تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

مصطفى بيومى لم يكن مجرد أستاذ أو مفكر، بل كان ظاهرة ثقافية تعكس عمق الأدب والفكر العربي. أعماله وأفكاره لمست أجيالًا، وزرعت فيهم حب الأدب وشغف المعرفة.

مصطفى بيومى لم يكن مجرد ناقد أدبى وروائى بارع، بل كان صاحب رؤية ثقافية متفردة، استطاع من خلالها أن يعيد قراءة الأدب العربى بعين ناقدة تلتقط الجوانب المسكوت عنها، وتكشف عمق النصوص الأدبية.

تميز بأسلوبه الرصين وتحليله العميق، فكان يذهب إلى ما وراء الكلمات، مستخرجًا ما تخفيه النصوص من دلالات ورؤى فكرية واجتماعية. لم يكن النقد عنده مجرد تحليل أكاديمى بارد، بل كان فعلًا ثقافيًا حيويًا يسعى إلى استنهاض الوعى وتحريك المياه الراكدة فى المشهد الأدبي.

لكن مصطفى بيومى لم يكن ناقدًا فحسب، بل كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. كان صاحب قلب كبير ويد ممدودة دومًا لكل من يمتلك الموهبة ويحتاج إلى الدعم. آمن بأن الكتابة ليست مجرد مهارة، بل موهبة تحتاج إلى من يكتشفها ويرعاها، وكان هو ذلك الداعم الحاضر دائمًا، الذى لم يبخل بنصيحة أو توجيه. كثير من الكتّاب الشباب مدينون له، فقد كان الناصح الأمين، والمحفز الأول لهم، والمؤمن بقدرتهم حتى قبل أن يؤمنوا هم بأنفسهم.

على المستوى الشخصي، كان لى شرف العمل معه، والتعلم منه، بل والتقرب منه كأخ أكبر وأب روحى وصديق حقيقي. كان من أولئك الأشخاص النادرين الذين يتركون أثرًا عميقًا فى حياة من يعرفهم، ليس فقط بما يكتبونه، بل بما يغرسونه فى القلوب من قيم الحب والعطاء والإخلاص. ستظل ذكراه حيّة، لا فقط فى كتبه وإبداعاته، بل فى نفوس كل من عرفوه وتعلموا منه معنى الإنسانية قبل الأدب.

لطالما كان أدب نجيب محفوظ مرآة عاكسة للتحولات الاجتماعية والسياسية فى مصر، حيث عالج فى رواياته قضايا شائكة بأسلوب يجمع بين الواقعية والرمزية، ورغم كثافة الدراسات النقدية التى تناولت أعماله، لا تزال هناك موضوعات ظلت بعيدة عن الضوء أو لم تحظَ بالنقاش الكافي.. ولم يهتم النقاد بدراسة وتحليل أدب نجيب محفوظ مثلما اهتم مصطفى بيومى فأذدر العديد من الدراسات التى تناولت إبداعاته، ومن تلك الدراسات المهمة كتاب "المسكوت عنه فى أدب نجيب محفوظ" الذى يسعى إلى كشف القضايا المسكوت عنها فى أدب محفوظ، مسلطًا الضوء على الجوانب الجريئة التى طرحها الروائى الكبير فى أعماله.

على الرغم من كثافة التناول النقدى للكاتب الكبير، فإن عشرات الجوانب فى عالمه لم تحظ ببعض ما تستحقه من اهتمام وتحليل، ومن هنا تأتى هذه دراسة مصطفى بيومى التى تضم اثنين وعشرين بابًا، وتتناول بعض المسكوت عنه نقديًا.

يركز مصطفى بيومى فى كتابه على تحليل الموضوعات التى تجنبتها بعض الدراسات التقليدية، مثل علاقة السلطة بالمجتمع، وأدوار المؤسسة العسكرية والشرطة، إلى جانب قضايا اجتماعية حساسة كالقمار، والانتحار، والطلاق، والشذوذ الجنسي. ومن خلال هذا التحليل العميق، يكشف بيومى كيف استطاع محفوظ توظيف الأدب لمناقشة قضايا جوهرية بأسلوب يتسم بالذكاء والعمق، ما يعزز من فهمنا لمشروعه الإبداعى ورؤيته النقدية للمجتمع المصري.

يقول مصطفى بيومي، فى مقدمة موسوعته المهمة عن المسكوت عنه فى عالم نجيب محفوظ الروائية، «يمثل نجيب محفوظ قيمة مضيئة فى تاريخ الثقافة المصرية، والعربية والإنسانية، ذلك أنه يقدم نموذجًا فذًا للمثابرة والجدية والدأب من ناحية والتمسك بالتفاعل الإيجابى مع معطيات الواقع الاجتماعى دون إهمال التجديد الفنى من ناحية أخرى».

وتستحق هذه الموسوعة المهمة أن نعرض لها تفصيلًا لولا ضيق المساحة المتاحة، وهو ما سنحاوله فى أقرب وقت تقديرًا لروح أستاذنا الراحل الكبير.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مصطفى بيومي مصطفى بیومى المسکوت عنه نجیب محفوظ لم یکن بل کان

إقرأ أيضاً:

هل يوجد تلازم بين الأدب والفقر؟

حينما تولّى الشاعر والأديب عبد الله بن المعتز العباسي الخلافة في عام 909م، لم يلبث إلا يومًا وليلة حتى قُتل، قيل حينها إنه أدركته حِرفة الأدب! لأنه كان أديبًا، وهو مؤسس علم البديع، العلم المعني بتحسين أوجه الكلام. وهو أيضًا شاعر، ومن أشهر ما قال:
لا تحقرنّ صغيرةً ** إن الجبال من الحصى
وقد قام البعض بتحوير كلمة حِرفة (بكسر الحاء) إلى حُرفة (بضم الحاء)، وتعني الشؤم، وقلة الحظ. فهل هناك بالفعل تلازم بين الأدب والفقر، خاصة مع وجود عشرات الأمثلة على ذلك؟
في المقابل، فإن هناك أيضًا أمثلة عديدة تتحدث عن أدباء أصبحوا أثرياء تدحض هذه الفكرة، ومنهم الروائية فيرونيكا روث (ولدت 1988م) وأصدرت أول كتاب وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، حيث وصل أحد كتبها إلى المرتبة السادسة في الكتب الأكثر مبيعًا في صحيفة نيويورك تايمز عام 2011م، ثم المرتبة الأولى عام 2012م، ثم بيع من إحدى رواياتها 30 مليون نسخة حتى أصبحت مليونيرة قبل وصولها إلى الثلاثين من عمرها. ولسنا بحاجة إلى ذكر الروائية البريطانية التي أصبحت مليارديرة من رواياتها (هاري بوتر)، بعد أن كانت مطلقة ومعنَّفة وليس لديها مأوى تنام فيه، ثم باعت من كتبها 600 مليون نسخة، وتُرجمت إلى أكثر من 84 لغة.
أما الروائي الإيرلندي كولم تويبين، فقال إنه يكتب من أجل المال لا للمتعة (الغارديان البريطانية – 3 مارس 2009)، وبالفعل فقد وصلت كتبه إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في العالم، وحصل على أرباح طائلة وعلى عدد من الجوائز الأدبية العالمية. وقبله بـ300 عام قال الكاتب الإنجليزي صموئيل جونسون: إن الأبله فقط هو من يكتب لغير المال! (المصدر السابق).
ولدينا في التاريخ العربي الشاعر العباسي البحتري الذي كان من أشهر شعراء عصره، وكان ميسور الحال بفضل الهدايا والعطايا التي كان يحصل عليها من الخلفاء، خاصة من الخليفة المتوكل. وأبو نواس الذي أغدق عليه الخلفاء المال مكافأة لشعره. وكذلك الأمر مع الشاعر ابن الرومي وابن زيدون وأبي فراس الحمداني وغيرهم كثير.

 

@yousefalhasan

مقالات مشابهة

  • رمضان في دبي.. تناغم بين التقاليد العريقة والحياة العصرية
  • حفريات في الأدب والنفس
  • منذر رياحنة: صراعي مع مصطفى شعبان مليء بالإثارة في حكيم باشا.. فقدان ابني سبب تحول الشخصية.. وبنات همام يكشف خبايا وأسرار ريا وسكينة| حوار
  • نجيب ساويرس يرد على خالد مشعل ومواقع التواصل تتفاعل
  • نجيب ساويرس يرد على خالد مشعل ومواقع التواصل تتفاعل.. ماذا قالوا؟
  • بين ضفتين فندق الصمت
  • نجيب ساويرس يرد على خالد مشغل ومواقع التواصل تتفاعل.. ماذا قالوا؟
  • هل يوجد تلازم بين الأدب والفقر؟
  • لا مقارنة إطلاقا.. نجيب ساويرس يرفض تشبيه خالد مشعل حرب 1973 بهجمات 7 أكتوبر
  • بين البازعي والمسلم