المبشر: الاعتماد المفرط على البعثة الأممية يضعف من قدرتنا على حل مشاكلنا بأنفسنا
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
أكد رئيس مجلس أعيان ليبيا، محمد المبشر، أن الاعتماد المفرط على البعثة الأممية يضعف من قدرتنا على حل مشاكلنا بأنفسنا.
وقال المبشر، في منشور عبر «فيسبوك»:” لا تنتظروا العالم ليحل مشاكلنا. يطرح سؤال مهم نفسه على الساحة الليبية هذه الأيام، هل نستطيع تغيير واقعنا إلى الأفضل دون الحاجة إلى مساعدة بعثة الأمم المتحدة للدعم؟، هذا السؤال يحمل أبعادًا عميقة تتعلق بدورنا كليبيين في صياغة مستقبلنا بعيدًا عن التدخلات الخارجية”.
وأضاف “إن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، من قلب الإرادة الوطنية ومن إيماننا الجماعي بأن بناء الوطن هو مسؤولية الجميع. لا يمكن أن تأتي الحلول من الخارج وحده، بل يجب أن تكون نابعة من قناعة راسخة بأن المصير المشترك أقوى من كل الخلافات الضيقة، لقد أثبتت التجارب أن الإرادة الداخلية هي المحرك الأساسي لأي تغيير حقيقي، متى ما اجتمع الليبيون على كلمة سواء، تجاوزوا كل العقبات، إذا توفرت لهم مساحة التحرك بعيدًا عن الضغوط الخارجية”.
وتابع “ثقافتنا الليبية العريقة، التي طالما قامت على قيم التسامح والكرم وحل النزاعات عبر الحوار، لا تزال تشكل عمادًا أساسيًا يمكن البناء عليه. متى ما استعدنا هذه القيم، سنجد أن الوطن قادر على احتواء جميع أبنائه، مهما بلغت خلافاتهم. ولا يمكن إغفال أهمية دور الشباب في صنع التغيير. هؤلاء هم النبض الحي للأمة، وهم القادرون على إعادة تشكيل المشهد بشكل أفضل”.
واستطرد “لكن رغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن بعثة الأمم المتحدة لعبت أحيانًا دورًا ميسرًا للحوار، إلا أن الاعتماد المفرط عليها يضعف من قدرتنا على حل مشاكلنا بأنفسنا. نعم، يمكن أن يكون لها دور داعم، لكن الحل الحقيقي لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل. إذا توحدت الجهود و إذا أعلينا مصلحة الوطن على كل المصالح وإذا أعدنا بناء الثقة بيننا فسنثبت للعالم أجمع أن الليبيين قادرون على صنع التغيير بأيديهم. التغيير ليس مستحيلاً، والوطن سينتصر إن آمنا جميعًا بذلك”.
الوسومالبعثة الأممية الليبيون المبشر ليبياالمصدر: صحيفة الساعة 24
كلمات دلالية: البعثة الأممية الليبيون المبشر ليبيا لا یمکن ا یمکن
إقرأ أيضاً:
التغيير والتدافع وحركة السنن.. مشاتل التغيير (3)
التغيير انتقال وتحول من وضع إلى وضع آخر، ومن حال إلى حال آخر؛ وسنة الله في التغيير هي الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى لعباده، بناء على سلوكهم وأفعالهم سلبا أو إيجابا، وما يترتب على ذلك من نتائج.
يقول ابن تيمية رحمه الله: "إن لفظ التغير لفظ مجمل، فالتغير في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به الحوادث، فإن الناس لا يقولون للشمس والقمر والكواكب إذا تحركت: إنها قد تغيرت، ولا يقولون للإنسان إذا تكلم ومشى إنه تغير، ولا يقولون إذا طاف وصلى وأمر ونهى وركب إنه تغير؛ وإذا جرى على عادته في أقواله وأفعاله فلا يقال إنه قد تغير".
فما نريد أن نؤكد عليه أن سنة التغيير معادلة ثابتة مفادها أن الله لن يغير حال قوم من وضع مرضٍ مريح إلى وضع ضنك مذموم أو العكس إلا إذا غير هؤلاء القوم ما في قلوبهم، فإذا وجهوا قلوبهم إلى مولاهم وامتثلوا أوامره وابتعدوا عن نواهيه غيّر الله حالهم إلى أحسن حال، وإذا توجهت قلوبهم إلى الشهوات وارتكست أنفسهم في حمأة الرذيلة غيّر الله حالهم إلى أسوأ حال". يقول سبحانه: "فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ۞ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنكا" (طه: 123-124).
مفهوم التدافع يستهدف ردع الظلم والطغيان والفساد والعدوان ومنع انتشار كل ذلك في الأرض، حماية لها من الوصول إلى نقطة الخراب والاندثار وخراب أو فساد العمران، ولأهلها من الوقوع في أغلال الذل والاستعباد، بغض النظر عن مصادر الظلم أو الطغيان أو الفساد
ويؤكد القرآن الكريم على مسألة التغيير بقوله سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ: (الرعد:11). ومن المهم أن نؤكد أن الآية تشتمل على أربعة مستويات من التغيير لا كما يشيع أنها تشتمل على نوعين فقط؛ فتغيير الله يقع في صدر الآية، ثم يأتي تغيير ما بالقوم ليشير إلى الحالة الجمعية والجماعية وهو التغيير الثاني، أما التغييران الثالث والرابع فيقعان من الإشارة "ما بأنفسهم"؛ أي التغيير على المستوى الجماعي (الجمع) الذي يشير إلى العبور من النفس إلى الأنفس؛ والنفس الفردية الواحدة التي تتفاعل مع محضنها كحالة فردية ضمن أصول تفاعل تتكامل وتتبادل التأثير بين حالة الأنفس الجمعية وحالة النفس الفردية.
كما أن استخدام حرف الجر "حتى" يعني قيام القوم والنفوس والنفس الفردية بحركة تغيير من الإيجابي للسلبي ومن السلبي للإيجابي؛ إنها حال إرادة وقرار؛ ومسار واختيار؛ ما يشكل حال التغيير ومساره ومسيرة التغيير ومآلاته. ثم يأتي تغيير الله جزاء وفاقا؛ بشرطه المعلوم "إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد: 7). والنصر ليس منحة بل هو الجامع بين حالة الاختبار وحالة الاختيار؛ تشكل فيه إرادة التغيير معاملا حيويا في معادلة التغيير؛ ويتساند معه معامل العدة والإدارة لعمليات التغيير المتتابعة "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة" (التوبة: 46).
يرى ابن عاشور أن سنة المدافعة وتجلياتها عبر التاريخ البشري شاهد على الحكمة الإلهية البالغة التي تجرى على وفقها حياة البشر، وعلى النظام المحكم المنضبط الذي ينتظم شئونهم وأحوالهم، وعلى قواعد العمران البشري التي لا يقوم بغيرها. يقول تعالى: "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ" (البقرة: 251)؛ ذيلت هذه الآية العظيمة كل الوقائع العجيبة التي أشارت بها الآيات السالفة لتدفع عن السامع المتبصر ما يخامره من تطلب الحكمة في حدوث هذه الوقائع وأمثالها في هذا العالم، ولكون مضمون هذه الآية عبرة من عبر الأكوان وحكمة من حكم التاريخ، ونظم العمران التي لم يهتد إليها أحد قبل نزول هذه الآية.
إنها مشاتل التغيير في المجالات والمستويات لتتحقق ثمرة التغيير إيجابية كانت أم سلبية؛ "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال: 53). تتكامل تلك العمليات في تساوق مع بعضها البعض وفي تواقف على بعضها البعض؛ تلك العمليات تتأكد ضمن مساحات وساحات التدافع كعمليات تتحرى وعيا رشيدا وسعيا سديدا. الحالة التدافعية إذا سنة ماضية؛ من السنن التأسيسية في التدافع والتغيير لتأتي كل السنن الأخرى لترتبط بأحد المسارين وتفعّل كل الطاقات الإنسانية في مجرى الالتزام بالسنن الإلهية.
مفهوم التدافع يستهدف ردع الظلم والطغيان والفساد والعدوان ومنع انتشار كل ذلك في الأرض، حماية لها من الوصول إلى نقطة الخراب والاندثار وخراب أو فساد العمران، ولأهلها من الوقوع في أغلال الذل والاستعباد، بغض النظر عن مصادر الظلم أو الطغيان أو الفساد، ولو كان صادرا من المسلمين أو النفس أو أقرب الأقربين. وقد تكرر التنبيه القرآني إلى منظومة السنن الحاكمة لحركة البشر في ستة عشر موضعا من القرآن الكريم ذُكر فيها مصطلح السنن صراحة، فضلا عن عشرات المواضع التي ذكر فيها معنى السنن ضمنا. وهذه المواضع تُظهر بوضوح أن هذا التدافع المستمر بين الحق والباطل جزء من النظام الذي أقام الله عليه هذه الحياة البشرية.
التدافع إذا عملية إصلاحية وعمرانية في مواجهة الصراع الذي من الممكن أن يكون حركة هيمنة وفساد وتخريب للعمران، والتغيير سنة قائمة ماضية تظلل حركة ونشاط التدافع وفق القاعدة الأساسية؛ الجزاء من جنس العمل، ومعادلات التدافع والتغيير. والتدافع قانون إلهي من جملة القوانين التي وضعها الله لحياة الخلائق، وهي قوانين ثابتة فاعلة مطردة إذا تحققت المقدمة بشروطها ترتبت النتيجة بتمامها، وإذا أهدرت المقدمة تخلفت النتيجة بغير شك ولا جدال. وأشار القشيري في لطائفه إلى أن التدافع يجري أول ما يجري داخل النفس المؤمنة فتتدافع فيها الإرادات المختلفة والنزعات المتباينة بين يقظة وغفلة، وإخلاد وعزمة، وقعود ونفرة.
لقد كانت الحياة كلها تتأسن وتتعفن وتفسد لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، ولولا أن في طبيعة الناس التي فطرهم الله عليها أن تتعارض مصالحهم واتجاهاتهم الظاهرية القريبة، لتنطلق الطاقات كلها تتزاحم وتتغالب وتتدافع، فتنفض عنها الكسل والخمول، وتستجيش ما فيها من مكنونات مذخورة، وتظل أبدا يقظة عاملة، مستنبطة لذخائر الأرض مستخدمة قواها وأسرارها الدفينة.. وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء.
التدافع الحضاري حركة فعل ممتد؛ مانعة لكل أنماط التخريب الكوني الجماعي والفردي، وهي رافعة لكلِّ عمل حضاريٍّ يشكِّل إضافة عمرانية إلى الكون ويكون فيه صلاحه وإصلاحه. والدفع عمل حضاري مقترن بالتغيير؛ مفتوح للعودة بأُطر التوازن الكوني والعدل في العمارة الكونية إلى حقيقته وجوهره: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"؛ بحيث يجعل من حركة الدفع الحضارية غاية هادفة إلى الإحسان الحضاري بكلِّ تنوعاته ومجالاته. عمليات التدافع والتغيير في مشاتل الإصلاح والنهوض تتضمن جانبا سلبيا في مدافعة الفساد وخراب العمران؛ وجانبا بنائيا عمرانيا يحرك كل طاقات تـأسيس وإقامة البنيان. ولعل النظر في معامل ومختبرات السنن في الأنفس وفي الاجتماع وفي التاريخ، بل في الكون؛ هو العمل الأساس في الوعي بالسنن والسعي لهاومن هنا تبدو حركة الدفع الحافظة لجملة العَلاقات المتشابكة، وحركة ووقائع العلاقات المتفاعلة، هي الأساس في منع عناصر التخريب والخراب، وفي المقابل تعمل على تشييد العمارة الكونية الحضارية كفعل إيجابيٍّ من جانب آخر.
معادلة العمران في مواجهة معادلة الطغيان، ولا شكَّ أنَّ ترك معادلة الطغيان ضمن مجالات العلاقات الدولية والتعامل الدولي والعلاقات الخارجية تفعل فعلها وتراكم عملها من غير مجابهة يؤدي إلى نقيض العمران: "لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ" (الحج: 40)، "لفَسَدَتِ الأَرْضُ" (البقرة: 251)، ويحرك جملة الحركة في هذه المجالات المتنوعة للحركة الحضارية في طريق سلبي، يشوِّه أصولَ هذه العلاقات وفروعها؛ بحيث يكمن الظلم في أشكالها وأساليبها، ويحرك عناصر القوة الطاغية في الحركة والعلاقات.
وملاحظة معنى التدافع القويم يكمن في الفرق بين الوهن والضعف؛ ذلك أن الضعف نقص القوة، والوهن نقص الإرادة، والضعف لا حيلة للإنسان فيه كما قال تعالى: "وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفا" (النساء: 28)، لكن الوهن اختيار؛ لذا نهى الله عنه: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا" (آل عمران: 139)، في حين أنه لم ينه عن الضعف الذي هو نقص قدري في الإمكانات لا حيلة للإنسان فيه! الوهْن إذن هو أن يفعل الأقوياء فعل الضعفاء، أو يسلك القادرون مسالك العجزة! إن الإشكال في العمل التدافعي يكمن في ادعاء الإنسان العجز وهو يمتلك مكامن ومكنونات القوة؛ هذا الادعاء هو الوهن بعينه. العمل التدافعي مكمنه الإرادة؛ وتزييف المدافعة بالتبرير أو بالتغرير والتزوير والتمرير لهو عمل يسوّغ القعود ويثبط الصعود.
إن عمليات التدافع والتغيير في مشاتل الإصلاح والنهوض تتضمن جانبا سلبيا في مدافعة الفساد وخراب العمران؛ وجانبا بنائيا عمرانيا يحرك كل طاقات تـأسيس وإقامة البنيان. ولعل النظر في معامل ومختبرات السنن في الأنفس وفي الاجتماع وفي التاريخ، بل في الكون؛ هو العمل الأساس في الوعي بالسنن والسعي لها وفيها بالرشد الواجب والعدل اللازم والعمل الفاعل.
x.com/Saif_abdelfatah