لجريدة عمان:
2025-04-16@11:33:18 GMT

معيار الجدية في التحريات السرية «2-2»

تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT

تناولت في مقال الأسبوع الماضي، ظاهرة ازدياد عدد القضايا القائمة على التحريات السرية وكان منبع الحديث عن الظاهرة هو خطورة إجراء التحريات السرية على حرية الإنسان وحرمة مسكنه الخاص، ثم تفرع الحديث إلى مفهوم التحريات السرية ودورها في كشف الجرائم، وكذلك الوسائل التي يتبعها مأمور الضبط القضائي في القيام بإجراء تلك التحريات السرية والعيوب التي تكتنف التحريات السرية وتهوي بها إلى البطلان باعتبارها عملا إجرائيا يخضع لإشراف الادعاء العام وتحت مراقبة قاضي الموضوع من حيث صحة وفساد الإجراء.

كما تناولت أيضا صور عدم جدية التحريات التي فصلتها إلى محاور ثلاثة أولها: يرجع إلى شخص قائم بالتحري وثانيها: يرجع إلى حقيقة البيانات والمعلومات الواردة لمأمور الضبط القضائي وآخرها يرجع إلى مشروعية العمل الإجرائي الذي استخلصت من خلاله تلك البيانات والمعلومات.

واستكمالا لهذا الموضوع، أتناول في هذا المقال أثر التحريات السرية في تكوين عقيدة قاضي الموضوع، والسؤال الذي يطرح نفسه على بساط البحث في هذا الصدد: هل التحريات السرية استدلال أم دليل؟ وللإجابة عن هذا السؤال يتعين التفرقة أولا بين الدليل والاستدلال في قواعد الإثبات الجزائية.

فالاستدلال: هو العملية أو المرحلة التي يتم من خلالها استخراج أو استخلاص الجواب أو النتيجة بناء على المقدمات التي تتمثل في البيانات والمعلومات المعروضة مسبقًا على مأمور الضبط القضائي، وهي تتم من خلال الاستنتاج أو الاستقراء، ومن ثم تحتمل فيها الصحة أو الخطأ، والصدق أو الكذب باعتبارها تُعبر عن رأي مجريها.

أما الدليل فهو: القرينة التي من خلالها يمكن إثبات الحقائق التي تدور حول الجريمة والقدرة على نسبتها إلى فاعل معين أو نفيها عنه.

وعملًا بما جاء بقانون الإجراءات الجزائية بالفصل الأول من الباب الثاني «جمع الاستدلالات والتلبس والتحقيق الابتدائي» الذي قطع بأن التحري هو أحد إجراءات الاستدلال وبالتالي فإن التحريات السرية دون سواها لا ترقى بمفردها إلى مستوى الدليل لتكون قرينة على ثبوت الاتهام في حق المتهم، وبالتالي إن كانت لا تصلح وحدها سندًا لصدور حكم بالإدانة فإننا نرى أيضًا أنها لا تصلح وحدها لتكون سندًا يتكئ عليه الادعاء العام في إصدار أمر الحبس الاحتياطي أثناء التحقيقات.

ومن الأخطاء الشائعة في أمر تقدير صحة التحريات وجديتها هو ما يتوهمهُ البعض أن صحة التحريات وجديتها أمران تتوقف عليهما النتيجة التي يسفر عنها الضبط المترتب على تلك التحريات إلا أن هذا الرأي ليس له أي أساس من الصحة؛ ذلك لأن الصحة والبطلان في الإجراء تتحققان بذاتهما دون النظر إلى النتيجة التي ترتبت عليهما؛ فالإجراء يظل باطلا، ويبطل معه ما ترتب عليه من إجراءات.

كما أنهُ من تلك الأخطاء أيضا ما يستدل به مأمور الضبط القضائي على جدية تحرياته باستغراقها المزيد من الوقت مدللا بذلك على صحتها إلا أن هذا الرأي أيضا مخالف للصواب كون الوقت المستغرق في التحري لا يندرج ضمن عوامل تقدير جديتها.

كما أن كثرة الوقت المستغرق في التحري ليس دليلًا على مزيد من الجهد المبذول من مأمور الضبط القضائي، وبالتالي وإن كان الأساس في الأحكام الجزائية هو اقتناع قاضي الموضوع وحريته في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى، إلا أنه يرد على ذلك قيود منها أن «يدلل» القاضي (أي بالدليل - وليس بالاستدلال) على صحة عقيدته «بأدلة» تعززها التحريات.

شكل وشروط محضر التحريات: لم يشترط قانون الإجراءات الجزائية شكلًا أو إطارًا محددًا يفرغ فيه محضر التحري وإنما اشترط أن يشتمل على مكونات موضوعية حتى تتحقق منه الغاية من تحليل عناصره وإخضاعه للرقابة سواء من قبل الادعاء العام أو من محكمة الموضوع فقد تتـوافر لمحضـر التحـريات كافة عناصره الموضـوعية فيكون دليلًا على نزاهة القائم بالتحريات وتوخيه الصدق فيكون محضر التحريات محاكاة للواقع. وقد لا تتـوافر فيه هذه العناصـر أو بعضها فيكون حينئذ دليلًا على عدم جدية القائم بالتحري وانتفاء صدقه وبالتالي أساسًا للقضاء ببطلانهِ.

ونقصد بتلك العناصر الموضوعية لمحضر التحريات: هي مجموعة البيانات التي يوردها ويثبتها مأمور الضبط القضائي بمحضر التحريات والمتعلقة بـ: (شخص المتهم المتحرى عنه، والجريمة الجاري جمع التحريات بشأنها، والصلة الحتمية بينهما ببيان الصلة بين الشخص المتحرى عنه (المتهم)، والجريمة المرتكبة، وبيان اسم القائم بالتحري ووظيفته - إثبات وثوق محرر محضر التحريات بالبيانات أو المعلومات الواردة إليه من مصادره أو معاونيه وإثبات قيامة بالمراقبة للتأكد من صحة البيانات الواردة إليه بالمراقبة - إثبات القائم بالتحري ساعة وتاريخ تحرير محضر التحريات).

وأخيرًا، نتناول في هذا المقال التحريات السرية كذريعة للتوسع في الحبس الاحتياطي، حيث إن المعهود بتحقيقات الادعاء العام التي تتم بقضايا التحريات أن يلحق بانتهاء التحقيق صدور أمر بحبس المتهم احتياطيًا مهدرًا بذلك أصل البراءة في الإنسان الذي يحظر التضييق على كل ما يمس الحقوق والحريات الشخصية إلى أن تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.

ولما كانت ضمانات الدفاع الخاصة بالمتهم مثل مسايرة المتهم في إنكاره للاتهام ومنحة الفرصة في إثبات الدليل على انتفاء التهمة في حقه أو مسايرته في طلب سماع شهوده وإجراء المعاينات أو خلاف ذلك من الطلبات التي لا تتحقق بالقدر الكافي أمام الادعاء العام باعتباره سلطة الاتهام وممثل الحق العام فإنني أناشد الادعاء العام بعدم الإسراف في استخدام الحبس الاحتياطي ضد المتهمين كإجراء احترازي في العديد من القضايا الجزائية خاصة التي تقل خطورتها على المجتمع وتنتفي فيها مبررات الحبس الاحتياطي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مأمور الضبط القضائی الحبس الاحتیاطی الادعاء العام محضر التحریات التحریات ا

إقرأ أيضاً:

حكم الاستمناء باليد وعمل العادة السرية خوفًا من الزنا

قالت دار الإفتاء المصرية، إن الاستمناء باليد أمرٌ حرَّمه الله تعالى في كتابة الكريم؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: 5-6]، وقال سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي.

حكم تكريك البرامج والألعاب الإلكترونية.. دار الإفتاء تجيبهل لمس المرأة ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيبحكم الاستمناء باليد

أما كيفية التغلب على الاستمناء باليد، فإنه يكون بالتوبةِ النصوح، وكثرةِ ذكر الله تعالى، وذكرِ الموت، وقراءةِ القرآن ومُدارستِه، والمحافظةِ على الصلاة؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ومراقبةِ الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ [النساء: 108]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْإِحْسَانُ أَن تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» رواه البخاري.

وقالت دار الإفتاء إنه يبدو أن السائل يحتاج إلى توبةٍ حقيقيةٍ بندمٍ شديدٍ، وعزمٍ أكيدٍ، وفعلٍ رشيدٍ، وعليك أيضًا بصلاة الحاجة فإنها خير معين؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153]، و"كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا حَزَبَهُ أمْرٌ صَلَّى" رواه أبو داود.

وتابعت: ثم عليك أيضًا بالدواء النبوي لمثل هذا الداء، وهو الصيام؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه البخاري.

العادة السرية خوفًا من الزنا

ووجّه أحد الشباب سؤالًا إلى الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، يقول فيه (في ناس بتقول إنه يجوز عمل العادية السرية خوفًا من الوقوع في الزنا.. فما حكم العادة السرية؟

وأجاب الدكتور علي جمعة، عن سؤال الشاب خلال برنامجه الرمضاني "نور الدين والدنيا"، أن الأدلة الشرعية جعلت الفقهاء يختلفون في الإجابة عن العادة السرية، المذهب الأول يقول بحرمة العادة السرية وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة.

وذهب الإمام أحمد وابن حزم الظاهري، أنه لا بأس من العادة السرية، كما أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم على حكم العادة السرية فمنهم من قال بضررها ومنهم من قال إنه لا بأس بها، ومنهم من ذهب إلى أنه يلجأ إليها إذا خاف الزنا.

وأوضح أن القاعدة الشرعية تقول (لا ينكر المختلف فيه ولكن ينكر المتفق عليه) فشرب الخمر حرام بالإجماع إذن لابد أن ننكره، وكذلك المخدرات والانتحار وترك الصلاة.

أما العادة السرية مختلف فيها، وتربية الكلب مختلف فيها، ولمس المرأة ينقض الوضوء أم لا؟ فمثلا الشافعية يرون بعدم جواز لعبة الشطرنج ويعتبرونها تحريك للأصنام، بينما يجيزها باقي المذاهب لأنها مجرد لعبة وتقوي الذكاء.

مقالات مشابهة

  • حكم الاستمناء باليد وعمل العادة السرية خوفًا من الزنا
  • ألمانيا: اعتقال شخص للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
  • الأمين العام للأمم المتحدة: “إسرائيل” تحرم المدنيين في غزة من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة
  • الطائرات التي أسقطت خضعت لتحسينات قتالية وتكنولوجية عالية خلال العام الماضي 2024م
  • أمين الفتوى يعلق على الـمشاهد غير الأخلاقية التي تخالف الذوق العام
  • النائب العام يناقش مع نيابة الاستئناف آليات تحسين الأداء القضائي والإداري
  • التحريات تكشف تفاصيل نشوب حريق في سنتر تعليمي بالدقي
  • رئيس كوريا الجنوبية المعزول أمام القضاء بتهم التمرد والخيانة
  • حرب الرسوم.. ما أكثر السلع الصينية التي يعتمد عليها الأميركيون؟
  • النائب العام يلتقي وكلاءه في طرابلس.. مناقشة ملاحظات الأعضاء حول النشاط القضائي