لماذا تحظى إيطاليا بشعبية متزايدة بين المستثمرين العرب؟
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
تورينو- منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، شهدت إيطاليا تدفقا متزايدا للمهاجرين العرب الباحثين عن فرص عمل، خاصة في قطاع المقاولات. كان من بين هؤلاء محمد عبد الرحمن، الشاب المصري الذي بدأ حياته المهنية عاملا بسيطا، لكنه سرعان ما تمكن من تطوير نفسه ليصبح مقاولا ومستثمرا بارزا في مجال المطاعم.
على مدار ما يقارب من 30 عاما، أسس محمد عبد الرحمن نحو 12 مطعما في مدينة تورينو بشمال إيطاليا، ليصبح من رواد قطاع المطاعم العربية الحلال في البلاد.
يروي عبد الرحمن تجربته قائلا: "تعلمت فن الطهي، خاصة إعداد البيتزا، حيث كانت جميع المطاعم تقدم الطعام الإيطالي فقط، وهو ما دفعني إلى تقديم الأكل العربي الحلال لخدمة الجالية العربية والمسلمة في إيطاليا".
جاءت فكرة إنشاء مطعم حلال بعد التحاقه بدورة تدريبية في هذا المجال، إلا أن تأسيس المشروع لم يكن بالأمر السهل، حيث واجه تحديات تمويلية كبيرة. يوضح عبد الرحمن: "بالطبع، كانت هناك عقبات، لكن من خلال التعاون والشراكة، تمكنا من توفير رأس المال اللازم، فالشراكة عنصر حاسم لنجاح أي مشروع".
إعلان
وفي عام 1993، افتتح أول مطعم حلال في شمال إيطاليا بمدينة تورينو، ليكون الأول من نوعه في تقديم البيتزا الحلال والوجبات السريعة. لم يكن المطعم موجها فقط للمسلمين والعرب، بل استهدف أيضا الإيطاليين، إذ يعتبر الطعام وسيلة تواصل ثقافي تسهم في تعزيز الاندماج داخل المجتمع الإيطالي.
المطاعم العربية.. من البساطة إلى الفخامةبرز المستثمرون العرب في إيطاليا بشكل لافت في قطاع المطاعم، وهو ما يؤكده محمد كمال، الباحث في كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال بجامعة تورينو، قائلا: "لقد ساهم الحضور الكبير للجالية العربية في انتشار المطاعم التي يديرها مستثمرون عرب، حيث هنا طلب متزايد على الأطباق العربية".
إضافة إلى ذلك، كان لازدهار السياحة العربية والمسلمة في إيطاليا دور في تحفيز الاستثمار في المطاعم الحلال، ويقول محمد كمال: "إيطاليا تُعد وجهة سياحية بارزة عالميا، وقربها الجغرافي من الدول العربية والإسلامية، إلى جانب تكاليفها السياحية المعقولة، جعلها مقصدا مفضلا للسياح العرب والمسلمين".
وفي السنوات الأخيرة، شهد قطاع المطاعم العربية تطورا ملحوظا، حيث انتقل بعض المستثمرين العرب من تقديم الأطعمة البسيطة إلى الاستثمار في المطاعم الفاخرة. ويضيف كمال: "هناك رجال أعمال من دول الخليج استثمروا في مطاعم راقية في مدن مثل تورينو وبولونيا وفلورانسا، إلى جانب قطاعات أخرى تُعد مربحة".
من خلال هذه النجاحات، أصبح قطاع المطاعم نموذجا لريادة الأعمال العربية في إيطاليا، حيث استطاع المهاجرون العرب تحويل تحديات الاندماج إلى فرص اقتصادية ناجحة، تعكس قدرتهم على الإبداع والتكيف في بيئة جديدة.
تُعد إيطاليا من أكبر اقتصادات منطقة اليورو، حيث توفر بيئة استثمارية مربحة، إذ بلغ إجمالي ناتجها المحلي حوالي تريليوني يورو (2.2 تريليون دولار) في عام 2023، مما يجعلها وجهة جاذبة للاستثمارات الخارجية.
إعلانوتتميز إيطاليا باتفاقيات إستراتيجية طويلة الأمد مع مؤسسات استثمارية عربية، مثل الاتفاقية المبرمة مع شركة قطر للطاقة لتوريد الغاز الطبيعي المسال لمدة 27 عاما.
كما استثمرت قطر 5.9 مليارات دولار في شراء 7 سفن من شركة فينكانتيري، وهو مؤشر على التوجه العربي نحو الاستثمار الطويل الأمد في إيطاليا.
ويؤكد الباحث الاقتصادي محمد كمال أن هناك إقبالا متزايدا من المستثمرين العرب على إيطاليا ضمن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويظهر ذلك بشكل واضح في الصناديق الائتمانية.
وحسب المتحدث ذاته، تحظى إيطاليا بشعبية متزايدة بين المستثمرين العرب، لا سيما من دول الخليج مثل قطر، بفضل موقعها الإستراتيجي القريب من العالم العربي، وجودة بنيتها التحتية، وقطاعها العقاري القوي، وعلامتها التجارية العالمية المتميزة "صنع في إيطاليا"، التي تشمل مجالات الزراعة والتغذية، وصناعة السيارات، والرياضة والموضة، بخاصة في الصناعات الخفيفة التي يشتهر بها الإيطاليون.
وتعد قطاعات العقارات والفندقة والطاقة والبنية التحتية من بين القطاعات التي تستثمر فيها الدول الخليجية.
فقد استحوذ صندوق قطر السيادي (جهاز قطر للاستثمار) على 100% من المنطقة التجارية في ميلانو باستثمار يقدر بحوالي 2 مليار يورو (2.2 مليار دولار)، في حين بلغت الاستثمارات القطرية في السوق العقاري الإيطالي 5.5 مليارات دولار.
أما بالنسبة للسعودية فقد وقعت الرياض وروما في يناير/كانون الثاني الماضي اتفاقيات صناعية وتعاونية بقيمة 10 مليارات دولار، شملت قطاعات البنية التحتية والطاقة والترفيه.
الإمارات بدورها تمضي نحو الرفع من استثماراتهما بإيطاليا حيث عرضت في ميلانو خلال مايو/أيار الماضي 53 مشروعًا استثماربا خاصا بإيطاليا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا الخضراء، كما عقدت اجتماعات لتعزيز التعاون الاقتصادي.
إعلانأما الكويت، فقد دخلت في شراكة استثمارية بقيمة 2.2 مليار يورو، في حين حققت سلطنة عمان عوائد تفوق 50% من استثماراتها في الأصول الإيطالية، مما يعكس نهجًا إستراتيجيًا لتعظيم الأرباح.
ومن العوامل التي جعلت إيطاليا وجهة استثمارية جاذبة، إعلان وزارة الخارجية الإيطالية والتعاون الدولي في عام 2023 عن إنشاء وحدة "جذب الاستثمارات وتحريرها"، بهدف تسهيل وتوجيه وتقليل البيروقراطية في إجراءات الاستثمار، من خلال شباك موحد، إضافة إلى توفير السلطات الإيطالية امتيازات استثمارية ضمن خطة لجذب المستثمرين الجدد، ومن بينهم المستثمرون العرب، كما يوضح الباحث كمال الباشا.
وتبرز إيطاليا كفرصة متنامية للمستثمرين العرب، بفضل الاستقرار السياسي الذي تشهده منذ أكثر من عامين، وهو أمر نادر في البلاد مقارنة بالمنافسين الاقتصاديين في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا، اللتين شهدتا انهيار حكوماتهما الائتلافية قبل نهاية العام الماضي.
هذا السياق يجعل من إيطاليا خيارا متميزا للاستثمارات العربية، خاصة مع التحولات الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد الإيطالي، بفضل ضخ أموال من الاتحاد الأوروبي بعد جائحة كوفيد-19.
كما أن خطة التعافي والمرونة الوطنية التي تبنتها إيطاليا عقب الجائحة، التي تقدر قيمتها بـ 200 مليار يورو (220 مليار دولار)، شكلت عامل جذب رئيسيا، حيث تركز على البنية التحتية والرقمنة والطاقة المتجددة، مما يعزز جاذبية إيطاليا كوجهة استثمارية عربية ودولية.
تقدم إيطاليا برنامج "التأشيرة الذهبية" -المعروفة أيضا بـ "تأشيرة المستثمر"- لجذب المستثمرين من خارج الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم المستثمرون العرب.
ويتيح هذا البرنامج للمستثمرين فرصة الحصول على تصريح إقامة في إيطاليا مقابل القيام باستثمارات محددة في الاقتصاد الإيطالي، كما يوضح الباحث الاقتصادي محمد كمال.
إعلانومن أبرز خيارات الاستثمار:
الاستثمار في الشركات الناشئة: بقيمة 270 ألف دولار. الاستثمار في الشركات القائمة: 540 ألف دولار الاستثمار في السندات الحكومية: بقيمة 2.2 مليون دولار.ومن مزايا البرنامج:
أنه يمنح المستثمرين وأفراد أسرهم حرية التنقل داخل منطقة شنغن دون الحاجة إلى تأشيرة إضافية. إمكانية التقدم للحصول على الإقامة الدائمة بعد 5 سنوات من الإقامة المستمرة في إيطاليا. ثم التقدم للحصول على الجنسية الإيطالية بعد 10 سنوات. لا يفرض البرنامج حدا أدنى للإقامة الفعلية في إيطاليا، مما يمنح المستثمرين مرونة كبيرة في إدارة أعمالهم وشؤونهم الشخصية.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المستثمرین العرب الاستثمار فی قطاع المطاعم فی إیطالیا عبد الرحمن محمد کمال
إقرأ أيضاً:
25 مليار دولار شراكة بين «القابضة» و«إنرجي كابيتال بارتنرز» للاستثمار في مشاريع للطاقة
واشنطن (الاتحاد)
أخبار ذات صلةأعلنت كلٌ من «القابضة» (ADQ)، وهي شركة استثمار سيادية عالمية تركز على الاستثمار في البنية التحتية الأساسية وشبكات التوريد، و«إنرجي كابيتال بارتنرز»، أكبر شركة خاصة تعمل في قطاع توليد الطاقة والطاقة المتجددة في الولايات المتحدة الأميركية، إبرام شراكة بالمناصفة للتعاون في مجال إنشاء وتطوير مشاريع لتوليد الطاقة وتطوير البنية التحتية في القطاع.
وتجمع الشراكة بين الخبرات الواسعة لـ «القابضة» (ADQ) في الاستثمار بالبنية التحتية، ومنصة «إنرجي كابيتال بارتنرز»، الرائدة في مجال الاستثمار في الطاقة وتوليد الكهرباء والطاقة المتجددة، وتهدف إلى تلبية الطلب المتنامي على الطاقة التي تحتاجها مراكز البيانات وشركات الحوسبة السحابية، وغيرها من القطاعات المستهلكة للطاقة.
وفي ظل أهمية ضمان استمرارية إمدادات الطاقة بجودة عالية للقطاعات عالية النمو، تزايدت الحاجة إلى إنشاء محطات لتوليد الطاقة بالقرب من مراكز البيانات أو القطاعات المستهلكة.
وتركز الشراكة على تلبية هذه الاحتياجات على المدى البعيد، وتشمل تطوير مشاريع طاقة جديدة، إضافة إلى توسعة مشاريع قائمة، ستجعلها رائدة في مجال توليد الطاقة للاقتصاد الأميركي المتنامي.
ويركز المشروع المشترك بشكل أساسي على سوق الولايات المتحدة الأميركية، مع دراسة إمكانية تخصيص جزء من رأس المال للاستثمار في فرص محتملة في بعض الأسواق الدولية.
ويعتزم الطرفان ضخ استثمارات إجمالية تتجاوز 25 مليار دولار في مشاريع قادرة على توليد 25 جيجاواط من الطاقة، ومن المتوقع أن يصل إجمالي مساهمات رأس المال المبدئية المُقدّمة من الشركتين إلى 5 مليارات دولار.
وسيكون المشروع جاهزاً للانطلاق وتنفيذ فرص التطوير بشكل فوري بإدارة فريق يتمتع بخبرات واسعة في قطاعات الطاقة وتطوير البنية التحتية والعمليات، وستعمل الفرق المتخصصة بالتطوير والعمليات على ضمان إنشاء المشاريع بشكل سريع وتشغيلها بكفاءة.
وقال معالي محمد حسن السويدي، وزير الاستثمار، العضو المنتدب، الرئيس التنفيذي للمجموعة في «القابضة» (ADQ)، إن التوسع السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتبنّيها من قبل فئات المجتمع كافة يتيحان فرصاً واعدة لتلبية احتياجات مراكز البيانات المتقدمة من الطاقة والبنية التحتية، لكن هذا الأمر يفرض تحديات متزايدة على الحكومات حول العالم؛ لضمان إمدادات طاقة آمنة ومستقرة ومنافسة من حيث التكلفة.
وأضاف «إنه في ضوء الدور المهم الذي تقوم به «القابضة» (ADQ) كمستثمر نشط يركز على الاستثمار في البنية التحتية الأساسية، والخبرات الواسعة التي تتمتع بها في بناء شراكات طويلة الأمد، فإننا على أتم الاستعداد للمساهمة في سد الفجوات ومعالجة هذه التغيرات الكبيرة في هذا القطاع».
الاستثمار في مشاريع توليد الطاقة
لفت معالي محمد السويدي إلى أن الشراكة مع «إنرجي كابيتال بارتنرز» تتيح إمكانية الاستثمار في مشاريع توليد الطاقة والبنية التحتية ذات الصلة، بما يلبي الطلب المتسارع على الطاقة، ويساهم في تطوير هذه القطاعات، ودعم اقتصاد الدول، وتعزيز قدرتها على التعامل مع المتغيرات المستقبلية.
من جانبه، قال دوغ كيملمان، المؤسس، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في شركة «إنرجي كابيتال بارتنرز»، إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تؤدي دوراً أساسياً في تحفيز الاقتصاد الأميركي، وزيادة فرص العمل خلال العقد القادم، لكن هذا الأمر يعتمد بشكل أساسي على تطوير مصادر طاقة جديدة وكافية، ويشرفنا أن نبني شراكة مع «القابضة» (ADQ)، حيث إنها تمثل فرصة استثمارية واعدة لتوفير إمدادات الكهرباء الضرورية؛ لتلبية احتياجات مراكز البيانات، خاصة أن تطوير مصادر جديدة لتوليد الطاقة أو إضافة مصادر أخرى في الولايات المتحدة، سيتطلب استثمارات كبيرة على المدى الطويل.