في الأفق حرب كبيرة يؤججها الدعم الغربي لرواندا
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
وكأن العالم بحاجة إلى المزيد من إراقة الدماء، ها هي حرب كبيرة أخرى تطرق أبواب النظام الدولي المنهار، فالهجوم الضاري الذي تم هذا الأسبوع، وأدى إلى استيلاء المتمردين على أكبر مدينة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بدعم قوات من جارتها الصغيرة رواندا، يمثل تصعيدًا له عواقب بعيدة المدى تتجاوز إفريقيا، ويكشف أيضًا عن رضا الحكومات الغربية، التي يتهمها العديد من الكونغوليين بتمهيد الطريق لهذه الأزمة.
كانت حركة التمرد المعروفة باسم (إم 23) تتضخم على طريقة كرة الثلج منذ عام 2021، وفي الأشهر الأخيرة، استولت حركة إم 23 على مساحات شاسعة من الأراضي مع محاصرتها لمدينة جوما التي تقع دون مجموعة براكين مواجهة للحدود الرواندية. وفي الأسبوع الحالي، دعا أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة رواندا إلى التوقف عن دعم حركة إم 23 وسحب قواتها من الأراضي الكونغولية، مضيفا قوله إن الصراع ألحق «خسائر فادحة» بالمدنيين الذين يحتاج الملايين منهم إلى المساعدة. وفي عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية كينشاسا، أشعل المتظاهرون الغاضبون النيران وهاجموا السفارات الرواندية والفرنسية والأمريكية.
يمثل تمرد حركة إم 23 أحدث حلقة في سلسلة التمردات الكونغولية التي يدعمها الرئيس الرواندي بول كاجامي منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. كان كاجامي ـ المحبوب لدى العديد من الدول الغربية ـ قد ارتقى إلى السلطة في أعقاب الإبادة الجماعية عام 1994، ومحاربته لمرتكبيها بوصفه قائدا للمتمردين. وهو يزعم منذ أمد بعيد أن الدافع إلى تدخلاته في جمهورية الكونغو الديمقراطية يتمثل في اضطلاعه بمهمة حماية جماعته العرقية المعروفة بالتوتسي التي كانت في بعض الأحيان هدفا للمذابح والاضطهاد السياسي في شرق الكونغو التي تستمد منها حركة إم 23 قيادتها.
غير أن سلسلة الحروب التي اندلعت بين رواندا والكونغو منذ أن تولى كاجامي السلطة تتعلق بما هو أكثر من هذا بكثير. فالمتمردون المدعومون من رواندا الذين سيطروا على جزء كبير من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في أواخر تسعينيات القرن العشرين قاموا باستخراج كميات هائلة من الثروة المعدنية. وبعد اتفاق السلام الوطني سنة 2002 الذي دمج ضباطا وسياسيين من التوتسي الكونغوليين في المؤسسات العسكرية والسياسية تحت إشراف أكبر بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في العالم، تمرد بعض هؤلاء مرة أخرى في عامي 2004 و2008 سعيًا إلى المزيد من الامتيازات العسكرية وطلبا للسلطة والموارد المحلية، وقد تشكلت حركة إم 23 في عام 2012 باعتبارها أحدث نسخة من هذه التمردات، واستولت لفترة وجيزة على مدينة جوما قبل أن تمنى بالهزيمة في العام التالي.
وخلال دورة الحروب، دافع المسؤولون الغربيون عن رواندا في الدوائر الدبلوماسية المغلقة، وعمدوا دائمًا إلى التقليل من أهمية الأدلة على دعم رواندا لهذه التمردات، وكان كاجامي قد استولى على إعجاب المانحين بتنفيذ حكومته الفعال لمشاريع المساعدات. فاتخذ أصدقاؤه الغربيون من رواندا نموذجًا لإعادة الإعمار بعد إبادة جماعية. ولم تتوقف المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مؤقتًا عن تقديم بعض المساعدات إلى البلد إلا بعد أن كشف محققو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2012 أدلة قاطعة بشأن تورط رواندا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وحتى اليوم لا يزال ثلث ميزانية رواندا دعما من الجهات المانحة.
عندما تولى فيليكس تشيسكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية السلطة في عام 2019، حاول إعادة ضبط الأمور، فدعا الجيش الرواندي إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لمهاجمة وإضعاف المتمردين الهوتو الروانديين، الذين ضمت قيادتهم قادة شاركوا في الإبادة الجماعية عام 1994. لكن بحلول ذلك الوقت، كان جنود حركة 23 قد شرعوا يعيدون إنشاء معسكر بالقرب من أحد البراكين ويبحثون عن دعم خارجي مرة أخرى. وتصاعد التمرد في عام 2021 بعد توقف سلسلة من المحادثات بين ممثلي حركة 23 مارس والحكومة الكونغولية بشأن إعادة دمج محتملة لبعض أعضاء حركة إم في مؤسسات الدولة.
كانت رواندا، بحلول ذلك الوقت، قد أصبحت حليفًا للغرب أعلى قيمة. كانت حكومة المملكة المتحدة المحافظة قد ربطت سياستها المتعلقة بالهجرة بخطة لترحيل المهاجرين إلى رواندا. وفي منتصف عام 2021، بدأ آلاف من القوات الرواندية الانتشار في شمال موزمبيق، حيث ترسخ تمرد جهادي مدعوم الآن من تنظيم الدولة الإسلامية حول منطقة تقيم فيها شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال إنيرجي مستودع غاز ضخمًا. ويقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية لعمليات رواندا هناك، كما وقعت بروكسل مع رواندا اتفاقية لتوريد المعادن مما أثار انتقادات جماعات حقوق الإنسان التي تقول إن هذا يضفي الشرعية على غنائم الحرب من الكونغو، وقد طالب مسؤولون غربيون منهم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بانسحاب كاجامي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن ليس واضحًا بعد إن كانوا سيجبرون رئيس رواندا الذي يغازل الآن بلادًا من قبيل تركيا وقطر ليكونوا أصدقاء بدلاء.
في الوقت نفسه، تراجعت الحكومة الكونغولية إلى طاقم متنوع من الحلفاء العسكريين. ويتضمن هؤلاء قوات إقليمية من جنوب أفريقيا وتنزانيا، ومجموعة من الميليشيات العرقية، منها متمردو الهوتو الروانديون الذين سمح تشيسكيدي في السابق للجيش الرواندي باستهدافهم، وقد استسلم مئات من مرتزقة أوروبا الشرقية الذين يدعمون جيش الكونغو الديمقراطية. ويخشى بعض الدبلوماسيين الغربيين الآن من أن يسعى القادة العسكريون الكونغوليون إلى الحصول على مساعدة الحكومة الروسية لمحاربة تمرد يمكن أن يضاهي التمرد المدعوم من روسيا في دونباس. على المسؤولين الغربيين الآن أن يستعملوا كامل ما بقي لهم من نفوذ لمطالبة حركة إم 23 بالانسحاب وأن يفرضوا مفاوضات سياسية يمكن أن تسوي الأسس السياسية والمادية لدورة التمردات المتكررة. وإن لم يحدث ذلك، فقد تجتذب حرب الكونغو الديمقراطية عددا من الجهات الفاعلة الإقليمية، مثلما سبق أن حدث في تسعينيات القرن العشرين، وقد تفتح أيضا مجالا للانقلابات وللتدخل الروسي في الدولة العملاقة بوسط أفريقيا، وقد ظهرت هذه اللعبة بالفعل في منطقة الساحل في غرب أفريقيا، ولا بد من اجتنابها مهما يكن الثمن في الكونغو الديمقراطية، فسوف يتوقف على ذلك مصير النظام الدولي، الذي أوشك بالفعل أن يتفكك.
دينو ماهتاني باحث وكاتب مستقل
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة حرکة إم 23 فی عام
إقرأ أيضاً:
تحذيرات دولية وإقليمية من تداعيات التمرد شرق الكونغو
ندد وزراء خارجية دول مجموعة السبع بهجوم حركة 23 مارس (إم 23) في شرق الكونغو الديمقراطية، في وقت حذرت فيه بوروندي من أن الصراع هناك يهدد بـ"حرب إقليمية واسعة النطاق"، كما حذرت منظمات صحية من تفشي أمراض خطيرة جديدة في منطقة الصراع.
وفي بيان أصدرته كندا، التي تتولى رئاسة مجموعة السبع، قال وزراء خارجية مجموعة السبع -أمس السبت- إنهم يشعرون بقلق خاص إزاء الاستيلاء على مينوفا وساكي وغوما"، شرق الكونغو وحثوا جميع الأطراف على حماية المدنيين.
وقال وزراء خارجية المجموعة "إن هذا الهجوم يشكل تجاهلا صارخا لسيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية وسلامة أراضيها"، مشيرين إلى الزيادة الكبيرة في أعداد المدنيين النازحين وتدهور الظروف الإنسانية.
من جانبها، حذرت بوروندي من أن الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية يهدد بحرب إقليمية أوسع نطاقا.
وقال رئيس بوروندي إيفاريست ندايشيميي -أمس السبت- "إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن الحرب تخاطر بالانتشار على نطاق واسع في المنطقة". مضيفا أن هذا الخطر "لن يقتصر على بوروندي فقط، بل تنزانيا وأوغندا وكينيا إنها المنطقة بأكملها، إنها تهديد".
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر عسكري بوروندي قوله "إن بوروندي نفسها لديها ما لا يقل عن 10 آلاف جندي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما يوضح الطبيعة المعقدة للصراع".
إعلانوتتهم رواندا القوات البوروندية بالانخراط بنشاط في القتال ضد حركة إم 23. وقال وزير الخارجية الرواندي أوليفييه ندوهونجيريه "إن القوات البوروندية كانت أكثر انخراطا في القتال المفتوح ضد حركة إم 23 منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2023".
وتم إعادة نشر العديد من القوات البوروندية، الموجودة هناك بموجب اتفاق عسكري سابق مع كينشاسا، إلى عاصمة مقاطعة جنوب كيفو بوكافو.
وقال تقرير لخبراء الأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي إن رواندا لديها نحو 4 آلاف جندي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، متهما كيغالي بالسيطرة "بحكم الأمر الواقع" على حركة إم 23.
وتنفي رواندا أي تورط عسكري، وتؤكد أن هدفها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية هو القضاء على جماعة مسلحة بقيادة الهوتو تشكلت في أعقاب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
لكن جمهورية الكونغو الديمقراطية تتهم رواندا بالسعي إلى الاستفادة من المعادن النادرة في المنطقة، والتي تستخدم في التكنولوجيا مثل الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم – وهو ادعاء تنفيه كيغالي أيضًا.
رئيس تحالف الكونغو الديمقراطي كورنيل نانجا (وسط) يتحدث إلى الجمهور بعد المشاركة في عملية تنظيف مدينة غوما (الأوروبية) ضحايا ومخاطروقالت السلطات الكونغولية -أمس السبت- إن 773 شخصًا على الأقل قتلوا في غوما، أكبر مدينة في شرق الكونغو، والمناطق المجاورة منذ دخول حركة إم 23 والقوات الرواندية إلى عاصمة إقليم شمال كيفو غوما يوم الأحد الماضي.
وقال المتحدث باسم الحكومة الكونغولية باتريك مويايا في إفادة صحفية في العاصمة كينشاسا إن السلطات أكدت وجود 773 جثة و2880 مصابا في مشرحة ومستشفيات غوما.
كما رجح زيادة عدد القتلى قائلا "تظل هذه الأرقام مؤقتة لأن المتمردين طلبوا من السكان تنظيف شوارع غوما. يجب أن تكون هناك مقابر جماعية وقد حرص الروانديون على إخلاء مقابرهم".
إعلانوعاد مئات من سكان غوما إلى المدينة -أمس السبت- بعد أن وعد المتمردون باستعادة الخدمات الأساسية بما في ذلك إمدادات المياه والكهرباء. وقاموا بتنظيف الأحياء المليئة بحطام الأسلحة ورائحة الدماء.
وبينما توقف القتال إلى حد كبير في غوما، قال شهود عيان إن هناك نقصا خطيرا في النقد والوقود. وكانت السلطات في الكونغو مترددة في إعطاء الأولوية لإمداد المدينة، التي تخضع إلى حد كبير لسيطرة المتمردين.
وحذرت وكالة الصحة العامة التابعة للاتحاد الأفريقي من أن القتال في غوما أشعل "حالة طوارئ صحية عامة كاملة النطاق".
وقال رئيس "مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها" في أفريقيا جان كاسيا إنه حتى قبل أعمال العنف الأخيرة، "أدت الظروف القاسية، إلى جانب انعدام الأمن والنزوح الجماعي، إلى تغذية تحور فيروس إم 23".
وأضاف كاسيا "إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة، فلن تكون الرصاصات وحدها هي التي تودي بحياة الناس – بل سيكون الانتشار غير المنضبط لتفشي الأوبئة والأوبئة المحتملة".
وقالت الأمم المتحدة وجماعة الإغاثة إن الاستيلاء على غوما أدى إلى أزمة إنسانية مروعة. وتعمل غوما كمركز إنساني بالغ الأهمية لكثير من النازحين البالغ عددهم 6 ملايين شخص بسبب الصراع في شرق الكونغو. وقال المتمردون إنهم سيتقدمون حتى العاصمة الكونغولية كينشاسا، على بعد 1600 كيلومتر إلى الغرب.