كردستان العراق.. القصف التركي يُهجر قرى كاملة وكنائس تخرج عن الخدمة
تاريخ النشر: 24th, January 2025 GMT
بغداد اليوم- متابعة
ما إن تعبر مدينة العمادية في محافظة دهوك بكردستان العراق، فإن الخروج عن الشارع الرئيس يصبح بمثابة التوجه نحو المجهول، قد تنفجر بك عبوة ناسفة تم زرعها على مقربة من الشارع أو تقصفك طائرة مسيرة، بهذه الكلمات وصف عبدالله سليم الطريق إلى قريتهم (مزي) القريبة من ناحية ديرالوك في قضاء العمادية (470 كلم شمال بغداد).
وذكر عبدالله أن معظم أهالي قريتهم قد رحلوا عنها بعدما اشتد القصف التركي خلال عام 2024، ولم يبق فيها أحد، قائلا "البيوت كلها مهجورة، المزارع والبساتين متروكة، غادرناها بعدما تهدمت المدرسة وأجزاء من الجامع وطالت الحرائق بعض البيوت."
وقال عبدالله إن القوات التركية نصبت قواعد عسكرية لها على المرتفعات القريبة من قريتهم، وكثيرا ما تنشب معارك بينهم وبين مسلحي حزب العمال الكردستاني الذين يهاجمون تلك القواعد العسكرية التركية، وكثيرا ما يؤدي هذا الأمر إلى تدخل الطائرات المروحية والمسيرات وقد تشارك المدفعية الثقيلة أيضا بضرب المناطق القريبة.
"الكثير من الصواريخ سقطت في قريتنا وألحقت أضرارا جسيمة بممتلكات أهالي القرية خلال الفترة الماضية" بحسب قول عبدالله الذي أضاف "أدى القصف المستمر إلى ترحيل الناس من القرية في النهاية".
وكان عبدالله قد نزح مع عائلته إلى مجمع ديرالوك، القريب من قريتهم على أمل العودة إلى قريته ورعاية حقوله وماشيته وبساتينه، في أحد الأيام، لكن مرت 4 سنوات، والحالة قد ازدادت سوءا، لا سيما بعد حرق حقولهم، بحسب عبدالله الذي ذكر أن "الأمل في العودة بات ضعيفا".
وتتكون عائلة عبدالله من خمسة أفراد هو وزوجته وأطفاله، وكان في السابق يذهب إلى الحقل ويمتهن الفلاحة، وهو الآن يخرج يوميا إلى البراري القريبة يجمع أنواعا من الأعشاب ويبيعها، وهي أيضا مهنة خطرة لأن " الكثير قد قتلوا بسبب اقترابهم من القواعد العسكرية التركية" لذلك فإن حالته الاقتصادية غير جيدة لأنه لا يحسن مهنة أخرى غير الزراعة.
ويقول أحمد سعدالله مختار قرية (كوهرزي) الواقعة على سفح جبل متين المطل على قضاء العمادية، أن قريتهم التي تضم الآن 170 بيتا، يعيش فيها حوالي ألف نسمة، وهي تتعرض بشكل "شبه يومي" إلى القصف التركي سواء عن طريق المسيرات أو عن طريق المدفعية والطائرات الحربية.
سعدالله أكد أن قريتهم المحاذية للشارع الرئيسي، لا تضم أي عنصر من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، لكنها دائما تتعرض للقصف، والناس قد "ألفوا سماع دوي الانفجارات بالقرب من القرية".
وذكر مختار كوهرزي أن أغلب أهالي القرية منتمون لقوات البيشمركة، لكنهم يعتمدون على الزراعة كمورد أساسي لهم، فهم يعملون في مزارعهم بالأصل، لكن الزراعة أصبحت "محرمة" عليهم لأنهم يخشون الذهاب إلى حقولهم، والكثير منها قد احترقت نتيجة القصف المستمر.
وكان محافظ دهوك علي تتر قد أوضح في مؤتمر صحفي سابق، أن أكثر من 250 قرية حدودية في حدود محافظة دهوك قد "هجرت وأفرغت من سكانها" بسبب المعارك الدائرة بين القوات التركية ومسلحي العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
ودعا تتر كلا من القوات التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) إلى الابتعاد عن أراضي إقليم كردستان، وتصفية حساباتهم في مناطق نفوذهم داخل الأراضي التركية.
وبدأت تركيا بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية وفق اتفاقيات قديمة تعود لسنة 1983 واستمرت تلك الاتفاقيات مع توالي الحكومات العراقية، وتتيح لتركيا ملاحقة عناصر مسلحي العمال الكردستاني لمسافة 35 كيلومتر في عمق الأراضي العراقية، آخرها الاتفاقية الأمنية التي وقعت بين الطرفين في أغسطس 2024.
وتطورت تلك التوغلات في العقود الأخيرة، حيث قامت القوات التركية بنصب قواعد عسكرية ثابتة داخل الأراضي العراقية، ونصبت قاعدتها العسكرية الأولى عام1997، بعد سلسلة من العمليات العسكرية الواسعة التي شنتها لملاحقة أنصار حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية خلال عامي 1993 و 1994 وشارك فيها نحو 30 ألف مقاتل من ضمنهم عناصر من الحزب الديمقراطي الكردستاني.
قرى مسيحية هجرت
المنطقة الحدودية تضم العشرات من القرى المسيحية أيضا بحسب مدير مركز عشار الثقافي في زاخو، أمين شمعون، الذي ذكر لموقع "الحرة" أن معظم القرى المسيحية قد أفرغت من سكانها ومن ضمنها قرية "شرانش السياحية التي كانت تضم 20 عائلة مسيحية" مشيرا إلى أن عددا من الكنائس المسيحية أُخرجت عن الخدمة، بسبب دخول القوات التركية إلى تلك المناطق.
شمعون ذكر أن قرية (دشتة تاخ) المسيحية الحدودية مع عدد من القرى المسيحية الموجودة في ناحية (كاني ماسي) قد هجرها سكانها منذ سنوات "بسبب دخول القوات التركية إلى تلك المناطق" وألحق القصف والتهجير أضرارا جسيمة بمواشي ومزارع وممتلكات الموطنين، الأمر الذي حتم عليهم "الرحيل والتوجه إلى مجمع بيرسفي ومدينة زاخو ويعانون من البطالة".
ولفت شمعون إلى أن الكثير من الأشجار القديمة والمثمرة قد تعرضت "للحرق والقطع" من قبل القوات التركية، وكان عمر بعض تلك الأشجار قد "تجاوز المئة عام" بحسب قوله.
من جهته أشار العضو السابق في مجلس النواب يونادم كنا، أن عدد القرى المسيحية التي تضررت خلال العقود الأخيرة جراء القصف التركي قد وصلت إلى نحو 100 قرية في المناطق الحدودية.
وانتقد كنا موقف الحكومة العراقية "السلبي" بحسب تعبيره، تجاه ما تتعرض له هذه المناطق من انتهاكات صارخة ضد المدنيين والمواطنين العراقيين قائلا "الحكومة اكتفت بإصدار بيانات تنديد وإدانة فقط" في حين تركيا كثفت من عملياتها وزادت من قواعدها العسكرية داخل الأراضي العراقية.
إحصائيات وأرقام
يقول كاميران عثمان عضو منظمة (CPT) الأمريكية التي تعمل في مجال تقليل العنف وتعزيز حقوق الإنسان، إن الاجتياح التركي لمدن إقليم كردستان يصحبه إنشاء قواعد عسكرية "ثابته" تبنى من "الكونكريت المسلح" وتضم في داخلها أنواع مختلفة من الأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات.
وذكر أن عدد القواعد العسكرية التركية قد وصل خلال آخر إحصائية لديهم إلى 75 قاعدة، تم أنشاء أول قاعدة لها قبل 30 سنة في ناحية (كاني ماسي) باسم قاعدة (كري باروخ) وتضم حوالي 1000 جندي تركي.
وأدت هذه العمليات إلى تفريغ القرى الكردية الموجودة على الشريط الحدودي، بدأت بقرية تشتةتاخ الحدودية ثم القرى التابعة لنواحي دركار وباطوفة في إدارة زاخو وقرى ناحية كاني ماسي وصولا إلى ناحية ديرالوك وشيلادزي التابعة لقضاء العمادية في أقصى شمال العراق.
وبلغ عدد القرى التي هجرت من سكانها 170 قرية خلال السنوات الماضية، بحسب عثمان الذي أوضح أن عام 2024 شهد تفريغ 10 قرى من سكانها في محيط محافظة دهوك.
وأدت العمليات العسكرية التي تشهدها المنطقة إلى سقوط 714 من الضحايا المدنيين ما بين قتيل وجريح، وتجاوز عدد القتلى منه 350 شخصا، بحسب عثمان الذي أكد أن تركيا لا تستهدف فقط أنصار حزب العمال الكردستاني وإنما تستهدف المدنيين أيضا.
ولفت عثمان إلى أن تركيا لديها توجهات توسعية لتنفيذ عملية عسكرية جديدة خلال الفترة المقبلة تسمى عملية (ساندويج)، موضحا أنها ستجري في سلسلة جبل كاره الموازي لجبل متين، ويضم العشرات من القرى الكردية.
وتأتي هذه العملية بعد عمليتين عسكرتين كبيرتين أطلقتهما تركيا في السنوات الأخيرة، الأولى انطلقت في 2020 باسم (مخلب النسر) والثانية انطلقت في 2022 لتسيطر على مساحات 7000 كلم داخل الأراض العراقية، لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني في المتمركزين الكهوف والوديان الموجودة في جبال إقليم كردستان.
طموحات تركية
ويرى المحلل السياسي أثير الشرع أن الاجتياح التركي يعكس الطموحات التي تسعى تركيا لتحقيقها في المنطقة، ومن ضمنها العراق لا سيما بعد مرور 100 عام على اتفاقية لوزان، مبينا أن هذه "الأطماع" تنحصر في إعادة مجد الإمبراطورية العثمانية وأراضيها المسلوبة منها.
وحول موقف السلطات العراقية إزاء هذا الملف فإن الشرع أوضح أن الحكومة العراقية ملزمة ببعض الاتفاقيات الدولية التي أبرمت خلال فترة النظام السابق مع تركيا، فضلا عن أن وجود مسلحي حزب العمال الكردستاني، المصنف على قائمة الإرهاب العالمي، في المنطقة يمنح تركيا ذريعة للاستمرار بالتدخل والتوغل على حساب الأراضي العراقية وأمن المنطقة بحسب قوله.
ويرى الشرع أن تركيا كانت ضمن التحالف الدولي ولعبت دورا كبيرا في سقوط النظام السوري، وهناك الكثير من السيناريوهات المتداولة التي تتحدث عن "شرق أوسط جديد" قد يكون لتركيا دور كبير فيه. وهذا ما قد يضعف من موقف الحكومة العراقية.
ويرى مختصون أن الاجتياح التركي لمناطق إقليم كردستان، شمالي العراق غير قانوني، ووجود (PKK) داخل الأراضي العراقية غير قانوني أيضا، لكنه لا يعطي مبرراً لتركيا بتوغل قواتها للعمق العراقي، لأن الاتفاقيات التي أبرمت في السابق كانت حول الملاحقة وليس الاجتياح والتوغل.
المصدر: موقع الحرة
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: حزب العمال الکردستانی داخل الأراضی العراقیة القوات الترکیة القرى المسیحیة إقلیم کردستان القصف الترکی الکثیر من من سکانها
إقرأ أيضاً:
كردستان: اتفاق بغداد وبي.بي حول كركوك يجب أن يشمل الإقليم
قال مسرور بارزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، لوكالة رويترز إن المفاوضات بين بغداد وشركة بي.بي بشأن اتفاق كبير لإعادة تطوير حقول نفط في كركوك يجب أن تشمل إقليم كردستان شبه المستقل.
ويشير ذلك إلى نزاع محتمل مع الحكومة العراقية المركزية، بحسب ما ذكرته رويترز.
وتشكل السيطرة على حقول النفط والغاز مصدر توتر منذ فترة طويلة بين بغداد والأكراد، ومنطقة كركوك الغنية بالموارد الهيدروكربونية في محور هذا الخلاف.
وفقد الأكراد السيطرة على المنطقة لصالح الحكومة المركزية في 2017 بعد أن سيطروا عليها لفترة وجيزة في 2014.
وقال بارزاني لرويترز في مقابلة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا "المنطقة التي تتحدث عنها بغداد مع بي.بي هي منطقة متنازع عليها. ووفقا للدستور فالمناطق المتنازع عليها لا يمكن اتخاذ قرار بشأنها من أربيل وحدها أو بغداد وحدها".
وأضاف "لسنا ضد تطوير (الحقول) عموما لكن نختلف مع الآلية"، مضيفا أن الأمر يتطلب اجتماعا ثلاثيا للتنسيق.
وقال مصدر مطلع إن الأكراد يمكنهم إشراك أنفسهم في المفاوضات عبر الاجتماع مع مسؤولي بي.بي بشكل منفصل عن حكومة العراق. ومن المرجح أن يستغل الأكراد علاقاتهم مع الحكومة الأميركية لدفع حكومة العراق وبي.بي إلى إشراكهم، وفقا لرويترز.
ومن المنتظر أن يوقع العراق وبي.بي اتفاقية بمليارات الدولارات تتعلق بأربعة حقول نفط في كركوك بحلول الأسبوع الأول من فبراير.
وقال بارزاني "عمليا، لا أرى أن لدينا القدرة على إيقاف (الصفقة)"، لكنه وصفها بأنها "غير دستورية".
ولم ترد شركة بي.بي ولا وزارة النفط العراقية بعد على طلبات للتعليق.
وقال وزير النفط العراقي حيان عبد الغني لوكالة رويترز الأسبوع الماضي إن حجم الاتفاقية سيتجاوز صفقة توتال إنرجيز بالبصرة في 2023 والتي قُدرت قيمتها بنحو 27 مليار دولار.
ووقعت بغداد وبي.بي بالفعل اتفاقية أولية لتقييم إعادة التطوير المحتملة لحقول النفط في كركوك.
كانت بي.بي ضمن تحالف شركات لاستكشاف النفط في كركوك في عشرينيات القرن الماضي وقدر أن المنطقة تحتوي على ما يعادل نحو تسعة مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج.
وتملك بي.بي حصة 50 بالمئة في مشروع مشترك يتولى تشغيل حقل الرميلة النفطي العملاق في جنوب العراق، حيث تعمل منذ ما يقرب من مئة عام.
لا تقدم بشأن تدفقات النفط من إقليم كردستان
يأتي الخلاف بشأن صفقة بي.بي إضافة إلى نزاعات عديدة بين أربيل وبغداد، ولا سيما الخلاف الذي أدى إلى توقف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق شبه المستقل منذ عام 2023.
وأوقفت تركيا تدفقات النفط عبر خط الأنابيب الذي تسيطر عليه حكومة إقليم كردستان في مارس 2023 بعد أن أمرتها غرفة التجارة الدولية بدفع تعويضات للعراق قدرها 1.5 مليار دولار نظير ما لحق به أضرار نتيجة تصدير حكومة إقليم كردستان للنفط بشكل غير مصرح به بين عامي 2014 و2018.
وتعثرت المفاوضات لإعادة تشغيل خط الأنابيب بسبب تضارب المطالب المقدمة من حكومة الإقليم وشركات نفط أجنبية والحكومة العراقية.
وقال بارزاني إن الإقليم خسر أكثر من 20 مليار دولار نتيجة لذلك، وإن الحكومة الاتحادية لم تقدم له أي تعويضات.
وتابع يقول "العراق لم يعوض كردستان عما فقده من أموال، ولم يتم التوصل إلى حل حتى الآن".
وذكر أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أضاف في اللحظة الأخيرة مادة إلى مشروع قانون كان من المفترض أن يتم التصويت عليه في البرلمان هذا الأسبوع جعلته "غير مقبول إطلاقا" بالنسبة للأكراد.
وعن إنتاج العراق أكثر من حصته البالغة نحو أربعة ملايين برميل يوميا المتفق عليها مع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، قال بارزاني إن الحكومة الاتحادية في بغداد "تلوم كردستان لأن لوم الأكراد سهل".
واستطرد يقول "كردستان لا ينتج إلا 280 ألف برميل يوميا، فكيف أنه ينتج أكثر من اللازم؟ ولماذا لا يتم إعلان أن بقية مناطق العراق تنتج أكثر من اللازم؟ هذه خطوات مؤسفة من بغداد لخداع الرأي العام (المحلي) والرأي العام العالمي أيضا".
وأضاف "لم يعد بإمكاننا الصمت على سوء معاملة بغداد لنا ومحاولتها خفض حصتنا في إنتاج النفط وفي الموازنة العامة".