البوابة نيوز:
2025-02-11@07:34:29 GMT

حوار أخير مع مصطفى بيومي

تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق قصائد «بكائيات القلب الأخضر» تكشف عن تميز وتمكن وتفرد شاعر شاب دون العشرين من عمره

"... إذن لن تجئ ؟

ولو كان مابيننا البحر جئت

ولكنه الموت 

وحدى إذن"

******

مقطع من قصيدة "بكائية" من ديوان بكائيات القلب الأخضر لمصطفى بيومي.

قد لا يعرف الكثير من متابعى قلم مصطفى بيومى وإبداعه المتنوع، أنه بدأ شاعرًا واعدًا، واحتفى به والد الشعراء فؤاد حداد، ونشر له قصيدة على صفحتين فى مجلة "روزاليوسف" عام ١٩٧٦، وكان دون الثامنة عشرة من عمره، تجربة ومرحلة استمرت سبع سنوات، ضمها ديوانه الوحيد "بكائيات القلب الأخضر"، وصدر الديوان فى طبعة محدودة فى فبراير١٩٨٤.

ضم الديوان ٣٢ قصيدة، موزعة على ثلاثة أقسام، الأول: ماتيسر من سورة الضياع، الثانى: صلوات للمطر والترحال، الثالث: تهليلات الموت والقيامة.

ويحرص الشاعر مصطفى بيومى وهو يقدم ديوانه للقراء على التأكيد أن «أزمة الشعر فى مصر ليست أزمة شعرية خالصة.. إنها محصلة لأزمات الواقع الذى يتيح للطير من كل جنس أن يغنى.. ويحرم الغناء على العشاق..." ويقدم ديوانه للقارئ على أنه "محصلة سنوات سبع من الغناء فى زمن الصمت.. من أجل الأيام القادمة الخضراء».

تجربة مصطفى الشعرية إذا وضعت فى السياق العام لتجاربه الإبداعية والحياتية – مر عليها أكثر من اربعين عامًا – تكشف عن تميز وتمكن وتفرد لشاعر شاب دون العشرين من عمره، قد نرصد فيه بعضًا من ملامح عالم الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، وقد كان الفتى مصطفى وقتها مفتونا به.. ويمكننا القول أن مقولة "عبد الصبور" الشهيرة "معذرة ياصحبتى.. قلبى حزين.. من أين آتى بالكلام الفرح؟" خير دليل ومعبر يدخل به القارئ للعالم الشعرى فى قصائد ديوان الفتى والشاب مصطفى بيومى.

الموت اللفظة والمعنى والقيمة.. أكثر الألفاظ والمعانى والقيم التى حضرت فى أغلب قصائد الديوان.. وهو أمر لافت يثير الدهشة.."غواية الموت" كيف ولماذا تسللت لوجدان القلب الأخضر.. قلب فتى دون العشرين؟!!.. قلب لايخاف الموت أو كما يقول: "من عرف العشق يومًا.. فليس يخاف من الموت..".

ويقرر مصطفى أن يتوقف عن كتابة الشعر، لكن هل يعنى ذلك أنه غادر عالم الشعر والشعراء؟ أقول بثقة: لا.. يكفيك أن تراه وتسمعه سابحًا فى عالم الشاعر العربى العباسى "الشريف الرضي"، أقرب الشعراء القدامى لقلب مصطفى، أو وهو يحدثك بشجن نبيل عن عالم صلاح عبد الصبور، ويعليه على رفاق مسيرته الشعرية.. أذكر كنا (عبدالرحيم وأنا) أقرب وأكثر تواصلًا مع شعر أحمد عبد المعطى حجازي، وأزيدك ليس بيتا من الشعر، بل "مئة بيت من الشعر العربى القديم" عنوان الكتاب الذى صدر لمصطفى عام ٢٠٢٠، لتكتشف "متانة" علاقته بالشعر، ولتشهد على مهارة ورقى ذائقته الشعرية المبدعة.

وهنا يبرز السؤال: لماذا كف مصطفى عن مواصلة "قرض" الشعر؟، وهو المالك بتمكن ودراية بأدوات ومهارات كتابة الشعر، قديمه وحديثه (عروضه وأوزانه وبحوره الخليلية، وصوره وموسيقاه الداخلية)؟.. مصطفى بيومى الذى كتب على غلاف ديوانه الوحيد "الشعر ضرورة.. وأعذب الشعر أصدقه.. والشاعر الحقيقى - كما أراه – لا ينبغى أن تروقه الحياة الكائنة.. بل يتطلع إلى الحياة كما يجب أن تكون..".

والرأى عندى للرد على هذا السؤال يذهب إلى أن الفتى /الشاب تكشف له أنه يعايش ويواجه "كونًا خلا من الوسامة"، فرأى أن يهيئ قلمه وكلمته لمواجهة مباشرة وحادة مع عالم "قاسٍ وموحش" ورديء فى الكثير من قيمه ومعاييره وسلوكه ومسالكه - عالم لا يصح أن نكتفى بتفسيره وهجائه.. بل علينا أن نسعى لتغييره، وعندها ربما أيقن أن حال الشاعر وحيله وأدواته، تبدو كسلاح "خفيف"، لن يسعفه فى معارك المواجهة الفكرية والإبداعية، التى عقد العزم على خوضها، لهدم جدار الخوف وأقانيم الجمود والتخلف، واقتلاع أشواك الكراهية والغطرسة وزيف الرايات المخادعة.. إنه "واقع" شديد الواقعية لن يجد معه نفعًا خطاب المجاز وتهاويم الصور.

إن الدافع الرئيس، والحافز المحرك والملهم لقدرة ورغبة مصطفى على الكتابة، والشعار الناظم لمجمل مشروع مصطفى الإبداعى والبحثى هو: "أنسنة العالم، وجعله صالحًا للحياة، أو على الأقل لائقا للموت". 

وفى هذه السطور، لا أسعى لقراءة نقدية لديوان مصطفى - أعد أن أُنجزها لاحقًا- لكن سطورى الحالية مجرد إطلالة عاجلة وتعريف أولى ببكائيات القلب الأخضر.. قلب مصطفى بيومي..

تلك السطور حوار وعتاب مع الصديق ورفيق العمر

ها أنذا راحل 

وهاهو درب الحياة 

سيمتد.. يمتد 

ألقاك فى آخر الدرب 

نمضى معاُ..

وأهمس فى أذنيك

أنت أجمل من كل شئ سوى الموت 

.............

أسميك باسمى 

أسميك ظلى..

أسميك موتى 

أسميك موتى"

******

فى اللقاء الأخير قبلت رأسك، ورجوتك أن تبقى 

******

"لكنى رحلت دونما وداع 

ياليتنى نتظرت 

ياليتنى انتظرت»

******

ليتك أنتظرت يا صاحبى 

******

"وأدركت أنى أموت 

وأن الوصول لعينيك مثل الوصول إلى النهر صعب 

وأنك لن تحزنى"

******

لا.. يامصطفى 

لقد حزنت لموتك كل المعانى والقيم التى دافعت عنها.. كل الحروف التى كتبت.. كل الأهل والصحاب.. كل الأحلام الخضراء التى بشرت بها.

الكل حزين وموجوع لرحيلك.

******

"هل ضاع منكم؟ 

لقد ضاع منا 

وقد كان يوما هنا.. ومات"

******

ولا أخرى.. يا مصطفى

فمثلك لا يضيع.. باقٍ فى العقول والقلوب 

باقٍ فى أولادك وأحفادك وتلاميذك ومحبيك 

باق عطاؤك... وباقية محبتك.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: القلب الأخضر مصطفى بیومى

إقرأ أيضاً:

عادل عبدالرحيم يكتب: مصطفى بيومي رحيل بالجسد وخلود بالذكرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق ناظر مدرسة «العباقرة».. قيمة وقامة وصاحب مسيرة عطاء «فكرى وثقافى» غاية فى الخصوبة 

رحيل بالجسد وخلود بالذكرى.. لعل هذا أقل ما يمكن قوله فى وداع المفكر القدير الأستاذ مصطفى بيومى الذى غادر عالمنا منذ أيام إلى آفاق أرحب وأوسع، فالرجل وبحق صاحب مسيرة عطاء فكرى وثقافى غاية فى الخصوبة والإنماء وقد أثمرت عن عشرات المؤلفات ومئات الدراسات النقدية وغيرها من نفحات العقل والروح.

ولحسن حظي.. وقبل نحو العامين أتيحت لى فرصة القرب إلى أقرب مسافة مع "الأستاذ بيومي"، ففى أحد الاجتماعات الساخنة سأل الكاتب الصحفى عبد الرحيم على عن سر غياب الأستاذ الراحل مصطفى بيومى عن هذا الاجتماع.. فأخبره الحاضرون أن نزلة برد من العيار الثقيل أصابت الرجل الذى لم يغب أبدًا.. وهنا ظهرت علامات التأثر الشديد على الأستاذ عبد الرحيم على وراح يسرد على الحاضرين القيمة الفكرية والثقافية لـ"بيومي".

حيث أشار إلى غزارة إنتاجه الأدبى والنقدى الذى لطالما أثرى الحياة الإبداعية فى مصر، مستعرضًا أشهر مؤلفاته التى أحدثت حراكًا فى المياه الراكدة ونهل منها الكثيرون وتتلمذ على يديه كثيرون ممن يشار إليهم اليوم بإسهامات ثقافية، وانتهى الحديث بإصدار "علي" توجيهات فورية بمراجعة كل الأعمال الصحفية والنقدية التى كتبها "بيومي" لاستعادة زمن الكتابة الجميل وإفادة القراء بإبداعاته، وكنت أنا من تشرف بهذه المهمة التى أتاحت لى التواصل المباشر مع الأستاذ مصطفى لأكتشف أننى أمام إنسان فى قمة البساطة والتواضع رغم قيمته التى يعرفها القريب والبعيد.

ومنذ ذلك الحين أعادت مؤسسة "البوابة" نشر أشهر الموضوعات الأدبية والنقدية لكاتبنا الراحل والتى طالما حظيت بمشاهدات وقراءات عالية لتثبت أن جمهور القراء بخير وأنهم حين تقدم لهم وجبات ثقافية شهية يقبلون عليها بنهم وينصرفون عن السطحية واللهث وراء الترند، فلا أحد ينسى محطة "عباقرة الظل" التى تعتبر خير إنصاف للفنانين الخارقين الذين لم يحصلوا على حقوقهم فيما يبدو إلا من خلال ما كتبه عنهم الأستاذ مصطفى رحمه الله.

شهادة للتاريخ

وكيف لا وقد شهد الجميع برجاحة فكر وإبداع كاتبنا القدير.. وعلى سبيل المثال، قال عنه الكاتب أحمد رجب شلتوت: حاول الكاتب مصطفى بيومي، فى أحد أشهر مؤلفاته "عباقرة الظل"، إنصاف عدد من الممثلين الأقل شهرة عن نجوم الصف الأول، وهم من يطلق عليهم أعمدة الطبقة الوسطى فى السينما المصرية، ولم يكن مبالغًا حينما وصفهم فى العنوان بالعباقرة، فقد لعبوا أدوارًا لا تقل أهمية عن أدوار البطولة، وأشار الكاتب إلى أنه بهذا الكتاب يدين بالحق للأديب الراحل يحيى حقي، ففى كتابه "ناس فى الظل" تحدث عمن أسماهم ملح الأرض، موضحًا أنهم جديرون بالحب، وكان هذا الكتاب دافعًا لكتابة "عباقرة الظل"، فهدفه رد الاعتبار لنجوم الصف الثاني، أو ملح أرض السينما.

فلا أحد من هؤلاء يحتل الصدارة فى الأفلام المشار إليها، لكنهم فيها كالملح فى الطعام، الملح سلعة زهيدة الثمن، ولكن لا مذاق للطعام إلا به، وهكذا أفلامهم لا اكتمال للبناء الفنى فيها بمعزل عنهم.

ويضيف "شلتوت": مارس مصطفى بيومى فى "عباقرة الظل" نوعًا من الكتابة، يجمع بين الأدب والصحافة، تذوب فيه الحدود بين الاثنين حتى تكاد أن تتلاشى، ليس للطبيعة التى يأخذها سرده لما يتعلق بشخصيات ذات مواهب فائقة، ثم انتهت حياتها إلى التجاهل فلم تنل ما تستحق من اهتمام وتكريم، وهو فى فصول الكتاب لا يهتم كثيرًا بسيرة حياة الشخصية التى يتناولها، بل يركز على أدوارها السينمائية مبينا جوانب التميز فيها، ويرسم بورتريهات للشخصيات من خلال ما أدته من أدوار، فيصنع ما يشبه القصة مستوحيًا أحداثها وشخصياتها من الأفلام التى برع فيها هؤلاء الذين يعرض لهم فى كتابه، فى محاولة للتدليل على استحقاقهم لوصفه لهم بالعباقرة.

يواصل الكتاب رحلته أمام الشاشة وخلف كواليسها منطلقا من فكرة أن الأستاذية لا يشترط أن تقترن بالنجومية، فهى حصيلة الإبداع الصادق المتوهج الذى يتجاوز فكرة البطولة التجارية، وثيقة الصلة بشباك التذاكر والموقع الذى يحتله الاسم فى أفيشات الدعاية، ويستعرض تميز عدد كبير من الفنانين ينتمون لأجيال مختلفة ومدارس فنية متباينة، منهم "نعيمة الصغير.. سلطانة فى الفن"، "عبدالعليم خطاب.. مزيج من الموهبة والثقافة"، "سعيد خليل المشهور المنسي"، "نجمة إبراهيم.. الملكة المتوجة فوق عرش الشر"، حيث يشير إلى ما قيل عن إشهار إسلامها قبل تأسيس الكيان الصهيونى فى فلسطين، ويرى أن المسألة ليست أن تكون الفنانة يهودية أسلمت أو أنها عاشت وماتت على دينها القديم، فهى مصرية خالصة قبل أن تكون مسلمة أو يهودية.

ويختم الكاتب مقاله عن مسيرة "بيومي" قائلًا: وما تاريح الفن المصرى إلا حصيلة جهد المصريين والمتمصرين والوافدين، دون نظر إلى هوياتهم الدينية وأصولهم العرقية، ومن هنا تتشكل خصوصية مصر وتفردها قبل أن يضربها الضعف والوهن.

مسيرة حافلة

نعم إنه فقيدنا الغالى الأستاذ مصطفى بيومى، ابن محافظة المنيا، الذى عصرته الدنيا وصهرته، لم يبخل بجهد، ولا وقت، على الأدب، وغيره من المعارف، فكان متعدد الاهتمام والاطلاع والكتابة، له فى كل اتجاه سهم، وفى كل جمع قول، أخلص للأدب، قراءة وكتابة، حتى أضناه، وسلى جسده، وأورثه أسقامًا، تقعد غيره، فلا يقدر على حملها، أما هو فيقوى على ضعف الجسد بقوة الروح، ومضاء الإرادة، وحضور الرغبة التى لا تتوقف فى إضافة شىء جديد إلى الثقافة، بعيدًا عن أى هرج أو مرج، وكيف يهرج الزاهدون العاكفون فى صوامع المعارف والفنون!.

لم يسع مصطفى إلى أن يخطف من القاهرة كل مفاتيحها، وما أكثرها وأقساها! إنما اختار مفتاحًا واحدًا، لا يفكر فيه سوى أولياء المعرفة، وأصفياء الفن، والساعين إلى أمل بعيد، ومجتمع آخر يسوده الجمال والعدل والحرية، كيف لا وهو أكبر المتخصصين فى العالم العربى فى دراسة نص نجيب محفوظ، ذلك الرجل العظيم الذى كان بطله الأثير يحلم دائمًا بأن يشرق النور، وتأتى العجائب، ويرعى العجل مع الشبل، والذئب مع الغنم، حين يعود الفتوة الغائب «عاشور الناجى»؟!.

كلمة أخيرة

اللهم ارحم مفكرنا الغالى الأستاذ مصطفى بيومى واجعل نزله جنة الخلد مع الصالحين والشهداء وحسن اولئك رفيقًا واجعل دعاء كل محبيه فى ميزان حسناته.. آمين 

مقالات مشابهة

  • مصطفى بيومي.. وداعًا شجرة الصنوبر
  • عبد الرحيم على يكتب: مصطفى بيومي وشغف الذاكرة
  • هيثم مفيد يكتب: المسكوت عنه في عالم مصطفى بيومي
  • مصطفي بيومي.. الرجل الذي عاش بالكلمات ومات وحيدًا
  • مصطفى بيومي.. جوائز مستحقة
  • مصطفي بيومي.. الاستثنائى الجميل الذى ندين له كُتابًا وقُرًاء ومُثقفين
  • مصطفى بيومي.. عمود الإبداع والنقد
  • مصطفى بيومي.. ناقد أنصف «المسكوت عنه فى الأدب والحياة»
  • عادل عبدالرحيم يكتب: مصطفى بيومي رحيل بالجسد وخلود بالذكرى