مؤمن الجندي يكتب: قائد إلا ربع
تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT
ينتابني دائمًا سؤال حول كل قائد، لماذا عندما يقود سفينته نحو بر الأمان يختلط على الجميع الاتجاه؟ ففي عالمنا المتسارع الذي يموج بالآراء والتوجهات، تبرز دائمًا رؤية القائد كمنارة تُضيء العتمة وسط العواصف، إنها رؤية لا تشبه رؤيتنا نحن الذين ننظر من بعيد، من زاوية واحدة! أو نرى جزءًا بسيطًا من الصورة.. القائد وحده من يقف على قمة المشهد، يرى بوضوح تفاصيل ما استتر عنا، ويدرك بعمق ما لا تسعفه الكلمات لتفسيره.
كم من مرة ظن الجمهور أن اللحظة قد حانت؟ وأن على القائد أن يتحرك فورًا، بينما كان القائد ينتظر، صامتًا، متأملًا.. ليس خوفًا من الفشل، ولكن ثقة بأن القرار الصحيح يحتاج إلى توقيت دقيق، وإلى اكتمال المعطيات التي قد لا يراها إلا هو.
ومن وجهة نظري، إن حضور الجماهير بالرأي والتوجيه والانتقاد هو جزء لا يتجزأ من مشهد القيادة، لكنه جزء محدود! فالجماهير، مهما كانت رؤيتها صائبة، لا تملك إلا ما يظهر على السطح، يرون اللحظة الآنية، الموقف الذي بين أيديهم، ويحكمون بناءً على ما توفر لديهم من معطيات.. لكن القائد يرى الصورة الكاملة، ويقرأ خطوط السيناريو قبل أن يكتمل على مسرح الواقع.
ولعل ما برع في تجسيده محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي، يُعدّ مثالًا حيًا على رؤية القائد الذي يدرك أهمية التوقيت في اتخاذ القرار.. ففي انتقالات يناير الجاري، نجح الخطيب في إتمام عدد من الصفقات المفاجئة في اللحظات الأخيرة قبل غلق باب القيد، وهي قرارات بدت للبعض متأخرة أو محفوفة بالمخاطر! تلك القرارات ليست مجرد تحركات رياضية، بل تُجسد رؤية القائد الذي يعلم أن التمهّل أحيانًا هو السر في الفوز، وأن اللحظات الأخيرة قد تحمل مفاتيح النجاح حين تُقرأ الصورة كاملة.
النقد هو صوت الجماهير لا الحكمةهنا يكمن الفارق الجوهري بين نظرة القائد ونظرة الآخرين، وهنا أقصد بشكل عام ليس رياضيًا فقط! فالجماهير ترى التفاصيل، والقائد يرى المآلات.. الجماهير تركز على اللحظة الراهنة، والقائد يُسخر تلك اللحظة ليخدم رؤيته الأوسع.
هناك لحظات في حياة الشعوب والأمم لا تحتمل التأخير، ولا تقبل التأجيل.. لحظات يصبح فيها القرار ضرورة، والخطوة التالية مصيرية! القائد حينها يزن الأمور بميزان دقيق، يدرك أن القرار لا يعني فقط تغيير المسار، بل قد يعني إعادة تشكيل المستقبل.
لا يمر قائد دون أن يواجه نقدًا، فهذا جزء من طبيعته كإنسان في موقع مسؤولية.. لكنه القائد الحق الذي لا يجعل هذا النقد يؤثر على حكمه، ولا يسمح له بأن يعمي بصيرته! يعلم أن النقد هو صوت الجماهير، لكنه ليس دائمًا صوت الحكمة.. فالقائد يدرك أن قراره سيُحكم عليه لاحقًا، وأن التاريخ هو القاضي الأخير وأن الجماهير التي قد تنتقد اليوم قد تشيد غدًا.
إننا كمشاهدين نعيش في الحاضر، لكن القادة يعيشون بين الحاضر والمستقبل.. يرسمون مسارًا لا يراه إلا من تسلق قمة التحديات، ومن امتلك الجرأة لاتخاذ القرار في اللحظة التي تستحق، لا في اللحظة التي يطالب بها الجميع.
في النهاية، لماذا البعض يحكم على قائده من زاوية واحدة وكأنه قائد إلا ربع! فالقائد دومًا يبحث عن رضا الجميع حتى لو أخطأ -وهذا وارد- بلا شك! ومن المفترض أنه يرى حين تعمى الأبصار، ويصمت حين يعلو الضجيج، ويتحرك حين يصير السكون خيانة.. هو من يجعل من رؤيته منهجًا، ومن قراره درسًا، ومن توقيته شهادة على حكمة لم يدركها الآخرون إلا بعد فوات الأوان.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: محمود الخطيب الأهلي الزمالك الكرة المصرية القائد مؤمن الجندی یکتب
إقرأ أيضاً:
لماذا سمي يوم القيامة بـ يوم التغابن؟.. خالد الجندي يكشف
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن يوم القيامة يُطلق عليه "يوم التغابن"، وهو اليوم الذي يكتشف فيه الإنسان مدى خسارته الحقيقية عندما يدرك أنه باع آخرته بثمن بخس من أجل متاع الدنيا.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، أن الغبن في الدنيا يحدث عندما يشعر البائع بأنه لم يحصل على الثمن العادل للسلعة، أما الغبن الحقيقي في الآخرة فهو أن يكتشف الإنسان أنه ضيّع فرصته في الجنة بسبب اللهث وراء الدنيا، سواءً كان ذلك سعياً وراء المال أو الجاه أو الشهوات.
خالد الجندي: الأخوة في القرآن تجمع كل البشر مهما اختلفت عقائدهم
خالد الجندي: النبي كان يتشاور مع أصحابه في كل الأمور
تحدٍ للعقول.. خالد الجندي يكشف الإعجاز في الحروف المقطعة بالقرآن
هتعرفه من اللحظة الأولى.. خالد الجندي يحسم الجدل حول عذاب القبر ونعيمه
وأضاف أن سورة الطلاق، والتي يُطلق عليها أحيانًا "سورة النساء الصغرى"، تؤكد على ضرورة التعامل مع الزوجة بما يتناسب مع مستوى المعيشة وقدرة الزوج المالية، مستشهداً بقوله تعالى: "أسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ"، مشدداً على أن التضييق على الزوجة والتعمد في الإضرار بها ليس من أخلاق الإسلام.
وشدد على أهمية الرضا بقضاء الله في الرزق، مفسراً قوله تعالى: "وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ"، بأن الرزق يتفاوت بين الناس، فمن وُسّع عليه في رزقه فعليه أن يُنفق بسعة، ومن ضُيّق عليه فعليه أن يُنفق حسب طاقته، وهذا جزء من التوازن الذي يدعو إليه الإسلام في شتى مناحي الحياة.
الإعجاز الإلهي للحروف المقطعة في أوائل السور القرآنيةوكان الشيخ خالد الجندي، أكد أن الحروف المقطعة في أوائل السور القرآنية تعد من أسرار الإعجاز الإلهي، وهي دليل على أن القرآن الكريم ليس من تأليف بشر، وإنما هو وحيٌ منزلٌ من عند الله.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال تصريحات تلفزيونية، أن هذه الحروف، مثل "ألم"، "كهيعص"، "حم"، "عسق" وغيرها، جاءت لأسباب متعددة، أبرزها إثبات عربية القرآن الكريم في مواجهة ادعاءات الجاهلية بأنه أعجمي، إضافةً إلى أنها تحدٍ للعقول، حيث دعا الله سبحانه وتعالى المشركين إلى الإتيان بمثل القرآن مستخدمين نفس الأحرف العربية التي يتحدثون بها، لكنهم عجزوا عن ذلك.
وأشار إلى أن العلماء اختلفوا في تفسير معاني هذه الحروف، فمنهم من رأى أنها لإثبات صدق الوحي، ومنهم من قال إنها اختبار لامتثال المؤمنين لأوامر الله دون الحاجة لفهم كل شيء بعقولهم، مثلما يلتزم المسلم بمناسك الحج حتى وإن لم يدرك الحكمة الكاملة وراءها.
وأضاف أن الصحابة والمشركين على حد سواء لم يسألوا النبي ﷺ عن معنى الحروف المقطعة، مما يدل على إدراكهم أن القرآن من عند الله، وأن هذه الحروف ليست من كلام بشر يمكن تفسيره بمنطقهم البشري المحدود.
وشدد على أن تدبر هذه الحروف يقود إلى يقينٍ أعمق بإعجاز القرآن الكريم، داعيًا الشباب إلى التمعن في آيات الله ودراستها لفهم أبعاد الإعجاز اللغوي والعلمي فيها.