هذا الكتاب ليس الباكورة الأدبية للصحافي والكاتب فايز السليك، بل يأتي ضمن سلسلة إسهاماته المتنوعة التي شملت كتابات رصينة في الشأن السياسي السوداني، بالإضافة إلى روايات أدبية تُبرز عمق نظرته الاجتماعية. كذلك، يُعد السليك من الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي السوداني، حيث شغل منصب مستشار رئيس الوزراء د.

عبد الله حمدوك، مما أضفى على كتاباته بُعدًا عمليًا وتجريبيًا في تحليل الواقع السوداني.
عند صدور كتابه "العقل السوداني.. تفكير مضطرب وذاكرة مثقوبة"، أثار العمل سجالات واسعة في أوساط سياسية وثقافية متنوعة. ومثل كثيرين، قرأتُ ردود الفعل المختلفة التي جاء من بينها ما كتبه د. معتصم الأقرع، الذي رأى أن الكتاب يطرح تساؤلات إشكالية حول مفهوم العقل السوداني الجمعي.
من خلال متابعتي للنقاشات الكثيرة التي أحاطت بالكتاب، اتضح أن البعض ينظر إليه كأداة تقييم لأداء صناع القرار في حكومة الثورة، لا سيما تلك الفترة الحساسة التي أعقبت سقوط نظام البشير. وعلى الرغم من أن الكتاب يعالج قضايا تتعلق بالثقافة والتفكير الجمعي، فإن البعض ربطه بمسار الصراع السياسي في السودان، خصوصًا الصراع بين التيارات الإسلامية التي حكمت لفترة طويلة، وبين القوى الفكرية والاجتماعية التي تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي والثقافي في البلاد.
من هذا المنطلق، يُمكن اعتبار الكتاب جزءًا من محاولة أوسع لفهم الأزمات البنيوية التي تواجه السودان، سواء في الفكر أو السياسة أو المجتمع، مما يجعل قراءته موضوعًا مثيرًا للتأمل والنقاش.
كتاب "العقل السوداني.. تفكير مضطرب وذاكرة مثقوبة" يمثل محاولة جادة لفتح نقاش حول طبيعة التفكير الجمعي في السودان، وارتباطه بالسياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي شكّلت هذا العقل. ولكن عند فحص محتوى الكتاب من منظور نقدي مختلف، يمكن الإشارة إلى بعض النقاط التي تُبرز مكامن القوة والضعف في هذا العمل.
نقاط القوة , الجرأة في الطرح و الكتاب يثير قضايا حساسة ومثيرة للجدل مثل العقل الجمعي والاضطرابات في طريقة التفكير السودانية، مما يدعو للتأمل في الأسباب العميقة التي تقف وراء الأزمات السياسية والاجتماعية المتكررة.
التناول متعدد الجوانب من الواضح أن الكاتب يحاول ربط المسارات الثلاثة: الديني، السياسي، والاجتماعي، كعوامل مترابطة تؤثر في صياغة الذهنية السودانية، وهو ما يُعتبر خطوة أولية في فهم أزمة الهوية الوطنية.
الاستناد إلى علم النفس اعتمد الكاتب على مفاهيم من علم النفس السياسي لتحليل طبيعة الأزمات، وهو ما يضيف بُعدًا علميًا يحاول تفسير الظواهر بعيدًا عن التفسيرات السطحية أو الانطباعية.
نقاط الضعف
غياب الرؤية الكلية رغم محاولات الكتاب للاقتراب من تحليل العقل الجمعي، إلا أنه لم يوفِّق في طرح رؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي والاجتماعي داخل السودان. العقل السوداني ليس وحدة متجانسة، بل هو حصيلة لتفاعلات بين ثقافات وإثنيات متعددة.
النظرة الاختزالية من خلال التركيز على اضطراب التفكير و"الذاكرة المثقوبة"، يبدو الكتاب وكأنه يغفل عن استعراض النجاحات والتجليات الإيجابية للعقل السوداني في مجالات مثل الأدب والفن والنشاط السياسي، مما يترك انطباعًا بكونه نقدًا هدّامًا بدلًا من أن يكون بناءً.
إغفال التحليل الثقافي العميق بالرغم من تناول الكاتب للبعد الاجتماعي، إلا أن هناك غيابًا ملحوظًا في تحليل الثقافة السودانية كمنظومة مرجعية تُحدد طرائق التفكير. هذا يجعل التفسير يبدو سطحيًا وغير مرتبط بجذور الظواهر.
محدودية التفاعل مع الفكر الجمعي: لم يتم تسليط الضوء بما يكفي على كيفية تشكل العقل الجمعي من خلال التفاعل بين النخب المثقفة والمجتمع السوداني ككل، مما يجعل الكتاب أقرب إلى رصد الظواهر منه إلى تقديم تفسير شامل.
غياب المقاربة المقارنة و كان يمكن للكتاب أن يستفيد من مقارنة العقل السوداني بعقول مجتمعات أخرى تعاني مشكلات مشابهة، مثل دول الجوار أو دول ما بعد الاستعمار، لإبراز الفروقات والعوامل المشتركة.
رؤية نقدية مختلفة
هذا الكتاب هو نقطة انطلاق وليست خلاصة نهائية لتحليل العقل السوداني، ومن الضروري تطوير الطرح ليشمل مستويات أعمق من التحليل. يجب أن يتوسع النقاش ليشمل:
العلاقة بين الدين والسياسة وتأثيرها على الذهنية السودانية بشكل متوازن دون التحيز.
دراسة العوامل الثقافية، مثل الأدب والفن، كمرآة تعكس تطور التفكير الجمعي.
استكشاف التأثيرات الاستعمارية وما بعدها في تشكيل العقل الجمعي.
في الختام، بينما يشكّل الكتاب خطوة أولى في النقاش حول أزمة العقل الجمعي السوداني، إلا أنه بحاجة إلى منظور أكثر شمولية وتحليلًا معمقًا للجوانب التي تجاهلها أو لم يبرزها بشكل كافٍ. يبقى المجال مفتوحًا للمزيد من الدراسات التي تستند إلى أسس فكرية وثقافية متنوعة.

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العقل السودانی العقل الجمعی

إقرأ أيضاً:

8 تمارين صباحية بسيطة تحسّن الذاكرة والتركيز

المناطق_متابعات

لا شك في أنه يمكن شحذ العقل وتنشيط الذهن بهدف تحسين الذاكرة والتركيز من خلال ممارسة بعض التمارين الصباحية البسيطة، وفق ما أكدت عدة دراسات علمية سابقا.

وهو ما كررته مجددا دراسة جديدة مقدمة جملة نصائح نافعة لتحسين الأداء الإدراكي بشكل عام، وفق ما نقل موقع Economic Times، من بينها

1. تمارين بدنية بلمسة معرفية

إذ يمكن الجمع بين تمارين خفيفة كاليوغا أو التمدد والأنشطة العقلية، كالعد التنازلي، خصوصا أنها تُحسّن الحركة الجسدية الدورة الدموية، بينما تُعزز التحديات المعرفية حدة الذهن وتنسيقه.

2. القراءة بصوت عالٍ

كما يمكن للقراءة بصوت عالٍ أن تؤثر على المسارات البصرية والسمعية، مما يُحسّن الفهم والمفردات وحفظ الذاكرة.

لاسيما أنها طريقة فعّالة لبدء اليوم بتركيز وتعليم وتنشيط الدماغ.

3. الحساب ذهنيًا

كذلك يمكن لتحدي العقل بحسابات ذهنية بسيطة، أن يُحفّز التفكير العددي ويُقوّي الذاكرة قصيرة المدى، مع تحسين التركيز وقدرات حل المشكلات في الحياة اليومية.

4. تدوين اليوميات

كذلك فإن تدوين اليوميات ينظّم الأفكار ويُعزّز التأمل الذاتي ويُحسّن الذاكرة. إن كتابة الخطط والمهام وقائمة الامتنان كل صباح تُحسّن التركيز وتُهيئ عقلية مُثمرة طوال اليوم.

5. التدرب على التصور

إلى ذلك، يمكن لممارسة طريقة إغماض العينين والتدرب ذهنيًا على المهام أو استرجاع تفاصيل مُحددة أن يُقوي التصور والذاكرة ويُعزز التركيز ويبني الثقة اللازمة لتحقيق الأهداف بوضوح وعزيمة.

6. تعلم مهارات جديدة

ومن الخطوات الجيدة أيضًا محاولة تخصيص بضع دقائق يوميًا لتعلم مهارة أو كلمة أو معلومة جديدة، إذ إنها تُقوي هذه الممارسة الروابط العصبية وتُنمّي الفضول الإيجابي وتُحسّن قدرة الدماغ على الاحتفاظ بالمعلومات مع مرور الوقت.

7. حل الألغاز

كذلك تُحفّز ممارسة سودوكو أو الكلمات المتقاطعة أو ألغاز الصور المقطوعة الدماغ وتُعزز التفكير المنطقي والذاكرة والانتباه.

ويدعم حل الألغاز بانتظام أيضا المهارات في حل المشكلات ويُحسّن خفة الحركة الذهنية.

8. التنفس الواعي أو التأمل

كما يمكن التركيز على ممارسة التنفس البطيء والعميق لمدة 5-10 دقائق. تساعد هذه الممارسة البسيطة على تقليل التوتر وتعزيز الوضوح وتشحذ التركيز من خلال تهدئة العقل وتحسين الأداء الإدراكي العام.

الجدير ذكره أن دراسات عديدة كانت تحدّثت عن أهمية الرياضة في حياة الأفراد وتأثيرها على صحة العقل والذهن والذاكرة.

مقالات مشابهة

  • تكريم 177 فائزًا بمسابقة لحفظ القرآن الكريم بنادي بنها الرياضي
  • حكومة السوداني بين التحديات والإنجازات.. قراءة في المشهد العراقي
  • 8 تمارين صباحية بسيطة تحسّن الذاكرة والتركيز
  • شاهد بالفيديو.. الجيش السوداني ينجح في الوصول إلى المدافع التي يتم بها قصف المواطنين بمدينة أم درمان بعد أن تركتها مليشيا الدعم السريع داخل المنازل وهربت
  • بناء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد أمريكي ـ صهيوني.. قراءة في كتاب
  • عقلية الساسة السودانيين والمآلات القادمة- قراءة في أزمة النظام السياسي
  • الأوهام البصرية وخدع العقل هل يمكن تفاديها؟
  • المجلس الانتقالي .. الجيش السوداني لا يرغب في الانخراط بالعمل السياسي
  • سيطرة العصبية الصهيونية الفاشية على الشرق الأوسط المعاصر.. قراءة في كتاب
  • شيخ العقل دعا المسؤولين لاعتماد مبدأ الكفاءة في التعيينات