المعدلةنشرت وزارة العدل، الوثيقة الدستورية المعدلة في الصحيفة الرسمية وباتت سارية اعتبارا من أمس الأحد، وألغت الوثيقة أي ذكر لتحالف قوى الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع.
وحظر التعديل على حاملي الجوازات الأجنبية تقلد أي منصب في الحكومة، كما وضعت رسم السياسة الخارجية وتنفيذها تحت إشراف مجلس السيادة.
وقررت الوثيقة المعدلة، تمديد الفترة الانتقالية إلى 39 شهرا، تسري من تاريخ نشر الوثيقة في الصحيفة الرسمية، "ما لم يتم التوصل إلى توافق وطني أو قيام انتخابات جديدة".
وحذف التعديل بندا ينص على أن المجلس التشريعي يعتبر سلطة التشريع والرقابة على أداء الجهاز التنفيذي، واستُبدل ذلك بـ"السلطة التشريعية الانتقالية" المؤلفة من مجلس السيادة ومجلس الوزراء، ومنحها حق التشريع والرقابة على الجهاز التنفيذي إلى حين تشكيل المجلس التشريعي.
واستبدل التعديل نصا عن سلطة مجلس السيادة واعتبره رأس الدولة ورمز سيادتها، ويتكون من 11 عضوا، منهم 6 أعضاء يعينهم الجيش بدلا عن 4، و3 ترشحهم القوى الموقعة على اتفاق السلام، على أن يرأسه قائد الجيش.
ومنح التعديل مجلس السيادة سلطات واسعة، منها تعيين وإعفاء رئيس الوزراء بتوصية من السلطة التشريعية الانتقالية، وهي مجلس السيادة ومجلس الوزراء، إضافة إلى تعيين وإعفاء حكام الأقاليم وولاة الولايات.
وأعطى التعديل مجلس السيادة حق تعيين وإعفاء رئيس القضاء ونوابه وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من مجلس القضاء العالي، على أن يعينهم مجلس السيادة إلى حين تشكيل مجلس القضاء.
وحسب التعديل يحق لمجلس السيادة، تعيين وإعفاء قائد الجيش بناء على ترشيح وتوصية من هيئة قيادة القوات المسلحة، وتعيين وإعفاء رئيس جهاز المخابرات العامة، فضلا عن تعيين وإعفاء المدير العام للشرطة وهيئة قيادة الشرطة بناء على توصية وزير الداخلية.
ماذا بقي من الوثيقة الدستورية في #السودان؟.. هواجس البرهان بشأن الشرعية تحمله على تعديلها وعلى اصطناع حاضنة ومعركة في غير معترك | تقرير: فوزي بشرى #الأخبار pic.twitter.com/fXPUdM5c3j
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 9, 2025
إعلان جدل قانونييقول المحامي والخبير القانوني ساطع أحمد الحاج للجزيرة نت عقب إقرار التعديلات إن "الوثيقة الدستورية، ووفقا لنصوصها، لا يمكن تعديلها إلا بواسطة المجلس التشريعي".
ويضيف الحاج -الذي كان مشاركا في إعداد الوثيقة الدستورية المعدلة- أنه بالرغم من أن حكومة عبد الله حمدوك توسعت في تفسير الوثيقة، بتعديل الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بإدخال اتفاقية جوبا للسلام، فإنه لم يكن مؤيدا للخطوة، ويردف قائلا "البعض وجد العذر لهم باعتبار أن إرادة طرفي الوثيقة قد ذهبت لذلك".
ويقول "أما الآن فإن الوثيقة فقدت صلاحيتها، بموجب أن أحد أطرافها انقلب على الطرف الثاني في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021″، معتبرا أن "مجلس السيادة الحالي ليس هو المنصوص عليه في الوثيقة، من حيث جهة الاختيار والتعيين والصلاحيات والتمثيل".
بيد أن الخبير القانوني عبد الله درف يرى أن الوثيقة الدستورية بعد المصادقة عليها لا تعتبر اتفاقا بين الطرفين بل دستورا حاكما، ووفقا للفقه الدستوري فإن السلطة التأسيسية التي تنشئ الدستور الانتقالي أو الوثيقة الدستورية تزول بمجرد إقرار الوثيقة سواء في تعديلها أو في أي مسألة دستورية أخرى.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول الخبير القانوني إن سلطة التأسيس هي المجلس العسكري الذي أتى بعد نظام البشير في أبريل/نيسان 2019، الذي أعاد العمل بدستور 2005، وتم إصدار الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، إلا أن السلطة التأسيسية الأصلية التي تمثل السيادة لديها صلاحية تأسيس الدستور والتوقيع عليه من قبل البرهان الذي كان رئيسا للمجلس العسكري.
ووفقا للخبير، فإن الوثيقة الدستورية لا يوجد بها طرفان لديهما الحق في تعديلها، ولم تنص بجعلها اتفاقا بين طرفين، وإنما هي نصوص دستورية حاكمة، وأن الجهة التي آلت إليها سلطات المجلس التشريعي المؤقت (مجلسي السيادة والوزراء) في اجتماع مشترك يحق لهما تعديل الوثيقة بأغلبية ثلثي عضوية المجلسين.
إعلان نفوذ متزايدوتعليقا على التعديلات الدستورية، يعتقد الباحث والمحلل السياسي فيصل عبد الكريم أن المكون العسكري في مجلس السيادة سعى إلى استثمار الدعم الجماهيري للجيش، وعده تفويضا شعبيا بتعزيز نفوذه ورفع تمثيله في المجلس من 6 أعضاء بدلا من 4، ويستطيع بذلك تمرير أي قرار، كما بات البرهان رئيسا للجمهورية بسلطات واسعة بعدما كانت سلطته في الوثيقة قبل تعديلها محدودة.
ويوضح المحلل للجزيرة نت أنه بعد شطب اسم قوى الحرية والتغيير التي كانت شريكا مع المكون العسكري، صار الأخير شريكا مع حلفائه في الميدان العسكري وهي الحركات المسلحة في إقليمي دارفور والنيل الأزرق، الذين احتفظوا بنصيبهم في الحكم "25% من مقاعد مجلس الوزراء" و3 أعضاء في مجلس السيادة.
بدوره، يقول الكاتب ورئيس تحرير صحيفة "المجهر السياسي" الهندي عز الدين أن التعديلات الدستورية تتسق مع المرحلة السياسية الراهنة، ومن شكلها لا يبدو أن هناك نية لتشكيل مجلس تشريعي قريبا.
ويعتقد عز الدين في منشور عبر منصة "فيسبوك" أن القصد الأساسي من التعديلات إحكام سيطرة وسلطات مجلس السيادة ومنع التنازع مع مجلس الوزراء.
وبرأيه، فإن إلغاء الاستثناء لرئيس الوزراء بأن يكون رئيسا للوزراء مزدوج الجنسية مقصود به رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وقال "غريب أن يفصل الدستور على مقاس فرد".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قمة الويب أکتوبر تشرین الأول الوثیقة الدستوریة السیادة والوزراء المجلس التشریعی الحریة والتغییر تعیین وإعفاء مجلس الوزراء رئیس الوزراء مجلس السیادة قائد الجیش عبد الله
إقرأ أيضاً:
نقيب المحامين: إقرار قانون الإجراءات الجنائية إنجاز استحقاق تشريعي بالغ الأهمية
قال عبد الحليم علام، نقيب المحامين: نحن اليوم على مشارف إنجاز استحقاق تشريعي بالغ الأهمية، وهو إقرار قانون الإجراءات الجنائية، وذلك بعد مناقشات مستفيضة، مشروع القانون الذي يقف فى مصاف القوانين المكملة للدستور.
وتابع علام، خلال كلمته اليوم، بالجلسة العامة لمجلس النواب:" أتوجه بالشكر للمستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، على جهوده الكبيرة المبذولة فى مشروع القانون، والاستماع لكل الأصوات، والمقترحات، والرأى والرأى الأخر، ومحاولة التوفيق بينها جميعا قدر الإمكان، وذلك بما يتفق مع مصلحة الوطن والمواطنين لتحقيق العدالة الراسخة بين حق المجتمع، وحماية حقوق الأفراد فى الدفاع والحقوق الشخصية.
واستكمل علام:" وأتوجه بالشكر على وجه الخصوص لرئيس مجلس النواب على الخطوة غير المسبوقة بإشراك النقابة فى صياغة هذا الاستحقاق التشريعي الهام، إذا حرص المجلس على إشراك ممثلين من النقابة فى أعمال اللجنة الفرعية واللجنة الدستورية، والتى بذلت جهود عظيمة فى مراجعة وتنقيح القانون واستجابت للآراء و التعديلات والمقترحات، وكذا حضور الجلسات العامة وفقا لأعمال مجلس النقابة.
مؤكدا أن هذا الأمر سنة حميدة، نتطلع لدوامها فى كافة التشريعات الخاصة بالعدالة والقضاء، واحقاقا للحق لم يقف الأمر على حد النقابة فحسب، المجلس الموقر أفسح صدره لكافة الجهات المعنية إيمانا منه كما عبر صراحة رئيس المجلس بأن الجميع يحبون هذا الوطن مخلصون على ذلك بجميع فئاتهم.