قال الدكتور نظير محمد عيَّاد– مفتي الجمهورية، رئيسُ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إننا عندما ننظر إلى الواقع، فإننا نقف على جملةٍ من الأمور التي تتعلَّق بالإنسانية والمسلمين، خاصَّة في ظل وجود حالةٍ من التنازُع والتشرذُم بين المسلم وأخيه المسلم، مشيرًا إلى أن فلسفة التشريع الإسلامي تحرص على تحقيق مصدر التآخي بين الناس، وقد قامت على هذا المبدأ الأصيل، فهي تنظر إليه على أنه الركيزة الأولى والمدخل الرئيسي لتحقيق الأُخوَّة الإنسانية والريادة الحضارية التي ننشدها جميعًا.

 

وتابع المفتي خلال مشاركته في ندوة "الفتوى وأثرها في تحقيق الوحدة الإسلامية"، التي استضافها جناح مجلس حكماء المسلمين بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الأحد، وتحدث فيها فضيلة مفتي الجمهورية إلى جانب الأستاذ الدكتور سمير بودينار - مدير مركز الحكماء لبحوث السلام-: أن فلسفة التشريع الإسلامي تقوم على حرص الإسلام على تحقيق مصدر التآلف والتآخي والتوحُّد بين الإنسان وأخيه الإنسان، وكذلك بين المسلم وأخيه المسلم بشكل خاص، ذلك لأن فلسفة الإسلام تنطلق من قولِ الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، مشيرًا إلى أن هذه الآية تقوم على الوحدة بين المسلم وأخيه المسلم. ولو توقَّفنا عند العنصر الرئيسي، سوف نجد أن المبدأ الأصيل الذي قامت عليه هذه الفلسفة هو التأكيد على الوحدانية المطلقة لله، وهذه الوحدانية هي مقصد كافَّة الأنبياء، ومن ثَم نلحظ هذه الوحدة في مضامين الرسالة الغرَّاء التي حملها الإسلام. ويمكن أن نقف من خلالها على أن فلسفة التشريع الإسلامي تقود لمصلحة البلاد والعباد، فالوحدانيَّة لله تعالى هي مقصد للناس جميعًا. 

وأضاف مفتي الجمهورية أنه: لا يمكن أن نقف أمام هذه الأركان دون أن تأخذ عقلك إلى هذه الوحدة التي حافظ عليها الإسلام؛ فالصلاة على الرغم من مواقيتها المختلفة بين دولة وأخرى، إلا أنها محدَّدة بشروط مُعيَّنة وتفاصيل دقيقة وأركان وأصول تربط الناس من خلال هذه العبادة ومن خلال وحدة القِبلة والمعبود. فالجميع يصطفُّ لرَبٍّ واحدٍ في عبادة واحدة. والأمر ذاته يتأكَّد من خلال شروط الزكاة التي تقوم على وحدة النصاب ووحدة العام أو الحول. كذلك الصيام، إذ يبدأ الناس الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويمتنعون عن شهوتي البطن والفرج. كما تجمع شعيرةُ الحج الناسَ لمعبودٍ واحدٍ وشعائر واحدة وركن واحد؛ ومن ثَم فإن علَّة الشريعة أنها تُقرِّب ولا تُبعِّد. 

كما أوضح المفتي أننا إذا تركنا الفلسفة التي قامت عليها الشريعة الإسلامية في إرساء مبادئ الوحدة بين الناس، وانتقلنا إلى قضية الفتوى لوجدناها تُعزِّز من الإخاء الإنساني بين المسلم والمسلم وبين المسلم وغير المسلم. فالمسلم يبحث عن الوِئام والاتفاق، والمفتي لا يستطيع أن يكشف عن هذه الغاية إلا إذا توفَّرت معه الأدوات والعلوم والمعارف؛ لأنها تدفع لإزالة الإشكال بين النصوص وغيرها من الأمور، لنصل في النهاية إلى تحقيق مبدأ الوحدة والاتحاد. 

في السياق ذاته، أكد المفتي أننا عندما نتوقف أمام الفتوى وما يتعلق بها من أمور، لا بد أن نشير إلى الأمر الأول، وهو كونها مهمَّةً عظيمةً؛ فالله عز وجل هو مَن تولَّى الإفتاء بذاته، ثم نقله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء الراشدين، ثم العلماء. 

وتابع: أما الأمر الثاني، فهو أن هذه المهمة مع عِظَم قدرها إلا أنه لا بد أن ننظر إليها على أنها الحصن الآمن للمجتمع. وهنا ننظر قليلًا إلى علاقة الفتوى بالمقاصد الشرعية، وإذا ما نظرنا إلى علاقة الفتوى بهذه المقاصد أدركنا أن البقاء للبلاد والمحافظة على العباد لا تتأتَّى إلا من خلال الفتوى الرشيدة، ومن ثَم فهي مسؤولية مشتركة بين المفتي والمستفتي. فالمفتي يُدرِك عِظَم المسؤولية؛ فهو المُبلِّغ عن الله، أما المستفتي فلا بد أن يدرك أن المفتي يُبيِّن له الحكم وفقَ ما وقف عليه من أسئلة، ومن ثم فلا بد أن يترفَّع عن الأهواء؛ ولهذا نجد أن المفتي لا يتوافر فيه مجرد العلم فحسب، بل يجب أن يتوافر فيه العلم والهِبة الفِطريَّة والذكاء الفِطري ليقف على صِدق المستفتي من عدمه. 

ومن هنا، أُحيِّي التجربةَ التي وقفَتْ عليها المؤسسات الدينية في حرصها على الالتزام بالفتوى وآدابها ومراعاة ما يتعلق بالمفتي والمستفتي حتى يتم إنزال الحكم الشرعي في موضعه. 
وأشار فضيلته إلى قضية الفتوى والعلاقة بين المفتي والمستفتي، وكيف أن السؤال المعروض والإجابة عليه يُسهمان في خلق الأمن المجتمعي. وكيف أن جنوح المفتي أو المستفتي إلى الباطل لِهوًى أو منفعةٍ أو شهوةٍ يؤدِّي إلى إنزال الحكم على غير مُرادِه، مما ينتج عنه نظرة جائرة للشريعة ساعد عليها إما جرأة مُفتٍ أو تدليسُ مُستفتٍ. قائلًا: إذا كنا نتحدث عن أمنٍ مجتمعي، فلا بد أن يُراعَى في الفتوى أمانة السائل وسَعَة أفق المفتي، حتى يكون الحكم في موضعه والرأيُ في محله المعهود. 

كذلك تحدَّث عن أهمية تعزيز الأُخوَّة الإسلامية، موضحًا أن دار الإفتاء تنطلق في تحقيق هذا الأمر من خلال عدة أمور: 
الأول هو انطلاقها من المصدر الأول للتشريع الإسلامي، وهو القرآن الكريم الذي يضع قواعد كليَّة تُسهم في إيجاد حلول لكثير من القضايا.
أما الأمر الثاني فيتعلق بنظرة دار الإفتاء إلى السنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع، حيث ننظر إليها باعتبارها المُذكِّرة التفسيرية لما جاء في القرآن. مؤكدًا أنه من خلال القرآن الكريم وسُنة النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يصل الإنسان إلى أمنٍ مجتمعي وفكري يتحقق من خلال القراءة المتأنِّية للنصوص الدينية. 
وأشار إلى قضية التطرف والغلو، موضحًا أن نصوص القرآن تربط بين هذين الجانبين بنطاقٍ مُحكَم من خلال تضييق النطاق على قضية التكفير والغلو. 

في السياق ذاته، أشار المفتي إلى الأمر الثالث الذي تُعنَى به دار الإفتاء، وهو تَبنِّيها للتعدديَّة الثقافية والفكرية. موضحًا أن دار الإفتاء تحرص على عرض جميع الآراء المتعددة والمذاهب الفقهية المختلفة، وجميعها يتقارب في شِقها الأعظم. كما أكد أن دار الإفتاء تعمل أيضًا على نبذ الغلو والتطرف، وقد قطعت أشواطًا في العمل على تصحيح المفاهيم، وأصدرت جملةً من الإصدارات العلمية التي تُعنَى بذلك. 

كما ترى الدار أن المفتي لا بد أن يكون مُلمًّا بمسألة الأمن الفكري، ومن ثَم يتم تدريبه على جملة من العلوم الاجتماعية والفقهية والإنسانية، مما يُعِينه على اختيار الفتوى المناسبة في الوقت المناسب. 

من جانبه قال الدكتور سمير بو دينار - مدير مركز الحكماء لبحوث السلام: قال إن الوضع الراهن يؤثر في تغيير أولويات الفتوى، موضحًا أن الفتوى من صميم دور العلماء وأنهم ورثة الأنبياء. وتابع: عندما نرى تاريخ المسلمين نجد أن الفتوى صورة واضحة لحال الأمة. ومتى أدَّت الفتوى دورَها أدت إلى الوحدة والإخاء. وذكر أن ما يحول دون أداء الفتوى لدورها هو عدم تصدي المختصين لها، أو عدم طلب الفتوى من أهل الاختصاص. فالفتوى لها دور أساسي، ومن خلال علمائها يمكن أن نحفظ الأمن الفكري للأمة بأسرها. 

وفي الختام تطرَّق إلى دور المؤسسات البحثيَّة في تحقيق الأُخوَّة الإنسانية، مشيرًا إلى الدور التكاملي بين المعرفة الشرعيَّة والاجتماعية والإنسانية لإدراك الواقع. وكذلك قضية التمكُّن والرسوخ والخبرة العلمية التي تعدُّ معيارًا لمن يتصدَّى لإفتاء الناس، وأن مراكز الأبحاث لها دور كبير في تأهيل هذه الأجيال من المتصدِّين للإفتاء.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الإسلام التشريع الإسلامي مفتي الجمهورية حكماء المسلمين الفتوى المزيد التشریع الإسلامی دار الإفتاء بین المسلم موضح ا أن لا بد أن من خلال ومن ث م بد أن ی التی ت

إقرأ أيضاً:

تتويج بنك نزوى بجائزة "البنك الإسلامي الأكثر ابتكارا"

 

 

مسقط- الرؤية

تُوّج بنك نزوى بجائزة "البنك الإسلامي الأكثر ابتكاراً" في جوائز التمويل الدولية لعام 2024، ليحقق هذا التميز للعام الثالث على التوالي، إذ تبرز هذه الجائزة التزام البنك بتقديم حلول مصرفية مبتكرة وشاملة، تلبي احتياجات عملائه وتتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

وتحتفل جوائز التمويل الدولية بالتفوق والإنجازات البارزة للمؤسسات المالية في مناطق الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وأفريقيا، مع تسليط الضوء على التميز في القيادة والكفاءة والمكانة في الصناعة، حيث أقيم الحفل بحضور عدد من كبار المسؤولين التنفيذيين،  والشخصيات البارزة في القطاع المالي، وتسلم الجائزة نيابة عن البنك خالد الكايد الرئيس التنفيذي لبنك نزوى، ومحمد الهاشمي مساعد مدير عام الحوكمة والامتثال ببنك نزوى.

وقال خالد الكايد: "إن الحصول على جائزة البنك الإسلامي الأكثر ابتكاراً في هذه المناسبة البارزة يعد مصدر فخر لنا، حيث نعتبر هذه الجائزة شهادة على التزامنا العميق بالابتكار في تطوير الخدمات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، والتي تواكب تطلعات عملائنا، ومن خلال الابتكار المستمر، نعمل على تقديم حلول مالية مبتكرة تحسن من تفاعلنا مع عملائنا، مع الحفاظ على القيم الإسلامية التي نبني عليها أعمالنا".

وتأتي هذه الجائزة نظير جهود بنك نزوى المستمرة في أن يكون في طليعة المصارف المحلية التي تتبنى مفهوم الابتكار والتحول الرقمي في القطاع المصرفي، كما يعكس التكريم تفاني البنك في تقديم منتجات وخدمات مبتكرة ومتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، حيث حول البنك تركيزه إلى مساعدة عملائه من خلال إطلاق حلول مالية رقمية جديدة من خلال توظيف أحدث التقنيات في القطاع المصرفي.

وساعد تركيز بنك نزوى على الابتكار الرقمي في تطوير منصاته المصرفية، بما في ذلك التطبيق الهاتفي المتطور الذي يتيح للعملاء إجراء مجموعة واسعة من المعاملات بكل سهولة ويسر، كما أن التطبيق يقدم ميزة الانضمام الرقمي التي تتيح للعملاء فتح حساباتهم بشكل سريع وآمن، وإلى جانب ذلك الفرع الرقمي في عُمان مول والذي يهدف لتوفير خدمات مبتكرة وتقديم تجربة مصرفية استثنائية لعملاء البنك.

ويلتزم بنك نزوى بتوفير حلول متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية تتناسب مع مجموعة واسعة من شرائح العملاء، حيث يقدم مجموعة شاملة من المنتجات المبتكرة التي تفي باحتياجات شرائح المتجمع كافة. علاوة على ذلك، يتصدر البنك في تعزيز الفرص الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة، مما يتيح للمستثمرين الاشتراك في الاكتتابات العامة من خلال تطبيق البنك وعبر شبكة فروعه.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: الفتوى تُعزز من الإخاء الإنساني بين المسلمين وغيرهم
  • المفتي: فلسفة التشريع الإسلامي تحرص على تحقيق الريادة الحضارية والتآخي بين الناس
  • "العز الإسلامي" يعزز جهود تمكين الشباب عبر الرياضة بالتعاون مع جامعة السلطان قابوس
  • الأهداف الجديدة للصعود الإسلامي
  • مذيع بالتناصح: المفتي لا يحتاج لمترجم والسفير الإنجليزي هو من طلب الالتقاء بفضيلته
  • الجهاد الإسلامي: جبهة اليمن أخذت الدور البارز والمؤثر في دعم غزة
  • تتويج بنك نزوى بجائزة "البنك الإسلامي الأكثر ابتكارا"
  • مصدر في الجهاد الإسلامي يوضح مصير الرهينة التي تصر إسرائيل على إطلاق سراحها
  • «أمين الفتوى» عن حكم مراقبة الزوجين لبعضهما عبر الكاميرات: لن تمنع الخطأ من كليهما «فيديو»