شهد جناح دار الإفتاء المصرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الأحد، ندوةً هامة تناولت موضوعًا شائكًا بعنوان "الفتوى ومسائل الهُويَّة وتعزيز الانتماء"، والتي شارك فيها فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العام- إلى جانب نخبة من العلماء الأجلَّاء والمتخصصين.

وقد  قدَّموا رؤًى معمَّقة حول قضايا الهُويَّة الدينية والوطنية وأهمية الفتوى في الحفاظ على قِيَم المجتمع، حيث أثرى فضيلةُ الأستاذ الدكتور حسن الشافعي -عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف- موضوع الندوة التي حظيت بحضور كبير من  بالشأن الديني والوطني، كذلك سلَّط اللواء فؤاد علام -الخبير الأمني- الضوءَ على دَور دار الإفتاء في تصحيح المفاهيم وتوجيه الرأي العام، خاصة في ظل التحديات الأمنية التي تواجه المجتمع اليوم، كما تناولت الندوة أهمية الفتوى كأداة لحماية الهُويَّة الوطنية والدينية وتعزيز الانتماء للوطن، بالإضافة إلى دَور المؤسسات الدينية في التصدِّي للأفكار المتطرفة وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي قد تضرُّ بالاستقرار المجتمعي.


وفي معرض الندوة تحدَّث فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد، مفتي الجمهورية، عن علاقة الفتوى وأهميتها في تعزيز الانتماء للوطن، مؤكدًا أن الفتوى تلعب دورًا أساسيًّا في الحفاظ على الهُويَّة وتعزيز الانتماء للأوطان، مشيرًا إلى أنه لا يجب النظر إلى الفتوى على أنها حكم شرعي فقط، بل يجب أن يُنظر إليها باعتبارها بجانب الحكم الشرعي أداةً لبَسط الأمن والسلم، ووسيلة لتوجيه المفاهيم المتعلقة بالأوطان وساكنيها.


وأضاف فضيلته: إن المفتي عند إصداره للفتوى يستحضر المقاصد الكلية التي تهدُف إلى غرس المفاهيم الصحيحة المتعلقة بالدين والنفس والمال والعرض والعقل، وأنه إذا كان المفتي مدركًا لهذه المقاصد فإنه يكون على دراية كاملة بأهمية الأمور التي تتطلب مراعاة الواقع ومآلاته ومقاصد الشرع الحنيف، مشيرًا إلى أن الفتوى تهدُف إلى تطبيق حكم الله بشكل شامل.


وأوضح فضيلة المفتي أنه من المهم أن نأخذ في الاعتبار حرص الصحابة على اختيار خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قبل الانتهاء من دفنه، بما يقدم مثالًا واضحًا لأهمية الحفاظ على المقاصد الكلية والعمل على الحفاظ على مفهوم الدولة وتماسكها وضمان استمراريتها، وقال إن الفتوى لا تقتصر على مجرد بيان الحكم الشرعي فقط، بل تهدُف إلى الربط بين قِيَم المجتمع وأفراده، موضحًا أن الفقهاء قد استنبطوا مجموعة من القواعد الفقهية التي يمكن أن تُستخدم في تأسيس الهُويَّة الدينية والوطنية.


كما أوضح أنَّ المفتي يوقِّع عن الله تبارك وتعالى، وأَولى الأمور التي يجب أن يركِّز عليها هي الدين، ثم الوطن، وهو النهج الذي اتَّبعه النبيُّ صلى الله عليه و آله وسلم.
وفي هذا السياق، تحدَّث عن مقاصد الوطن والمقاصد الوطنية، وضرورة تأصيل هذا الموضوع وكيفية وضع الوطن ضمن المقاصد الكلية.
وأشار فضيلته إلى وجوب التفريق بين المقاصد المتعلقة بالفرد، مثل الدين والنفس والعقل والمال، وبين المقاصد المتعلقة بالمجتمعات مثل مقصد الدولة، الذي يُعتبر بيئة رشيدة تساهم في تحقيق المقاصد الكلية.
وتطرَّق فضيلةُ المفتي إلى مسألة الحق في التحدث باسم الدين، موضحًا أن النص القرآني يؤكد على ضرورة الرجوع إلى أهل الذِّكْر، وأنَّ الفتوى أمانة يجب أن تُبنى على مجموعة من العلوم المختلفة، بما في ذلك العلوم اللُّغوية والإنسانية والدينية، كما أشار إلى أنه يجب أن تراعي الفتوى الواقع والمقاصد الشرعية، حيث لا يستطيع المفتي التعبيرَ عن كافة الأمور لأنها محكومة بقواعد تضمن الأمن المجتمعي والاستقرار الفكري، محذرًا من القفز على هذه القواعد لأغراض شخصية أو للبحث عن الشهرة.


وأشار فضيلةُ المفتي إلى رأي العلَّامة ابن رشد الذي أكَّد أن الشريعة أوجبت النظر العقلي، ولكن لا يتصدى له 
إلا من توافر له الذكاء والعدالة، حيث يجب على الفقيه أن يتبع الحق أينما كان، وأن يحرص على تحقيق المصلحة من خلال ضوابطها وسلوكها.


وأكَّد مفتي الجمهورية أن مصر لديها مؤسسة دينية تحافظ على هذا الإرث متمثلة في الأزهر الشريف، وأنه بفضل الله تعالى، توجد تحت مظلة هذه المؤسسة دار الإفتاء ووزارة الأوقاف وغيرها من المؤسسات الدينية، حيث يعملون حاليًّا بالتعاون مع مؤسسات الدولة على دراسة مفصَّلة لمشروع يقصر التصدُّر لأمر الإفتاء على منسوبي المؤسسة الدينية فقط، وتجريم مَن يتصدى للفتوى بدون علم، وأوضح أنه توجد مشكلة متعلقة بالمؤسسة الإعلامية والمؤسسات المعنية، ولا بدَّ من تعاون الجميع لتوحيد الجهود في هذا الأمر، آملًا أن يرى هذا المشروع النور قريبًا.
وفي ختام حديثه أشار فضيلة المفتي إلى أن الأسئلة الشائعة والفتاوى الشاذة التي ترتبط بالمناسبات أصبحت تتردَّد كطقس متكرِّر، مشددًا على أن دَورنا هو توضيح الأمور وتصحيح المفاهيم، وأن هذا يتطلب جهودًا مشتركة لتوعية الأجيال القادمة، وأكد أن ذلك يحتاج إلى تعاون وتكامل بين كافة الجهات المعنية.
كما أعلن فضيلته أن دار الإفتاء قد انتهت من تطبيقات هامة سيُعلَن عنها قريبًا، من أبرزها تطبيق "مصر قرآن"، الذي يتضمَّن مجموعةً من الفتاوى لتيسير الأمور على السائلين، بالإضافة إلى تطبيقات أخرى متعلقة بالفتاوى.


وفي سياق ذي شأن، استهلَّ فضيلة العلَّامة الأستاذ الدكتور حسن الشافعي -عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف- كلمته بالتأكيد على أهمية معرفة الإنسان لِذَاته باعتبارها المدخل الأول للعلم والمعرفة، مشيرًا إلى أن الهُويَّة، رغم أنها مصطلح حديث، تعكس مفهومًا قديمًا يتمثل في ماهية الإنسان وحقيقته. وأضاف أن المصريين، مسلمين وأقباطًا، ظلوا على مدار التاريخ أصحاب فطرة دينية سليمة، حيث كانوا يلجؤون إلى النيل طلبًا للطهر، مما يعكس ارتباطهم الروحي بالطبيعة وتدينهم العريق.
وتطرَّق الشيخ حسن الشافعي إلى الأهمية التاريخية والجغرافية لسيناء، مشيرًا إلى أنها تمثِّل ما يقرب من خُمس مساحة مصر، لكنها ليست مجرد أرض، بل رمز للتضحية والفداء، حيث ارتوت كلُّ حَبة من ترابها بدماء الأطهار الذين دافعوا عنها عبر العصور. وأكَّد أن الدفاع عن الوطن واجب مقدَّس يحتِّم على الجميع التكاتف لحمايته.


وأوضح فضيلته أن المصريين يتمتعون بترابط اجتماعي فريد، مستشهدًا بتجارب شخصية عاشها في الغرب. وأشار إلى أن المجتمعات الغربية تعاني من العزلة الاجتماعية، حيث يعيش كثير من كبار السن وحدهم دون رعاية، بينما في مصر لا تزال قيم التلاحم الاجتماعي قوية وحية. وذكر موقفًا للأمير تشارلز الذي دعا البريطانيين إلى التعلم من المسلمين في آسيا وأفريقيا كيفية الحفاظ على الروابط الاجتماعية.
وشدَّد الشيخ حسن الشافعي على أن الفتوى ليست مجرد إصدار للأحكام الشرعية، بل هي جزء من هوية الأمة وأداة للحفاظ على تماسكها الاجتماعي والروحي.

 وأكد أن الفتوى الحقيقية يجب أن تراعي ظروف الناس وتساهم في ترسيخ قيم الاعتدال والتسامح، مشيرًا إلى أن الغلو في الدين أو الانحراف نحو الإلحاد يمثلان خطرًا يهدد وَحدة المجتمع.


وأكَّد فضيلته أن القيادة الروحية والوطنية تمثل درعًا للأمة في مواجهة محاولات طمس الهُويَّة والثقافة، مستشهدًا بفترة الاستعمار الإنجليزي الذي أدرك قوة تأثير المؤسسات الدينية والروحية في الحفاظ على تماسك الشعب المصري.


وأوضح الشيخ حسن الشافعي أن التضحية من أجل الوطن والدين واجب لا يقبل المساومة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين».


وقال: إن "الهُويَّة وإن كانت لفظةً مستحدثة فهي مفهوم قديم معروف بالماهية أو حقيقة الشيء"، وإن الهُويَّة ليست مجرد عقيدة، بل تشمل العادات والتقاليد والخصائص الثقافية، وكذلك  فإن اللغة والهُويَّة هما غطاء الفكر والعقل والشِّعر والدين. كما أكد أن الغرب حاول إفساد اللغة لإفساد الشعوب، لكن يجب أن نجتمع على هذه الهُويَّة التي تمثِّل جوهرَ تراثنا، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم : «قال عليكم بسُنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»، وأنَّ أول انشقاق في جسم الأمة كان على يد الخوارج الذين أخبر عنهم النبي بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، مشيرًا إلى أن التطرف بنوعَيْهِ: الغلو في الدين أو الإلحاد، يهدِّد وَحدة الأُمَّة.


ودعا الدكتور حسن الشافعي إلى الوحدة والاعتدال، مشددًا على أهمية دور المؤسسات الدينية مثل الأزهر الشريف، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف، ومشيخة الطرق الصوفية، ونقابة الأشراف في توجيه المجتمع نحو القيم الصحيحة. وأكد أن السماح بهامش للاختلاف الفكري والثقافي يعزز روح الاعتدال ويحمي الأمة من التطرف والانقسام.
وأضاف أن الذين دفعوا أذى الصليبيين عن العالم العربي والإسلامي هم المصريون، ومن دفعوا أذى المغول هم المصريون، فهذا دَور مصر التاريخي وقدرها، ومن يقول إن الإرهاب صناعة مصرية يحارب الحقيقة والواقع، والعالم كله يعرف تاريخ الإرهاب ومن أين أتى وكيف تأثَّر دُعاته بالمصادر الخارجية.
واختتم حديثه بأن معرض الكتاب هو مهرجان المعرفة، وعلى كل مؤسسات مصر الدينية أن يغتنموا الفرصة لبيان كامل الحقائق للشعب، وعلينا أن نخرج منه ونحن على قلب رجل واحد ورأي واحد، وأن نتناول أزماتنا التي تهدِّد وَحدة الأمة وتناسق المجتمع، داعيًا إلى ضرورة التكاتف والعمل المشترك من أجل الحفاظ على الهُويَّة الوطنية، راجيًا من الله أن يحفظ مصر والأمة الإسلامية، وأن يُنعِم عليها بالوَحدة والعلم النافع والسلام.


من ناحيته تحدَّث اللواء فؤاد علام، الخبير الأمني، عن العلاقة بين الهُويَّة الوطنية والهُويَّة الدينية، مشيرًا إلى أن الإنسان هو أفضل مَن يدافع عن الدين الإسلامي، وأفضل مَن يتحدَّث عن دَور مصر في حماية القيم الأصيلة، مؤكدًا أن نموذج المواطن المصري هو مثال نفخر به جميعًا. كما شكر دار الإفتاء على دَورها الكبير في تصحيح المفاهيم، موضحًا أن جهودها في اللقاءات مع بعض الجماعات التي فهمت الدين بطريقة خاطئة كانت لا تُنسى بالنسبة لكل مسلم.


وأشار إلى أن الهُويَّة تظهر بشكل واضح في الأزمات الوطنية، قائلًا: "نحن المصريين نتمسَّك بهُويتنا المصرية أولًا والعربية أيضًا، وقد تحمَّلنا الكثيرَ من أجل الدفاع عنها".

 وأضاف أنَّ المستعمر البريطاني حاول تغيير هُويتنا، لكنه فشل، حيث كان كلما زاد الاستعمار في محاولاته لتحويل الهُويَّة المصرية إلى مسار آخر، نجد جميع العرب، وفي مقدمتهم المصريون، يقفون مُدافعين عن الهُويَّة المصرية العربية الإسلامية.
وأكد اللواء فؤاد علام أن إيمان الشعب المصري بهُويته العربية الإسلامية قد رسخ في قلوبهم، وأن مصر تحملت الكثير في سبيل الدفاع عن هذه الهُويَّة ورسخت ذلك في قلوبنا، كما تحدث عن دور الفتوى في بناء الوطن، موضحًا أنه عندما تُستخدم الفتوى لصالح الوطن، فإنها تساهم في بنائه ورفع شأنه.

 

 وفي المقابل، انتقد الجماعات التي استخدمت الفتوى للتخريب، قائلًا إن هذه الجماعات ادَّعت امتلاكَها لآراء دينية، بينما أصدرت فتاوى لا عَلاقة لها بالدين الإسلامي، مؤكدًا أن هؤلاء الذين تبنَّوا الفتاوى الشاذة هم بعيدون عن الدين والوطن.
كما أشاد بدَور دار الإفتاء في تصحيح المفاهيم، مؤكدًا أنه كان يتواصل بشكل مستمر مع فضيلة المفتي السابق الدكتور شوقي علام، الذي كان يرسل علماء دار الإفتاء لِلقاء عدد من أفراد تلك الجماعات وتوضيح المفاهيم لهم، وأكَّد أن دَور دار الإفتاء كان وطنيًّا ودينيًّا هامًّا في تصحيح المفاهيم لدى هؤلاء الذين تبنَّوا أفكارًا خاطئة.


وفيما يتعلق بالجماعات التي واجهها، أوضح أن هناك قاسمًا مشتركًا بينها، وهو أن جميعهم مروا على إسرائيل، ما دفع الأجهزة الأمنية للتساؤل عن كيفية حديث هؤلاء باسم الدين وهم نشؤوا في مجتمع يحارب الدين الإسلامي بشكل خاص. وأكَّد أن الأمن الفكري يمثل قضية هامة، وأن الجماعات التي ادعت امتلاكها للفكر كانت بعيدة تمامًا عن ذلك، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء لعبت دورًا حاسمًا في الرد على الأسئلة المتداولة في تلك الفترة، حيث كانت هناك هجمة على المفاهيم الإسلامية الحقيقية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جناح دار الإفتاء جناح دار الإفتاء المصرية معرض القاهرة الدولي للكتاب مفتي الجمهورية الندوة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الفقهاء الدكتور حسن الشافعي ة وتعزیز الانتماء فی تصحیح المفاهیم المؤسسات الدینیة الأستاذ الدکتور صلى الله علیه الجماعات التی مشیر ا إلى أن حسن الشافعی دار الإفتاء الحفاظ على ة الدینیة أن الفتوى مؤکد ا أن موضح ا أن ة التی یجب أن

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء تعقد ندوة حول دعم حقوق ذوي الهمم في بمعرض الكتاب

 عقدت دار الإفتاء المصرية، ضمن فعاليات جناحها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوة علمية تحت عنوان "الفتوى ودعم حقوق ذوي الهمم: رؤية شرعية شاملة"، بمشاركة نخبة من العلماء والمتخصصين، حيث تحدَّث فيها فضيلة الأستاذ الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والأستاذة الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، والمهندسة أمل مبدى، رئيس الاتحاد الرياضي المصري للإعاقات الذهنية، وقدم الندوة د. محمود عبدالرحمن، عضو المركز الإعلامي بالأزهر الشريف.


افتتح الدكتور محمد عبد الدايم الجندي كلمته بتقديم الشكر لدار الإفتاء المصرية على تنظيم هذه الندوة المهمة، مشيدًا بحرصها على تعزيز الوعي بحقوق ذوي الهمم من منظور شرعي وإنساني. وأكَّد فضيلته أن الإسلام كرَّم الإنسان دون تمييز، مستشهدًا بقول الله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"، موضحًا أن هذا التكريم يشمل جميع البشر دون استثناء.


وأشار إلى أن الأحكام الشرعية راعت خصوصية ذوي الهمم ووضعت التيسيرات التي تضمن لهم حياة كريمة، حيث قال: "عندما قال الله سبحانه وتعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج)، كان ذلك تأكيدًا على رفع المشقة عن هؤلاء، وإثباتًا لمكانتهم المتكافئة مع بقية أفراد المجتمع".
كما استعرض نماذج من الشخصيات الإسلامية البارزة التي كانت من ذوي الهمم، لكنها بلغت أعلى مراتب العلم والقيادة، مثل الصحابي عمرو بن الجموح الذي أصر على الجهاد رغم عرجته، والصحابي عبد الله بن أم مكتوم الذي تولى ولاية المدينة في غياب النبي ﷺ، والإمام البخاري الذي فقد بصره في نهاية حياته، لكنه قدم للأمة أعظم كتب الحديث.
وأضاف الدكتور الجندي: "على قدر أهل الهمم تبلغ القمم، وما يظنه البعض إعاقة هو في الحقيقة باب لتميز وعطاء لا محدود"، مشددًا على ضرورة نشر الفتاوى والتوجيهات الدينية التي تدعم حقوق ذوي الهمم، ومنها تخصيص ممرات خاصة بهم داخل المساجد، وهو ما أجازه العلماء لضمان راحتهم وتمكينهم من أداء العبادات دون مشقة.وأشاد. د. الجندي بالكتاب الذي أصدرته دار الإفتاء المصرية عن فتاوى ذوي الهمم، وأوصى بأن تصنف دار الإفتاء موسوعة كبيرة تضم فتاوى لكل ما يتعلق بذوي الهمم.
من جانبها، أكدت الدكتورة نهلة الصعيدي أن دعم ذوي الهمم ليس مجرد مسؤولية قانونية، بل هو واجب شرعي وأخلاقي، يتطلب تعزيز الوعي المجتمعي بقدراتهم وحقوقهم.وأشارت إلى أن الإسلام كان سبَّاقًا إلى دمج أصحاب الإعاقات داخل المجتمع، مستشهدة بموقف النبي ﷺ مع الصحابي عبد الله بن أم مكتوم، حيث كان يستقبله بوجه بشوش ويقول له: "أهلًا بمن عاتبني فيه ربي"، في إشارة إلى نزول سورة "عبس وتولى".وأكدت الدكتورة الصعيدي أن الأزهر الشريف يولي اهتمامًا كبيرًا بهذه الفئة، من خلال برامج تعليمية وتوعوية تستهدف دمج ذوي الهمم في المجتمع، مع التركيز على دَور المؤسسات الدينية في ترسيخ ثقافة الاحترام والمساواة.
أما المهندسة أمل مبدى، فقد أعربت عن فخرها بالمشاركة في ندوة علمية داخل جناح دار الإفتاء، مؤكدة أن قضية ذوي الإعاقة شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، لكنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من التوعية والتطبيق الفعلي للحقوق المنصوص عليها في القوانين.وأوضحت أن هناك تحدياتٍ تواجه ذوي الهمم في سوق العمل، حيث قالت: "رغم وجود نسبة 5% المخصصة لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة وَفْقًا للقانون، إلَّا أن بعض الجهات لا تزال غير مقتنعة بقدرتهم على العمل، رغم أنَّ الدراسات أثبتت أن إنتاجيتهم قد تفوق غيرهم في بعض المجالات".وأضافت أنَّ التجربة العملية أثبتت نجاح الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف المهن، مستشهدة بتجربة أحد المصانع التي أثبتت أن العاملين من ذوي الإعاقة الذهنية كانوا أكثر إنتاجية بنسبة 35% مقارنة بغيرهم، نظرًا لالتزامهم وانضباطهم في أداء المهام الموكلة إليهم.وفي ختام حديثها، دعت المهندسة أمل مبدى إلى ضرورة تغيير النظرة المجتمعية تجاه ذوي الهمم، والعمل على دمجهم بشكل حقيقي، مؤكدة أن "الأشخاص ذوي الإعاقة قادرون على تحقيق الإنجازات إذا ما أتيحت لهم الفرص المناسبة".
واختُتمت الندوة بعدد من التوصيات، كان أبرزها ضرورة تعزيز الوعي الديني بحقوق ذوي الهمم، من خلال الفتاوى والمبادرات الشرعية التي تضمن لهم حياة كريمة.كما أوصى الحضور بضرورة تفعيل التشريعات التي تكفل لهم حقوقهم، خاصة في مجالات العمل والتعليم والرعاية الصحية، وإشراك المؤسسات الدينية لتقديم مزيد من الدعم لقضايا ذوي الهمم، وتعزيز جهود التوعية المجتمعية لمكافحة التمييز والتنمُّر ضدهم، وأيضًا تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والدينية والمجتمع المدني، لضمان تطبيق القوانين والإجراءات التي تكفل اندماجهم في المجتمع.
 

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: ندرس مشروعٍ يقصر الإفتاء على منسوبي المؤسسة الدينية
  • الأزهر للفتوى: نعمل على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تيسير وصول الفتوى
  • المفتي العام يدعو لمراجعة دار الإفتاء قبل إصدار الإمساكيات الرمضانية
  • حكم تهذيب المرأة المتزوجة للحواجب.. الإفتاء توضح الشروط
  • زوجي أوصاني ولم أوفِ فهل عليا وزر؟ أمين الفتوى يُجيب
  • دار الإفتاء تعقد ندوة حول دعم حقوق ذوي الهمم في بمعرض الكتاب
  • أمين الفتوى: يجب ألا تزيد مُدة غياب الرجل عن زوجته عن 4 أشهر
  • «المفتي»: الأمن في الأوطان هو المظلة التي تحفظ المقاصد الشرعية
  • هل يشترط الترتيب في قضاء الصلوات الفائتة؟ (فيديو)