في السودان لا تقتصر صفة "الإسلاميين" على تنظيم بعينه، فهي تشمل حزب المؤتمر الوطني وكيان الحركة الإسلامية اللذين كانا في الحكم أثناء فترة الإنقاذ، وتضم كذلك المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل الدكتور حسن الترابي عقب المفاصلة التي وقعت بينه وبين الرئيس عمر البشير نهاية 1999، إضافة إلى أحزاب وكيانات أخرى مؤثرة.

ولإن تناءت بهؤلاء دروب السياسة فقد ظلوا يلتزمون عهد الحركة الإسلامية الأساسي بتحكيم شريعة الدين في الحياة ويتمثلون طرائقها في التنظيم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!list 2 of 2أردوغان والصومال.. هل تنجح محاولات رسم قرن أفريقي جديد؟end of list

لطالما كان للحركة الإسلامية السودانية خصوصيتها التاريخية باعتبارها تجليا وامتدادا طبيعيا لحركة التاريخ في تلك البقعة من الأرض. فالإسلام لم يكن منفصلا أبدا عن كيان الدول التقليدية في السودان منذ عهد السلطنة الزرقاء أو الدولة السنارية (1502 – 1821) في وسط السودان، وسلطنة دارفور في الغرب (1916-1650)، وكلتاهما استمدت شرعيتها من الإسلام فحكمت شرائعه وأقامت شعائره. ثم وطّدت الطرق الصوفية حضور الإسلام في بنية المجتمع والدولة نحو ثلاثة قرون.

بعد ذلك جاءت الدولة المهدية (1881 – 1898) لتجعل السلطة الروحية هي أساس المشروعية للسلطة الزمنية "الدنيوية"، غير أن المستعمر الذي دخل البلاد عام 1898 أرسى أركان الدولة الحديثة على فصل الديني عن الدنيوي، مغيبا الإسلام عن الحياة العامة. في أول العهد استكان الناس على مضض لذلك التغييب، إلا أنهم كانوا يدركون أن سببه هو وجود المستعمر نفسه.

إعلان

ولكن بعد رحيل المستعمر، تفاجأ الناس بأن الإسلام لم يعد للحياة العامة كما كان. إذ لم تسارع النُخب الوطنية – التي كانت تقود الأحزاب التاريخية التي حققت الاستقلال – لاستعادة سلطة الدين على الحياة.

ويفسر الدكتور الترابي ذلك الأمر بقوله "لعل العناصر العلمانية عن أيديولوجية والتزام عقائدي كانوا قلة في صفوف الأحزاب التقليدية، وإنما هو الجهل بشمول الدين، والغفلة عن مقتضاه السياسي، في مجتمع انفصل فيه الدين عن السياسة تاريخا، وشاعت فيه الثقافة الغربية التي تكرس ذلك الفصل".

ويضيف "لكنه لما تعالت لاحقا أصوات من سقطوا فريسة للدعاية الشيوعية إبان المد الأحمر قائلة إنه لم يعد هناك مكان للإسلام في شأن الناس العام أو دولتهم الحديثة، ارتفعت المطالبة الشعبية بإعادة الإسلام للحياة والدولة، وانبرت لها تيارات قوامها الفقهاء ورجالات المجتمع. تلك التيارات هي نواة إسلاميي السودان".

إسلاميو السودان: خصوصية الهدف

ما برح الإسلاميون ينادون بذات الهدف الذي كانت تصدع به تلك الجماعات. وبما أن نمط التدين الذي ساد قبلا كان تدينا تقليديا يطبعه الغلو الصوفي – في بلاد ليس فيها الأزهر أو الزيتونة – فإنه لم يكن لحركة الإسلام الحديثة في السودان بُد من أن تعمل أيضا لتجديد الدين.

وهكذا أضحى للإسلاميين في السودان هدف مزدوج هو السعي لأن تلتزم الدولة والحكم دين الأمة كما كان عليه الحال قبل المستعمر، والاجتهاد لتجديد الدين بالتحقق بمعاني الأصل والاستجابة لدواعي العصر.

وبسبب أن السودان التاريخي لم يكن ولاية أو إيالة عثمانية، فإنه لم يتعرف على الخلافة العثمانية إلا عبر محمد علي باشا وبنيه (1898-1821) فيما عرف بحقبة "التركية السابقة". وبسبب ما عرفه السودان خلال تلك الفترة من شدة وعسف وبطش، جراء الحملات الانتقامية التي أعقبت قتل السودانيين إسماعيل باشا نجل محمد علي باشا عام 1822، فإن السودانيين لم يروا فيها مثالا لدولة الخلافة الراشدة أو يتنسموا فيها معاني الوحدة الإسلامية، بل نفى بعضهم عن "التركية السابقة" صفة الإسلام كليا، فأفتى بعض الفقهاء بأنها "كافرة".

إعلان

للمفارقة، كان ذلك هو سبب اندلاع الثورة المهدية عام 1881 ومن ثم لم تدخل المناداة بإحياء الخلافة ضمن أهداف الإسلاميين السودانيين، فلم يتجاوز الحديث عنها في أدبياتهم الأشواق العامة لتمثل نموذج الخلافة الراشدة. ولم يكن لدى الطلائع الأولى للإسلاميين السودانيين ـ في أربعينيات القرن الماضي من غير الوافدين من مصر ممن تعلموا فيها ـ حماسٌ لمبدأ إحياء الخلافة الذي كان يحتل موقعا مركزيا في فكر حسن البنا وفي أهداف جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

ولم ينجح ذلك التيار الوافد في إقناع الإسلاميين في السودان بجعل مسألة الخلافة فكرة محورية للإحياء الديني. وقد قال عنهم البروفسير حسن مكي، مؤرخ الحركة الإسلامية السودانية الأول "هذا الرافد الوافد من مصر لم تكتب له الديمومة والاستمرارية، إذ ذاب بعضه في حركة التحرير وتلاشى البعض مع فتور الحماس وانقطاع أسباب الاتصال بمصر".

كان هذا العامل الفكري أول عوامل إعراض الإسلاميين السودانيين عن الارتباط بالتنظيم المصري، ولكن كان هناك عاملٌ سياسي عزّز منه. فمصر كانت أحد قطبي الحكم الثنائي – المعروف شعبيا باسم "التركية اللاحقة" – الذي خضعت له البلاد واُخضعت عبره بطريقة غير مباشرة للاستعمار البريطاني الصريح بعد أن هزمت قوات اللورد كتشنر قوات خليفة زعيم الثورة المهدية عبد الله التعايشي في معركة كرري في سبتمبر/ أيلول 1898.

ولما مُنح السودان حق تقرير المصير في إطار "اتفاقية السودان" المُبرمة بين المملكة المتحدة ومصر عام 1953، انقسمت الحركة الوطنية السودانية بين "اتحاديين" يرغبون في البقاء تحت التاج المصري و"استقلاليين" يسعون للاستقلال التام. حينها استشعر الإسلاميون السودانيون أنه لم يعد يناسبهم أن يكونوا جزءا من التنظيم المصري، فقرروا في مؤتمر عقدوه عام 1954، يُعرف بـ "مؤتمر العيد"، ألّا ينضووا تحت لواء التنظيم المصري وإن احتفظوا باسم الإخوان وبرباط فكري وثقافي متين مع مصر.

إعلان

في الستينيات، وبظهور الدكتور حسن الترابي في المشهد بسبب دوره القيادي في ثورة 1964 التي أطاحت بحكم الفريق إبراهيم عبود، برزت خصوصية تحديات القطر السوداني وأضحت عاملا إضافيا عجّل بالابتعاد عن النهج المصري كليا. كان واضحا لدى الترابي أنه إذا أراد أن يستجيب للتحدي الماثل أمامه في السودان فلا مفر للقيادة الإسلامية السودانية من أن تحسن تقدير ظرفها السياسي والاجتماعي.

ومن ثم قرر الخروج تماما عن التنظيم الدولي للإخوان اعتبارا لما سماه "خصوصية لكل بلد"، وقدّم رؤيته الموسومة "التنسيق المتطور" بديلا "للبيعة المباشرة" في أطروحة متكاملة صدرت في كتيب بعنوان "الأصول الفكرية والعملية لوحدة العمل الإسلامي".

دعا الترابي الإسلاميين في كل بلد "أن يراعوا خصوصياتهم الظرفية دون افتتان بتقليد عالمي يقطعهم عن أصول التحديات الفعلية" وناشدهم في الوقت نفسه "ألا يقعوا فرائس للعصبية التي تفتنهم بخصوصياتهم الظرفية والمحلية". وهكذا انفتح الباب على مصراعيه لتطوير رؤية سودانية فكرية وسياسية وتنظيمية مستقلة تتناسب وخصوصيات السودان وتحدياته.

دعا الترابي الإسلاميين في كل بلد "أن يراعوا خصوصياتهم الظرفية دون افتتان بتقليد عالمي يقطعهم عن أصول التحديات الفعلية" (الجزيرة) إسلاميو السودان: النهج الفكري

اتخذ التنظيم السوداني نهجا مرنا إذا ما قورن بالنهج الفكري لتنظيم الإخوان الذي يقوم على مجموعة متماسكة من المعتقدات المستقرة الراتبة. إذ كان هدف التنظيم المصري، الذي هو "بناء الدولة الإسلامية التي تحكم بالشريعة الغرّاء"، يتحقق من خلال إصلاح الفرد، وإصلاح المجتمع، وإصلاح النظام السياسي، ويكون ذلك على مراحل هي مرحلة التعريف والدعوة الفردية، ومرحلة التكوين والتنظيم، ثم مرحلة التنفيذ، بحسب ما فصله حسن البنا.

شكلت تلك الأفكار الأيديولوجية رؤية الجماعة المصرية تجاه مجتمعها وحددت سلوك أفرادها الاجتماعي والسياسي والثقافي، ووفرت منظورا لتفسير الواقع وطريقة لفهم علاقات التنظيم مع الآخرين. فأنتج ذلك بشكل من الأشكال، كما يقول بول ريكور في نقد الأيديولوجيا كلها، "تشويشا وتضليلا عن الواقع".

إعلان

في مقابل ذلك، استمد التنظيم السوداني مرئياته من الواقع، أي من المجتمع نفسه الذي يعمل لإصلاحه، وسعى لأن تُحدد خطوات الإصلاح ومراحله من خلال التجربة. فأنتج ذلك النهج حركة لا تحرص على تمييز نفسها عن المجتمع الذي تتعامل فيه، أو عن حركات الإصلاح السودانية السابقة، وتُدخل عنصر الزمن ضمن الوصفة التي تقدمها لعلاج الأمراض التي تراكمت على مر القرون.

فالحركة الإسلامية السودانية، بحسب الترابي، وهي "حركة مترفقة تؤمن بالإصلاح المطرد المتدرج في الأطر والمؤسسات". ووفق حسن مكي فقد طرحت الحركة الإسلامية السودانية نفسها "كحلقة من حلقات التجديد الإسلامي واصلة نفسها بتاريخ الإسلام في السودان ومستفيدة من تجارب الحركة الإسلامية السودانية ببعدها التاريخي: فقهاء، متصوفة، حركات دعوة وإرشاد وتعليم، انتهاء بجهود الميرغني الكبير وجهود الإمام محمد أحمد المهدي".

يرى مكي أن ذلك الاتصال مع ذاكرة البلاد هو أهم ما يميز الحركة الإسلامية السودانية التي تبلورت خياراتها وصيغها وبرامجها في أرض الواقع ونضجت من محك التجربة". وكما قال الدكتور محمد المختار الشنقيطي، الذي درس الحركة الإسلامية الحديثة في السودان بعمق فإن "سر الطرافة والجدة في تجربة الحركة الإسلامية في السودان هو ارتباط الفكر بالعمل، وهو أمر صبغ نتاج الحركة كله".

وقد جمع قادة الحركة ومفكروها بين العمق الفكري والروح العملية، وأدركوا قيمة الارتباط بينهما، حيث يهدي الفكر العمل، ويهدي العمل الفكر". وهكذا، أقبل الترابي وأخوته على المجتمع السوداني كما هو، يتواصلون معه دون مجانبة، ويتعهدونه دون يأس من إصلاحه طورا بعد طور، يخطئون ويصيبون؛ معايشة للواقع وتفاعلا معه وليس وفقا لمثال منزه سبق إعداده.

أدى هذا النهج الفكري المرن الى انفتاح الإسلاميين على القوى السياسية السودانية الأخرى، بما فيها الأنظمة الحاكمة. وأبرز الأمثلة في هذا الصدد هي تكوين جبهة الميثاق الإسلامي بالتنسيق مع قوى سلفية وصوفية لدخول الجمعية التأسيسية "البرلمان" في مايو/ أيار 1965، والتصالح مع نظام الرئيس جعفر النميري في يوليو/ تموز 1977.

المصالحة الوطنية مع جعفر النميري فقد نتجت عنها تطورات مهمة أبرزها إدخال البنوك الإسلامية للبلاد عام 1977 (غيتي)

ولم يكن مثل ذلك التواصل مقبولا ضمن النهج الفكري التقليدي للإخوان. كيف لا، والتنظيم الدولي يرفض حتى تعامل الإسلاميين مع أجهزة الإعلام "التي لا تلتزم بالخط الإسلامي الصريح"، كما أوضح الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله.

إعلان

تمكن الإسلاميون السودانيون، ببضعة نواب دخلوا الجمعية التأسيسية عام 1965 من التصدي لخطط وأنشطة الحزب الشيوعي الذي كانت له اليد العليا حينها. أما المصالحة الوطنية مع النميري فقد نتجت عنها تطورات مهمة أبرزها إدخال البنوك الإسلامية للبلاد عام 1977، ثم حظر الخمور وتطبيق الشريعة في سبتمبر/ أيلول 1983 وإعلان التوجه الإسلامي للبلاد. بل بسببها أتيحت حرية العمل العام للإسلاميين وقويت شوكتهم؛ فأقاموا المنظمات الدعوية والطوعية وشيدوا المساجد وعمروها وأصدروا الصحف واستقطبوا الجيل الجديد في المدارس والجامعات.

وقد لخص الترابي هذه المفارقة بين المنهجين في عبارة موجزة قائلا: "رفضنا أن نكون حركة إلى جانب المجتمع، نعتزله ونتعامل معه بالجدل والمناظرات، وإنما أردنا أن نكون نحن حركة المجتمع ذاته، ندخل في سياقه، ونقاوم ما فيه من شر، ونبني على ما فيه من خير".

أتاح هذا النهج الإصلاحي التجريبي الذي جعله الترابي منهجا للحركة الإسلامية السودانية الفرصة للإسلاميين للتعامل مع أخطائهم بالقول إنهم ما كانوا يصدرون في أفعالهم وأقوالهم عن مجموعة متماسكة من الأفكار والخطط، وإنما هو الرأي والحرب والمكيدة. فمثلما كانت للصحابة مراجعات، كما حدث من عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشأن أرض السواد، سار الترابي على النهج فكانت له مراجعات واستدراكات جهر ببعضها.

ومن أشهر ذلك مراجعته لموقفه من حل الحزب الشيوعي السوداني، الذي أيد حله وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية بعد ندوة حديث الإفك المشهورة التي تجرأ فيها بعض منسوبي ذلك الحزب على السيدة عائشة رضي الله عنها في ديسمبر/ كانون الأول عام 1965.

وفي حواره الشهير في قناة الجزيرة، الذي سجل عام 2010، وبث عام 2015، سأله مضيفه أحمد منصور: "الآن لو استقبلت من أمرك ما استدبرت، هل كنت ستقوم بما قمتم به ضد الحزب الشيوعي، هل كنت ستفعل مثل ما فعلته؟". أجاب الترابي "ربما لا. كنت سأقول هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية لكن يظاهروننا فنعمل بظاهر لسانهم … لكن المد الشعبي كان من العسير أن نقاومه … ونحن كنا صغارا وكان كل ما يؤدي لأن يغلب الآخر كنا نستطيبه".

إعلان

غير أن الاختلاف الفكري بين الحركتين الإسلاميتين، المصرية والسودانية لم يقف عند هذا الحد. فبينما اهتم الإمام حسن البنا بالدعوة لإحياء الإسلام، والمزج بين الجوانب الروحية والاجتماعية والسياسية، وركزت على ذلك أدبيات كبار كتاب الإخوان من فترة الأربعينيات والخمسينيات أمثال سيد قطب ومحمد الغزالي وحسن الهضيبي وعبد القادر عودة ومصطفى السباعي (سوريا) ومحمد قطب والبهي الخولي وغيرهم ممن ظل الناس عالة عليهم لعقود طويلة، ركز الترابي في المقابل على "تجديد الدين" في مجتمع خيّم عليه تصوف مختلط بالتقاليد الأفريقية.

بل قدر أن ذلك هو جوهر رسالة الدعوة الإسلامية الحديثة في السودان، فلم يكن يرى سبيلا لبعث إسلامي في تلك البقعة إلا بتجديد الأطروحة الدينية في جوانب تفصيلية مهمة.

ومن أبرز القضايا التي تناولها في هذا الصدد قضية المرأة. فالترابي كان يرى أن المجتمع السوداني المحافظ أثقلها بتقاليد كثيرة باسم الدين، وما هي من الدين في شيء. ثم قاده هذا النهج للدعوة للتجديد في جملة من القضايا الاجتماعية والسياسية والأصولية الكبرى، فأعاد قراءة النصوص الدينية برؤية معاصرة لا تخلو من جرأة، وعكف على تفسيره، التفسير التوحيدي، مقدما تأويلات جديدة في عديد المسائل.

إسلاميو السودان: التنظيم

يقودنا ذلك للحديث عن تنظيم الحركة الإسلامية السودانية. لطالما اتسمت حركات الإصلاح في التاريخ الإسلامي بالتمحور حول الشيخ المجدد الذي يطور الفكرة ويتخير السبل لنشرها، ولا تكون هناك مؤسسة جماعية يسهم من خلالها الأتباع في هذا الشأن.

إلا أن الإمام حسن البنا كان أول من أسس تنظيما حديثا للدعوة الإسلامية على نمط الجمعيات الأوروبية. وبما أنه أنشأ الهيكل التنظيمي لجماعته على غير ما سابقة، فقد كان هيكلا بسيطا إلى حد بعيد. وإذا ما ناسب ذلك الهيكل جمعية دعوية، فإنه ما كان ليصلح لأغراض العمل العام المفتوح التي ندب التنظيم السوداني نفسه لها.

لذلك، ما إن استقل التنظيم السوداني عن التنظيم الدولي للإخوان حتى طور الهياكل التي ورثها عن مصر بالاعتماد على مصدرين رئيسيين إضافيين؛ الأول هو التنظيم الغربي للأحزاب والجمعيات، والثاني هو الحزب الشيوعي السوداني.

إعلان

وبينما يبدو المصدر الأول طبيعيا، فإن ذلك ليس حال المصدر الثاني الذي قال عنه الترابي: "أخذت الحركة أيضا شيئا من منهج التنظيم والحركة من مصدر قد يكون غريبا، وهو الحركة الشيوعية – التي كانت غالبة في الأوساط الطلابية وصاعدة في الوسط الحديث عامة"، ويتضح لاحقا أن غرابة المصدر الثاني لم تكن مشكلته الوحيدة.

كان أهم ما حفّز على التركيب والتعقيد في هيكل الحركة السودانية هو فكرة "التنظيم الموازي" التي أُخذت من الحزب الشيوعي، إذ وُلد بموجبها تنظيم رديف إلى جانب التنظيم الحركي الذي يمثل الخلايا المسيطرة. ففي عام 1965 أنشأ الإسلاميون السودانيون جبهة الميثاق الإسلامي تنظيما موازيا لتنظيمهم الأصلي الذي ظل قائما ومسيطرا.

وقد كرر الإسلاميون السودانيون هذا النموذج حين أسسوا الجبهة الإسلامية عام 1985 ثم كرروه تارة أخرى حين أنشأوا المؤتمر الوطني في زمان الإنقاذ. فكان الحزب هو الواجهة السياسية بينما الحركة هي كيان الفعل الاجتماعي الشامل لكل مناحي الحياة، فهي التي تُسلك العضو تثقيفا وتأهيلا وتربية، وتنظم نشاطه الخيري والتطوعي، وتوفر له الدعم النفسي والمادي عند الشدائد.

وبالرغم من أن فكرة التنظيم الموازي مكنت الإسلاميين السودانيين من المحافظة على التوازن بين الامتداد الكمي العام – الذي يتأثر بتيارات السياسة مدا وجزرا – والعمق الحركي، إلا أنها أنتجت العديد من الإشكالات. أولها أنها أعطت منتسبي الحركة إحساسا بأنهم نخبة في المجتمع، هي ضمير المشروع الإسلامي. وهكذا إذا كانت الحركة الإسلامية السودانية قد رفضت قبلا فكرة الإخوان لأنها تجعل الكيان الإسلامي "حركة إلى جانب المجتمع، تعتزله وتتعامل معه بالجدل والمناظرات" كما قال الترابي، فإنها جعلت من نفسها قيّما على المجتمع وطليعة له.

ثم كانت لفكرة التنظيم الموازي آثار سلبية على مستوى الثقة بين الإسلاميين ومن ينسقون معهم أفرادا وكيانات. فبعد أن تكشّف بطول العهد أن للإسلاميين تنظيمين أحدهما داخلي للخاصة والآخر علني مبذول للكافة، صار من ينتسبون للتنظيم العام أو يتحالفون معه مسكونون بهواجس عن أن الأمور تدبر بليل ثم تعرض لهم للعلم وليس للتشاور.

إعلان

وأكثر من ذلك، كانت لفكرة التنظيم الموازي آثارها السلبية على الإسلاميين أنفسهم وعلى أدائهم داخل المؤسسات الدستورية بعد أن تولوا مقاليد الأمور. فكان اتخاذ القرارات داخليا ثم إخراجها للأجهزة الرسمية مما يُضعف حرية التداول وممارسة الشورى ضمن هذه المؤسسات. كذلك أضعف التنظيم الموازي مبدأ الفصل بين السلطات كونه يتيح لرئيس الجمهورية ووزرائه السيطرة على السلطة التشريعية من خلال الهيئة البرلمانية. وأثّر ذلك على استقلالية العمل النقابي وممارسة مستويات الحكم الاتحادي المختلفة لسلطاتها واختصاصاتها.

وبالنظر إلى حقيقة أن فكرة التنظيم الموازي انتقلت من السودان إلى تنظيمات إسلامية أخرى، فإن تلك التنظيمات كابدت ما كابده الإسلاميون السودانيون، وسعت، كل على شاكلته، للتخفف من شرور تلك الفكرة، خاصة ما نتج عنها من تداخل وتوتر في العلاقة بين الكيانين الحركي والحزبي.

ففي المغرب ظهرت الشكوى من أن الحزب استغرق كل الموارد ولم يترك للحركة إلا الفتات، ونُودي بأن تكون الأولوية للجوانب الثقافية والتعليمية والدعوية وليست للسياسة. وعلت الأصوات في الأردن بذات الشكوى معترضة على التمييز الذي يرون أنه أضعف من الحركة. ووجد الأمر عناية أكبر في تونس، فراجعت حركة النهضة هياكلها وقررت في مؤتمرها العاشر في مايو/ أيار 2016 الفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي، وقد اعتُبر خطوة تاريخية.

ولعل السبب في كل تلك المشكلات يكمن في فكرة التنظيم الموازي نفسها، فهي ليست فكرة "محايدة" مثل فكرة تنظيم الجمعيات الأوروبية، لكنها مثقلة بحمولات ماركسية لينينية مرتبطة بالسياق العقدي للشيوعية. إذ أرسى لينين استراتيجية التنظيم المزدوج في كتابه "ما العمل" الصادر عام 1902 والذي دعا فيه إلى تكوين "حزب طليعي" يكون تنظيمه صغيرا ومحكما وسريا، يديره ثوريون محترفون يعملون على قيادة الطبقة العاملة. وقد نقل الإسلاميون السودانيون هذه الفكرة في غفلة عما تنطوي عليه من مضامين لا تناسب دعوة الإسلام.

إعلان

ودون أن يدركوا أنها تؤدي إلى إهدار قيم أخلاقية راسخة مطلوبة في تعامل المسلم مع أخيه المسلم، فكثير من النجوى لا خير فيها. ومن النجوى المنهي عنها أن يتسارّ اثنان في وجود ثالث.

لقد كان اتخاذ التنظيم في العمل الإسلامي استثناء أملته ظروف العمل الحركي الحديث على غير قياس أو سابقة في التراث، واستند في السودان خاصة إلى تجارب وافدة، غير أنه سرعان ما صار أصلا يقلق الناس إن هم خشوا أن ينفرط. فهم لا يعرفون سبيلا للعمل الإسلامي غيره، بل لم يعودوا يطمئنون إلى الظواهر الجماهيرية التلقائية غير المنظمة، بالرغم من أنها هي الأصل في دين يقوم فيه أمر الثواب والعقاب على المساءلة الفردية.

فها هو الترابي يقول: "يخشى المرء ألا يتواكب تطور أوعية التنظيم مع توسع مدى التيار الإسلامي، فيتحول أمر الصحوة إلى ظاهرة جماهيرية سائبة، لا يضبطها نظام يكفل حسن التعبئة والاتساق والتصويب لطاقاتها، فتذهب الجماهير أفذاذا وثُبات (أي جماعات صغيرة متفرقة) وتضيع حركتها ضلالا وبددا، وتتساقط ارتباكا وتناسخا".

وإذا كان الحرص على أن يؤدى العمل الإسلامي كله من خلال التنظيم وهياكله، مما يعاب على الإسلاميين السودانيين، فإن من تقاليدهم المحمودة أنه مهما تكن ثقتهم في تنظيمهم وكياناتهم الحاضرة، فإنهم يجددونها ويطورونها بما يناسب كل مرحلة. فهي المطية عندهم لإنجاز المهام الماثلة؛ فإذا ما تغيرت المهام تغيرت الوسيلة. وقد قال الدكتور الترابي عن ذلك إن الحركة "لا تتجمد بالتقليد، بل لا ترتهن حتى لتقاليدها هي في التنظيم. بل تقدر وتخطط، وتجرب وتراقب، وتنقد وتراجع، وتعدل وتطور، دأبا نحو الإحسان".

غير أنه مهما كان الإحكام في وضع الفكرة وضبط التنظيم فإن الوقائع تشتجر والأسباب تتكاثف. وكما قال غوته، فإن "النظرية خضراء والتجربة رمادية"، وإذا كان مكمن أخطاء الأيديولوجيين في جمودهم، فإن أخطاء البراغماتيين تجئ من مرونتهم وطلاقة اجتهادهم. وننظر فيما يلي في أمهات المسائل التي أدت لتعثر الإسلاميين السودانيين.

إعلان انقلاب الثلاثين من يونيو: المفارقات الثلاث لتعثر الإسلاميين

إذا كان لمؤرخ، بعد عقود أو قرون، أن يحدد اللحظة التاريخية التي تنكب فيها الإسلاميون السودانيون طريقهم، فلن يجد أفضل من يوم الثلاثين من يونيو/ حزيران عام 1989. ليس هذا تقييما لتجربة "الإنقاذ" التي جاءت للبلاد بخير كثير لا ينكره إلا مكابر، بل ليس فيه ما يُفهم منه أن الإسلاميين السودانيين استسهلوا الانقلاب على التجربة الديمقراطية أو أنهم لم يتدبرّوا عواقبه.

بيد أن ذلك اليوم – ومهما كانت دواعي الانقلاب وبغض النظر عن نتائجه – يؤرخ لمفارقة الإسلاميين السودانيين النهج والتنظيم المحكمين اللذين أقروهما بتوفيق كبير وعلى نحو متدرج منذ ستينيات القرن العشرين. وقد جاءت تلك المفارقة في ثلاث مسائل كبرى، لم يكن الانقلاب نفسه سوى أولها.

كان الدافع وراء انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 مزدوجا، فمن ناحيةٍ تخوَف الإسلاميون من إجهاض التوجه نحو تطبيق الشريعة الذي بدأه الرئيس النميري بإصداره ما سمي بقوانين سبتمبر 1983، ومن ناحية أخرى استشعروا أن إقصاءهم عن اللعبة الديمقراطية باستخدام القوات المسلحة كان وشيكا.

فبعد سقوط النميري (أبريل/ نيسان 1985) بقليل، تقدم الجيش في 18 أغسطس/ آب 1985 بمذكرة طالبت بإيقاف مشروع القوانين البديلة لقوانين سبتمبر، الذي كان يجري التوافق بشأنه لمعالجة ما ظهر في قوانين سبتمبر من غُلو واشتطاط، وقد عُدت تلك المذكرة تدخلا سافرا في الشؤون المدنية. بعد ذلك بأشهر قليلة حققت الجبهة الإسلامية نجاحا كبيرا في انتخابات أبريل/ نيسان 1986؛ إذ حصلت على أكثر من خمسين مقعدا في الجمعية التأسيسية.

أثار فوز الإسلاميين الكبير مخاوفَ داخلية وخارجية من احتمال إقرار الجمعية التأسيسية القوانين الإسلامية البديلة لقوانين سبتمبر. تسارعت الخطى في الظلام، على مدى عامين ويزيد، ولم تهدأ حتى أُبرم اتفاق 16 نوفمبر 1988 في أديس أبابا، والمعروف باسم اتفاق "الميرغني/ قرنق"، متضمنا نصا صريحا بإلغاء قوانين سبتمبر 1983.

إعلان

حينها أدركت الجبهة الإسلامية أن هناك أطرافا خارجية تسعى لمنع استمرار المسيرة الديمقراطية إذا كانت ستفضي في النهاية لتأكيد القوانين الإسلامية، ثم تعززت مخاوفها حين تواترت الروايات عن انقلاب وشيك على النمط البعثي يُخشى أن يقمع الحريات ويوقف المسيرة الديمقراطية ويضيق على الإسلاميين خصوصا. لكل هذه الأسباب قدّر الإسلاميون السودانيون أنه ما دام تدخل الجيش في المشهد السياسي أضحى "ضربة لازب"، فليكن ذلك "بيدي لا بيد عمرو"، وهكذا بدأت مسيرة انقلاب الثلاثين من يونيو 1989.

قبيل تنفيذ الانقلاب، تباحث الإسلاميون السودانيون مليّا في كيفية وتوقيت نقل السلطة – بعد نجاح الانقلاب – من العسكريين للمدنيين. وكان موضوعا لسلسة من الاجتماعات تجاوزت العشرين، كان الترابي حاضرا فيها كلها.

في النهاية حدث توافق على أن يكتمل انتقال السلطة للمدنيين في نحو العامين. ولكن كما جرت العادة، هناك فرق دائما بين حساب الحقل وحساب البيدر، أي بين النظرية والواقع، فالعوامل الداخلية والخارجية التي تكاثفت بعد الانقلاب جعلت الإسلاميين يقررون تأجيل نقل السلطة إلى عام 1996، بعدها انفلتت الأمور وتواجه العسكريون مع الترابي ووقعت المفاصلة في ديسمبر/ كانون الأول عام 1999.

رغم ذلك، واتت من استمروا في الحكم بعد المفاصلة فرصتان لنقل السلطة للمدنيين ومن ثم تحقيق الانتقال من حال الانقلاب والثورة الى حال المشروعية والدولة. وكانت أولاهما الفرصة التي أتاحتها اتفاقية السلام الشامل في 5 يناير/ كانون الثاني 2005 التي وُقعت مع حركة التمرد في جنوب السودان برعاية المجتمع الدولي.

وكانت الثانية هي الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس البشير في 27 يناير/ كانون الثاني 2014، والذي حظي أيضا بمساندة دولية واسعة، إلا أن العقلية التي أوجدها الانقلاب – والتي تخلّت عن مبدأ نقل السلطة للمدنيين وعدّته مما يدخل في ما سُمي حينها "تصفية الإنقاذ" – قد تسببت في ضياع الفرصتين. ويقودنا ذلك إلى أن نتفحص قليلا هذه الذهنية الجديدة، التي تمثل المفارقة الكبرى الثانية للنهج الأصلي للإسلاميين السودانيين.

إعلان

فعقب نجاح الانقلاب انساقت كوادر الإسلاميين وراء المشروع "الانقلابي"، دون أن يتبينوا أوجه الاختلاف بينه وبين مشروعهم الأصيل. وكان الاختلاف بين المشروعين جذريا حقا، ففي الوصول إلى الحكم على ظهر دبابة وليس عبر صندوق الانتخاب، سلوك لنهج ثوري متعجل بديلا من النهج الإصلاحي المترفق الذي كانت تقول به الحركة. وإذا كان البعثيون والشيوعيون يبيحون لأنفسهم الانقلابات – كونه ليس منظورا أن يصلوا للحكم بغيرها – فإنه لم يكن من سبب يدفع الإسلاميين لاتخاذها وسيلة.

وإن جاز لهم أن يفعلوا ذلك، في ظروف مثل التي أشرنا إليها أعلاه، فإنما يكون استثناء من باب الضرورة التي تُقدر بقدرها. ومهما يكن فقد اعترف الترابي عدة مرات بالخطأ الذي ارتكبته الحركة الإسلامية بتدبيرها انقلابا، رغم المبررات والمسوغات التي جعلتهم يتخذون القرار. وبالرغم من أن إدانة الترابي للانقلاب جاءت بعد المفاصلة، إلا أنها تتجاوز الملابسات الظرفية لذلك الحدث لتكتسب قيمة معيارية تهدي الأجيال القادمة من الإسلاميين.

من أهم ما ترتب على هذه العقلية الجديدة التي ولّدها الانقلاب تراجع الحركة عن شطر من قناعاتها الفكرية، إذ نتجت عنها، وكما قال محمد مختار الشنقيطي، فجوة بين المبدأ والمنهج. وفصّل الشنقيطي في ذلك بالقول إن الحركة الإسلامية السودانية "أعظم حركة في الفكر الاستراتيجي وبناء التحالفات والعلاقات الخارجية، ولكنها الأسوأ في الحكم، فهناك فجوة هائلة بين المبدأ والمنهج، وفي حين نجحت الحركة على صعيد الاستراتيجية العملية فإنها فرطت تفريطا شديدا في المبادئ والقيم التي تأسست عليها".

فبعد وصولها للسلطة غادرت الحركة مبدأها القديم الذي كانت تربط فيه الفعل بالواقع وتطور رؤاها وفقا لسياقاته، وحاولت بلورة نسق فكري أشبه ما يكون بأيديولوجية متكاملة طويلة المدى.

إعلان

ففي ندوة مركز دراسات المستقبل الإسلامي التي عقدت بالجزائر في مايو/ أيار 1990 قدّم الدكتور الترابي مساهمة بعنوان "أولويات التيار الإسلامي لثلاثة عقود قادمة"، أي أنه كان يقدم خطة مستقبلية للتيار الإسلامي للفترة الممتدة من 1990 وحتى عام 2020. وقد تضمنت الورقة مبادئ للتخطيط الإستراتيجي في جملة من المسائل منها كيفية تحكيم الشريعة، والتطهر من الفساد، وبسط الشورى.

وقُدمت فيها رؤية للحركة بشأن المرأة أكثر راديكالية من الدعوة القديمة لإطلاق المرأة من قيود التقاليد إذ هدفت إلى "تحرير المرأة" لإحداث ثورة ذات بال في حياة المسلمين. ومهما يكن فإنه من نعم الله أن هذا التوجه الأيديولوجي الجديد الذي برز في الجزائر في عام 1990 لم يجد أصداء كبيرة في الخرطوم.

إلا أن كثيرا من الأفكار والمصطلحات الجديدة التي ما كانت مألوفة في أدبيات الإسلاميين السودانيين قبلا، وما كانت مما يعرف من لغة الترابي، بدأت تتجذر بمضامين فكرية جديدة يُقبل الناس عليها دون كثير جدال. ومن ذلك مصطلح "التمكين"، وقد جُعل شعارا لإحلال شباب الإسلاميين محل موظفي الخدمة المدنية، ومفهوم "الحاكمية" الذي نُص عليه في النظام الأساسي للمؤتمر الوطني وضُمن في دستور البلاد للعام 1998 بعبارة أقرب لما أُثر عن المودودي وسيد قطب.

وبتطاول العهد بالإنقاذ هُجرت هذه المنظومة الأيديولوجية عمليا، وتوقفت اجتهادات الترابي فيها بعد المفاصلة، غير أن العودة للنهج الإصلاحي القديم القائم على الربط بين الفكر والعمل باتت بعيدة المنال وربما، وكما قال البروفيسور التيجاني عبد القادر، انفسح المجال لاجتهادات لحظية لا تعبأ بفكرة.

ومن الأخطاء التي وقع فيها الإسلاميون السودانيون بسبب مفارقة نهجهم المبدئي تكوين المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي في عام 1991 كتنظيم عابر للحدود يعمل على مستوى الساحة الإسلامية والعربية على إطلاقها. بالطبع كان ذلك مما يستغرب بشكل خاص من كيان خرج عن التنظيم الدولي للإخوان بحجة أن "أهل كل بلد أدرى بشعابها" وأن للإسلاميين في كل بلد "أن يراعوا خصوصياتهم الظرفية دون افتتان بتقليد عالمي يقطعهم عن أصول التحديات الفعلية.

إعلان

إضافة الى ذلك فإنه لم تسبق ذلك المشروع دراسة لردود الفعل الدولية المتوقعة على السودان. وبالنظر إلى تلك المنظمة، ضمت في عضويتها معارضين للأنظمة السياسية في نحو عشرين دولة، ولأنها شكلت مشروعا للتقارب بين السنة والشيعة، ولأنها تبنت الحوار بين الأديان، فإن ذلك ولد إجماعا عربيا وإسلاميا ضد السودان؛ كونه يرعى "عالمية إسلامية" جديدة. لقد اعتُبر آنذاك أن المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي كيان ضرار يقام لسحب البساط من منظمة المؤتمر الإسلامي صاحبة الصوت الأعلى في العالم الإسلامي.

أما المفارقة الكبرى الثالثة فهي النكوص عن أهم قيمة تضمنها اتخاذ التنظيم وسيلة للدعوة والعمل الإسلامي، والتي هي جعل الشورى المنضبطة داخل المؤسسات التنظيمية مصدر القرار لصالح العودة لمحورية الشيخ التقليدية في التاريخ الإسلامي.

فعقب خروج الترابي من السجن في عام الإنقاذ الأول تركزت الأمور في يده ونُشر شباب الحركة في الآفاق، يأتمرون وينفذون دون نقاش. بل ضاقت القيادة ذرعا بجسم الحركة المركزي نفسه وبهياكلها ونظمها. ففي سنة 1993 جُمع مجلس الشورى – وليس المؤتمر العام كما ينبغي في مثل هذه الأحوال – ليتخذ أكبر قرار في تاريخ الحركة الإسلامية السودانية؛ والذي هو قرار تعليقها، وهكذا غُيب التنظيم بمؤسساته وهياكله سبع سنوات كاملة.

لاحقا اُستدعيت الحركة الإسلامية للعمل في العام 2000 في سياقات ما بعد المفاصلة، غير أنه لم يعُد منها للحياة إلا اسمها ورسمها بعدما ذهبت مكانتها في النفوس إلا قليلا، وتبددت فعاليتها السابقة، وانتقل مركز السلطة إلى خارجها. بل قُضي هذا الأثناء على أهم مبدأ كان يمكن أن يدخل العمل الإسلامي في ركاب التنظيم الحديث؛ وهو مبدأ التداول الداخلي للقيادة.

وقد قال البروفسير محمد محجوب هارون عن ذلك، مستشهدا بصمويل هنتنغتون "إن استمرار الرئيس مدة طويلة وكذا الترابي أمينا عاما للحركة مدة حياته أدى إلى غياب المؤسسية؛ فمقياس المؤسسية عند هنتنغتون هو أن يُسلم الجيل المؤسس السلطة للجيل الذي بعده وهو على قيد الحياة".

إعلان

وفي تقديرنا فإن أحد الأسباب لاستمرار الرئيس مدة طويلة كان هو بقاء الترابي في المنصب العمر كله – مثله في ذلك مثل شيوخ الإسلام التقليديين – وليس لدورات معلومة كما هو حال الأمناء العامين للتنظيمات الحديثة. إذ لو أن الحركة التزمت مقتضيات العمل التنظيمي الحديث وأحدثت تداولا داخليا لكانت قد قدمت المثال والنموذج لما ينبغي أن يكون عليه الأمر في الدولة.

حينها ما كان ليتأتى لرأس الدولة تجاوز ذلك المثال. وهكذا فإن إضعاف المؤسسية في الحركة أدى إلى ضعفها في الحزب والدولة؛ فتمكنت فيهما معا "ظاهرة "الرجل القوي"، وهي ظاهرة تنمحق بسببها الشورى، ويتراجع عندها الأداء الكلي، وتتصلب جراءها شرايين التنظيم، وتخفت لديها روح المبادرة، ويكثر فيها القيل والقال. بل تتحول معها المؤتمرات واللقاءات الجامعة إلى أيام زينة ومواسم تمجيد. وما كانت المفاصلة نفسها إلا تجليا لهذه الظاهرة، إذ إنه في ظل ضعف المؤسسة – وفي غياب النموذج – يكون التنافس فردانيا على من يكون الرجل القوي.

ولكن برغم مفارقة الإسلاميين السودانيين جوهر فكرتهم في المسائل الثلاث الكبرى أعلاه، إلا أنهم التزموها ولم يحيدوا عنها في جوانب أخرى مهمة، أهمها التصدي للعلمانيين وأطروحاتهم، وقد أبلوا في ذلك بلاء حسنا. ولا تزال منازلة العلمانيين هي قضية الإسلاميين الأولى في السودان، ونتفحص فيما يلي كسبهم السابق في هذا المجال ونستكشف آفاق جهودهم المقبلة.

إسلاميو السودان: الصراع مع العلمانيين

على مدى الأعوام الستين الماضية ظل الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين في السودان محتدما في قضيتين لا ثالث لهما، الأولى هي مكانة الدين في توجه البلاد وضبط التشريع بأحكامه والثانية هي كيفية ترسيخ الديمقراطية. وقد استحرّت الملحمة في القضية الأولى، خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وما أن تكاثرت فيها الكرّة على العلمانيين وأوشكت الدائرة أن تدور عليهم، حتى شدّدوا النكير في القضية الثانية التي جعلوا منها حلبة المعركة الوجودية القادمة.

إعلان

على مدار قرابة نصف قرن أخذت قضية الدين وتحكيم الشريعة شكل الصراع بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي. لأن الرافضين لدور الدين قد تخفوا وراء واجهة الجنوب؛ سواء منهم من انضم إلى التمرد الجنوبي جهرة أو من بقي يوالي خطه ضمن كيانات اليسار الشمالي.

غير أنه بعد أن انفصل الجنوب، لم يعد لعلمانيي الشمال بُد من أن يسفروا عن وجوههم ويتبنوا قضيتهم. وقد اتخذ الصراع بينهم وبين الإسلاميين مستويين: مستوى وجودي عن طبيعة وهدف الدولة القطرية الحديثة في السودان، ومستوى دونه يتعلق بطريقة الحياة وما إذا كانت إسلامية أم غربية الطابع.

المستوى الأول هو الذي تضمن أم قضايا الصراع حينها، وهي دور الإسلام في الدولة والحياة العامة. وكانت حلبة هذا الصراع هي الدستور وهل ينبغي أن يُنص فيه على إسلامية الدولة، وعلى الشريعة مصدرا للتشريع. في هذا الخصوص تمكن الإسلاميون السودانيون من تضمين دستور 2005 الانتقالي – الذي ارتضته القوى السياسية كافة – نصا على جعل الشريعة مصدر التشريع.

إلا أن الإسلاميين قبلوا عدم النص فيه على إسلامية الدولة، ضمن الحزمة السياسية التي قدمت لجنوب السودان لجعل الوحدة خيارا جاذبا في استفتاء تقرير المصير في يناير/ كانون الثاني 2011. رغم أن عددا من دساتير الدول التي تحوي تيارات علمانية قومية، مثل مصر والجزائر والمغرب والأردن والكويت وليبيا، تتضمن مثل هذا النص.

لم يكن الإسلاميون السودانيون بدعا في تقديم مثل هذا "التنازل"، إذ قُدمت تنازلات شبيهة به في بلدان أخرى لأسباب قدّرها إسلاميو تلك البلدان، ترتبط غالبا بالقوة النسبية لطرفي الصراع، ولدواعي مسيرة الحركة الإسلامية في البلد المعين، ولاعتبارات تأمين "المشروع الإسلامي" من الانتكاس؛ فلا تنكشف خاصرته للعدو المتربص فيصيبه في مقتل. ومن تلك الدول تركيا التي لا يزال الإسلاميون فيها يذعنون لغياب النصين وهم كارهون، وتونس التي يغيب في دستورها النص على الشريعة مع نصه على إسلامية الدولة. ويحكم هذا الاجتهاد شرعا "فقه الموازنات"، الذي يقوم على القاعدة الأصولية التي تقضي أن "دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة".

إعلان

وحيث إن دستور 2005 قد عُطل في 11 أبريل/ نيسان 2019 فالأرجح أن الإسلاميين الذين يقبلونه جملة لن يطالبوا بتعديله إذا أعيد العمل به. وهكذا يظل النص على إسلامية الدولة غائبا حتى بعد انفصال جنوب السودان. أما إذا ألغي دستور 2005، فإن الإسلاميين لربما يحرصون على تضمين ذلك النص إلى جانب النص على تطبيق الشريعة.

هذا المستوى الأول، الوجودي، يمثل المستوى السياسي للصراع. أما المستوى الثاني، دون الوجودي أو سمه التنافسي، فهو المستوى الاجتماعي للصراع في هذه القضية، وموضوعه طريقة الحياة، أي ضبط الإسلام للمظهر العام، ولشؤون اكتساب المعاش، وللسلوك والتثقيف والتعليم وتربية الأجيال، وهذا مجال تحكمه ضوابط ونصوص بعضها من قطعيات الدين إذ لا تقبل الاجتهاد ومنها ما هو غير ذلك. وإذا كان مناط الخلاف في المستوى الأول هو الدستور، فمجاله في هذا المستوى هو التشريع، ويشمل القوانين الاتحادية والتشريعات الولائية والمصادقة على المعاهدات.

ومن مسائله التي لا يساوم فيها الإسلاميون إباحة الخمر، والسماح بنوافذ ربوية في البنوك وبشركات تأمين غير إسلامية، و"تحرير المرأة" جريا على ما جاء في اتفاقية سيداو، وقبول المثليين، وتغيير مناهج التعليم على النحو الذي أُقر أثناء حكومة عبد الله حمدوك.

أما المسائل التي قد تكون موضوعا للأخذ والرد فتشمل بعض جوانب قانون النظام العام – وكانت قد أثيرت حتى قبل سقوط الإنقاذ – والانضمام لاتفاقية مناهضة التعذيب؛ وما هو دون ذلك مما تختلف بشأنه آراء الفقهاء والمجتهدين. هذه هي خطة الإسلاميين، وتلك هي غايتهم. فما الخطة المقابلة التي يتبناها العلمانيون السودانيون؟  تقودنا الإجابة عن هذا السؤال إلى الانتقال للقضية الأخرى من أمهات القضايا في السودان، وقد صارت رويدا رويدا قلب الصراع الماثل الآن، ألا وهي كيفية ترسيخ الديمقراطية.

إعلان

يبدو للمراقب أن العلمانيين متعنتون في مواقفهم تجاه هذه المسألة ولا يقبلون أي تنازلات، فبينما يرى الإسلاميون السياسة إجمالا منافسة بين حقيقتين نسبيتين، ومن ثم لا بد فيها من مرونة الطرفين، فإن العلمانيين يرونها منافسة بين "حقيقة" مطلقة لا تقبل التنازل و"زيف" مطلق ليست له أي مصداقية. أما الحقيقة المطلقة عندهم فهي اقتران الديمقراطية بالليبرالية وعلمانية الدولة، وأما الزيف فهو إمكانية قيام الديمقراطية حال تحكيم الشريعة.

وقد رأينا كيف أن الإسلاميين السودانيين قدموا تنازلا في المرحلة الماضية عن النص على إسلامية الدولة، بينما لا يرى العلمانيون أي مجال للتنازل عن جعل الفصل بين الدين والدولة أساس الديمقراطية في السودان. هكذا يتضح عند إمعان النظر، أن الإسلاميين هم الذين يتحلون بالمرونة والعلمانيين بالتشدد، ويتبين أن تشدد العلمانيين جعل هذا الجانب من الصراع وجودياً لا هوادة فيه.

ولتشدد العلمانيين الليبراليين في هذه المسألة سبب فكري، فهم يؤمنون أن انتصار الديمقراطية الليبرالية الغربية هو نقطة النهاية لتطور الأيديولوجيات الإنسانية وفق نظرية نهاية التاريخ الشهيرة التي طرحها فرانسيس فوكوياما بعد انهيار جدار برلين عام 1989. وإضافة إلى هذا السبب الفكري، هناك ثلاثة أسباب ظرفية لتعنت العلمانيين السودانيين.

الأول هو أنه ليس لديهم ما يخسرونه؛ فهم ضعاف جماهيريا ولا يأملون في فوز انتخابي أو كسب سياسي بالوسائل الديمقراطية. والثاني هو ثقتهم المطلقة في الغرب وفي مساندته لهم، فهم معجبون بنموذجه، بل راضون حتى عن إملاءاته. والسبب الثالث هو أنهم يرون أن الديمقراطية والليبرالية صنوان لا ينفصلان، فالفصل بينهما بإجراء الانتخابات قبل إقرار فصل الدين عن الدولة يؤخر مسيرة انتصار العلمانية ولن يزيد "التطرف الديني" إلا ضراوة. وإذا كان إقرار الشريعة هو القضية المركزية "لحزب الترابي" على مدى ستة عقود، فإن ترسيخ الديمقراطية غير المرتبطة بالليبرالية هو قضية المرحلة المقبلة؛ مرحلة "حزب ما بعد الترابي".

إعلان "حزب ما بعد الترابي": الهدف

للتذكير، نحن نقصد بـ تيار الحزب الترابي ساد المشهد الإسلامي السوداني من 1964 وحتى 2024، فبالرغم من أنه قد تفرق إلى أحزاب وكيانات فإن فصائله المختلفة لا تزال تبني على ذات الفكرة التي قال بها الدكتور حسن الترابي في تجديد الدين وضبط الحياة العامة به.  وما انفكت تتخذ لذلك من الهياكل التنظيمية قياسا على ما طوره الترابي من أنماط، أخطأ ذلك التيار حيث أخطأ، وأصاب حيث أصاب.

غير أن سنن الله الماضية، هي أنه لا بد من طي تلك الصفحة، بمرئياتها الفكرية وتراثها التنظيمي، وفتح صفحة جديدة لزمان جديد وجيل جديد وتحديات جديدة، هذه الصفحة الجديدة هي ما نسميه هنا – مجازا – "حزب ما بعد الترابي." ونبني هذه المقاربة على رصد أوجه الاختلاف بين ما كان عليه "حزب الترابي" وما ينبغي أن يكون عليه "حزب ما بعد الترابي" في المسائل الثلاث الرئيسة التالية: الهدف، والبناء التنظيمي، والنهج الفكري.

بعد سقوط الإنقاذ طمع العلمانيون في استعادة العلمانية كاملة، كهيئتها عند فجر الاستقلال أو أشد، لذا فقد عمدوا إلى تعلية سقف مطالباتهم. فبعد أن كانت ذريعتهم للامتناع عن المشاركة في الانتخابات في عهد الإنقاذ هي عدم ضمان نزاهتها في ظل سيطرة الإسلاميين، عادوا ليشترطوا لإجراء الانتخابات أن يكتمل – أثناء الفترة الانتقالية – إنجاز الفصل بين الدين والدولة على المستوى السياسي، وتبني المنظومة القيمية الليبرالية على المستوى الاجتماعي.

وحيث إن السبيل هو إقصاء أقوى فصائل الإسلاميين – كمرحلة أولى – فقد صدر في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو الذي بموجبه تم حل حزب المؤتمر الوطني ومصادرة أصوله دون حكم قضائي. أجاز الراعي الدولي هذا الترتيب المخالف للقانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ بعد توليه منصب رئيس البعثة الأممية في السودان (يونيتامس) أقر فولكر بيرتس ذلك الإجراء معلنا في 17 يونيو/ حزيران 2022 أنه "لا نية للبعثة بالتحدث مع الإسلاميين من الأحزاب المحظورة أو إشراكهم في الحوار".

إعلان

وكان الراجح أن ذلك سيؤدي في النهاية ليس لحظر المؤتمر الوطني فحسب، بل تحظر معه طائفة من الأحزاب والشخصيات التي يرونها واجهات له أو مرتبطة به. كانت تلك هي التعلية الأولى للسقف، بعدها علّوا السقف مرتين. مرة قبل الحرب، ومرة أخرى بعد نشوبها.

في 3 سبتمبر/ أيلول 2020 وقّع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وهو لا يزال في منصبه اتفاقا في أديس أبابا مع الحركة المتمردة في جنوب كردفان بقيادة عبد العزيز الحلو، نص على إقرار مبدأ فصل الدين عن الدولة؛ وجاء فيه أنه "في غياب هذا المبدأ يجب احترام حق تقرير المصير"، ثم اشترطا للاتفاق مصادقة السلطة التشريعية الانتقالية عليه. كان اتفاق أديس أبابا برعاية ومباركة دولية معلنة مثل التعلية التي سبقته، إذ حضر التوقيع ديفيد بيزلي مدير برنامج الغذاء العالمي، السياسي الأميركي الجمهوري ذو التوجهات المثيرة للجدل.

كانت تلك هي التعلية الثانية للسقف، أما الثالثة فوقعت بعد أكثر من سنة على نشوب الحرب، وتحديدا في 18 مايو/ أيار 2024، حين وقّع حمدوك، بصفته رئيس تنسيقية "تقدم"، في نيروبي، كينيا، اتفاقا مع عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور – قائد إحدى حركات التمرد في دارفور – سُمي "إعلان نيروبي".

ومثل سابقه، نص هذا الاتفاق على تأسيس دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة وعلى "حق الشعوب السودانية في ممارسة حق تقرير المصير، في حالة عدم تضمين المبادئ الواردة في الإعلان في الدستور الدائم". أيضا شهد هذا الإعلان ممثلا للمجتمع الدولي هو الرئيس الكيني وليام روتو الذي يدعم ميليشا الدعم السريع علانية.

إلا أن الفرق بين إعلان نيروبي وبين اتفاق أديس أبابا كان كبيرا. فبينما كان قُصارى ما اُشترط لاتفاق أديس أبابا هو مصادقة المؤسسات الانتقالية عليه، فإن إعلان نيروبي شدّد على أن يُضمّن فصل الدين عن الدولة في الدستور الدائم للبلاد.

إعلان

وهكذا بعد أن كان للشعب السوداني كلمته في نهاية الفترة الانتقالية، هل يركن إلى العلمانية أم يبتعد عنها، فإنه لم يعد له ذلك بعد الحرب. إذ جُعلت العلمانية مبدأ فوق دستوري "super-constitutional" ليس للشعب فيه رأي، ولا يجوز نقضه أو الانتقاص منه ولو باستفتاء. بل هناك شرط آخر ضمني يفترضه إعلان نيروبي، وهو أن تعود تنسيقية "تقدم" للحياة السياسية، إذ لا علمانية أو ليبرالية بدونها، وأن يعود الدعم السريع للمؤسسة العسكرية، إذ مَن غيره يحمي "تقدم" وليبراليتها.

تعد هذه الخطوة تغييرا جذريا لقواعد اللعبة السياسية في السودان. فقبل الحرب كان موضوع فصل الدين عن الدولة نزاعا طرفاه الإسلاميون والعلمانيون، وبما أن وجهه العملي كان تطبيق الشريعة، فقد كان هذا الجانب من الصراع آخذا في الأفول كون أن الشريعة قد استقرت. وكان الشعب هو الحكم فيه، إذ له أن يقول كلمته النهائية فيه في الانتخابات. أما بعد الحرب فقد صار وجهه العملي هو تضمين العلمانية في الدستور الدائم.

ومن ثم صار هدف الصراع هو أن يحُمل الشعب حملا – دون انتخابات أو استفتاء – على ارتضاء العلمانية كون ذلك هو شرط إقرار الديمقراطية وتداول السلطة سلميا، وشرط استمرار السودان موحدا. بل لا بد للشعب السوداني من أن يقبل عودة حراس المعبد للمشهدين السياسي والعسكري. وهكذا استعدى العلمانيون الشعب بكل أطيافه وجعلوه خصما وطرفا في الصراع وساقوه سوقا إلى حلبة المواجهة الشاملة في الأطروحة الليبرالية العلمانية. إذ لم يعد يتبناها – وفقا للنسخة الأخيرة منها – إلا الدعم السريع، وتنسيقية "تقدم"، وعبد العزيز الحلو، وعبد الواحد نور.

يقودنا ذلك إلى حقيقة مهمة وهي أن الهدف الأساسي للإسلاميين في زمان "حزب الترابي" لم يعد قائما اليوم. فإذا كان "حزب الترابي" يسعى إلى تحكيم الشريعة في مجتمع كانت مشكلته "الجهل بشمول الدين، والغفلة عن مقتضاه السياسي" فإنه – بعد ثلاثين سنة من حكم الإسلاميين – لم تعد تلك المشكلة قائمة، فالجهل قد انمحى والغفلة قد زالت، واستقرت الشريعة دستورا، وقانونا، وقضاء، وعرفا.. وكانت أجرأ محاولة للانتقاص من تطبيق الشريعة هي التي تمت في يوليو/ تموز 2020 أثناء حكومة حمدوك حين أصدر وزير العدل نصر الدين عبد الباري قانون التعديلات المتنوعة لسنة 2020 الذي طال تسعة قوانين.

إعلان

وبالرغم من أنه تم النص في ذلك القانون على إلغاء عقوبة الإعدام في حد الردة على خلفية الجدل الذي كان محتدما بشأن واقعة معينة ذات أصداء دولية، وبالرغم من توسعه في إلغاء عقوبة الجلد، فقد استثنى ذلك القانون العقوبات الحدية من أي تعديل. وبينما تقرر فيه إعفاء غير المسلمين من العقوبات المتعلقة بشرب الخمر والتعامل بها، فإنه لم يتطرق للعقوبات المفروضة على المسلمين.

إن المشكلة التي يستعر إزاءها الصراع اليوم في السودان هي كيفية ترسيخ الديمقراطية في ظل غياب الليبرالية وعدم إقرار الفصل بين الدين والدولة. فبسبب الأطروحة الليبرالية في نسختها الجديدة تفاقمت مشكلة السودان التاريخية منذ الاستقلال وجوهرها البحث عن دستور دائم وعن نظام للحكم متوافق عليه يضمن التداول السلمي للسلطة.

فبعد أن كان الصراع صراعا تنافسيا عمّا إذا كان الأفضل للبلاد هو النظام الرئاسي أم البرلماني، تحول إلى صراع وجودي في النص على الفصل بين الدين والدولة. ولهذا فإن من يواجه دعاة العلمانية اليوم هم الشعب السوداني كله، الذي لم يعد له بُد من مواجهتهم؛ إن هو أراد إقرار دستور دائم ونظام ديمقراطي.

في ضوء ذلك، ربما لا يحتاج الإسلاميون في السودان اليوم إلى التمايز كإسلاميين أو تأطير أنفسهم في حزب إسلامي تقليدي يقول بدعوة ينبري لها عامة الناس خارجه. في المقابل، ربما عليهم أن يتركوا أمر هذه الدعوة لهذه "الظاهرة الجماهيرية"، التي هم جزء منها، وترك العلمانيين بظهيرهم الدولي يخوضون المواجهة مع الظاهرة الجماهيرية في صورتها البكر، دون تأطير المعركة مع تنظيم يمكن عزله والاستفراد به وربما استئصال شأفته إذا لزم الأمر.

"حزب ما بعد الترابي": البناء التنظيمي والفكر

إذا كان الترابي يخشى "ألا يتواكب تطور أوعية التنظيم مع توسع مدى التيار الإسلامي، فيتحول أمر الصحوة إلى ظاهرة جماهيرية سائبة"، فإنما ذلك لأنه كان في مقدور الأوعية الحزبية والحركية أن تساير المد الإسلامي إن هي اتسعت. أما في هذا الزمان فإنه لم يعد بوسع أي تشكيلات تنظيمية، مهما انداحت، أن تواكب الظاهرة الجماهيرية التي تكونت بعد الحرب.

إعلان

وإذا ما كان الناس في زمان الترابي يخشون من أن تتناسخ الصحوة الإسلامية أو تتبدد إن لم يُحط بها، فإن هذه الحرب التي كان شعارُها محاربة الإسلاميين قد أنضجت الفكرة الإسلامية في المجتمع وجعلت منها ظاهرة جماهيرية وطنية لا يُخشى بعد اليوم أن تضل أو تتبدد.

وإذا كان الترابي -في أواسط القرن العشرين- يرنو إلى أن يكون الإسلاميون "حركة المجتمع ذاته، تدخل في سياقه، وتقاوم ما فيه من شر، وتبني على ما فيه من خير"، فإنه آن الأوان -في الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين- أن يكون الإسلاميون بعضا من ذلك المثال، فيعمدون إلى الراية التي يرفعها المجتمع فينصبونها هي نفسها. فالإسلام اليوم ليس بحاجة إلى راية متمايزة عن راية المجتمع. وبهذا يضحي الإسلاميون بالحزب الذي ينصهر في سياق المجتمع ويبني على ما فيه من خير كثير ويقاوم ما بقي فيه من شر قليل، بدلا من أن يجانبه.

في ضوء ذلك، فإن "حزب ما بعد الترابي" لا ينبغي إلا أن يكون كيانا جامعا لكل السودانيين، فتدخل فيه أغلب ألوان التيار الإسلامي دون تفاضل، وتؤمُه أكثر الأطياف الوطنية الأخرى دون تردد، ويقصده من ينهض اليوم ضد اتفاقات حمدوك والحلو وعبد الواحد نور، حتى لو كان بالأمس القريب من ربابنة الليبرالية وأساطين العلمانية، ويفتح أبوابه لمن يعمل لهزيمة الدعم السريع ويسعى لمنع عودة "تقدم."، ويأتيه المسيحيون ممن عانوا من المليشيا، شأن السودانيين كلهم، ممن يريدون بلادهم موحدة تنعم بنظام ديمقراطي مستقر.

فهو حزب الكافة الذي لا يغلق بابه دون أحد بسبب دينه، وليست له لافتة تصنفه ضمن تيار عقائدي أو سياسي، بل هو حزب الظاهرة الجماهيرية الأكثر حماسا والأقدر حيلة في صراع الجبابرة المقبل الذي لا هوادة فيه. وإذا كان مرجوا من انفتاح "حزب ما بعد الترابي" على مكونات المجتمع كلها أن تجعل منه الحزب الغالب، إلا أنه ليس مقصودا أن يكون الحزب الواحد. فلندع مئة حزب يزدهر، وإذا كانت فكرة "حزب ما بعد الترابي" هي ترسيخ الديمقراطية في ظل غياب الليبرالية فإنه يقتضي أن ندع مئة زهرة تتفتح.

إعلان

وانتقالا من التنظيم إلى الفكر، دعونا نتفق مع ما ذهب إليه الشنقيطي من أن "سر الطرافة والجدة في تجربة الحركة الإسلامية في السودان هو ارتباط الفكر بالعمل، وهو أمر صبغ نتاج الحركة كله. وقد جمع قادة الحركة ومفكروها بين العمق الفكري والروح العملية، وأدركوا قيمة الارتباط بينهما: حيث يهدي الفكر العمل، ويهدي العمل الفكر". هذا ما كان عليه الترابي في "القديم"، ونشير هنا بالقديم إلى فقه الترابي ومدرسته قبل الإنقاذ، و"بالجديد" إلى فقهه بعدها. ومصطلحا "القديم" و"الجديد" استعارة من فقه الإمام الشافعي.

إن النهج الذي اختطه الترابي في "القديم" كان خاليا من الأيديولوجية ذات الأنساق الراتبة التي تبدت لاحقا في "الجديد"، ويتسم "القديم" بربط الفكر بالعمل، بدلا من أن يربط العمل برؤية طوباوية طويلة المدى. هذا هو ميراث "القديم" الذي على "حزب ما بعد الترابي" أن يعض عليه بالنواجد، فلا خير في فكر أيديولوجي جامد، أو إستراتيجيات عشرية وعشرينية وثلاثينية تنشر في ورق مصقول ثم تهمل ويعلوها الغبار، كونه لا علاقة لها بالواقع ومتغيراته. وربما ليس ذلك من الدين في شيء، ولا نظنه مما يصلح دنيا الناس في شيء.

ثم إن ميراث الترابي في "القديم" لا ينبغي أن يكون وحده الذي يهدي المسير. فالتحديات الجديدة التي يواجهها "حزب ما بعد الترابي" تحتاج أفكارا جديدة وقادة جددا للتصدي لها، وترسيخ الديمقراطية غير المرتبطة بالليبرالية مشروع سياسي مبتكر ومبحث فكري مستجد، وفيه من السعة ما يتيح للجميع أن يسهموا فيه بمن فيهم قادة الرأي من الوطنيين عامة، بل إن ذلك هو عين ما أراده الترابي من التجديد وبعض ما قصده في القديم أيضا. وكما قال الإمام علي كرم الله وجهه: "أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله".

"حزب ما بعد الترابي".. التحديات الخارجية

إذا جعلت هذه المراجعات الإسلاميين يُقبلون على الوطنيين، فما الذي يدفع الوطنيين للإقبال على "حزب ما بعد الترابي"؟ السبب الأول هو الذي أوضحناه أعلاه من أن المواجهة مع العلمانيين لم تعد مواجهة في الشريعة، أو معركة مع الإسلاميين، فالوطنيون – شاءوا أم أبوا – في الصف الأول من هذه الملحمة التي تتخذ طابع الصراع حول كيفية ترسيخ الديمقراطية في البلاد.

إعلان

فهم يواجهون – مع الإسلاميين – أطروحة الدعم السريع، وتنسيقية "تقدم"، والحلو، وعبد الواحد نور التي تصر على جعل الديمقراطية مستحيلة برهنها بالفصل بين الدين والدولة. إضافة إلى هذا العامل المحلي، هناك عامل خارجي لا بد من أن يضعه الوطنيون والإسلاميون معا في اعتبارهم؛ ألا وهو التحدي الخارجي الذي تواجهه البلاد … ولنسمِّه صراحة: العامل الإسرائيلي!

في عام 1995 كتب بنيامين نتانياهو كتابا سمّاه "محاربة الإرهاب: كيف تهزم الديمقراطيات الإرهابيين المحليين والدوليين."، هذا الكتاب لنتنياهو بمثابة كتاب "كفاحي" لهتلر، وتتلخص فكرته في أن إسرائيل لن تتخلى عن الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 – رغم أنف القانون الدولي – لسببين: الأول نبوءة توراتية، والثاني لأن أمن إسرائيل يتطلب ذلك. وحيث إن عدم التخلي عن هذه الأراضي يستعدي حماس "والمنظمات الإرهابية الأخرى"، فإنه لا بد من التصدي لها وهزيمتها.

وحتى يتأتى ذلك فإنه لا تكفي مواجهة "الإرهابيين" وإنما أيضا لا بد من مناوأة الدول السبع المناهضة لإسرائيل وهي – بحسب نتنياهو – إيران والعراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والصومال. ويكون بإشعال الحروب فيها ونشر الفوضى وإضعاف سلطة الدولة، ثم يوكل حكمها إلى مَن يوالون الغرب ويُوادّون إسرائيل.

وقد كشف جيفري ساكس – البروفيسور المشهور في الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كولومبيا – أنه منذ العام 1997 تبنى البنتاغون إستراتيجية إذكاء الحروب في هذه الدول السبع. وهكذا نعلم لماذا يكون الراعي الدولي حاضرا كل مرة تتم فيها تعلية السقف؛ فهو إنما يكون حاضرا لضمان دور لربائب الغرب وإسرائيل في المرحلة التي تلي الحرب.

يظن البعض أن الموقف الإسرائيلي المعادي للسودان إنما كان بسبب الإنقاذ، وتحديدا بسبب المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي في عام 1991 ومن ثم فإن إسرائيل – وبحسب هؤلاء – ستعدل عن معاداة السودان ما دامت الإنقاذ قد ذهبت، خاصة إذا غاب الإسلاميون عن المشهد، ووقع السودان الاتفاقات الإبراهيمية.

إعلان

غير أن هذا الاعتقاد أبعد ما يكون عن الحقيقة. فالموقف الإسرائيلي من السودان سابق لحكم الإسلاميين، وسابق للمؤتمر الشعبي العربي والإسلامي؛ الذي لا يعدو أن يكون هامشا صغيرا في هذا الصدد. فسبب الموقف الإسرائيلي هو الارتباط العضوي التاريخي بين القوات المسلحة السودانية والجيش المصري، وسببه هو مساندة الرأي العام السوداني العنيدة للقضية الفلسطينية؛ مما تتشاركه تقليديا جماهير وقيادات كل الأحزاب السودانية الكبرى.

فقد شاركت القوات المسلحة السودانية في الحروب العربية الأربع ضد إسرائيل، كانت المشاركة الأولى قبل استقلال السودان حين قاتلت قوات دفاع السودان تحت قيادة الجيش المصري في حرب عام 1948 (النكبة). أما المشاركة الثانية فكانت في حرب عام 1967، تبعتها على الفور المشاركة الثالثة في حرب الاستنزاف (1968-1970) ثم المشاركة الأخيرة في حرب أكتوبر عام 1973.

فليس هناك جيش عربي قاتل إسرائيل هذا العدد من المرات إلا الجيش المصري، وليس هناك جيش عربي شارك في القتال المباشر ضد إسرائيل إلا ودمر (سوريا مثالا) أو أُبرمت معه اتفاقية سلام (مصر والأردن) اللهم إلا الجيش السوداني.

أما شواهد وقوف الرأي العام السوداني – حكاما ومحكومين – باعتداد إلى جانب القضية الفلسطينية فأولها وأشهرها استضافة الخرطوم في 29 أغسطس/ آب 1967 أهم قمة في التاريخ العربي الحديث، قمة اللاءات الثلاث، التي جاءت لتوحيد الصف العربي بعد الهزيمة.

ورغم الانكسار العربي الراهن لا يزال السودانيون يعتبرون تلك القمة تاج فخارهم ومصدر اعتزازهم. وثانيها، وهو أقل شهرة، ما حدث قبيل تلك القمة؛ حين قررت الجمعية التأسيسية – بالإجماع – إعلان الحرب على إسرائيل. لا يزال إعلان السودان الحرب على إسرائيل ساريا حتى اليوم، وإذا ما وقّع السودان الاتفاقات الإبراهيمية فإن إسرائيل ستطالب – إمعانا في الإذلال – بإلغاء ذلك الإعلان بواسطة أول برلمان سوداني ينتخب، وستضع على المحك إباء الشعب السوداني، وكبرياء برلمانه المنتخب.

إعلان

على مدى العقود الستة الماضية، كان هذا العامل الإسرائيلي هو أهم محددات السياسة الخارجية السودانية على الإطلاق، فهو الذي بسببه دارت رحى حرب الجنوب ثم الانفصال، وهو الذي أدى لحصار السودان ثلاثين عاما في عهد الإنقاذ. وهو الذي أجّج مشكلة دارفور، وهو الذي تسبّب في تطاول أمد الفترة الانتقالية الأخيرة ثم انهيارها، وهو الذي أشعل هذه الحرب الضروس، وهو الذي بسببه تُوقّع العقوبات على قيادة الجيش. بل هو الذي من أجله يُمهد الآن لتمزيق السودان تحت شعار "حق الشعوب السودانية في ممارسة تقرير المصير".

ومن ثم فإنه ينبغي على الوطنيين السودانيين عامة، و"حزب ما بعد الترابي" خاصة، أن يجعلوا هذا العامل نُصب أعينهم؛ فيُجمعوا الرأي ويُعدوا العُدّة. فكما قال نزار قباني "لم يدخل اليهود من حدودنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا". ولن تنساق إسرائيل وراء محاولات التنصل أو الاستكانة، فلن تنطلي عليها الأقنعة التي يُزمع بعض ارتداءها بتوقيع الاتفاقات الإبراهيمية، وإنما ستعمل ليل نهار لإضعاف هذا الجيش على مدى طويل ولتغيير عقيدته القتالية، ثم تدميره في المرة القادمة؛ ما دامت قد فشلت هذه المرة. ولن تنخدع بالمساحيق التي يحاول أن يضعها نفر من قادة الأحزاب والحركات المسلحة، فهي لن ترضى عنهم حتى ينقادوا لتنسيقية "تقدم" صاغرين.

وختاما، بني هذا المقال على مقال مطول نُشر على الإنترنت في ست حلقات بعنوان "الإسلاميون السودانيون: لم تعثروا وكيف ينهضون"؟. ولئن افترع المقالان نهجا في جدل المراجعات، فإنه ليس لهما أو لأي مقال آخر أن يحيط بالتجربة الإسلامية السودانية على اتساع مداها أو يدلف لعمقها الزاخر ليتقدم فيها بمراجعات شاملة. فإنما ذلك مما تقوم به العصبة من الناس.

وإذا لم يتطرق هذا المقال لتجربة الإسلاميين في الحكم أثناء الإنقاذ – إلا عرضا – أو لبلائهم في المعارضة، فإنما لأنه ليس من موضوعه ولا يدخل في غرضه، إذ يركز المقال على الهدف، والفكرة، والتنظيم، مبينا ما كان من أمرها بدءا، وما صارت إليه حالا، وما يُرجى أن تغدو عليه مآلا، وما ذلك إلا لأن أسباب التعثر إنما جاءت من بعض هذه الجوانب، وفيها – إن هي قُوّمت – تكمن جذوة النهضة الجديدة.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد الحرکة الإسلامیة السودانیة الإسلامیین السودانیین الإسلامیون السودانیون الحدیثة فی السودان ترسیخ الدیمقراطیة الجمعیة التأسیسیة التنظیم السودانی التیار الإسلامی المؤتمر الشعبی المؤتمر الوطنی الدیمقراطیة فی التنظیم الدولی التنظیم المصری إسلامیة الدولة العمل الإسلامی تطبیق الشریعة أن الإسلامیین الشعبی العربی الإسلامیین فی الحزب الشیوعی الدعم السریع تقریر المصیر الإسلامیة فی إعلان نیروبی هذا العامل الترابی من نقل السلطة الترابی فی أدیس أبابا حسن البنا ع السودان الذی کانت السودان ب ما فیه من فی الحکم النص على الدین فی الذی کان الأول هو إذا کانت وهو الذی إلى جانب وإذا کان لا بد من ما کانت ما یکون لا یزال إذا کان فإنه لم هو الذی على مدى من خلال کما قال أن یکون إلا أنه التی ت الذی أ التی أ فی هذا ذلک هو على ما لم یعد لم یکن غیر أن التی ی إلا أن الذی ت فی حرب فی عام الذی ب ومن ثم فی ذلک إذا ما ما کان بعد أن کل بلد

إقرأ أيضاً:

المريسل: تعثر الهلال في مصلحة النصر أكثر من الاتحاد

ماجد محمد

أكد الإعلامي الرياضي، عبدالعزيز المريسل، أن تعثر الهلال في الدوري سيكون في مصلحة النصر أكثر من كونه يخدم الاتحاد، إذ يمنح العالمي فرصة حقيقية للدخول بقوة في سباق المنافسة على اللقب.

وأشار المريسل أنه سيكون على النصر تحقيق الفوز أمام الأهلي إذا ما أراد تضييق الفارق واستغلال أي تعثر للهلال.

وتابع: “إذا أراد النصر أن يدخل المنافسة على الدوري من أوسع أبوابه لابد من فوزه على الأهلي لأن الاتحاد سيسقط أمام الهلال”.

وتعادل الأزرق الهلالي أمام ضمك، بنتيجة 2-2، على خلفية الجولة الـ 19 من بطولة دوري روشن للمحترفين.

إقرأ أيضًا

الهلال يسقط في فخ التعادل أمام ضمك .. فيديو

مقالات مشابهة

  • الطور الأخير لنضح الإسلاميين السياسي
  • السودان: أحد قادة كتائب الإسلاميين يكشف عن صدور مذكرة توقيف بحقه لانتقاده «البرهان»
  • طلب إحاطة بشأن تعثر التحول الرقمي في مصر
  • أحمد الحريري يدعو من المنية إلى عفو عام يرفع الظلم عن الموقوفين الإسلاميين
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • عند المدخل الشمالي ليارون.. تمشيط معاد باتجاه محيط الساتر الترابي
  • إيطاليا.. إتلاف لوحة من القرن السادس عشر بعد حادث تعثر في متحف
  • الإسلاميون ومخاوف التحالف مع البرهان: حسابات المصالح والمخاطر السياسية
  • المريسل: تعثر الهلال في مصلحة النصر أكثر من الاتحاد