مراكش- في مكتبه بمدينة مراكش، يستقبل المحاسب الشاب رشيد مكالمة من أحد التجار الذين يتعامل معهم منذ سنوات، وهو منهمك في مراجعة بعض الملفات.

بصوت يشوبه بعض القلق، يسأله التاجر عن حقيقة فرض ضريبة جديدة على الودائع البنكية، مظهرا تردده في إيداع أمواله في أحد المصارف.

ويقول رشيد -للجزيرة نت- إن هذه الأسئلة تظهر مخاوف بعض التجار المغاربة، الذين يفضلون الاحتفاظ بأموالهم خارج النظام المصرفي، تجنبا لأي إجراءات ضريبية.

ويبرز أن حديث وسائل الإعلام عن نقص السيولة البنكية وارتفاع شراء الخزائن المالية، قد يكون له ما يبرره في ظل ما تشير إليه التقارير الرسمية من استمرار ارتفاع نسبة الأوراق النقدية المتداولة في الأسواق، في مقابل انخفاض المدخرات داخل المصارف.

ارتفاع السيولة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى نحو 138.8 مليار درهم مغربي (الجزيرة) مخاوف المودعين

خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أطلقت إدارة الضرائب المغربية حملة التسوية الطوعية للأشخاص الذاتيين بنسبة تحفيزية لا تتجاوز 5%، خاصة الموجودات المودعة في حسابات بنكية، أو المحتفظ بها في شكل أوراق بنكية.

ويلاحظ الخبير الاقتصادي يوسف كراوي الفيلالي -في تصريح للجزيرة نت- أن هذه الحملة شجعت بعض الأشخاص على التصريح بدخولهم، لكن بعد انقضاء الآجال القانونية نهاية سنة 2024، ساد تخوف لدى آخرين من فرض ضرائب على أرباحهم بأعلى نسبة وهي 37%.

من جانبه، يبرز المستشار القانوني والجبائي المحاسب المعتمد لدى الدولة عبد الصمد الإدريسي أن هذه الحملة -التي أطلقت بعد صمت طيلة السنة- تحولت إلى ضجة بسبب ضعف التواصل بين إدارة الضرائب والخاضعين للضريبة.

وحسب قانون المالية لسنة 2025، يعفى أي دخل لم يصل إلى 40 ألف درهم (4 آلاف دولار) سنويا من الضريبة، بينما تطبق نسبة مئوية تصاعدية عندما يتجاوز الدخل هذا المبلغ ابتداء من 10%، ثم 20% و30% و34% لتصل إلى 37% عندما يتعدى الدخل 180 ألف درهم (18 ألف دولار).

إعلان

ويشرح الإدريسي للجزيرة نت أن هذه المخاوف غير مبنية على أسس حقيقية، كما أنه لا يمكن بتاتا من الناحية القانونية اقتطاع ضريبة على مبالغ مودعة في البنوك، سواء من قبل أشخاص ذاتيين أو عاديين من دون الخضوع لإجراءات قانونية تمر بمجموعة من المراحل حسب المادة 216 من المدونة العامة للضرائب، المتعلقة بالفحص الإجمالي لوضعية الملزمين بالضريبة.

ويوضح أنه بعد رصد لحركة أموال من خلال شراء عقار أو وضع أسهم في شركة أو تحويل أموال من حسابات جارية إلى شركة مثلا، تقوم إدارة الضرائب بإشعار المعني بالأمر مرتين بضرورة تبرير طرق تحصيل هذه المبالغ، قبل أن يُطالب بأداء الضريبة المستحقة حسب جدول محدد مرتبط بالأرباح والذي قد يكون 10% أو 20%، وليس بالضرورة 37%. وبعد رسالة ثالثة تعد إنذارا، يحول الملف إلى الخزينة العامة لتطبيق التحصيل الجذري كما جاء في مدونة الديون العمومية.

الإدريسي: مخاوف الناس من أن تشمل الضرائب ودائع البنوك غير مبنية على أسس حقيقية (الجزيرة) سيولة

يربط الخبراء بين حجم الودائع البنكية وتوفر السيولة لدى البنوك، وبين تدخل البنك المركزي من أجل الحفاظ على استقرار القطاع المالي.

وتظهر أرقام النشرة الشهرية لبنك المغرب (البنك المركزي المغربي) خلال 2024 تذبذبا في حجم السيولة يعكس التوترات المالية.

فعلى سبيل المثال، بعد ارتفاع السيولة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إلى حوالي 138.8 مليار درهم (13.8 مليار دولار)، عاد ليسجل بعض التراجع في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى 135.9 مليار درهم، في حين رفع بنك المغرب حجم تدخلاته ليصل إلى 152 مليار درهم (15 مليار دولار) لضمان هذا الاستقرار.

ويوضح الخبير الاقتصادي الفيلالي أن الأموال المتداولة وغير المودعة في المصارف، تتعلق أساسا بالاقتصاد غير المنظم وتمثل 30% من الاقتصاد المغربي، مشيرا إلى أن عدم إيداع هذه الأموال يؤدي إلى نقص في السيولة، في مقابل ارتفاع المخزن في البيوت والوحدات الصناعية السوداء.

إعلان

ويدعو المتحدث ذاته إلى اتخاذ إجراءات لتشجيع وسائل الدفع الرقمية للمساهمة في دخول الأموال إلى البنوك، ومن ثم الرفع من السيولة المالية.

كراوي: الاقتصاد غير المنظم يمثل 30% من الاقتصاد المغربي (الجزيرة) تسوية طوعية

ذكرت وزارة المالية أن مبالغ التسوية الطوعية للضرائب ناهزت حوالي 100 مليار درهم (10 مليارات دولار)، وهو ما اعتبره الخبير الاقتصادي زكريا فيرانو -في حديث للجزيرة نت- رقما مهما ساهم في إنعاش خزينة الدولة بحوالي 5 مليارات درهم ( 500 ألف دولار)، وساعد في توفير سيولة إضافية لدعم بعض القطاعات الاجتماعية والاستثمار في بعض القطاعات الاقتصادية.

وأضاف أن هذه الخطوة ستساهم أيضا في حلحلة بعض مشاكل الاقتصاد غير المنظم وتقليص التعامل بالأوراق النقدية المتداولة في السوق، الذي وصل إلى نحو 430 مليار درهم (43 مليار دولار)، حسب بيانات البنك المركزي المغربي.

ويرى الأكاديمي المغربي أن الإجراءات الضريبية لا يكون لها تأثير سلبي على الودائع البنكية، بما أن المساهمة الإبرائية لم تتعلق بإلزامية إيداع الأموال في المصارف ولا بإخضاع هذه الأموال للضريبة وهي ذات أصل اقتصادي أو مرتبطة بالادخار، ولكن بالتصريح الطوعي عن الأصول والأرباح الخارجة عن النطاق الضريبي من أجل الاستفادة من هذا التحفيز الضريبي (تطبيق نسبة 5%).

ولا توجد نصوص قانونية تلزم الأشخاص الذاتيين بوضع ودائعهم في البنوك، بل تلزمهم بالتصريح بأرباحهم وأداء الضريبة عنها.

من جهته، يؤكد الإدريسي أن الأموال المودعة تستعملها البنوك من أجل الوفاء بالتزاماتها، ومن أجل الإقراض وتحفيز الاستثمار، مشيرا إلى أن بقاءها خارج شبكة المصارف يؤثر على كل ذلك.

الأموال المودعة تستعملها البنوك من أجل الوفاء بالتزاماتها، ومن أجل الإقراض وتحفيز الاستثمار (الجزيرة) إدماج القطاع غير المنظم

يشير تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسمية) إلى أن 60% و80% من القوى العالمة بالمغرب تزاول أنشطة تندرج ضمن الاقتصاد غير المنظم.

إعلان

ويبرز التقرير إلى أن هذا القطاع غير المنظم -الموسوم بالتملص من الالتزامات الاجتماعية والضريبية- يشكل معضلة حقيقية تؤثر سلبا على الإنتاج والتنافسية، مؤكدا أن السلطات العمومية أطلقت عديدا من البرامج الرامية إلى الإدماج المباشر أو غير المباشر لهذا القطاع في منظومة الاقتصاد المنظم، غير أن المبادرات المتخذة لم تكن كافية للحد مـن حجمه وتأثيراته السلبية.

ومن بين هذه المبادرات تشجيع مبادرة "المقاول الذاتي"، لكن 94% من هذه الفئة، والبالغ عددها 340 ألف شخص، لا يصرحون بدخولهم، حسب المسؤول الأول بالمديرية العامة للضرائب.

وفي هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي كراوي الفيلالي أن إدماج القطاع غير المنظم يجب أن يتم بسلالة عن طريق المصالحة الضريبة، بعيدا عن المنطق الزجري كما حدث في إجراء التسوية الضريبية، وذلك للحصول على مداخيل ضريبية إضافية تساهم في نمو الاقتصاد الوطني.

من جهته، يؤكد فيرانو أن إدماج الاقتصاد غير المنظم في الدورة الاقتصادية الرسمية يجب أن يتم عبر إصلاح عام وشامل، يبنى على 3 ركائز أساسية:

إقرار تحفيزات ضريبية وتبسيط الإجراءات الإدارية. إعادة النظر في منظومة عقود العمل داخل القطاع غير المنظم. إقرار منظومة ضريبية ذات طبيعة تنافسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاقتصاد غیر المنظم القطاع غیر المنظم الخبیر الاقتصادی ملیار درهم للجزیرة نت أن هذه إلى أن من أجل

إقرأ أيضاً:

"الصكوك الوطنية": 15.8 مليار درهم استثمارات حملة الصكوك نهاية 2024

وصلت استثمارات حملة الصكوك لدى "الصكوك الوطنية " إلى مستوى قياسي عند 15.8 مليار درهم نهاية العام 2024، بنمو تجاوزت نسبته 22% مقارنة بنحو 12.9 مليار درهم نهاية العام 2023.

ووفق الصكوك الوطنية يرتبط ذلك بالنمو المتصاعد في أعداد المدخرين المنتظمين، واعتماد الحلول الرقمية.
ووزعت الصكوك الوطنية نحو 588 مليون درهم على حملة الصكوك عن العام 2024، إذ وصلت نسبة العوائد إلى 4.75% بالنسبة لبعض المدخرين، فيما بلغ المعدل العام للعوائد إلى نحو 4.02%.
وأظهرت النتائج السنوية للصكوك الوطنية التي أعلن عنها اليوم، زيادة عدد المدخرين المنتظمين بنسبة 51%، وهو نمو يؤكد تزايد الإقبال على خطط الادخار المنتظم لدى المجتمع، بما يتماشى مع رؤية دولة الإمارات في تعزيز الرفاه المالي لدى أفراد المجتمع والمؤسسات والسعي نحو الاستدامة طويلة الأمد.
وأكدت الصكوك الوطنية أن تطوير وتحديث تطبيقها للهواتف المتحركة خلال العام الماضي أسهم في زيادة نسبة الادخارات الرقمية بنحو 41% خلال 2024 مقارنة بالعام السابق.
وفي العام 2024، أصبحت الصكوك الوطنية من أوائل الشركات التي تقدم برامج مكافآت نهاية الخدمة بالشراكة مع وزارة الموارد البشرية والتوطين، وخلال العام الجاري سيدخل البرنامج حيز التنفيذ، إذ تتواصل الشركة في الوقت الراهن مع أرباب العمل الذين يبحثون عن أفضل العوائد.

سلوكيات إيجابية

وقال محمد قاسم العلي، الرئيس التنفيذي لمجموعة الصكوك الوطنية: من خلال التقييم الدقيق للاتجاهات الناشئة وتوقعات العملاء، نتمكن من تطوير منتجات وحلول تتماشى مع المشهد المالي المستقبلي، وتطويع العوامل التي تؤثر على قرارات الادخار، مما يمكّن العملاء من تبني سلوكيات ادخار إيجابية.
وأكد أن الشركة لا تنطلق فقط من منظور مالي، بل أيضاً من زاوية سلوكيات الادخار ودوافعه وبرنامج المكافآت السنوي بقيمة 36 مليون درهم، وغيره من الحوافز الملموسة هي وسيلة لإلهام ثقافة ادخار منضبطة.

توزيع الاستثمارات والأرباح

وحول توزيع استثمارات الصكوك الوطنية، أوضح العلي في حديثه لوكالة أنباء الإمارات "وام" أن المحفظة تعتمد على إستراتيجيات منخفضة إلى متوسطة المخاطر لضمان حماية رأس المال، ومع ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا، زادت الشركة ودائعها في البنوك إلى 20% خلال 2024، إلى جانب تخصيص 30-40% من المحفظة للدخل الثابت، و10-12% للأسهم المدرجة، و8% للاستثمارات في الملكيات الخاصة، كما بلغت استثمارات العقارات 20%، موزعة بين الأصول الجاهزة والتطوير العقاري والمشاركة في المحافظ الاستثمارية.
وفيما يتعلق بتوزيعات الأرباح، أشار العلي إلى أن الصكوك الوطنية وزعت 588 مليون درهم على حملة الصكوك في 2024، حيث بلغ أعلى معدل توزيع 4.75% لبعض الفئات، فيما كان المتوسط حوالي 4.02%.

مقالات مشابهة

  • 2.9 مليار درهم توزيعات أرباح "أدنوك للحفر" 2024
  • 535 مليار درهم رأسمال واحتياطيات بنوك الإمارات
  • سعر الذهب في المغرب اليوم الإثنين 17 مارس 2025
  • الذهب يرتفع مع استمرار المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية
  • سعر الذهب يواصل ارتفاعه مع تزايد المخاوف الاقتصادية
  • "الصكوك الوطنية": 15.8 مليار درهم استثمارات حملة الصكوك نهاية 2024
  • رئيس المركز الأوكراني للحوار: كييف لن تعترف رسمياً بالسيطرة الروسية على أراضيها
  • 27.4 مليار درهم صادرات الدولة إلى أميركا
  • 47 مليار دولار.. برلماني: تسجيل أكبر احتياطى يؤكد صمود الاقتصاد المصري
  • مليارا دولار استثمارات الطاقات المتجددة في المغرب