قصة الوادي الصغير (18)
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
حمد الناصري
وصل قائد الغربيين ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة في بحر الأعراب بشكل مُفاجئ وبطريقة عاجلة إلى ساحل الحارات المُهادنة، واستدعى مُحسن الشيخ قائد تحالف الوادي الصغير والذي باركه خصومه من الشرقيين، وتحدّث معه في أمر بالغ الخطورة، وقال بعجالة:
ـ منذ أنْ بزغت شمس الشرقيين ذوي العيون الزرقاء والأنوف الفطحاء والعيون الجاحظة، والتطوّرات السريعة في الوادي الصغير وتحوّل امتدادها إلى رمال الأعراب وجزء كبير من الساحل الطويل، وتلاحقت هيمنة الشرقيين على مجتمعكم الذي كان صلباً في وجه هيمنتهم منذ القِدَم، وقد رفض مجتمعكم النقيّ هيمنة الشرقيين واستمرارهم على أرضكم؛ أرض الأعراب، وما أنْ تنحّى السيّد ثابت عن قيادة الوادي الصغير، حتى حدث تغيير في "سيح المالح المتحد" ونحن في قيادة البحر الكبير، نرفض مثل تلك التغييرات ونعدّها حدثاً يضرّ بمصالحنا في بحر الأعراب ونعرض عليكم خطر الشرقيين مرّة أخرى، فالشرقيين يُريدون بهذا التحالف الجديد إيقاظ الجوار البحري، وفارعي الطول وذوي العيون السوداء والجاحظة واستمرار هيمنتهم، ليقوم أولئك الأقوام بأدوار مَشبوهة في بحركم، ونحن نخشى أنْ تُقَطّع الأماكن التي تهتمون بها وترتادونها وتُعظمونها قيادة ومجتمعاً، ونخشى أنْ تُعطّل قوّتكم أو يحدث حراكاً مُجتمعياً غرضه إفشال مُخطط السيّد ثابت قبل تخلّيه عن السُلطة أو يستهدف الاتفاقيات السرّية طويلة الأمد، فيحدث بعدها اهتزازاً لمصالحنا المرتبطة معا.
ولكي يكون أداؤكم فاعلاً، عليكم بإصلاح الخلل، فالدور الإصلاحي يُعزّز من قوّة علاقاتنا ويُحقّق أهدافنا المُبتغاة، ويُبلّغنا غاية ما اتفقنا عليه مع القيادة التي كانت قبلكم.. ونُعلمكم بأنّ استمرار هيمنة الشرقيين في البحر الكبير وفي رمال الأعراب، يُحرمكم من مطمح شُغور قيادة تحالف الوادي الصغير.
لذا يتوجّب عليكم أن تُغيّروا أحوالكم بالتوجيه الذي أشرنا إليه قبل أن يستفحل الأمر ويؤول إلى الأسوأ، فنحن نخشى أنْ يحدث حراكاً في المجتمع يمنع بلوغ أهدافكم في التحالف الجديد ويُحرمكم من مطمحكم إذا ما صارت بحاركم ورمالكم في قبضة الشرقيين.. كما نرى أن تنطوي مُسمّيات العشائر والعائلات القيادية إلى علامات تتميز بها عن الأخرى. بمعنى تكون مسبوقة بألـ التعريف.
فنحن نضع علامات تميّز بين الطبقات لتكون العشائر والعوائل في الوادي الصغير ورمال الأعراب وحارات الساحل وكثبان الرمال الذهبية وفي قرى البحر والجبل على فئتين؛ أولى مُتميّزة عالية وثالثة كادحة ضعيفة ولا وسط بينهما، أي لا وجود لطبقة ثانية بين الفئتين.
وهذا التغيير في الأحوال الداخلية، يفصح عن رغبتكم في العودة إلى تصحيح ثقافة الأعراب وانتمائهم إلى جذورهم الأصلية، وملامح التجديد في العلاقات بين عائلات الأعراب وانتماءاتها، وحتّى أنكم - وبتلك التسميات - تضعون حدوداً بينكم وبين جيرانكم من غير الأعراب المُقيمين على شاطئ بحركم.. والتغيير الجديد سوف يُحسب لكم، ويكون لكم السّبق فيه تاريخياً، ترسيخاً لحياة جديدة للأعراب ووضع تجذّرات جديدة أنتم أنشأتم أفكارها ولتبقى حدوداً فاصلة أو تكون مُعادلات لإضفاء النقاء بين طبقات المجتمع، تُحدّد من خلالها العلاقات بين عوائل الأعراب برّا وبحرا على أساس ذلك النّقاء الذي أشرنا إليه، وتعتبر عائلة آل الشيخ أوّل المُسمّيات الجميلة في تأريخ حاضر الأعراب.
قال أبو صالح من الحارة الخامسة وهو ينظر إلى " آرثر" قائد الغربيين في بحر الأعراب الكبير " ويشدّ عينيه في عين مُحسن آل الشيخ على رِسْلك يا "آرثر" :
ـ نحن نُدرك أسباب تنحّي " ثابت" عن زعامة الوادي والمُتحد وتخلّيه عن التحالف الجديد ليس من أجل التسوية بل لأنّكم أرغمتموه على تقديم تنازلات أكثر لكم، وبهذه الفوضى الخلّاقة والتغييرات الحاصلة في أسس علاقات العائلات وتجذّرها الوجودي هي بحقّ تنازلات قدّمتموها على طبق من ذهب لمحسن الشيخ وسوف تتآكل هويّتنا وتموت ثقافتنا، وقد يشهد مُجتمع الأعراب صاحب القيم والعادات اختفاء مُتسارعاً.. فالاستبداد الغربي والنظرة الفوقية خطيرة جداً على مجتمع الأعراب وسوف يُعرّضنا إلى أبشع صُور الاستبداد، قد تكون لا سابقة لها، وستضعف قوّتنا، وسنرى قتالاً على السلطة، وسيحرم الحارات من تبوأ مكانتها في التحالف الجديد.
والتفت إلى محسن الشيخ وأردف بملامح غاضبة.. انظر يا مُحسن الشيخ وتفكّر، إنّ تنازل "ثابت" وتخلّيه عن السُلطة في الوادي الصغير، وتركه قيادة التحالف الجديد، بمسمّى الوادي، فيه إثارة لمجتمع الأعراب، وعلينا قطع الطريق على الشرقيين والغربيين معاً قبل أن يفتعلوا أحداثاً تُثبط همّتنا وتُضعف جدّيتنا، فإنّهم داخلون علينا بقوّة، حتّى وإنْ كانوا مُختلفين، فهم متّفقون على أنّنا أعراب لا نستحقّ.
قال محسن آل الشيخ قائد تحالف الوادي الصغير، مُعقباً بتوافق مع رأي "آرثر" قائد الغربيين في بحر الأعراب ومُتفقاً مع رأي أبو صالح آل مرير ولكن بلغة مُلتوية، تسير إلى تثبيت أفكار " آرثر" قائد البحرية الغربية في بلاد الأعراب:
ـ لا شكّ أنّ أمّتنا تعرّضت إلى مُحاولات الاستبداد الشرقية وترسيخ مفهوم الطبيعة الباقية، وذلك المفهوم مُدَمّر لحياة الأعراب، ونخشى على مُجتمعنا أن يأخذ من أساليب الشرقيين ما يُفرّقه، فالشرقيين لهم قيم ملتوية مُعتمة ومُتعرّجة وأساليب غامضة، فإذا ما تقلّبت الأحوال وتغيّرت المعايش تبعاً لها، فما هو موقفنا - حينئذ - من قومنا الأعراب.؟
والتفت إلى أبو صالح من عشيرة آل مرير وأردف، كما تعلمون، نحن هنا في الوادي عاصرنا كثير من الاستبداد على مدى قرون، منها ـ وعينه مشدودة في عين آرثر قائد الغربيين في بحر الأعراب وأعاد الكلمة مرّة أخرى " الاستبداد الغربي في بحر الأعراب بمفهوم مشروع "البحر والرمال" والاستبداد الشرقي بمفهوم" الشرق الكبير " وكلا المشروعين جاءا لتطويع الأعراب على ثقافة بعيدة عن ثقافتنا، وإرغامهم على تقبّل الجوار البحري لذوي السحنة الرصاصية وفارعي الطول وذوي العيون السوداء وذوي العيون الجاحظة.
قال أبو صالح بعد تنهيدة فيها ضيق كبير على رِسْلك يا رجل، بـ الهوينة على منصبك الجديد:
ـ دعني اسمعكم ما قرأت من كتاب المُؤتلف لأحد مؤلفي التاريخ بـ "الساحل الطويل" مُعرفاً عن نفسه.. أكتب بحياد تاريخي، فما أصعب القراءة التاريخية وما أصعب الكتابة فيها، وكتبتُ في السّيَر وأدب الرحلات ولكني لمست بأن التاريخ صَعب جداً وخاصة تاريخ أمة الأعراب، الذي أهمله الغرُباء شرقيهم وغربيهم وتجاهلوه متعمّدين، وما أكثرهم في رمال الأعراب وبحارها، سواء كانوا مُستشرقين أو مُستكشفين أو مُخبرين، وكانت السردية اللغوية لهذا الكتاب جميلة، وتتميّز بتفاصيل دقيقة، وقد سرّتني واقعية الكاتب التي أخذها من أفكار عميقة، وقد طرح في أكثرها مُتسائلاً حول تأريخ الأعراب المجهول في كتابات الغُرباء والمُستشرقين.. ومن تلك الواقعية المطروحة، حول اكتساب أقوام الجوار البحري لُغة الأعراب ولُهجة أهل ساحل الحارات العشرة، كذلك فإنّ جزءاً كبيراً من مجتمع أعراب الساحل يتحدّثون لُغة الجوار البحري بمختلف أجناسهم، مثل الأقوام فارعي الطول وذوي العيون السوداء وذوي العيون الجاحظة وذوي السحنة الرصاصية.
ولا ريب، فإنّ الكتاب قد طرح أحداثاً لم يذكرها الغرباء أبداً، وهي جزء من ثقافة إنسان الأعراب، ذلك التُراث الرصين والتقاليد الغنية بالقيم والمبادئ والعادات التي عززت ثقافة مُتبادلة بين الأعراب والجوار البحري ونقلت التجارب والتفاهمات دون أيّ عوائق منذ مئات السنين.
وكان الجميل في روعته، أي ذلك الكتاب التأريخي، هو ما ذكره مؤلف الكتاب عبدالله آل المشهور، حين أطّر العلاقات بين حارات سيح المالح بذلك الامتداد البعيد لـ الساحل الطويل وعلاقات الزمن الجميل.. فقال "كما يبدو أنّ ساحل الحارات العشرة تهادنت مع نفسها وتصالحت وفكّت ارتباطها عن رمال الوادي الصغير وانعزلت القرية الأعلى ورأس الجبل وقرية المَمر الضيّق، وبقينَ ثلاثتهنّ على ارتباط وطيد بمُجتمع الوادي الصغير حتى عُرفَت به".
وقد أخذ رجال الحارات المُتصالحة ينظرون إلى ذلك الساحل الطويل المُهادن حتى وقت قريب جداً على أنّه جزء من منظومة الوادي الصغير.
قاطعه رجل أربعيني، يُعرف عنه بأنه شديد البُخل، تعود جُذوره إلى قرية الأعلى الجبيلة الواقعة على رأس الممرّ الضيّق، ويُسمّيها البعض بقرية رأس الجبل أو رأس البحر، والأكثر تداولاً هو قرية الرأس الأعلى، والرجل على خِلاف جدلي عميق مع أبو صالح وعائلة آل مرير، ويتقاطع معه في كثير من الأمور، ويرجع ذلك الخِلاف إلى خصومة قديمة بين عائلة آل "شحّة" التي ينتمي إليها ابن قرية الرأس الأعلى وعشيرة آل "مرير" التي ينتمي إليها ابو صالح ابن الحارة الخامسة:
ـ كما يبدو لي ـ وعينه مشدودة في عين أبي صالح ـ أنّ الخائنين من أمّة الأعراب لا نحسبهم من الأمّة الماجدة بل هم عِبء ووجع وشرٌّ علينا بجدالهم العقيم، كأنّهم يستوحون الظُلم ممن سَبقوهم من آبائهم المُعتدين على حقوق الآخرين منذ سنين طوال، وليت الامر قد توقّف عند هذا الحدّ بل تعدّاه إلى حدود الكراهية، وغدت حالتنا القومية انتماءات مكانية، وحلّت مقامها ما يُعرف عند الغُرباء عُنصرية التحزّب، وهذه هي التي خلّفت الأحقاد، فخسرنا بسوء الظنّ الجوار البحري وأكثر أعراب الساحل الطويل" الحارات العشر" اختلطت أصلابهم بالجوار البحري ، ولا أريد أن أذكّرك أنّ جزء كبير من قومكم وقع في قبضتهم فضلا عن جزء من ساحل الحارات الطويل.
عقّب أبو صالح آل مرير غاضباً:
ـ أيها الرجل، اسمعْ ما أقول، أنتم رجال القرية الأعلى أو رأس الممرّ الضيّق لا فضائل لكم علينا، ولا أدري.. لماذا أنت مُهتمّ بالحارة الخامسة أم أنّ الغُرباء أوحوا إليك فلم تستوعب إنسانيتنا التاريخية واتخذتم من قريتكم البحرية مرفأ لعنصرية ابتدعوها لكم غُرباء ليسوا من جنسكم ثم اقْتفيتم آثارهم ببلادة فوقية وتعاليتُم بغرور لا ذكاء فيه ولا فِطْنة وكأنّ عقولكم تبلّدَت وركدَتْ.
وكيفما قلت، فلا يؤثّر قولك على أحد منّا، ولكنّي أطرح لك ما قرأت، وكان ذلك القول الجميل، يُؤكّد أنّ من صِفات الأنفس الشحيحة إعراضها عن الجود والإيثار وتبجّحها بالقول دون الأفعال.
والآن، أبدو أنّي أريد مُخالفتكم؟ وعلى العكس، فأنا أريد أنْ أحدّثكم عن تلك الوثيقة السرّية التي شغلتْ بالي والتي وافقتم عليها مع الشرقيين ذوي العيون الزرقاء وذوي الأنوف الفطحاء، وإني أراها ـ أيّ الوثيقة السرية - مُجحفة بحقّ أعراب الساحل الطويل، فلو نظرنا إلى تسوية المياه البحرية، لم نجد شيئاً مذكوراً عن أوضاع مجتمع حارات الساحل ولم تُحدّد مساحاتها ولمن تعود ملكيّة كلّ جزء فيها، غير أنّ الغربيين ومن معهم أصرّوا على تكوين تحالف، سمّوه " سيح المالح المُتحد" ثم ماذا.؟ حدث انقلاب مُفاجئ لنا وللغربيين الذين يُساندوننا للحفاظ على قيم المتحد، ثم ماذا حدث ـ يا تُرى ـ لمنظومة الوادي.؟ تم تغييرها إلى تحالف.. لماذا.؟ لكي تُتمّ الهيمنة على منافذنا البحرية، والسيطرة على رمال الوادي الصغير.
قال رجل نحيف الجسم ذو عينين واسعتين من الوادي الصغير، ينتمي إلى عائلة آل ثابت:
ـ لا يزال رجالنا على موقفهم وعلى ثباتهم، فهم الركيزة الأساسية لأيّ تحالف ومنظومة ومُتحد.. لا شيء يُعرف من دونهم.. وأنتم لا تزالون مُختلفين " لا هُدنة ولا مُهادنة بينكم.. ولا تصالح ولا إصلاح.. ولتعلموا جيداً، أنّه لا مُصالحة معكم بعد اليوم ولا هُدنة، فقد كُنّا في لحظة ضعف حين أصبح الساحل مُتآمراً علينا، على الرّغم من أنّنا ننعم بنعمة المُهادنة التي سوّيناها معكم وتصالحنا فيها مع قومكم، على الرّغم من أنّكم أعراب مُختلطين لا ثقافة ثابتة لكم ولا ركيزة غير ساحل يتقطّع على يدي صياد، لا مُماهرة بينه وبين البحر سوى أنّه صياد ينظر إلى لون البحر؛ لكن البحر لا لون له.
ورمال الحارات مالحة مُشبعة بالرطوبة، وأجوائها عالية الملوحة فأيّ بُشرى آمنة تحمله لكم، لا من قريب ولا من بعيد.. وإنْ لم تكفّوا عن النظرة الفوقية فلا عهد بيننا ولا وثيقة، ولن تنفعكم المُهادنة ولن تشفع لكم المُصالحة، أنتم وغُرباؤكم الذين بالغتُم في وُدّهم، واتخذتموهم أخِلاّء تُلقون إليهم بالمودّة ليلاً ونهاراً، وسيبقونكم ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة في مذلّة ولن يكونوا معكم ..
ونحن في الوادي الصغير والقرية الأعلى وقرية رأس الممرّ العميق وآل ثابت لا نحتمل مساوئكم، لذا انبذوا أسلوب الغربيين المُتعجرف، فأولئك القوم لن نتحالف معهم، ونظرة قرية البحر والوادي مُطمئنة تجاه القريتين؛ قرية التراث والقرية العتيقة.
عدّل أبو صالح آل مرير جلسته، وتهيّأ للردّ، لكن الرجل المُتحدث من " عائلة آل شُحة " أوقفه عن الكلام ريثما انتهى هو من كلامه، وأردف قائلا:
ـ دعني أحدثّك بجدّية واهتمام، اسمع وانظر ماذا أقول.؟ ثم لك َأن ترى وتنظُر ما إذا كنت مُحقّاً في كلامي أو لديك تعقيب على قولي، أو ماذا.؟ المُهم ـ يا سيدي ـ دعني أسألك سؤالا خفيفاً أنت وغيرك تعلمه وليس عنكم ببعيد.. يا تُرى لمن السيادة البحرية منذ غابر الأزمان، هل هيَ لجمعكم المُتناحر أم لحاراتكم المُتناثرة.؟ ومن الذي كان له الامتداد منذ القِدم، وعُرف البحر باسمه، وطوّع البحر إلى أن وصل إلى أقصى البحر الشرقي لذوي الأنوف الفطحاء.؟ وسار إلى أبعد من بحره الكبير حتى وصل إلى بحر المرجان، ذلك البحر الذي عُرف في حُقبة زمنية بوصفه مدخلاً عميقاً إلى الحارة العاشرة الأوسع مساحة من حاراتكم جميعها، وذلك البحر مدخله عميق ثم يأخذ في الترقّق والضحالة وبه تعرّجات مُسطّحة تتّسع تارة وتضيق تارة أخرى، والعُمق لا يختلف عن الساحل الطويل.
وعليك أنْ تسألني الآن.. لماذا سُمي بحر الأعراب بالبحر الكبير.؟ نقول لك يا ابن الحارة الخامسة يا ابن مرير أو آل مرير عفواً، وإلى جميع الذين يستمعون إلينا شكراً وإلى قائد بحرية الغربيين في بحر الأعراب لسنا معكم، ونحن ندلّكم على تفاصيل لم تكونوا تعرفونها، فبحر الأعراب بحرٌ عميق واسع يتّسع للأعراب ويضيق على الغرباء ويلتقي بحر الأعراب عند سبعة أبحر، ويُعرف بمصبّ البحار الستّة، بحر المرجان والساحل الطويل وبحر الوادي الصغير وبحر الأعراب الكبير والبحر العميق وبحر الظلمات.. وأهلنا في الوادي الصغير وجزء من حارات الساحل الطويل يُسَمّون ما وراء بحر الوادي الكبير ببحر الأعراب ذلك البحر الأعمق يعقبه بحر مفتوح عُرف ببحر الظُلمات ويحلو للبعض تسميته ببحر العواصف، ثم بحر الشرق الأكثر مشقّة الذي عرّفه ابن قريتي شهاب الماجد بـ رأس الدوران الاعلى وتارة برأس نهاية اليابسة. وأنه بحر لا شيء بعده.. تتوقف فيه مسير السفن، وتنشط فيه العواصف ويزداد البرق لمعاناً، والرعد يهزّ الأرجاء ويُرسل الصواعق فتحرق كلّ شيء، فيصير كلّ شيء دخّاناً غليظاً، شديداً يهلك كلّ شيء يُصيبه.
قال رجل من قرية رأس الجبل التي يُنسب إليها البحار العظيم الماجد، والذي يَمتهن البحر كحال أكثر أهل قريته البحرية:
ـ كما تعلمون، أنا من عائلة البحار شهاب الماجد ولا أدّعي العِلم بكلّ شيء كحال غيري الذين سبقوني في النقاش والحوار والأفكار، ولم يتوصّلوا بها إلى شيء أو حلّ يُرضي الأطراف جميعها، نظراً لوجود حركتين في سماء الرمال وبحر الوادي.. تلكما الحركتين اللتين سَمّيتموها بـ القوّتين الكبيرتين، من قبل أنْ أكون شاباً تعتدّ به قرية الرأس الأعلى.. وها أنا أصُون قرية الرأس واحفظ وُدّها وأحرص على أمانتها، وأقول: لا اتّفق معكم في تسمية القوّتين الكبيرتين، فالقوّة يُتكَأ عليها، وقد وُجِدت لغرض معيّن، فإذا زال السبب يزول المُسبّب، أمّا في قولي: أنّهما حركتان، فهما حركتان حقاً؛ فالحركة تبقى على تفاعل مع وجود النشاط فإذا توقّف الناشط المُسبّب توقّف النشاط، إذ لا نشاط بدون ناشط.. فالناشط هو المُسبّب للنشاط، والنشاط هو الحركة، وغرض النشاط إثارة الفوضى في بلاد الأعراب وإقلاق الرأي العام وإشغال المجتمع بأزمات لا معرفة لنا بها، فماذا يعني ذلك؟ بقاء الناشط مُستمراً حتى لو زال النشاط أي زالت الحركة؛ ولكي تزول الحركة أو النشاط لا بُد وأنْ يُستدعى أحدهما على حساب الآخر، فتنشأ حركة اصطفافية، وتتخلّق مُعارضات أو مشاحنات تُؤدّي إلى هدف؛ ذلك الهدف، هو الذي جاؤوا به ومن أجله تستمرّ السيطرة على مُقدّراتنا ومُدّخراتنا وسيُطورون أنفسهم بأثمانها، بينما أصحابها، أصحاب الأثمان لا يقبضون ولا يكسبون منها شيئاً أبدًا، ذلك لأنّ الناشط لا يزال يفتعل الحركة ولا تزال الحركة في نشاط مُستمرّ..
طيّب؛ ونحن الاعراب ما هو قدرنا في معمعة الحركتين؟، هل نبقى على ما نحن عليه، نتناحر، نقتل بعضنا بعضًا وفي سخط دائم، والشحناء والبغضاء تتضاعف حدّتها بيننا، ونبقى - على الدوام - في تحزّب وتسميات جوفاء.
وأما الشقّ الآخر الذي وددتُ أن أخبركم عنه، أنّ المُسميات الجديدة لعائلات الوادي الصغير والرمال .. ماذا تعني.. لا تعني شيئاً مُطلقاً، وأنا لا أحبّذها، وأسمّيها حرب الأفكار في بلاد الأعراب، كيف؟ الحروب كثيرة والحرب الكلامية أقذر أنواعها ، وحرب الأفكار نتنة، وحرب الأفكار حرب صامتة، تجعلك في نشاط دؤوب ومُستمرّ، تناقش وتُحلّل وتدفع وتتحرّك ولكن في صمت وفي غموض، حرب باردة كالحرب الباردة بين الشرق والغرب؛ التي نكون نحن ضحيّتها، تُنهب كنوزنا وتُسرق مُدخراتنا وتُخزن لعشرات السنين ليس في بلادنا ولكن في بلادهم، وتنتقل ملكيتها في صمت وفي حركة ونشاط، وكلا القوتين تَعلمان ما يفعله الآخر، فهما يتنافسان ويقتسمان أموالنا على مرأى من عيوننا، ونحن نأخذ دور الحارس لها، فنسدّ الباب في وجه هذا ونفتحه في وجه الآخر، فخورون بأفعالنا ومُتميزون بأدوارنا، نحرس كلّ شيء ثم لا يكون لنا فيه أيّ شيء.
وثقافتنا من ثقافة الأفكار التي تُبعدنا عن أصُولنا وأعرافنا، ولا تستقرّ على رحمة التآلف والتعاضد التي هي مقصد الغُرباء، ولا تأخذنا إلى التعايش بين مجتمعاتنا، ولا تنطلق بنا إلى واقع التأريخ ولا إلى تصحيح الأوضاع وتنتشلنا من حماقة البعض وتفاهة ثقافة الاعتداد الاجتماعي لدى الأعراب.
وأخيراً أقول: لا اتّفق معكم فيما يخصّ بتغيير مرجعيات الأعراب أو انتماءاتهم، فبدل " ألـ " التعريفية حوّلتموها إلى آل.. فأنا أحمد بن عبدالله الشهابي نسبة إلى جدّي الثالث شهاب بن أحمد بن شهاب الماجد.. وتعني أنّ مرجعيّتي بيت الماجد.. وكلمة آل .. هي حركة نشطة لتعديل جوهر أنماط الأعراب.؛ ليعتادوا على مُثل وقيم غربية وشرقية لا تٌعرف انتماءاتها. فكلمة آل.. حدث جديد مرفوض في الوادي الصغير والرمال.
واتفق مع ذلك الرجل وما ذكرهُ عن البحار الماجد ابن قريته الأعلى، نعم هذا الرجل من قرية الأعلى ترجع جذور عائلته إلى بيت "شُحة" وكان على خصومة مع عشيرة أبو صالح، عائلة بيت مُرة ومرجعهم حارة بني مرير، والذين يُعرفون غالباً بأولاد مُرّة. ورغم الخلاف بين العائلتين منذ سنين لكنّه قال: أسعدني ما استمعت إليه من قول حَمِيد عن البحار الماجد والثناء الجميل لبحار أعرابيّ عظيم، شغل في زمنه الشرق والغرب.. أمّا ذلك الرجل الأهوج الذي خرج من بلاده الغربية مُستكشفاً وكاد يفشل في رحلته ولولا أنّ ذلك البحّار العظيم من بيت الماجد قد أنقذهُ من بعد فشله في مواجهة العواصف الشديدة مراراً وتحطّمت سُفنه وتعثّر بشدة في بحر العواصف، ومن سوء حظّه قلّبت العواصف الهادرة سُفنه رأساً على عَقِب وحطّمتها، وأطلق على بحر العواصف تسمية " البحر الظالم".
وحين استقرّ إلى البرّ استكبر وبَغى، ونسيَ الذي أنقذهُ من الموت ونجّاهُ من خطر الغرق في بحر العواصف المُظلم، أو كاد أن يتحقّق ذلك كلّه في بضعة أيام، ولولا ذلك البحّار الشهابي لكان خبر الموت هو الأقرب.
وذلك الرجل الغربي المُستكشف أهوج، جاهل بأحوال البحار ومُنقلبها ومُفاجئاتها، أحمق بهفواته، أرعن، مُستكبر، مُتسرّع، مُتعصّب بغوغائية انتقامية من الآخرين.. فقد نكر صَنيع الأعرابي الذي أنقذه من خطر الموت وأخرجه من تلك البحار الهائجة إلى برّ الامان.
وازداد شرّانية حين استمرّ في الكذب، فقابل الإحسان بإساءة النُكران، وقابل جمائل المعروف بعُدوانية حمقاء، وتجاهل ما قدّمه البحّار الأعرابي، وقد ذكر الحادثة الشهابي في كتابه الشهير " البحار السبعة العميقة "، والشهابي بحّار من عائلة الماجد التي ارتبط اسمها بالبحر، وآل ماجد من قرية الجبل التي تُعتبر من مجموعة الحارات العشرة المُرتبطة بالساحل الطويل.
ويُعدّ كتاب البحّار الماجد " البحار السّبعة العميقة" أهمّ وثيقة تاريخية في علم البحار السّبعة، وهي من ضِمن وثائق البحّار الأعرابي التي أخفاها الغُرباء ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة، وقد أخفوها بسرّية تامّة، لكونها سِرّ كبير في علم البحار، ولأنّ مُؤلفها الأعرابي تفوّق على الغُرباء شرقيهم وغربيهم في علم البحار، فجعلوها في خزائن سرّية مُحكمة.. ولم تظهر إلينا ولم نكن نعلم عنها شيئاً لولا أنهم اختلفوا فيما بينهم.. فكان اختلاف الغربيين مع الشرقيين فاتحة خير للأعراب لتخرج لنا بعض من هذه الوثائق التي سُرّبت إلينا بطريقة مختلفة، فالاختلاف بينهما رحمة لنا، ولذلك يطلب كلّ منهما الاقتراب منّا، ويتنافسان فيما بينهما في التودّد إلينا.
يتبع 19
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: التحالف الجدید قریة الأعلى قریة الرأس ذوی العیون ة الأعراب ر الأعراب أبو صالح الغ رباء عائلة آل جزء من
إقرأ أيضاً:
ضياء الدين حسين وكيلا لمديرية تموين الوادي الجديد
أصدر وزير التموين والتجارة الداخلية قرارا بندب السيد ضياء الدين حسين كبير اخصائين بمديرية تموين الوادي الجديد بشغل وظيفة وكيل مديرية التموين والتجارة الداخلية لمدة عام او لحين شغل الوظيفة طبقا لاحكام القانون مع منحه المزايا والبدلات المقررة.
جاء ذلك بعد الاطلاع علي قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩ ولائحته التنفيذية وعلي قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم ٨١لسنة ٢٠١٦ ولائحته التنفيذية وعلي مذكرة مساعد الوزير للتخطيط والتنمية والشئون المالية والإدارية.
تعرف علي السيرة الذاتية لوكيل مديرية تموين الوادي الجديد
ضياء الدين حسين محمد متولي
حاصل علي ليسانس حقوق 1991 تعين سنة 1992
وتدرج من مفتش تموين
ثم مدير إدارة حماية المستهلك
ثم مدير إدارة الأزمات والكوارث
ثم مدير عام إدارة المتابعة
ثم مدير عام إدارة تموين باريس
ثم وكيل مديرية تموين الوادى الجديد.
حصل على العديد من الدورات التدريبية بوزارة التموين ، حاصل على العديد من شهادات التقدير والتكريم من وزارة التموين. محافظة الوادي الجديد ،جامعة الوادى الجديد، مركز النيل للاعلام، حاصل على دروع تذكارية ،حاصل على 2 دكتوراة فخرية، حاصل على 3 دبلومه.
كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات.