كيف يمكن تحويل العودة إلى المدارس من عبء مادي إلى استثمار في الأبناء؟
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
أثير – د. رجب بن علي العويسي خبير الدراسات الاجتماعية والتربوية في مجلس الدولة
يطرح تساؤلنا في ظل ما يشاع من ربط العودة إلى المدارس بالأعباء والتراكمات التي تتركها على أولياء الأمور واستقطاع رواتبهم لشراء المستلزمات المدرسية، على المدارس مسؤولية تبني سياسات تثقيفية وتوجيهية وشراكات عملية تضمن لولي الأمر الحد من الضغوطات المالية الناتجة عن شراء المستلزمات الدراسية للطلبة، بما توفره لهم من بدائل وخيارات، وتصنعه من وعي استهلاكي مجتمعي، وتؤسسه من ضوابط ومعايير لنوعية المستلزمات التي تحتاجها المدارس، مراعية في ذلك ظروف أولياء الأمور وأولوياتهم المعيشية، فيما تتخذه المدرسة من إجراءات للحد من تأثير العودة إليها على الظروف المعيشية، وخفض درجة القلق المتولدة لدى أولياء الأمور من التكاليف الناتجة عن شراء المستلزمات المدرسية.
فمع العودة إلى المدارس ودوام طبة التعليم المدرسي تتجه أنظار الأسر إلى المراكز التجارية ومحلات بيع المستلزمات المدرسية والأدوات القرطاسية والحقائب وغيرها مما يحتاجه الطلبة في حياتهم الدراسية ومواقفهم التعليمية في مختلف المستويات الدراسية في صفوف الحلقة الأولى والصفوف (5-10) من التعليم الأساسي والتعليم ما بعد الأساسي، والتوقعات بأن يشهد بيع المستلزمات المدرسية، ارتفاعا في الأسعار نظرا لتزايد الطلب عليها، وارتفاع القيمة الشرائية للأدوات المدرسية واستغلال المراكز التجارية ومنافذ بيع الأدوات المدرسية لهذا الموسم، الأمر الذي قد يؤدي إلى المزيد من الضغوط والالتزامات الأسرية، خاصة على أولياء الأمور والأسر الذين لديهم أكثر من ابن مقيد في سن المدرسة بمختلف الصفوف الدراسية، بما يعنيه ذلك من الحاجة إلى تبني مسارات تكيفية تتناسب مع متطلبات الواقع المستجد، بما يسهم في تغيير الصورة النمطية السلبية القاتمة التي بات يسقطها ولي الأمر على عودة الطبة إلى المدارس، وبالتالي يصبح الرهان اليوم على مساحة المرونة التي تمنحها المدارس لأولياء الأمور في تقدير الحاجة إلى شراء مستلزمات أبنائهم الدراسية، للقناعة بأن ارتفاع الأسعار أمر حاصل لا محالة، وأن التوقعات بأن تكون ردود الجهات المعنية كما هو معتاد بأن هذه الأسعار في متناول اليد، وأنها متوافقة مع أسعارها في بلد المنشأ، ويبقى التعامل مع هذا الأمر في الثقافة الشرائية المتوازنة التي تنصح بها ولي الأمر في إعادة هندسة السلوك الاستهلاكي للأسرة وتصحيح الممارسات الشرائية غير المتوازنة في ظل ما يفرضه واقع الأمر على أولياء الأمور من تلبية طلبات أبنائهم وتنفيذها بشراء مستلزماتهم الدراسية، ذلك أن عملية شراء مستلزمات المدارس أمرا لا يمكن لولي الأمر أن يتخلى عنه لكونه جزء أصيل من تعلم ابنه، وضرورة إحضار هذه المستلزمات باعتبارها شرط لتعلم الطالب في بيئة صفية يتفاعل فيها مع المعلم والموقف التعليمي.
من هنا تأتي مسؤولية المدارس اليوم في المبادرة نحو التخفيف على أولياء الأمور، عبر تغيير النمط الاستهلاكي غير المنظم الذي يتعامل به أولياء الأمور في اختيار مستلزمات الطلبة الدراسية والتي بات الموجه الأكبر فيها الطالب ذاته في انتقاء واختيار ما يريده خاصة في صفوف الحلقة الأولى والثانية من التعليم الأساسي، والتي لا تنظر فيها إلى سعر المنتج والقيمة السوقية له، بقدر ما تنظر إلى الموديلات والماركات التجارية للمستلزمات التي لها سمعة وحضور بين الطلبة، الأمر الذي قد يضع أولياء الأمور في حرج شراء هذه المستلزمات، والتي غالبا ما تكون أسعارها مرتفعة عن غيرها من المستلزمات من النوع نفسه، وبالتالي دور المدارس في توجيه الطلبة وأولياء الأمور إلى اقتناء المستلزمات ذات الجودة المناسبة والتي يمكن أن يستخدمها الطالب لفترة أطول مثلا للفصلين الدراسيين دون تكليف أولياء أمورهم بشراء ماركات وموديلات باهضة الثمن ولها سمعة اسمية في السوق؛ إن ما يمكن إن تقوم به المدارس من إجراءات ومبادرات في سبيل تخفيف عبء شراء هذه المستلزمات، سوف يضمن الحد من الهاجس السلبي النفسي والفكري لدى المواطن حول بدء العام الدراسي والتكاليف المالية المترتبة عليه في سبيل توفير هذه المتطلبات، في كونها مرحلة جديدة في حياة أبنائه وفرصة استثمارية في إعادة تشكيل شخصياتهم وبناء ذواتهم وترقية ممارساتهم، بالشكل الذي يضمن حقهم في المشاركة والتفاعل وإثبات الذات واستشراف المستقبل بعد إجازة صيفية كفيلة بإعادة إنتاج شخصياتهم وبناء ذواتهم.
وبالتالي يمكن للمدارس أن تتخذ مبادرات تسويقية وشراكات بشراء المنتج بأسعار مناسبة بالتنسيق مع المراكز التجارية والمولات، أو في تقديم عروض ميسرة للطلبة وكوبونات خصم لمساعدة الأسر على تخفيف عبء التكاليف المرتبطة بشراء هذه المستلزمات، كما يمكن للمدارس أن تتخذ مبادرات شراكة مع الجمعيات الأهلية والخيرية والفرق التطوعية في الولايات والمحافظات بشراء المستلزمات وبيعها على أسر الطلبة بأسعار معقولة وميسرة، في إطار من التقنين والمرونة والبساطة والأريحية وعدم التكلف وما يضيفه ذلك من استحقاقات قادمة للمدارس في قدرتها على الاستجابة لمطالب ولي الأمر ورعاية مشاعره وظروفه وخلق مساحة اتصالية شعورية تعظم من دور المدارس في الحد من الممارسات الاستهلاكية غير المسؤولة وتبني علاقات مجتمعية تضمن بناء ثقافة شرائية متوازنة يشعر فيها الطلبة بمزيد من المساواة وتكافؤ الفرص وذوبان حالة التباين بين الطلبة الأمر الذي يؤدي إلى ظواهر سلبية تنتج عن هذا التباين كالتنمر والغيرة التي تتولد بين الطلبة بسبب ارتفاع سقف التباين في شراء المستلزمات المدرسية، فإن من شأن التزام المدارس هذا المسار تقليل الهاجس السلبي الذي بات يقرأ فيه ولي الأمر في بدء العام الدراسي على أنه عبء مالي يكلف ولي الأمر، ويضع الأسرة في حالة صعبة عليها أن توفر هذه الاحتياجات الأمر الذي بات يرسخ في الأبناء قناعات أخرى سلبية في ظل المقارنات التي تحصل مع زملائهم وأقرانهم ونوعية المستلزمات المدرسية التي يمتلكونها أو التي تحققت لهم، على أن تقليل هذا التباين اليوم خاصة في ما يتعلق بمستلزمات الطلبة من القرطاسيات والأقلام والحقائب الجلدية والتي يتم استخدامها في المدرسة من غير الملابس، وعبر توجيه أولياء الأمور والطلبة إلى شراء أنواع معينة بعد التنسيق مع المراكز التجارية والمكتبات ومحلات بيع القرطاسيات بالشكل الذي يضمن التقليل من فجوة التباينات بين الطلبة وما يورثه ذلك من حالة التمايز والتنمر خاصة بين الطلبة في الصفوف الأولى من التعليم الأساسي.
أخيرا فإن التكامل في بناء ثقافة متوازنة لدى أولياء الأمور في شراء مستلزمات المدارس يستدعي اليوم عملا وطنيا يتجه إلى تكامل الشعور الإيجابي وتفاعل الأطر في سبيل وفرة هذه المستلزمات والرقابة عليها ومتابعتها في الأسواق وخلق دور أكبر للتعليم في الاستثمار في هذه الموارد، أو تنفيذ الشراكات الإستراتيجية مع الموردين المباشرين والوكلاء الحصريين لتوريد هذه المستلزمات لطلبة المدارس، نظرا لما يمكن أن تسهم به هذه التباينات بين الطلبة في شراء المنتجات عالية الثمن من آثار سلبية على سلوك الطلبة التعليمي ونظرة أولياء الأمور للتعليم كحالة استهلاكية واستنزافية للموارد، وتصبح مسؤولية المدارس في إقناع ولي الأمر في تبني ثقافة شرائية متوازنة؛ الطريق الآمن الذي يحفظ للمدارس موقعها في ثقة ولي الأمر، وتصحيح المفاهيم المغلوطة المتداولة التي باتت تسيء للتعليم وتنعكس سلبا على الصورة العامة التي يحملها الطالب حول تعليمه، فإن بناء ثقافة شرائية متوازنة يستدعي اليوم بناء خيوط اتصال تتناغم مع طبيعة الاحتياج وحجم التغيير الذي يمتلكه الطلبة في تعويدهم على عمليات الاختيار والانتقاء والادخار في ظل تعددية البدائل وتنوع الخيارات المتاحة، وأن عملية الانتقاء تتجه إلى التركيز على معايير الجودة والاستدامة وزيادة مدة الاستهلاك، ونسبة انعدام المخاطر الناتجة عنها على حياة الطالب نفسه، آخذة في الاعتبار الحالة المعيشية للأسر من روافد المدارس، والاستفادة من مسوحات دخل الأسرة للوصول إلى إجراءات ومبادرات تضمن قدرتها على التكيف مع متطلبات الواقع التعليمي ومستجداته، بما يمكّن المدارس من بناء ثقافة استهلاكية ناضجة تظهر في شراكة الأبناء مع الأسرة في اختيار وشراء مستلزماتهم الدراسية.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: المستلزمات المدرسیة على أولیاء الأمور أولیاء الأمور فی إلى المدارس بین الطلبة الأمر الذی ولی الأمر الطلبة فی الأمر فی
إقرأ أيضاً:
«قضاء أبوظبي» تعرّف بالدور الوقائي للأسرة
أبوظبي: «الخليج»
عقدت دائرة القضاء في أبوظبي، بالتنسيق مع مجالس أبوظبي بمكتب شؤون المواطنين والمجتمع في ديوان الرئاسة، محاضرة توعوية حول «الدور التوجيهي للوالدين في حماية أبنائهم من المخدرات»، وذلك بهدف تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر تعاطي المواد المخدرة، والتعريف بالدور المحوري للآباء في حماية الأبناء من تلك الآفة.
تأتي المحاضرة، التي عقدت في مجلس هلال زيد الشحي بمدينة خليفة في أبوظبي، ضمن مبادرة «مجالسنا» التي أطلقتها الدائرة تنفيذاً لتوجيهات سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، رئيس دائرة القضاء في أبوظبي، بتعزيز نشر الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع بما يدعم الحفاظ على الأمن والاستقرار.
إلى ذلك، تطرقت المحاضرة، التي ألقاها المستشار الدكتور محمد راشد الظنحاني، مدير مركز أبوظبي للتوعية القانونية والمجتمعية «مسؤولية»، إلى الأسباب المؤدية إلى تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، والتي تنقسم إلى أسباب فردية مثل ضعف الوازع الديني والقيم الأخلاقية، ودافع الفضول والتجربة ورفقاء السوء، وقت الفراغ والشعور بالملل، إضافة إلى أسباب مجتمعية منها، عدم الوعي بالقوانين والتشريعات، ضعف القيم الرافضة لتعاطي المواد المخدرة، الدور السلبي لنشر المعتقدات غير الصحيحة عن تعاطي تلك المواد، فضلاً عن الأسباب الأسرية مثل التفكك الأسري، وغياب مهارات التواصل والحوار مع الأبناء، والتعامل بقسوة، وعدم الإدراك بالآثار المترتبة على التعاطي.
وتضمنت المحاضرة توضيح التغيرات التي تطرأ على المتعاطي والتي يتم من خلالها التعرف إلى الانسياق وراء تلك السموم، منها تغيرات سلوكية مثل التغير المفاجئ بالأصدقاء، تدني المستوى الدراسي، تقلبات مزاجية مفاجئة، طلب الأموال بشكل غير مبرر، التغير في أنماط النوم والسهر خارج المنزل، إضافة إلى تغيرات جسدية، تتمثل في نقصان الوزن المفاجئ، والضعف العام في الحركة وفقدان النشاط وتنميل الأطراف، وارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
كما عرّفت بدور الأسرة الوقائي والتوجيهي للمساهمة في الوقاية من المواد المخدرة، والذي يبدأ بغرس المبادئ والقيم وبناء علاقة قوية مع الأبناء ترتكز على الحب والاحترام والثقة والحوار، ثم تنمية مهارات الرفض لتلك المواد، ومعرفة المؤشرات التي يستدل منها على المتعاطي، والمتابعة والتدخل المبكر في حال اكتشاف التعاطي.
وتطرقت إلى ضرورة شغل وقت فراغ الأبناء بما هو مفيد وفق الأنشطة التي يستمتعون بها ومشاركتهم هوياتهم ومساعدتهم على تحديد وتحقيق أهدافهم، ومساعدتهم على اختيار الأصدقاء الصالحين وإرشادهم نحو التصرف الصحيح معهم، وتثقيفهم حول عدم الانجراف وراء السلوكيات الخاطئة.