قبل ثلاثة أسابيع من وفاته بعث إلى الأخ الراحل المقيم الباقر العفيف مختار رسالةً وضع لها عنوانًا باللغة الإنجليزية هو كلمةConfidential) )، فقمت بطباعتها واحتفظت بها، ولم أخبر بها أحدًا. والتكتُّم عليها هو ما قصده الأخ الباقر بجعلها سرًا بيني وبينه. فالأعمار بيد الله، وليس كل مرضٍ مهما كانت خطورته هو، بالضرورة قاتلٌ للمريض.
النور حمد
‐‐---------------------------
وصيتي في حالة أن سبق القدر والتحقت بالرفيق الأعلى
الدفن:
أن أدفن في المقابر التي تضم الأخت عواطف[1] وبنتها وبقية الأخوان.
النعش:
أن يُلَف نعشي بالعلم السوداني القديم (علم الاستقلال) وألا يلف بالعلم الحالي.
والأسباب الداعية لذلك هي: أولا، العلم الحالي يعكس الهوية الثقافية للطبقة الحاكمة وحدها، ولا يعكس بقية الهويات الثقافية للشعوب السودانية الأخرى. فجميع شعوب الدنيا التي تحظى بالتنوع والتعدد الثقافي لها هويات وطنية تضم داخلها جميع الهويات الثقافية في بلدانها. فالهوية الوطنية يجب أن تكون على الدوام هي الهوية الأعلى والأبرز، تليها الهويات الثقافية للجماعات المختلفة داخل البلد المعني، تليها ما يسمى بالهويات الصغرى، مثل الانتماء للإقليم، مثل أن يُقال دارفوري، كردفاني، أدًرُوبي، أو الانتماء للمدن، للفرق الرياضية، إلخ.
ثانيا، عًلًم الاستقلال:
يمثل هوية السوادنيين جميعهم، لأنه مُؤسَّسٌ على جغرافيا السودان وهي البيئة التي يعيش فيها السودانيون بمختلف ثقافاتهم دون تمييز، فالبيئة لا تميِّز بين البشر. لذلك دعوت، بعد الثورة، للعودة لعلم الاستقلال بعد إضافة ثلاث نجماتٍ تشير للثورات الثلاث التي صنعها السودانيين جميعهم وبذلك نكون أضفنا للبعد الجغرافي للعلم، البعد البشري من خلال أعظم الإنجازات الوطنية التي حققها السودانيون جميعهم. فإن حدث هذا نكون عكسنا هوية السودانيين الوطنية بشكل لا يقصي أحدا. والعلم هو عنوان البلد والمدخل للتعرُّف عليه، فإن أقصى العلم بعض سكان البلاد من رمزيته، فإنه يرسل إشارةً مبكرةً لنية الإقصاء السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يمزق بلدنا الآن.
الفراش:
يتولى أمر فراشي، مع أسرتي، إخواني وأخواتي الجمهوريون والجمهوريات، من البداية للنهاية. أتمنى أن يكون فراشي معمورا بالذكر والفكر والندوات التي تناقش الأمور العامة، وأن يكون خاليًا من الثرثرة والضحك ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
وصيتي لأهلي وأحبائي، وخصوصًا زوجتي وأطفالي وشقيقاتي الحبيبات، وصديقاتي اللآئي أعتبرهن ويعتبرنني الشقيق الذي لم تلده أمهاتنا، ألا يجزعن، وألا يكثرن من الحزن على فراقي، فرغم آلام الفراق التي تعتصرنا جميعًا، ورغم مرارة الفقد الذي ما زالت تُمَسِّخ حياة أسرتي جرّاء فقد والدتنا آمنة محمد أبو شارب، وشقيقتنا عرفة العفيف، في ظرف ستة أشهرٍ فقط، من قبل سنتين. ثم، رحيل شقيقنا الأصغر جمال العفيف في اليوم الأول من يوليو هذا العام، فعليهن اللجوء إلى الله فليس عندهن غير اللجوء إلى وشحذ قواهم الذاتية والمران على التصبُّر والثبات. إن من يستعن بالله على الصبر والثبات، يتفضل الله عليه بذلك. وليعلمن بأنني ذاهبٌ إلى مكانٍ أفضل وأرحب من هذا المكان، وزمانٍ أفضل وأرحب من هذا الزمان. وسأكون فيه سعيدا. إنني أحثُّهن أن يكثرن من الدعاء لي، فإن في ذلك أيضًا سعادتي.
نعم، كنت أتمنى أن أعيش طويلاً لأستمتع بصحبتكم وصحبة جميع من أحببت، وصحبة جميع من أحبوني. وأن أواصل مع رفاقي الثوار والثائرات "ماراثون" نضالنا المقدس، حتى نرى السودان وهو يضع أقدامه على الطريق الصحيح الصاعد في مراقي تحقيق شعارات ثورة ديسمبر العظيمة. أما على الصعيد الخاص، فقد كنت أريد إنجاز بعض الأعمال التي بدأتها ولم تنته بعد، وبعض المشروعات المهمة التي وضعت خططًا لها، ولكن إرادة المولى سبقت وليس لدينا غير محاولة الرضا بإرادة الله. وإني أبذل ما في وسعي لكي ما أحقق قدرًا من الرضا بإرادة الله. قال الأستاذ محمود محمد طه: "وفي الحق أن النفس لا ترضى عن الله تمام الرضى وهي تلقى من الله ما تكره". وقال في موضع آخر: "فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ". فهو يأمره بالصبر على الإرادة الإلهية حين تجري بما لا يريد، ويهديه إلى الحمد، ويرشده إلى الاستعانة على الصبر والحمد بالصلاة، ويمنيه الرضا، )لعلك ترضى(، برضا الله عنك، ومن رضي الله عنه غمره بالألطاف، وأغدق عليه الفيوضات، وجعله مستغرَقًا في لحظته التي هو فيها، غير مشتغلٍ بالمستقبل بالتمني، ولا بالماضي بالأسف.. ومن كان كذلك فهو الحر، المطلق الحرية ". فما أعظمها من محفِّزاتٍ معينةٍ؛ ذلك، أن تشعر أن الأستاذ محمود يصطحبك في كل خطوةٍ تخطوها.
إنني أحبكم حبًا كبيرًا وأعلم مقدار حبِّكم لي وتعظيمِكم أدواري التي أقوم بها، ومساهماتي وإنجازاتي التي وفقني الله فيها، وأعلم الفراغ الذي سوف أخلفه ورائي، وكذلك الفراغ الذي تشعرون به أنتم وأنتن. وإني أبتهل إلى الله أن يمنحكم القوة على تحمل آلام الفراق الممضة. كما أرجوه أن يجعل رحيلي آخر أحزان أسرتي وأحبائي.
لا أقول وداعًا، ولكني أقول إلى اللقاء، فسوف نلتقي جميعًا يومًا ما في ذلك العالم الأسنى.
[1] عواطف المشار إليها هنا هي القيادية الجمهورية، عواطف عبد القادر، زوجة الدكتور عمر القراي. وابنتها هي وجود عمر القراي وقد توفيت كلتاهما في حادث سير مؤلم في منطقة برنسيس آن في ولاية ميريلاند عام 2023 وقد جرى دفنهما في مقبرة جديدة للمسلمين لا يصل عدد مقابرها إلى العشرة، وتضم مسلمين آخرين غير سودانيين. وقد ضمت هذه المقبرة قبل عواطف وابنتها رفاة الأخ الجمهوري سيف محمد الفكي، الذي توفي هو الآخر في حادث سير.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الباقر العفیف
إقرأ أيضاً:
توفي فجأة على المسرح: وصية الفنان التركي فولكان كوناك تثير جدلاً واسعاً في تركيا
توفي الفنان الشهير فولكان كوناك، الذي سقط فجأة أثناء أدائه على المسرح في جمهورية قبرص التركية ، بعد نقله إلى المستشفى. الحادث وقع في اليوم الأول من عيد الفطر، بينما كان كوناك، البالغ من العمر 58 عامًا، يؤدي حفلاً موسيقيًا في مدينة غازي ماغووسا.
خلال الحفل، شعر كوناك بتوعك مفاجئ وسقط على الأرض، حيث تم إجراء الإسعافات الأولية له على الفور. إلا أن حالته الصحية تدهورت وتم نقله إلى مستشفى غازي ماغوسا الحكومي، حيث تم بذل كافة الجهود الطبية لإنقاذ حياته. ورغم المحاولات، أعلن عن وفاته بعد ساعات قليلة، مما أثار حالة من الحزن في الوسط الفني وبين محبيه.
نقل الجثمان إلى تركيا بعد التشريح
اقرأ أيضاتركيا.. حادث مروع في يوم العيد يودي بحياة عائلة بالكامل
الإثنين 31 مارس 2025تم نقل جثمان الراحل من مستشفى غازي ماغوسا إلى مستشفى د. بورهان نالبانتوغلو في العاصمة نيقوسيا، حيث سيتم إجراء عملية التشريح لتحديد أسباب الوفاة. ومن المتوقع أن يُنقل الجثمان إلى تركيا بعد الانتهاء من الإجراءات الرسمية. كما تتابع القنصلية التركية في غازي ماغوسا جميع التفاصيل المتعلقة بالحادثة.