مؤمن الجندي يكتب: بين العرق والذهب وصمت الكادحين
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
في شوارع المدينة، عند الفجر، يتحرك الموظف الكادح إلى عمله قبل أن تشرق الشمس، يتدثر بمعطف قديم ويخوض معركة يومية في وسائل المواصلات المزدحمة، يدرك أن كل ساعة من يومه محسوبة، وأن راتبه الشهري، رغم أنه بالكاد يكفي، هو نتاج عرق جبينه.. وعلى بعد أحياء قليلة، في عالم موازٍ داخل قاعات التفاوض الفارهة، يُكتب رقم مذهل على عقد، يتجاوزه القلم بلا تردد ملايين الدولارات للاعب كرة، في دولة ما زالت تبحث عن استقرار اقتصادي وتصارع من أجل توفير العملة الصعبة.
قد يقول قائل: "الرزق من عند الله"، وهذه حقيقة لا جدال فيها، لكن السؤال هنا ليس عن الأرزاق، بل عن العدالة الاجتماعية والميزان المختل بين الجهد والمكافأة.. كيف لموظف يعمل ثلاثين عامًا أن ينهي حياته براتب بالكاد يكفي لحياة كريمة، بينما يتقاضى لاعب شاب-ربما لم يسجل أكثر من بضعة أهداف-في عام واحد ما لا يحلم هذا الموظف برؤيته في عشرات العقود؟
معايير السوق أم فوضى الأجور؟لا شك أن كرة القدم صناعة ضخمة، وأن اللاعبين الموهوبين هم سلعة نادرة، والسوق هو الذي يحدد الأسعار، لكن هل يمكن لدولة تعاني من تحدي وندرة في العملة الصعبة أن تتحمل مثل هذه الأرقام؟ مصر ليست دولة نفطية، وليس لدينا اقتصاد بحجم أوروبا، فكيف نقبل أن تُضخ مئات الملايين في كرة القدم بينما قطاعات التعليم والصحة والصناعة تبحث عن موارد؟
إن أزمة الأجور في مصر ليست فقط في كرة القدم، بل في الفجوة الواسعة بين ما يتقاضاه من يكدح في صمت، ومن تصفق له الجماهير.. الفارق لا يتوقف عند مجرد الأرقام، بل في كيفية نظرة المجتمع إليهما! الموظف هو العمود الفقري للبلد، لكنه غير مرئي، بينما اللاعب هو الوجه اللامع الذي تُسلط عليه الأضواء، وكأن العرق الذي يُبذل في المكاتب والمصانع أقل قيمة من العرق الذي يُسفح على العشب الأخضر.
يجب أن نقف لنسأل أنفسنا هل هذه المبالغ الطائلة ضرورة؟ هل هناك سقف معقول يجب وضعه لانتقالات اللاعبين، خاصة في بلد يعاني من تحديات اقتصادية؟ ومن وجهة نظري أرى أن الأمر هنا لا يتعلق فقط بلوم الأندية، بل بالبحث عن منظومة أكثر عدالة في توزيع الموارد، بحيث لا نترك الفجوة تتسع بين من يُبني الوطن على أكتافهم، ومن يتقاضون الملايين مقابل لعبة، مهما بلغت شعبيتها! كرة القدم يجب أن تبقى رياضة جماهيرية، لا أن تتحول إلى سوق مفتوح بلا ضوابط، حيث يُباع الانتماء، وتُشترى المواهب بأسعار تفوق قدرة الدولة نفسها.
لقد آن الأوان لننظر للأمر بواقعية، لا بحماس المشجعين، بل بعقلية صانع القرار.. نصف مليار جنيه ليست مجرد رقم في عقد، بل هي رسالة تُرسل إلى ملايين الشباب الذين يكافحون في وظائف بالكاد توفر لهم حياة كريمة.. أنتم في عالم، وهم في عالم آخر! فهل نقبل بذلك؟
في النهاية.. نعم، لكل مجتهد نصيب، ونعم، السوق له قوانينه، لكن أي سوق هذا الذي يُسعّر الأقدام بمئات الملايين، بينما تُباع العقول بأبخس الأثمان؟ كيف لدولة أن تنهض إذا كانت القيمة تُمنح لمن يراوغ الكرة أكثر ممن يراوغ أزمات الاقتصاد والمجتمع؟
لن تكون هناك نهضة حقيقية ما لم تُستعاد العدالة، ما لم يُدرك الجميع أن بناء الأمم لا يكون بأقدام تركل الكرة فقط، بل بسواعد تُنجز وعقول تُبدع.. لقد آن الأوان أن نسأل أنفسنا هل نحن نصنع رياضة تُسعد الجماهير، أم وهمًا يلتهم اقتصادنا؟ هل نحن نكافئ المواهب، أم نغذي فوضى تجعل من الوطن ملعبًا لأهواء السوق؟
ربما لا نملك الإجابة الآن، لكن إن ظللنا نراقب المشهد بصمت، فسنجد أنفسنا يومًا نتساءل متى أصبح الحلم رفاهية لا يملكها إلا القلة؟
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الأهلي الزمالك زيزو بن شرقي تريزيجيه صفقات الأهلي صفقات الزمالك مؤمن الجندی یکتب کرة القدم الذی ی
إقرأ أيضاً:
مجندات ينظمن وقفة للمطالبة بإطلاق سراح الجندي إنغرست
نظم عشرات المجندات الإسرائيليات السابقات، مساء الاثنين 21 أبريل 2025، وقفة احتجاجية أمام وزارة الأمن في تل أبيب، للمطالبة بإطلاق سراح الجندي ماتان إنغرست، الأسير لدى حماس .
وتجمع 70 مجندة إسرائيلية سابقة فيما تسمى بـ "ساحة المختطفين" في تل أبيب، رفقة أفراد من عائلة إنغرست وانطلقوا من هناك إلى شارع "شعار بيغن"، في منطقة "كرياه" حيث مقر وزارة الأمن، وفق صحيفة "معاريف" العبرية.
وارتدت المجندات بنطال أسود وقميص أخضر زيتوني، كتلك التي كان يرتديها "ماتان" لحظة أسره من داخل دبابة في موقع "ناحال عوز" العسكري بمحاذاة قطاع غزة .
وبحسب الصحيفة تهدف المظاهرة التي أطلق عليها "كل العيون على نحال عوز"، إلى تسليط الضوء على حالة الجندي "إنغرست" الذي أصيب خلال القتال.
ووضع المتظاهرون ألوان تبدو كالدماء على وجوههم وربطوا أيديهم بضمادات لمحاكاة إصابات "ماتان".
ونقلت الصحيفة عن "عميت" المجندة السابقة وأحد منظمي المظاهرة قولها: "اليوم، ماتان هو الجندي الوحيد من موقع ناحال عوز الذي قاتل بشجاعة ونجا، وهو في الأسر، إلى جانب صديقيه إيتي حين ودانيئيل بيرتس، اللذين قُتلا ولا تزال جثتيهما محتجزة في غزة".
وأضافت: "هذا نوع من إغلاق الدائرة من أجل استعادة آخر جندي لا يزال هناك على قيد الحياة".
وتابعت: "نحن هنا نحاول أن نصرخ صرخته، ارتدينا ملابس مشابهة لما كان يلبسها ماتان، وحاولنا أيضًا تجسيد يده التي على ما يبدو لم تعد تعمل، والإصابات التي تعرض لها في وجهه وعينيه. ربما يستيقظ أحدهم ويفعل شيئًا حيال ذلك".
من جانبه، قال حاجاي إنغرست والد الجندي "ماتان": "لدينا دعم هائل من الجمهور كله".
وأضاف: رئيس الوزراء ( بنيامين نتنياهو ) ووزير الشؤون الاستراتيجية (رون) درمر (أيضا هو قائد فريق التفاوض الإسرائيلي) لم يكونا يعلمان أن متان مصاب، فقمنا بتجسيد ذلك للجميع".
ومضى بقوله: "قبل أن نرسل جنودًا آخرين إلى المعركة، نحن ملزمون بإعادة أولئك الذين سقطوا في الأسر. لأنه خلاف ذلك، كيف سينظر رئيس الوزراء في عيون الأمهات؟".
والأحد، اتهم الوالد حاجاي نتنياهو بالتخلي عن الأسرى وتفضيل بقائه السياسي من خلال إطالة أمد الحرب، في حديث أدلى به لصحيفة "معاريف" العبرية.
وأتى تصريح الوالد غداة تصريحات لنتنياهو، أكد فيها أنه لن ينهي حرب الإبادة المتواصلة بغزة للشهر الـ19 قبل القضاء على قدرات حماس المدنية والعسكرية بشكل كامل.
وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، بينما يقبع بسجونها أكثر من 9900 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وتتهم عائلات الأسرى نتنياهو بتعريض حياة ذويهم للخطر، بإصراره على استمرار الحرب على غزة وتهربه من إنجاز صفقة تبادل أسرى، وذلك استجابة للوزراء الأكثر تطرفا بحكومته، وبينهم سموتريتش، لحماية مصالحه السياسية.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية نتنياهو يعقب على إفادة رئيس الشاباك للمحكمة العليا تحذير رسمي للإسرائيليين في الخارج بتجنّب إظهار هويّتهم غدا! قناة عبرية: إسرائيل قد تلجأ لهذه الخطوة لزيادة الضغط على حماس الأكثر قراءة الأونروا : إسرائيل استهدفت أكثر من 400 مدرسة في غزة قناة مصرية : القاهرة والدوحة ينتظران رد حماس على المقترح الإسرائيلي زامير يعقد اجتماعا في محاولة لاحتواء الاحتجاج مصطفى: ما نشهده ليس مجرد حرب بل محاولة لمحو شعب وقضية عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025