تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تشهد الساحة السياسية في ألمانيا تحولًا غير مسبوق مع تزايد التقارب بين الأحزاب المحافظة وحزب «البديل من أجل ألمانيا» «AfD»، وهو حزب يميني متطرف لطالما اعتُبر خارج إطار التوافق السياسي السائد.

شهد البرلمان الألماني «البوندستاج» خلال الأيام الماضية تصويت كل من الاتحاد الديمقراطي المسيحي «CDU» والاتحاد الاجتماعي المسيحي «CSU» والحزب الديمقراطي الحر «FDP» لصالح سياسات صارمة لإغلاق الحدود أمام اللاجئين، وهى خطوة تعكس انهيار الحاجز الذى كان يفصل هذه الأحزاب عن التعاون المباشر مع حزب معروف بمواقفه العنصرية والمتطرفة.

هذه التطورات تشير إلى تحول جوهري فى المشهد السياسي الألماني، حيث باتت التيارات المحافظة أكثر استعدادًا للانخراط مع قوى اليمين المتطرف، وهو ما قد يؤدى إلى إعادة تشكيل موازين القوى داخل النظام الديمقراطي. وانفتاح الأحزاب الرئيسية على التعاون مع حزب البديل لألمانيا لا يمثل مجرد تحوّل تكتيكى فى سياسات الهجرة، بل يعكس تحولًا أعمق فى الثقافة السياسية الألمانية. فلطالما التزمت الأحزاب التقليدية بعدم التعامل مع اليمين المتطرف للحفاظ على القيم الديمقراطية والدستورية، لكن هذا الخط الأحمر بدأ يتلاشى تدريجيًا. هذه التغييرات لا تعنى فقط قبول سياسات أكثر تشددًا تجاه اللاجئين، بل تؤسس لمنطق جديد قد يبرر إقصاء فئات أخرى من المجتمع تحت ذرائع مختلفة. وهذا بدوره يفتح الباب أمام تفكيك تدريجى لقيم التعددية وحقوق الإنسان، مما يشكل خطرًا مباشرًا على الديمقراطية الألمانية.

وبعد ثمانين عامًا من سقوط النظام النازي، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه ولكن بصيغ مختلفة. فصعود حزب البديل من أجل ألمانيا إلى مشهد السلطة لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لخطاب سياسي يتلاعب بمخاوف المواطنين من الأزمات الاقتصادية واللاجئين، مستغلًا مشاعر الإحباط الشعبي تجاه الأحزاب التقليدية. ومع استمرار هذا الاتجاه، قد يصبح اندماج حزب البديل لألمانيا في الحكم أمرًا حتميًا، مما قد يؤدى إلى سياسات أكثر عدائية تجاه اللاجئين والأقليات، وربما تصاعد موجات القومية المتطرفة التي تهدد السلم الاجتماعي داخل ألمانيا وأوروبا بشكل عام.

إن قبول حزب يميني متطرف في الحكم ليس مجرد قضية داخلية ألمانية، بل هو مسألة ذات تداعيات أوروبية ودولية. فألمانيا، باعتبارها القوة الاقتصادية والسياسية الأكبر في الاتحاد الأوروبي، تؤثر بشكل مباشر على توجهات باقي الدول الأوروبية. وإذا ما استمر هذا التوجه، فقد نرى تصاعدًا عامًا لليمين الشعبوي في القارة، مما قد ينعكس على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه قضايا الهجرة وحقوق الإنسان والتعاون الدولي. كما أن تزايد هذه النزعات قد يؤدى إلى تأجيج الحركات اليمينية المتطرفة فى دول أخرى، مما يزيد من التوترات الداخلية ويعزز احتمالات المواجهات العنيفة بين مختلف التيارات السياسية والاجتماعية.

اليمين المتطرف كحاضنة للتطرف والإرهاب

يمثل تنامى الخطاب اليميني المتطرف خطرًا مزدوجًا، فهو لا يهدد المبادئ الديمقراطية فحسب، بل يشكل أيضًا حاضنة لنمو الحركات المتطرفة والإرهابية بمختلف توجهاتها. فالخطاب القومى المتشدد الذى يروّج له اليمين المتطرف يخلق بيئة من العداء والكراهية، ويبرر استهداف الأقليات والمهاجرين، مما يسهم فى تصعيد العنف السياسي. وعبر التاريخ، أثبتت التجارب أن تغذية المشاعر العنصرية تؤدى إلى نشوء مناخ متوتر يُمكّن الأفراد والجماعات المتطرفة من اللجوء إلى العنف كوسيلة للتعبير عن مواقفهم أو الدفاع عن مصالحهم. وبدلًا من أن يكون النظام الديمقراطي سدًا منيعًا ضد هذه النزعات، فإن التساهل مع اليمين المتطرف ودمجه فى المشهد السياسي قد يؤدى إلى تطبيع سياساته المتشددة، مما يضعف آليات التصدى له، ويشجع الجماعات المتطرفة الأخرى على تبنى سلوكيات عنيفة كرد فعل على هذا التوجه.

لقد شهدت ألمانيا فى السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا فى الهجمات الإرهابية التى نفذها متطرفون يمينيون، مستهدفين اللاجئين والمسلمين وغيرهم من الأقليات. وكان أبرز هذه الهجمات مجزرة هاناو عام ٢٠٢٠، التى قُتل فيها تسعة أشخاص من أصول مهاجرة على يد إرهابي يمينى متطرف، متأثرًا بخطاب العنصرية والكراهية المنتشر فى الأوساط اليمينية المتشددة. ولم يكن هذا الحدث معزولًا، إذ سبقته جرائم مماثلة، مثل اغتيال السياسي الألماني فالتر لوبكه عام ٢٠١٩، بسبب مواقفه الداعمة للاجئين. هذه الأحداث تؤكد أن خطاب اليمين المتطرف لا يظل حبيس المنصات السياسية والإعلامية، بل يتحول إلى أفعال عنف وإرهاب تُهدد أمن واستقرار المجتمع بأسره.

لا يقتصر الخطر على العنف الصادر من الجماعات اليمينية، بل يمتد إلى ردود الفعل التى قد يولدها هذا التطرف، حيث يؤدى تصاعد الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب إلى شعور بعض الأفراد بالعزلة والتهميش، مما قد يدفعهم إلى تبنى توجهات متطرفة كرد فعل على الاضطهاد والتمييز. وبهذا، نجد أنفسنا أمام دائرة مغلقة من العنف المتبادل، حيث يغذى كل طرف تطرف الطرف الآخر، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في ألمانيا وأوروبا. إن هذا التفاعل الخطير بين التطرف اليميني وردود الفعل العنيفة عليه يتطلب استجابة شاملة، لا تقتصر على الإجراءات الأمنية فحسب، بل تشمل أيضًا سياسات اجتماعية واقتصادية وثقافية تهدف إلى تفكيك الأسس التى يستند إليها خطاب الكراهية والعنصرية.

دور السياسات الحكومية في تأجيج الأزمة

لم يكن صعود حزب البديل من أجل ألمانيا «AfD» ظاهرة منعزلة أو مجرد نتيجة لتحولات سياسية داخلية، بل جاء كنتيجة مباشرة لسياسات حكومية أسهمت فى تأجيج العنصرية وتعزيز الخطاب القومى المتطرف. فقد تبنت بعض الأحزاب التقليدية، بما فى ذلك الحزب الاشتراكى الديمقراطى «SPD» بزعامة المستشار أولاف شولتز، مواقف متشددة تجاه قضايا الهجرة واللجوء، مما ساعد فى شرعنة الخطاب اليميني المتطرف. فعندما يصرح شولتز بضرورة "ترحيل اللاجئين على نطاق واسع"، فإنه يعزز السردية التى يروج لها حزب البديل لألمانيا حول اعتبار اللاجئين تهديدًا اقتصاديًا وأمنيًا، بدلًا من التركيز على سياسات الإدماج والتكامل الاجتماعي. هذه التصريحات، التى تصدر عن قادة الأحزاب التقليدية، تسهم فى تآكل الفارق بين الأحزاب الديمقراطية واليمين المتطرف، مما يزيد من قبول الأخير داخل الأوساط الشعبية والسياسية.

على المستوى الدولي، لعبت الحكومة الألمانية دورًا رئيسيًا فى تصعيد التوترات العالمية عبر سياسات إعادة التسلح ودعم النزاعات المسلحة، وهو ما يفاقم البيئة التي تؤدى إلى تنامى التطرف. فمنذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا، رفعت الحكومة الألمانية ميزانيتها العسكرية بشكل غير مسبوق، كما أرسلت أسلحة ومساعدات عسكرية، ما عزز مناخ العسكرة فى السياسة الخارجية. هذا التصعيد لا يقتصر على أوروبا فحسب، بل يتجلى أيضًا فى دعم الحكومة الألمانية المطلق لإسرائيل خلال حربها على غزة، متجاهلة الانتهاكات الجسيمة التى يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون. هذه المواقف، التى تعكس ازدواجية المعايير فى التعامل مع حقوق الإنسان، تؤدى إلى زيادة الغضب والاستياء بين المجتمعات المسلمة والمهاجرين داخل ألمانيا، مما يخلق شعورًا متزايدًا بالتهميش والاستهداف، ويعزز نزعات التطرف كرد فعل على هذه السياسات.

إن هذه العوامل مجتمعة تؤدى إلى خلق بيئة خصبة لانتشار التطرف والإرهاب، سواء من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة أو من الجماعات التى ترى فى هذه السياسات استهدافًا مباشرًا لها. فعندما تتحول الحكومة الألمانية من مدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى فاعل رئيسى فى دعم الحروب وتعزيز سياسات القمع، فإنها تفقد شرعيتها الأخلاقية، مما يدفع بعض الفئات إلى البحث عن بدائل أكثر راديكالية. وعوضًا عن معالجة جذور الأزمة، تستمر الحكومة فى تشديد سياسات الأمن والمراقبة، ما يؤدى إلى تضييق الحريات وزيادة الاحتقان الاجتماعي. لذلك، فإن أى استراتيجية لمكافحة التطرف يجب أن تبدأ بمعالجة السياسات التى تغذيه، وليس فقط التعامل مع نتائجه الأمنية.

أوروبا والولايات المتحدة

تشهد أوروبا تحولًا سياسيًا متسارعًا مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى مراكز السلطة فى عدد من الدول، ما يعكس تحولات أعمق فى المزاج السياسى والاجتماعى للقارة. فقد تمكنت شخصيات يمينية متطرفة مثل فيكتور أوربان فى المجر، وخيرت فيلدرز فى هولندا، وجورجيا ميلونى فى إيطاليا، وهربرت كيكل فى النمسا، من تحقيق نجاحات انتخابية بفضل استغلالهم لمخاوف السكان من قضايا مثل الهجرة، والهوية الوطنية، والأزمات الاقتصادية. هذه الأحزاب لا تكتفى بنشر خطاب قومى متشدد، بل تعمل على تنفيذ سياسات تقوض مبادئ الديمقراطية الليبرالية، مثل تقييد حرية الصحافة، وتقليص حقوق اللاجئين، وإضعاف المؤسسات المستقلة. إن انتشار هذا المد اليمينى فى مختلف أنحاء أوروبا لا يشكل فقط تهديدًا للقيم الديمقراطية، بل يزيد أيضًا من حدة الاستقطاب السياسي، ما يفتح الباب أمام موجات جديدة من العنف والتطرف.

في الولايات المتحدة، يمثل دونالد ترامب الوجه الأبرز لليمين الشعبوي، حيث استخدم خطاب الكراهية ضد المهاجرين كأداة رئيسية لحشد الدعم السياسي. فمنذ حملته الانتخابية الأولى، تبنى ترامب سياسات تهدف إلى شيطنة المهاجرين، مثل عسكرة الحدود مع المكسيك، وفرض قيود صارمة على اللاجئين، وإذكاء مشاعر القومية البيضاء. ولا يقتصر تأثير هذه السياسات على الولايات المتحدة وحدها، بل إنه يمتد إلى أوروبا، حيث تجد الأحزاب اليمينية المتطرفة فى مواقفه مصدر إلهام، وتعتمد على استراتيجيات مشابهة لحشد الدعم. علاوة على ذلك، فإن الخطاب المتطرف الذى يروج له ترامب لا يشجع فقط على تبنى سياسات تمييزية، بل يؤدى أيضًا إلى تصاعد العنف السياسي، كما شهدناه فى اقتحام مبنى الكابيتول عام ٢٠٢١، والذى كان نتيجة مباشرة لخطاب تحريضى من قِبَله ومن قبل مؤيديه.

الأخطر من ذلك، أن دعم ترامب لا يقتصر على قاعدة جماهيرية يمينية متشددة، بل يمتد إلى الأوليغارشية المالية، التى ترى فى سياساته فرصة لتعزيز نفوذها الاقتصادى والسياسي. من بين أبرز داعميه يأتى إيلون ماسك، أغنى رجل فى العالم، الذى لا يخفى تأييده لترامب وسياساته الشعبوية، بل يتجاوز ذلك إلى دعم شخصيات يمينية متطرفة فى أوروبا، مثل أليس فايدل، زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا. إن ارتباط هذه الشخصيات برأس المال الضخم يجعل صعود اليمين المتطرف أكثر خطورة، حيث يصبح مدعومًا ليس فقط بأصوات الناخبين الساخطين، بل أيضًا بموارد مالية هائلة تمكنه من التلاعب بالإعلام، والتأثير فى الانتخابات، وفرض أجندته السياسية على نطاق واسع. هذا التحالف بين اليمين المتطرف ورأس المال العالمى يعزز مناخ التطرف، ويجعل التصدى له أكثر تعقيدًا، خاصة فى ظل هشاشة المواقف الديمقراطية التقليدية أمام هذا المد المتصاعد.

كيف يمكن مواجهة هذا الخطر؟

إن التصدي لصعود اليمين المتطرف لا يمكن أن يكون من خلال المناشدات السياسية وحدها، بل يتطلب تحركًا شعبيًا منظمًا. فخروج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع فى ألمانيا خلال الأيام الماضية يؤكد أن هناك رفضًا شعبيًا واسعًا لهذه التوجهات.

لكن الاحتجاجات وحدها لا تكفي. فلابد من بناء استراتيجية سياسية واضحة لمواجهة المد اليمينى المتطرف، وهذا يتطلب:

مواجهة الخطاب العنصري

يعد الخطاب العنصري الذى يروج له اليمين المتطرف أحد أخطر الأدوات التى يستخدمها لحشد الدعم والتأثير فى الرأى العام. لذا، فإن تفكيك هذا الخطاب وكشف تناقضاته يجب أن يكون أولوية فى وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية. الإعلام المستقل والصحافة الاستقصائية لهما دور محورى فى فضح الدعاية اليمينية المتطرفة، من خلال تقديم حقائق موضوعية حول قضايا الهجرة واللجوء، وبيان الأثر الإيجابى للتنوع الثقافى على المجتمعات. كما يجب أن تتبنى المؤسسات التعليمية مناهج تعزز قيم التعددية والمواطنة، وتتصدى لمحاولات زرع الكراهية والانغلاق الفكرى لدى الأجيال الجديدة.

علاوة على ذلك، فإن مواجهة الخطاب العنصرى تتطلب انخراطًا أوسع للمجتمع المدنى والمؤسسات الثقافية فى التصدي للدعاية اليمينية المتطرفة. يجب دعم المبادرات التى تروج للتعايش والتسامح، سواء من خلال الفنون أو الفعاليات المجتمعية أو الحملات التوعوية. ومن الضرورى أن يتم تفعيل القوانين التى تجرم التحريض على الكراهية والعنف، مع مراقبة المنصات الرقمية التى أصبحت بيئة خصبة لنشر الأيديولوجيات المتطرفة. هذه الجهود مجتمعة يمكن أن تحد من تأثير الخطاب العنصرى وتجعل المجتمع أكثر مقاومة للأفكار المتطرفة.

تعزيز العدالة الاجتماعية

أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت العديد من الألمان نحو تأييد الأحزاب اليمينية المتطرفة هو التدهور الاقتصادي وتآكل الطبقة الوسطى. فقد أدى ارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجع الخدمات الاجتماعية، وانخفاض الأجور إلى خلق شعور بالإحباط وعدم الأمان لدى شريحة واسعة من المواطنين، وهو ما استغلته الأحزاب اليمينية المتطرفة لإقناعهم بأن المهاجرين واللاجئين هم سبب أزماتهم. لمواجهة ذلك، لا بد من تبنى سياسات اجتماعية عادلة تعيد بناء الثقة فى الدولة وتعالج جذور الأزمة الاقتصادية بدلًا من ترك المجال للخطاب الشعبوي التحريضي.

يشمل ذلك زيادة الاستثمار في الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والإسكان، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير فرص عمل حقيقية للمواطنين، لا سيما فى المناطق التى تعانى من البطالة المرتفعة. كما يجب فرض ضرائب أكثر عدالة على الأثرياء والشركات الكبرى لضمان توزيع أكثر إنصافًا للثروة. عندما يشعر المواطنون بأن الدولة توفر لهم حياة كريمة، فإن جاذبية الخطاب اليمينى المتطرف ستضعف بشكل كبير، لأن الناس لن يبحثوا عن كبش فداء لمشكلاتهم الاقتصادية، بل سيدعمون الحلول الحقيقية التى تعالج معاناتهم بشكل مباشر.

مكافحة الإرهاب والتطرف

تُركز سياسات مكافحة الإرهاب فى العديد من الدول على الجماعات الإسلامية المتطرفة، بينما يتم تجاهل التهديد المتزايد الذى تمثله الجماعات اليمينية المتطرفة. ورغم أن الهجمات التى ينفذها متطرفون يمينيون فى ألمانيا وأوروبا قد ازدادت بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، إلا أن السلطات لا تزال تتعامل مع هذا الخطر بتراخٍ نسبى مقارنة بالتعامل مع التطرف الآخر. من الضروري إعادة هيكلة سياسات مكافحة الإرهاب بحيث تشمل جميع أشكال التطرف، دون تمييز، لضمان أمن المجتمعات ومنع تكرار الهجمات الإرهابية التى تستهدف اللاجئين والأقليات.

يجب تعزيز التعاون بين أجهزة الأمن والاستخبارات لمراقبة الجماعات اليمينية المتطرفة، ومنع انتشار أفكارها داخل المؤسسات العسكرية والشرطية، حيث تم الكشف عن اختراقات خطيرة لهذه المؤسسات من قبل عناصر يمينية متطرفة. كما ينبغى فرض رقابة مشددة على المنصات الإلكترونية التى تُستخدم لنشر الكراهية والتجنيد الأيديولوجي، مع تعزيز برامج إعادة التأهيل والتوعية لمنع الشباب من الوقوع فى فخ الفكر المتطرف. مكافحة الإرهاب والتطرف لا تعنى فقط الحلول الأمنية، بل تتطلب أيضًا حلولًا اجتماعية وثقافية تعالج الأسباب الجذرية التى تدفع الأفراد نحو العنف والتطرف.

سياسات الهجرة واللجوء

بدلًا من الانسياق وراء الخطاب الشعبوي الذى يصور اللاجئين كمصدر للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، يجب وضع سياسات هجرة عادلة ومتوازنة، تعترف بحقوق اللاجئين وتوفر لهم فرصًا للاندماج فى المجتمع. فالتعامل مع الهجرة بوصفها تهديدًا يؤدى إلى زيادة التوترات المجتمعية، بينما يمكن لسياسات إدماج ذكية أن تحول اللاجئين إلى قوة منتجة تساهم فى الاقتصاد والمجتمع. توفير فرص عمل، وبرامج تعليمية، ودورات لتعلم اللغة، وإجراءات تسرّع عملية منح الجنسية لمن يثبت اندماجه، كلها خطوات تساهم فى خلق مجتمع أكثر استقرارًا وانسجامًا.

فى الوقت نفسه، يجب على الحكومات الأوروبية الضغط لمعالجة الأسباب التى تدفع الناس إلى الهجرة من بلدانهم، مثل النزاعات المسلحة، والتغير المناخي، والفقر. فبدلًا من بناء الجدران وإغلاق الحدود، ينبغى العمل على حلول دبلوماسية واقتصادية تقلل من الحاجة للهجرة القسرية. سياسات اللجوء يجب أن تكون إنسانية، تأخذ فى الاعتبار حقوق الأفراد الفارين من الحروب والاضطهاد، بدلًا من أن تتحول إلى أداة لاستغلال المخاوف الشعبوية وتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.

إصلاح النظام السياسي

إن منع الأحزاب اليمينية المتطرفة من الوصول إلى الحكم لا يمكن أن يتم فقط من خلال إقصائها سياسيًا، بل يتطلب تقديم بدائل سياسية قوية قادرة على استعادة ثقة الناخبين. فالكثير ممن يصوتون لهذه الأحزاب لا يفعلون ذلك بالضرورة بسبب إيمانهم بأيديولوجيتها، بل بسبب فقدانهم الثقة فى الأحزاب التقليدية التى أخفقت فى تلبية احتياجاتهم. لذلك، فإن الأحزاب الديمقراطية تحتاج إلى إصلاح نفسها، وتقديم سياسات جديدة تتجاوز الشعارات التقليدية، وتركز على قضايا الناس الفعلية مثل تحسين الاقتصاد، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الخدمات الاجتماعية.

كما يجب تعزيز القوانين التى تمنع الأحزاب المتطرفة من استغلال الديمقراطية لتقويضها من الداخل. فمن الضروري وضع آليات قانونية تمنع الأحزاب التى تتبنى خطابًا عنصريًا أو معاديًا للديمقراطية من الترشح للانتخابات أو تلقى تمويل خارجى مشبوه. بالإضافة إلى ذلك، يجب على القوى الديمقراطية توحيد جهودها لمواجهة اليمين المتطرف، بدلًا من التنافس فيما بينها بطريقة تضعف الموقف الديمقراطى العام. عندما يصبح هناك مشروع سياسى واضح يقدم حلولًا حقيقية للمواطنين، سيجد اليمين المتطرف نفسه فى موقف أضعف، وسيفقد الدعم الشعبى الذى يستغله لتحقيق مكاسب سياسية.

تهديد وجودي

صعود اليمين المتطرف فى ألمانيا وأوروبا لا يمثل مجرد أزمة سياسية عابرة، بل يشكل تهديدًا وجوديًا مزدوجًا، إذ يقوّض أسس الديمقراطية ويغذى بيئة الاستقطاب والتطرف العنيف. فمع تآكل الخط الفاصل بين الأحزاب التقليدية والقوى اليمينية المتشددة، تزداد احتمالات تمرير سياسات تمييزية تُشرعن العنصرية وتقوض مبادئ العدالة وحقوق الإنسان. كما أن التراخى فى مواجهة هذه الظاهرة قد يؤدى إلى تغلغل الجماعات اليمينية المتطرفة فى المؤسسات السياسية والأمنية، مما يهدد بتغيير هيكلي عميق فى الأنظمة الديمقراطية، ويجعلها أكثر استبدادًا وعداءً للأقليات والمهاجرين والمجتمع المدني.

لكن هذا الواقع ليس قدرًا محتومًا، إذ لا يزال بإمكان القوى الديمقراطية والمجتمعات المدنية التصدى لهذا المد الخطير. فالمظاهرات الحاشدة فى ألمانيا، والرفض الشعبي المتزايد لخطاب الكراهية، تؤكد أن هناك مقاومة فعلية لهذا الاتجاه، لكنها تحتاج إلى دعم سياسي واستراتيجي فعّال. المطلوب ليس فقط احتجاجات مؤقتة، بل بناء تحالفات قوية تعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية، وتعزز سياسات الإدماج، وتواجه الدعاية اليمينية بالأدلة والحقائق. فالفشل فى التحرك بفعالية لن يؤدى فقط إلى صعود اليمين المتطرف، بل قد يفتح الباب أمام موجة عالمية من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، تهدد الاستقرار فى أوروبا والعالم بأسره.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: اليمين المتطرف تهديد الديمقراطية تنامي الإرهاب حزب البديل من أجل ألمانيا الأحزاب الیمینیة المتطرفة البدیل من أجل ألمانیا صعود الیمین المتطرف الحکومة الألمانیة الأحزاب التقلیدیة ألمانیا وأوروبا مکافحة الإرهاب وحقوق الإنسان خطاب الیمین قد یؤدى إلى حزب البدیل فى ألمانیا لا یقتصر تؤدى إلى بدل ا من سیاسی ا تهدید ا من خلال تصاعد ا خطاب ا یجب أن تحول ا وهو ما

إقرأ أيضاً:

ما سر اندماج اليمين الفاشي مع الصهيونية؟

المتطرفون المسيحيون في أميركا يتّحدون مع المتطرفين اليهود في إسرائيل ليس بسبب الدين، بل بسبب الفاشية المشتركة.

يشكل القوميون المسيحيون، الذين يمثلون الدعامة الأساسية لدعم دونالد ترامب -حيث صوّت له 80% منهم في الانتخابات الأخيرة وفقًا لاستطلاع للناخبين أجرته وكالة أسوشيتد برس- حملة منظمة تدعو البيت الأبيض لدعم ضم إسرائيل للضفة الغربية وغزة.

تشمل هذه الحملة زيارات لقادة بارزين إلى إسرائيل، من بينهم رالف ريد، وتوني بيركنز، وماريو برامنيك، وتقديم عرائض للبيت الأبيض، والضغط على الكونغرس، والدعوات إلى الضم خلال المؤتمرات المسيحية، بما في ذلك تبنّي قرار دعم السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية في مؤتمر العمل السياسي المحافظ الأخير (CPAC).

كما جمعت جمعية الإذاعيين الدينيين الوطنيين (NRB) خلال مؤتمرها في دالاس في مارس/ آذار، أكثر من 200 توقيع من قساوسة وقادة دينيين يمينيين من جميع أنحاء الولايات المتحدة، يطالبون بضمّ "يهودا والسامرة" – الاسم التوراتي المزعوم للضفة الغربية- ويصفون حل الدولتين بأنه "تجربة فاشلة".

وقد أيدت منظمة "القادة المسيحيون الأميركيون من أجل إسرائيل"، التي تقول إنها تمثل شبكة من "أكثر من 3000 قائد تنظيمي من جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك جمعية الإذاعيين الدينيين الوطنيين"، هذا القرار وأرسلته إلى ترامب. كما أرسلت النائبة كلاوديا تيني وخمسة أعضاء آخرين من "تجمع أصدقاء يهودا والسامرة" في الكونغرس رسالة إلى ترامب تطالبه بـ"الاعتراف بحق إسرائيل" في إعلان السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحجة أن ذلك سيعزز "التراث اليهودي المسيحي الذي تأسَّست عليه أمتنا".

إعلان

وعد ترامب، الذي ألغى أمرًا تنفيذيًا أصدرته إدارة بايدن بفرض عقوبات على المستوطنين اليهود في الضفة الغربية؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، في 4 فبراير/ شباط، بإعلان قرار بشأن احتمال ضم الضفة الغربية خلال "الأسابيع الأربعة المقبلة".

يأتي ذلك عقب دعوته للتطهير العرقي في غزة وتهديده الفلسطينيين بالقتل إذا لم يفرجوا عن الرهائن الإسرائيليين. حيث قال عن غزة خلال حديثه مع الصحفيين على متن طائرة الرئاسة: "أنت تتحدث عن ربما مليون ونصف المليون شخص، وسنقوم بتنظيف كل هذا المكان".

لقد تلاقت أجندة المتطرفين الصهاينة والفاشيين المسيحيين، الذين يشغلون مناصب عليا في إدارة ترامب، منذ وقت طويل. فاللغة والأيقونات والرمزية التي يستخدمها الفاشيون المسيحيون واليهود مستمدة من الكتاب المقدس، لكن الروابط التي تجمعهم سياسية وليست دينية.

وقد تناولتُ في كتابي "الفاشيون الأميركيون: اليمين المسيحي والحرب على أميركا" تاريخ وأيديولوجية الفاشية المحلية لدينا وعلاقتها بالفاشية اليهودية.

مايك هاكابي، الحاكم السابق لأركنساس والقسّ المعمداني، رشحه ترامب ليكون سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل. وصرح هاكابي بأنه "لا يوجد شيء اسمه فلسطيني"، وادعى أن الهوية الفلسطينية "أداة سياسية تهدف إلى انتزاع الأرض من إسرائيل". ويقترح أن يتم إنشاء دولة فلسطينية خارج إسرائيل في دول مجاورة مثل مصر أو سوريا أو الأردن، واصفًا حل الدولتين بأنه "غير منطقي وغير قابل للتنفيذ".

ويقول هاكابي: "أنا أُومن بالكتاب المقدس. سفر التكوين 12: من يبارك إسرائيل يُبارَك، ومن يلعن إسرائيل يُلعَن. أريد أن أكون في جانب البركة، لا في جانب اللعنة".

جون راتكليف، الذي عيّنه ترامب لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية، دعا إلى مساعدة إسرائيل فيما وصفه بنهجها "القدم على الحنجرة" ضد إيران.

إعلان

أما وزير الدفاع في إدارة ترامب، بيت هيغسيث، الذي يقول إن "الصهيونية والأميركية هما خط الدفاع الأوّل عن الحضارة الغربية والحرية في عالمنا اليوم"، فيروّج للادعاء السخيف بأنّ التوراة، التي كُتبت قبل 4000 عام، يمكن استخدامها لرسم حدود الدول الحديثة.

قال لقناة فوكس نيوز في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: "افتح كتابك المقدس. الله منح إبراهيم هذه الأرض. أسس اثنا عشر سبطًا من بني إسرائيل ملكيةً دستورية في عام 1000 قبل الميلاد. وكان الملك داود ثاني ملوكهم، وجعل القدس عاصمة لهم. لقد قاتل اليهود المحتلين الأجانب لقرون، وظلوا يحتفظون بوجودهم هناك.

والآن، الفلسطينيون والعرب والمسلمون يحاولون محو الروابط اليهودية بالقدس، كما نفعل نحن الآن. لقد زرت المكان مرات عديدة. إنهم يحاولون أن يجعلوا الأمر يبدو وكأن اليهود لم يكونوا هناك أبدًا. والأهم من ذلك أن المجتمع الدولي منح السيادة لليهود، للدولة اليهودية، بعد الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين، وإسرائيل تخوض حربًا دفاعية تلو الأخرى ضد كل من حاول سحقها، فقط من أجل البقاء".

القسيسة التلفزيونية بولا وايت- كين، الصهيونية المسيحية المتشددة، التي تقول إن معارضة ترامب تعني "مقاومة يد الله"، أصبحت مستشارة بارزة في مكتب الإيمان الذي تم إنشاؤه حديثًا في البيت الأبيض.

اتهم الصهاينة الجامعات الأميركية بالتحالف مع حماس مباشرة بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول داخل إسرائيل، قبل أسابيع من بدء الاحتجاجات في الحرم الجامعي. وردًا على الانتقادات وظهور مخيمات للطلاب المعتصمين، منعت هذه الجامعات الاحتجاجات وقيّدت حرية التعبير. كما قامت بمعاقبة أو تعليق أو طرد الطلاب الناشطين، وفصلت أو وضعت تحت المراقبة أساتذة وإداريين تحدثوا ضد الإبادة الجماعية.

وشهدت الحملة ملاحقة رؤساء جامعات هارفارد وبنسلفانيا ومعهد MIT خلال جلسات استماع بالكونغرس قادتها النائبة إليز ستيفانيك، في محاكمة شبيهة بمكارثية.

إعلان

وبسبب عدم خضوعهم الكافي، أُجبر رؤساء جامعتي هارفارد وبنسلفانيا على الاستقالة. وأصدرت ستيفانيك بيانًا تعهّدت فيه "بمواصلة كشف الفساد في مؤسسات التعليم العالي الأكثر مرموقية وتقديم المساءلة للشعب الأميركي".

وستيفانيك هي مرشحة ترامب لتكون سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وهي تؤمن بأن "لإسرائيل حقًا كتابيًا في امتلاك الضفة الغربية بالكامل".

وقامت جامعة كولومبيا، قبل أربعة أشهر من إقامة مخيم الاحتجاج في الحرم الجامعي، بحظر فرعي طلاب من أجل العدالة في فلسطين وصوت يهودي من أجل السلام. وعندما أُقيم المخيم وسط الجامعة، سمحت بثلاث مداهمات للشرطة أسفرت عن اعتقال أكثر من 100 طالب.

وفي الأسبوع الماضي، طردت أربعة طلاب، هم ثلاثة من كلية بارنارد وواحد من كولومبيا. كما قامت بفصل أساتذة وإداريين.

ورغم الإجراءات الصارمة التي اتخذتها إدارة كولومبيا، ألغت إدارة ترامب حوالي 400 مليون دولار من المنح الفدرالية للجامعة، بزعم "استمرارها في التقاعس عن مواجهة التحرش المستمر بالطلاب اليهود".

الحملة التي تستهدف الجامعات والكليات لا علاقة لها بمحاربة معاداة السامية. فلا يمكن لكولومبيا وغيرها إرضاء منتقديها مهما فعلت. الهدف هو تجريم المعارضة وإجبار المؤسسات التعليمية على الالتزام بإملاءات الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة والفاشية المسيحية. معاداة السامية ليست إلا ذريعة.

الفاشيون المسيحيّون يشوّهون المسيحية لتحويلها إلى أداة تبرر تفوق العرق الأبيض، والإمبراطورية الأميركية، والرأسمالية، بينما يصوّرون من يعارضهم على أنهم شيطانيّون.

وهؤلاء الهراطقة – وأنا أقول هذا بصفتي خريج كلية لاهوت- يحرفون الأناجيل بنفس الطريقة التي يحرف بها الفاشيون اليهود التوراة. وفي الواقع، وفقًا لنظريتهم حول "نهاية الأزمنة"، فإن اليهود في إسرائيل إما سيُجبرون على اعتناق المسيحية أو سيتم إبادتهم، مما يكشف عن جذورهم العميقة في معاداة السامية واحتضانهم العلني نظريات النازيين مثل كارل شميت، ومتعاطفين مثل روساس جون روشدووني.

إعلان

تنتهك إسرائيل بانتظام الأعراف الدبلوماسية والأخلاقية، وتتجاهل القانون الإنساني والدولي، وترتكب إبادة جماعية تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية لعام 1948. وتسخر من مفهوم المجتمع الديمقراطي المفتوح، حيث تخلق مواطنين من الدرجة الثانية ونظام فصل عنصري يهيمن عليه من هم من أصول أوروبية. كما تمارس العنف المميت العشوائي لتطهير مجتمعها ممن تصفهم بـ"المُلوثين البشريين" و"الحيوانات البشرية".

ويزعم هؤلاء المتطرفون أن تفوقهم اليهودي، كما هو الحال بالنسبة للفاشيين المسيحيين، مقدس من الله. ويُصور ذبح الفلسطينيين، الذين قارنهم بنيامين نتنياهو بالعمالقة الكتابيين "عماليق"، على أنهم تجسيد للشر ويستحقون الإبادة.

وقد استخدم الأوروبيون- الأميركيون في المستعمرات الأميركية نفس النص التوراتي لتبرير إبادة الأميركيين الأصليين. العنف والتهديد بهما هما وسيلتا التواصل الوحيدتان داخل الدائرة السحرية للقومية اليهودية أو القومية المسيحية.

الفاشية اليهودية هي النموذج الذي يسعى الفاشيون المسيحيون لتقليده. فهم أيضًا يتوقون لـ"تطهير" المجتمع الأميركي من "ملوثاته البشرية" كما تفعل إسرائيل مع الفلسطينيين.

ينص "قانون الدولة القومية للشعب اليهودي"، الذي أقرّه الكنيست في 2018، على أن حق تقرير المصير في إسرائيل هو "حقّ حصري للشعب اليهودي". وهذا التمييز القانوني هو ما يخطط الفاشيون الأميركيون لتقليده لصالح المسيحيين البيض.

وستكون الأهداف، كما في إسرائيل، الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وذوي البشرة الملونة والمهاجرين المسلمين والمفكرين والفنانين والنسويات واليساريين والمسالمين والفقراء.

وسيتحول القضاء إلى أداة لقمع المعارضين وحماية الأثرياء، وستذبل النقاشات العامة، وسينهار المجتمع المدني وحكم القانون. ومن يُصنف على أنه "غير مخلص" سيتعرض للاضطهاد، كما يتضح من برنامج وزارة الخارجية الأميركية المدعوم بالذكاء الاصطناعي "Catch and Revoke"، الذي يهدف إلى "إلغاء تأشيرات الأجانب الذين يبدو أنهم يدعمون حماس أو جماعات إرهابية أخرى".

إعلان

وفي 8 مارس/ آذار، احتجزت سلطات الهجرة الفدرالية الناشط محمود خليل، طالب بجامعة كولومبيا من أصول فلسطينية، رغم أنه مقيم دائم قانوني. وقالت المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، تريشيا ماكلوغلين، إن خليل تم اعتقاله "دعمًا للأوامر التنفيذية للرئيس ترامب التي تحظر معاداة السامية".

إن احتجاز شخص يحمل إقامة دائمة قانونية، واحتمال ترحيله، أمر ينذر بالخطر.

للفاشية صيغ متعددة، لكن خصائصها الجوهرية واحدة. ولهذا يعمل الفاشيون المسيحيون بحماس شديد لصالح إسرائيل. فالفاشية تعيش على الشعور بالظلم. وسيحدث الخلاص الماسوني في إسرائيل بمجرد طرد الفلسطينيين الذين يُدينونهم على أنهم تجسيد للشر.

وسيحدث الخلاص الماسوني في أميركا عندما تعود السلطة المطلقة إلى دولة عرقية مسيحية بيضاء، تقضي على تشريعات الحقوق المدنية -فقد تم بالفعل إفراغ قانون حقوق التصويت لعام 1965 من مضمونه بواسطة المحكمة العليا- وتخفض الخدمات الاجتماعية التي "تدلل" الفقراء، خاصة ذوي البشرة السمراء.

المد التاريخي ضدنا. التحالفات القديمة تنهار لصالح الأنظمة الاستبدادية حول العالم، سواء في روسيا بوتين، أو الصين بقيادة شي جين بينغ، أو الهند بقيادة ناريندرا مودي، أو المجر بقيادة فيكتور أوربان، وكلها تستخدم القوانين والشرطة العسكرية لإسكات المعارضين والصحفيين والطلاب والأساتذة، حتى في أعرق جامعاتها مثل جامعة جواهر لال نهرو الهندية.

واليمين المتطرف في صعود مستمر عبر أوروبا، لا سيما في فرنسا وألمانيا. أما اليسار الراديكالي والحركة العمالية فقد تم سحقهما. ولم يتبقَّ لنا دفاعات تُذكر. فلن يحمينا حزب ديمقراطي مرتهن للشركات أو مؤسسات ليبرالية خانعة مثل جامعة كولومبيا.

ولا يمكن هزيمة الفاشية إلا بمقاومة نضالية مقابلة – كما فعل الشيوعيون والفوضويون والاشتراكيون في ثلاثينيات القرن الماضي – مقاومة تقدم رؤية بديلة ولا تساوم مع السلطة الاستبدادية.

إعلان

هذه المقاومة تدرك حتمية القمع الوحشي من الدولة وضرورة التضحية بالنفس. ولا تسعى للتكيف أو الاسترضاء. سنعيد إحياء هذه الروح النضالية ونكافح عبر أعمال عصيان مدني مستمرة- بما في ذلك الإضرابات- ضد هذه القوى الاستبدادية، أو سنُختزل إلى مجرد عبيد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • رسمياً.. نزار اللهيبي يؤدي اليمين ويتولى رئاسة مجلس ديالى
  • عبد المنعم السيد: تطور وتنامي مستمر في العلاقات المصرية الإماراتية
  • ما سر اندماج اليمين الفاشي مع الصهيونية؟
  • نتنياهو مجرم ومريض نفسي.. وحكومته المتطرفة تحرّض على قصف مخازن الغذاء ومحطات الكهرباء
  • مظاهرات في شوارع فرنسا وهولندا ضد تنامي العنصرية وصعود اليمين المتطرف
  • معطيات مُخيّبة: 62% من الإسرائيليين في ضائقة اقتصادية بسبب سياسات الحكومة
  • ألمانيا.. مظاهرات حاشدة لليمين المتطرف واحتجاجات مضادة
  • المجلس الوطني يُحذّر من "انفجار" نتيجة سياسات الاحتلال العدوانية
  • نائب: الأحزاب الشيعية تصاعد من خطاب الكراهية والطائفية لتدمير ما تبقى من العراق
  • النيجر تحت النار.. تصاعد الإرهاب يهدد الأمن والاستقرار في منطقة الساحل