لجريدة عمان:
2025-03-05@04:12:48 GMT

في الأفق حرب كبيرة يؤججها الدعم الغربي لرواندا

تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

وكأن العالم بحاجة إلى المزيد من إراقة الدماء، ها هي حرب كبيرة أخرى تطرق أبواب النظام الدولي المنهار، فالهجوم الضاري الذي تم هذا الأسبوع، وأدى إلى استيلاء المتمردين على أكبر مدينة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بدعم قوات من جارتها الصغيرة رواندا، يمثل تصعيدًا له عواقب بعيدة المدى تتجاوز إفريقيا، ويكشف أيضًا عن رضا الحكومات الغربية، التي يتهمها العديد من الكونغوليين بتمهيد الطريق لهذه الأزمة.

كانت حركة التمرد المعروفة باسم (إم 23) تتضخم على طريقة كرة الثلج منذ عام 2021، وفي الأشهر الأخيرة، استولت حركة إم 23 على مساحات شاسعة من الأراضي مع محاصرتها لمدينة جوما التي تقع دون مجموعة براكين مواجهة للحدود الرواندية. وفي الأسبوع الحالي، دعا أنطونيو جوتيريش أمين عام الأمم المتحدة رواندا إلى التوقف عن دعم حركة إم 23 وسحب قواتها من الأراضي الكونغولية، مضيفا قوله إن الصراع ألحق «خسائر فادحة» بالمدنيين الذين يحتاج الملايين منهم إلى المساعدة. وفي عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية كينشاسا، أشعل المتظاهرون الغاضبون النيران وهاجموا السفارات الرواندية والفرنسية والأمريكية.

يمثل تمرد حركة إم 23 أحدث حلقة في سلسلة التمردات الكونغولية التي يدعمها الرئيس الرواندي بول كاجامي منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. كان كاجامي ـ المحبوب لدى العديد من الدول الغربية ـ قد ارتقى إلى السلطة في أعقاب الإبادة الجماعية عام 1994، ومحاربته لمرتكبيها بوصفه قائدا للمتمردين. وهو يزعم منذ أمد بعيد أن الدافع إلى تدخلاته في جمهورية الكونغو الديمقراطية يتمثل في اضطلاعه بمهمة حماية جماعته العرقية المعروفة بالتوتسي التي كانت في بعض الأحيان هدفا للمذابح والاضطهاد السياسي في شرق الكونغو التي تستمد منها حركة إم 23 قيادتها.

غير أن سلسلة الحروب التي اندلعت بين رواندا والكونغو منذ أن تولى كاجامي السلطة تتعلق بما هو أكثر من هذا بكثير. فالمتمردون المدعومون من رواندا الذين سيطروا على جزء كبير من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في أواخر تسعينيات القرن العشرين قاموا باستخراج كميات هائلة من الثروة المعدنية. وبعد اتفاق السلام الوطني سنة 2002 الذي دمج ضباطا وسياسيين من التوتسي الكونغوليين في المؤسسات العسكرية والسياسية تحت إشراف أكبر بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في العالم، تمرد بعض هؤلاء مرة أخرى في عامي 2004 و2008 سعيًا إلى المزيد من الامتيازات العسكرية وطلبا للسلطة والموارد المحلية، وقد تشكلت حركة إم 23 في عام 2012 باعتبارها أحدث نسخة من هذه التمردات، واستولت لفترة وجيزة على مدينة جوما قبل أن تمنى بالهزيمة في العام التالي.

وخلال دورة الحروب، دافع المسؤولون الغربيون عن رواندا في الدوائر الدبلوماسية المغلقة، وعمدوا دائمًا إلى التقليل من أهمية الأدلة على دعم رواندا لهذه التمردات، وكان كاجامي قد استولى على إعجاب المانحين بتنفيذ حكومته الفعال لمشاريع المساعدات. فاتخذ أصدقاؤه الغربيون من رواندا نموذجًا لإعادة الإعمار بعد إبادة جماعية. ولم تتوقف المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مؤقتًا عن تقديم بعض المساعدات إلى البلد إلا بعد أن كشف محققو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2012 أدلة قاطعة بشأن تورط رواندا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وحتى اليوم لا يزال ثلث ميزانية رواندا دعما من الجهات المانحة.

عندما تولى فيليكس تشيسكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية السلطة في عام 2019، حاول إعادة ضبط الأمور، فدعا الجيش الرواندي إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية لمهاجمة وإضعاف المتمردين الهوتو الروانديين، الذين ضمت قيادتهم قادة شاركوا في الإبادة الجماعية عام 1994. لكن بحلول ذلك الوقت، كان جنود حركة 23 قد شرعوا يعيدون إنشاء معسكر بالقرب من أحد البراكين ويبحثون عن دعم خارجي مرة أخرى. وتصاعد التمرد في عام 2021 بعد توقف سلسلة من المحادثات بين ممثلي حركة 23 مارس والحكومة الكونغولية بشأن إعادة دمج محتملة لبعض أعضاء حركة إم في مؤسسات الدولة.

كانت رواندا، بحلول ذلك الوقت، قد أصبحت حليفًا للغرب أعلى قيمة. كانت حكومة المملكة المتحدة المحافظة قد ربطت سياستها المتعلقة بالهجرة بخطة لترحيل المهاجرين إلى رواندا. وفي منتصف عام 2021، بدأ آلاف من القوات الرواندية الانتشار في شمال موزمبيق، حيث ترسخ تمرد جهادي مدعوم الآن من تنظيم الدولة الإسلامية حول منطقة تقيم فيها شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال إنيرجي مستودع غاز ضخمًا. ويقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية لعمليات رواندا هناك، كما وقعت بروكسل مع رواندا اتفاقية لتوريد المعادن مما أثار انتقادات جماعات حقوق الإنسان التي تقول إن هذا يضفي الشرعية على غنائم الحرب من الكونغو، وقد طالب مسؤولون غربيون منهم وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بانسحاب كاجامي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن ليس واضحًا بعد إن كانوا سيجبرون رئيس رواندا الذي يغازل الآن بلادًا من قبيل تركيا وقطر ليكونوا أصدقاء بدلاء.

في الوقت نفسه، تراجعت الحكومة الكونغولية إلى طاقم متنوع من الحلفاء العسكريين. ويتضمن هؤلاء قوات إقليمية من جنوب أفريقيا وتنزانيا، ومجموعة من الميليشيات العرقية، منها متمردو الهوتو الروانديون الذين سمح تشيسكيدي في السابق للجيش الرواندي باستهدافهم، وقد استسلم مئات من مرتزقة أوروبا الشرقية الذين يدعمون جيش الكونغو الديمقراطية. ويخشى بعض الدبلوماسيين الغربيين الآن من أن يسعى القادة العسكريون الكونغوليون إلى الحصول على مساعدة الحكومة الروسية لمحاربة تمرد يمكن أن يضاهي التمرد المدعوم من روسيا في دونباس. على المسؤولين الغربيين الآن أن يستعملوا كامل ما بقي لهم من نفوذ لمطالبة حركة إم 23 بالانسحاب وأن يفرضوا مفاوضات سياسية يمكن أن تسوي الأسس السياسية والمادية لدورة التمردات المتكررة. وإن لم يحدث ذلك، فقد تجتذب حرب الكونغو الديمقراطية عددا من الجهات الفاعلة الإقليمية، مثلما سبق أن حدث في تسعينيات القرن العشرين، وقد تفتح أيضا مجالا للانقلابات وللتدخل الروسي في الدولة العملاقة بوسط أفريقيا، وقد ظهرت هذه اللعبة بالفعل في منطقة الساحل في غرب أفريقيا، ولا بد من اجتنابها مهما يكن الثمن في الكونغو الديمقراطية، فسوف يتوقف على ذلك مصير النظام الدولي، الذي أوشك بالفعل أن يتفكك.

دينو ماهتاني باحث وكاتب مستقل

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة حرکة إم 23 فی عام

إقرأ أيضاً:

الديمقراطية العربية التي يجب أن نبني

عندما نتساءل أي مستقبل للعرب، لنقل من هنا لمنتصف القرن، يتبادر للذهن ثلاثة سيناريوهات كبرى:

 الأول: تواصل الاستبداد – أكان علمانيًا أم دينيًا- بتشبِيبه وتأقلمه واستعماله المحكم تقنيات التضليل والمراقبة، مما يعني تواصل الوضع الكارثيّ للشعوب والدول. الثاني: صراع مُتزايد الحدّة والوتيرة بين الثورات والثورات المضادّة، مما ستنتج عنه حالة من الفوضى قد تصل لمصافّ الانتحار الجماعي للمجتمع والدولة (السودان والصومال إنذارًا).  الثالث: نجاح المشروع الديمقراطي في التمكن والبقاء والتطور.

لقائل أن يقول أين الإسلام السياسي في هذه السيناريوهات التي تلغي وجوده، والحال أنه اليوم المنتصر في سوريا، المقاوم في غزة، والمستعدّ للعودة في أكثر من بلد بعد الفشل المخزي للثّورات المضادّة؟

قناعتي أن تيارًا منه سيعود لجولة استبدادية عبثية جديدة؛ لأنه سيواجه بمقاومة المكوّن الثابت الآخر للمجتمع؛ أي المكون العلماني، وأن تيارًا آخرَ سينخرط في المشروع الديمقراطي ليثريه وينعشه بالقيم المتجذرّة في ثقافة المجتمع. مما يعني أننا لن نخرج، حتى بإقحام الإسلام السياسي، من السيناريوهات الثلاثة.

أي من هذه السيناريوهات سيتحقق؟

رغم استحالة التنبّؤ، هناك احتمالات محدودة قد تكون هي مصيرنا. يمكن أن تتجاور داخل الفضاء العربي – بغض النظر عن الحدود- مناطقُ يحكمها الاستبداد، ومناطق سيدتها الفوضى المدمرة، أو مناطق فوضى، ومناطق تحكمها ديمقراطية متفاوتة النجاح، أو واحات ديمقراطية بجانب قلاع استبدادية، أو مناطق فوضى فظيعة بجانب مناطق فوضى أفظع.

إعلان

ما علّمنا التاريخ، هو أن المستقبل قلّما يتمخّض عما نأمل، أو عما نخشى، والعادة أنه يتمخّض عما يفاجئنا ولم نتوقعه لحظة.

لكن الثابت أنه لا شيءَ مقدرًا أو مكتوبًا، فانتصار الديمقراطية -ونهاية التاريخ حسب فوكو ياما- ليس أكثر حتمية من انتصار الشيوعية، كما كانت قناعة الماركسيين في القرن العشرين. وفي نفس الوقت لا شيء يمنع من هذا الانتصار.

السؤال هو: لماذا يجب أن نتشبّث بهذا الخيار رغم ما يعاني في عالَمنا المعاصر من أزمات، وما شروط ثباته ثبات البذرة الطيبة في أرض قاحلة وجفاف مخيف؟

لنبدأ بالتأكد من وجود تصوّر جامع للديمقراطيين العرب، إذ كيف نناضل من أجل شيء مبهم أو غير متّفق على أبجدياته.

للبتّ في فهم مشترك للديمقراطية، عقد المجلس العربي مؤتمرًا في سراييفو في أكتوبر/ تشرين الأوَّل 2024، ناقشَ فيه أكثر من مئة من السياسيين والمثقّفين والإعلاميين من مختلف الأجيال، ورقةً تحضيريةً أعدتها قيادة المجلس، وانتهوا بعد ثلاثة أيام بالاتفاق على تصوُّر ضُمّن في وثيقة سُمّيت العهد الديمقراطي العربي (موجودة على موقع المجلس).

إنها الوثيقة التأسيسية لشبكة الديمقراطيين العرب، وخارطة الطريق لنضالات الأجيال المقبلة، وتبدأ بالعودة إلى أهمّ سؤال: لماذا الإصرار على الديمقراطية وهي اليوم كاليتيم على مأدبة اللئام؟

تُختزل الديمقراطية عند أغلب الناس في الحريات الفردية والحريات العامة والقضاء المستقل والانتخابات الحرة والنزيهة. لكن هذه وسائل وآليات الديمقراطية وليست لبّها وهدفها.

أحسن مدخل لفهم هدفها هو تصوّر غيابها المطلق، كما هو الحال في أقسى الدكتاتوريات: النظام السوري الأسدي نموذجًا.

الظاهرة الأساسية في كل مجتمع منكوب بمثل هذا النظام: خوف المجتمع من الدولة، وخوف الدولة من المجتمع.

إنه خوف المحكومين من الحيطان التي لها آذان، من زوّار الفجر، من مراكز الشرطة، من غرف التعذيب، من السجون والمنافي.

إعلان

إنه خوف الحكام من المؤامرات الصامتة، من الثورات الصاخبة، من اكتشاف فضائحهم وجرائمهم ربما الخوف الأكبر اكتشاف أنهم ليسوا أشخاصًا استثنائيين كما يدعون، وإنما أشخاص عاديون وأحيانًا حتى أقل من العاديين.

هذا الخوف العام هو أبرز مظاهر الحرب الصامتة والمتفجرة دوريًا بين الدولة والمجتمع في شكل انقلابات وثورات.

أما السبب الأول، فمصادرة شخص أو عصابة، مدنية أو عسكرية، طائفية أو أيديولوجية، الثروةَ والسلطة والاعتبار، بالعنف والإذلال والحكم على الأغلبية بالعيش على فتات هذه الثلاثية في ظلّ الخوف والمذلّة.

لهذا يقول العهد الديمقراطي:

"الديمقراطية ليست فقط نظام حكم، بل هي عملية تحرير شاملة من الخوف والإذلال الجماعي".

إن عبقرية الديمقراطية في قدرتها على تحرير الحاكم من ضرورة التخويف والإذلال للبقاء في الحكم وحتى على قيد الحياة.

هي أيضًا في تحرير المحكوم من ضرورة الخنوع للخوف والمذلة لمواصلة العيش التعيس.

لا يحدث هذا بإلغاء سبب الحرب الأهلية الصامتة، حيث لا قدرة لأحد بين عشية وضحاها على توزيع عادل للثروة والسلطة والاعتبار، وإنما بقدرة الديمقراطية على نقل الصراع من العنف الجسدي إلى العنف الرمزي.

هكذا تنظم آلياتُها الأربع المعروفة الصراع السلمي بين جيوش رمزية هي الأحزاب السياسية والسلاح هو الكلمات لا اللكمات. تأتي الانتخابات الحرة والنزيهة للتداول السلمي على السلطة كمعركة تفصل مرحليًا بين المتنازعين فيعلَن منتصرًا من صفف أكبر عدد ممكن من الجنود على ساحة المعركة.

بعد إعلان الفوز يُتوج الفائز الجديد وينصرف القديم إلى بيته محافظًا على رأسه. لا يبقى على المهزومين إلا قبول وضع يعرفونه مؤقتًا؛ لأن اللعب مفتوح، وثمة دومًا أمل بالانتصار في المعركة السلمية المقبلة.

من أحوج منا -نحن العرب- لمثل هذا النظام لكي ننتهي من الصراع الدموي على السلطة الذي نعاني منه منذ معركة الجمل، حتى يعيش الحكام بلا خوف من المحكومين، والمحكومون بلا خوف من الحكام، حتى ننهي حربًا أزلية بين دولة قامعة ومجتمع مقموع، لا انتصار فيها إلا وكان عابرًا باهظ الثمن للجميع؟

إعلان

لقائل أن يقول: بهذا المفهوم كل المجتمعات بحاجة لنَفَس الديمقراطية كما هي بحاجة لنفس الهواء النقي والغذاء الكافي، فما الداعي لإضافة "العربي" لتوصيف العهد؟ هل للتعريف الجغرافي أم لإفراغ المصطلح من فحواه، كما حدث من قبل بتسميات من نوع: ديمقراطية اشتراكية، وديمقراطية مسؤولة، وديمقراطية شعبية؟

لا هذا ولا ذاك. نحن – العرب- بحاجة ككل الشعوب للديمقراطية، لكن لنا فيها بحكم وضعنا الكارثي أربعة مآرب أخرى، هي أيضًا الشروط الأساسية لنجاحها وبقائها.

لماذا ديمقراطية اجتماعية؟

كان ولا يزال مدخل الانقلابيين والشعبويين للإطاحة بكل الأنظمة الديمقراطية الجنينية، هو السخرية من الحريات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والوعد بتحقيق الرفاهية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. النتيجة – كما جرّبنا على امتداد سبعين سنة في أكثر من بلد- هي مصادرة الحرية دون تحقيق العدالة، أكانت سياسية أم اجتماعية.

هكذا تعلمنا من تجربة المعارضة والحكم، أن ديمقراطية لا تحمل في طياتها التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، هي مجرد فاصل بين جولتين استبداديتين.

لذلك يقول العهد الديمقراطي: "نحن ندرك من خلال التجربة في أكثر من بلد عربي أن الديمقراطية التي تركز فقط على شكل النظام السياسي، والمهووسة بفكرة الحرية، كما تروّج لها الأنظمة الليبرالية الغربية، لا حظوظ لها في ربح معركة العقول والقلوب في منطقتنا.

أولوية الأولويات بالنسبة لنا، هي الخروج من الفقر، والتصدي للفساد، وبناء التنمية المستدامة، وتحقيق العدالة في توزيع الثروة الجماعية".

لماذا ديمقراطية اتحادية؟

إن الأزمة السياسية الخانقة في بلداننا، ليست فقط أزمة النظام السياسي وإنما أزمة الدولة القُطرية، فباستثناء أربع دول بترولية، لا قدرة لثماني عشرة دولة عربية أخرى على تلبية الحاجيات الاقتصادية لأغلبية سكانها، حتى ولو حكمتها أحسن الأنظمة وأقلها فسادًا.

إعلان

هذا ما فهمه باكرًا الوحدويون والقوميون العرب، لكن ما لم يفهموه أن النظم الاستبدادية التي يقدّسون لا تتّحد، والدليل صراع البعثيين الذين حكموا سوريا، والعراق في سبعينيات القرن الماضي.

النموذج المعاكس هو قدرة الأوروبيين على بناء الاتحاد الأوروبي بعد انهيار الدكتاتوريات الشيوعية والنازية والفاشية، وحكم فرانكو في إسبانيا. لهذا يقول العهد :"نحن أمة عظيمة، فخورة بتاريخها وهويتها وحضارتها العريقة ومساهمتها في تاريخ البشرية.

لكننا اليوم نشهد في عجز تام التنكيل بالشعب الفلسطيني، أشجع شعوبنا، نتيجة تفرّق الأمة إلى اثنتين وعشرين دولة ضعيفة، تابعة، ومتناحرة، عاجزة عن التعاون حتى في أبسط المجالات، فما بالك بتشكيل وحدة صلبة تستطيع حماية الأمن القومي للأمة أو لشعب من شعوبها.

هذا العجز سببه طبيعة الأنظمة الاستبدادية التي لا تتحد فيما بينها أبدًا، بل تتنازع على النفوذ. لذا نرى أن الديمقراطية، كما أثبتت تجربة الاتحاد الأوروبي، هي السبيل الوحيد لبناء اتحاد الشعوب العربية الحرة والدول المستقلة، القادر وحدَه على الدفاع عن مصالحنا وحقوقنا المشروعة".

لماذا ديمقراطية سيادية؟

المستبدون في العالم العربي تبّع، يدينون ببقائهم في السلطة لتبعيتهم لهذه الدولة الخارجية، أو تلك، ومنها دول غير غربية مثل إيران، أو روسيا، وإسرائيل.

الديمقراطية، إذن، ليست الضمان الأكبر لتمتُّعنا بالحريات الفردية والجماعية فقط، وإنما أيضًا بالاستقلال الوطني الذي أصبح في ظل تبعية الاستبداد مجرد شعار أفرغ من كل مضمون.

لهذا يقول العهد الديمقراطي: "نرى في الديمقراطية، ليس فقط وسيلة للتحرّر من الاستعمار الداخلي الذي هو الاستبداد، بل امتدادًا لمعارك الاستقلال الأول التي خاضها آباؤنا وأجدادنا. هدفنا هو تحقيق السيادة الحقيقية، وقطع كل أشكال التبعية المهينة، حيث إن الاستبداد ليس إلا وكيلًا ووريثًا للاستعمار".

إعلان لماذا ديمقراطية مواطنية؟

لأنها الشرط الضروري للعيش المشترك في مجتمع سليم وفعّال. هذه المواطنية التي يجب أن تفرضها الدولة الديمقراطية وتتعهدها عادات وتقاليد وثقافة المجتمع، هي في نفس الوقت حق وواجب.

أما الحق فهو مساواة كل أفراد المجتمع أمام القانون فلا فضل لرجل على امرأة، لغني على فقير، لطائفة على طائفة… إلخ، في التمتُّع بكل الحقوق التي ضمنها الإعلان العالمي، وأساسًا الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. أما الواجب فضرورة اضطلاع تلقائي حرّ لكل الأفراد بمسؤولياتهم تجاه الآخرين.

هكذا يمكن أن نعرّف المواطنية بأنها المواقف والتصرفات لأشخاص أحرار يتمتعون بكل حقوقهم، لا يتخلون عن أي منها مهما سُلط عليهم من قمع، ويضطلعون بمسؤولياتهم تلقائيًا دون أدنى إكراه.

مجمل القول:

أن تكون اليوم مواطنيًا أي وريثًا عنيدًا لحُلم الحقوقيين بمجتمع كل أفراده يتمتعون بنفس الحقوق ويضطلعون بنفس الواجبات، لا مدخل اليوم غير الديمقراطية، كما عرّفها العهد الديمقراطي العربي.

أن تكون تقدميًا اشتراكيًا، وريثًا عنيدًا لحُلم العدالة الاجتماعية، لا مدخل اليوم غير الديمقراطية، كما عرّفها العهد الديمقراطي العربي.

أن تكون سياديًا استقلاليًا، وريثًا عنيدًا لحُلم الآباء والأجداد بدولة غير مستعمرة غير تابعة، غير "محمية"، لا مدخل اليوم غير الديمقراطية، كما عرّفها العهد الديمقراطي العربي.

أن تكون عروبيًا وحدويًا وريثًا عنيدًا لحُلم أمة عربية واحدة ذات رسالة إنسانية خالدة، لا مدخل اليوم غير الديمقراطية، كما عرّفها العهد الديمقراطي العربي.

خلاصة الخلاصة: لا أمل لهذه الأمة في مستقبل واعد إلا إن استطاعت بناء ثلاثية العهد الديمقراطي العربي: دول قانون ومؤسسات، شعوب من المواطنين، اتحاد شعوب حرة ودول مستقلة، والأداة الوحيدة القادرة على تحقيق المشروع العظيم: (ديمقراطية اجتماعية، اتحادية، سيادية، مواطنية).

إعلان

لقائل أن يقول: مشروع جميل لكن ما حظوظه من التحقيق، خاصة في ظل انحسار الديمقراطية في العالم والتهاب الشعبوية في كل مكان، ومتانة الأنظمة الاستبدادية التي قد تشكل الثورة التكنولوجية طوق نجاتها بما توفر من إمكانات غير مسبوقة للتحكم في العقول وفي الأجساد؟

هذا ما يحملنا للتحول من مستوى التنظير إلى المستوى العملي.

لكي ينجح أي مشروع سياسي عظيم، لا بدّ من قوى اجتماعية وازنة تجد فيه ضالتها ومن مناضلين صادقين يجاهدون طوال حياتهم لفرضه وسياسيين حكيمين يفعلون كل ما في وسعهم لتعهده وحمايته.

أين نحن من هذه الشروط الموضوعية التي قد تعطي للديمقراطية العربية -كما حددها العهد- بعضَ حظوظ الفوز في سباقها مع الاستبداد المخيف والفوضى المرعبة؟

وللحديث بقية

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • معركة كبيرة على رقاقة الذكاء الاصطناعي تلوح في الأفق بين إنفيديا وهواوي
  • فرار 80 ألف شخص من الكونغو الديمقراطية بسبب القتال والعنف الجنسي
  • الأمم المتحدة: متمردو حركة 23 مارس يختطفون 130 مريضا من مستشفيات شرق الكونغو
  • في مواجهة حركة إم23.. جيش الكونغو الضخم يكافح لمحاربة ميليشيا أصغر حجمًا بكثير
  • الديمقراطية العربية التي يجب أن نبني
  • الكونغو الديمقراطية: اتهامات أممية لحركة 23 مارس باختطاف ممرضين وجرحى من مستشفيات جوما
  • لماذا يعاني جيش الكونغو الجرار أمام مليشيا أصغر منه بكثير؟
  • تصعيد عسكري وتزايد التوترات الدبلوماسية شرق الكونغو الديمقراطية
  • مخاوف من تصاعد صراع الكونغو الديمقراطية إلى حرب إقليمية
  • تصاعد التوتر في الكونغو الديمقراطية وسط تحركات إقليمية لمواجهة متمردي أم 23