سودانايل:
2025-04-24@16:36:43 GMT

لستُ مدافعًا عن النور حمد… بل عن الحق في الاختلاف

تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT

إبراهيم برسي
22 يناير 2025

إنني هنا لست مدافعًا عن د. النور حمد، فلا تربطني بالرجل علاقة شخصية، ولم ألتقِ به من قبل، ولا يجمعني به أي انتماء حزبي أو عمل سياسي مشترك، سوى التزامنا المشترك بإرادة العبور بالسودان نحو وطن أكثر عدلًا وإنصافًا، وطن يتسع للجميع ويحترم اختلافاتهم.

إن معرفتي بالدكتور لا تتجاوز قراءتي لكتابه “العقل الرعوي”، وهو الكتاب الذي وجدته يقدم قراءة عميقة للمأزق السوداني، صيغت بلغة من يضع إصبعه مباشرةً على موضع الألم، حيث حاول فيه أن يفهم الأزمة السودانية من خلال تحليل مكونات العقل الجمعي السوداني وتأثير البنى الثقافية والاجتماعية على تشكيل سلوكنا السياسي.



بعد قراءتي لذلك الكتاب، تمنيت أن أتعرف على الرجل عن قرب وسعيت للتواصل معه، ليس فقط لفهم عمق أفكاره، ولكن أيضًا لتقدير جهوده في تسليط الضوء على ما خفي من ملامح أزماتنا المتجذرة.

لقد كان جهده في هذا الكتاب محاولة لفهم جذور الأزمات المتكررة في السودان، والتي تتجاوز السطح السياسي لتغوص في العمق الثقافي والاجتماعي، وهو أمر نحتاج إلى استكماله بدلاً من إنكاره.

ومع ذلك، فإن تناول أفكاره ومواقفه الأخيرة بشأن الأزمة السودانية لا يمكن أن يتم بمعزل عن سياق أوسع يتعلق بحرية الفكر والنقد، خاصة في ظل واقع سياسي شديد التعقيد يتطلب منا فهماً أعمق لجذور المشكلة وآليات التعامل معها.

الفكر الحر، مهما بدا مثيرًا للجدل، هو دعامة أساسية لأي مجتمع يسعى للتقدم.
النور حمد، في نهاية المطاف، لا يحمل بندقية، ولا يقود ميليشيا، ولا يفرض رؤاه على الآخرين بالقوة.
الفكر، كما علّمنا التاريخ، لا يُهزم إلا بفكر آخر. وكما قال الفيلسوف جون ستيوارت ميل: “الحقيقة تُولد من صراع الأفكار”.

لذلك، فإن رفض أو قمع فكرة ما بسبب اختلافنا معها لا يؤدي إلا إلى مزيد من الركود الفكري والسياسي.
إن حرية النور حمد في طرح رؤاه هي جزء من هذا الحق في التفكير الحر، الذي يشكّل شرطًا أساسيًا لأي نقاش صحي حول مستقبل السودان.

علاوة على ذلك، لا يمثل النور حمد مؤسسة حكومية، ولا يحمل سلطة تنفيذية تُحوِّل أفكاره إلى واقع مفروض. إنه مفكر حر، يتحرك ضمن الفضاء العام بأدوات الفكر والحوار.

الهجوم عليه، خاصة من قوى مدنية أخرى، يعكس أزمة أعمق في قدرتنا على إدارة الخلاف الفكري.
لماذا نحاكم الأفكار كما لو كانت أدوات قهر؟ ولماذا نضيّق على مساحة الفكر الحر، في وقت نحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى نقاش عميق وجريء حول مستقبلنا؟

إذا أردنا فهم جذور الأزمة السودانية، فإن علينا أن نعود إلى المصدر الحقيقي للمأساة. الجبهة الإسلامية، التي اختطفت الجيش منذ عقود، حوّلت المؤسسة العسكرية من حارس للوطن إلى أداة لخدمة مشروعها السياسي والأيديولوجي.

لقد أفرغت هذه الجبهة الجيش من مضمون المهنية، وأعادته إلى مؤسسة قمعية تُستخدم ضد الشعب بدلًا من حمايته.
هذا التشويه لم يكن مجرد حادث عرضي، بل كان جزءًا من مشروع منهجي يُعيد تشكيل الدولة لخدمة الأجندة الأيديولوجية للجبهة.

ظهور الدعم السريع لاحقًا لم يكن سوى تجسيد لهذا الانحدار. الدعم السريع ليس نتاجًا لفراغ، بل هو امتداد لتفكيك الدولة ومؤسساتها، وهو انعكاس للعقلية التي تدير بها الجبهة الإسلامية صراعها من أجل البقاء.

إن مهاجمة النور حمد أو غيره من المفكرين في هذه اللحظة المفصلية ليست سوى انشغال بالصغائر، في وقت تستفيد فيه الجبهة الإسلامية من انقسام القوى المدنية، كما استفادت من قبل من تفتيت الحركة الوطنية منذ الاستقلال.

إن الأزمة السودانية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج لتراكمات تاريخية طويلة.
منذ الاستقلال، افتقرت الدولة السودانية إلى رؤية وطنية جامعة، ما جعل مؤسساتها عرضة للاستلاب من قبل النخب العسكرية والسياسية.

الجبهة الإسلامية ليست سوى الوجه الأكثر وضوحًا لهذا الاستلاب، وهي التي كرّست العقلية الاستعلائية التي أدت إلى الانقسامات الحادة بين مكونات الشعب.
هذه العقلية خلقت فجوة بين الدولة ومواطنيها، وجعلت الجيش أداة بيد السلطة السياسية، بدلًا من أن يكون حارسًا للديمقراطية.

في نهاية المطاف، إذا أردنا الحديث عن “المتاهة”، فإن الذي يعيش في متاهته الحقيقية ليس النور حمد، بل جنرالات الحرب الذين قادوا البلاد إلى هذا الخراب، يقتتلون فوق ركام وطن منهك، دون رؤية أو بوصلة أخلاقية.

إن متاهة النور حمد - إن وُجدت - هي متاهة الفكر الباحث عن مخرج، بينما متاهة هؤلاء تشبه متاهة “غابرييل غارسيا ماركيز” في روايته “خريف البطريرك”: متاهة الطغاة، حيث السلطة عارية من الإنسانية، والصراعات تدور بلا نهاية، كدوامة تبتلع البلاد والعباد.

هذه ليست متاهة الفكر الحر، بل متاهة الغرور السياسي والجشع العسكري، التي لن تنتهي إلا بإعادة تعريف معنى الوطن والسلطة والمسؤولية.

السودان اليوم بحاجة إلى مشروع فكري وطني جديد، يعترف بجذور الأزمة ويضع حلولًا شاملة تعيد بناء الدولة على أسس سليمة.

هذا المشروع لن يُبنى إلا إذا تجاوزنا منطق الإقصاء، وأعدنا إحياء ثقافة الحوار.
الفكر، كما قال سقراط: “هو محاكمة الذات أمام الذات”.

نحن بحاجة إلى وقفة صادقة مع الذات قبل أن نوجه أصابع الاتهام للآخرين.
المشكلة ليست في النور حمد أو أفكاره، بل في أن بلدًا بأكمله قد أُنهك بفعل عقود من القمع والاستغلال.

إذا لم نتعامل مع الجذور الحقيقية للأزمة، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة من الصراعات التي لا طائل منها.

في النهاية، علينا أن ندرك أن الأفكار لا تُهزم بالسلاح أو الإقصاء، بل تُواجه بفكر أفضل وأكثر عمقًا وإقناعًا.

zoolsaay@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأزمة السودانیة الجبهة الإسلامیة النور حمد

إقرأ أيضاً:

الفكر والفلسفة في الصدارة.. معرض الكتاب بالرباط يواصل فعالياته

تتواصل لليوم الرابع على التوالي الدورة الـ30 لمعرض الكتاب الدولي بالرباط ببرنامج غني ومتنوع وحضور جماهيري، أغلبه من الكتاب والمثقفين وطلبة المدارس والجامعات.

وانتقل المعرض السنوي من الدار البيضاء إلى الرباط عام 2022، واختلف عن نسخه السابقة بتنظيمه الأفضل، لكن مع تراجع عدد الزوار.

وقال بسام كردي، مدير نشر المركز الثقافي للكتاب ونائب رئيس اتحاد الناشرين المغاربة، لرويترز: "أشارك في المعرض للمرة الـ30.. الاختلاف بين الدورات دائما موجود، لكن ما يلفت انتباهي في معرض الرباط، خاصة هذه الدورة، هو الجمالية ونوعية الزبائن التي هي أيضا جيدة، نجد أغلب الزوار من المثقفين والأسر".

وأضاف أن "الناشر اليوم لا يبحث عن الكم، لأن كثرة الزوار تؤثر على بعض دور النشر مثل دارنا، أريد أن يدخل الزائر ويكون له متسع من الرؤية والوضوح، ليتمعن ويتفحص الكتب والمنشورات، بعيدا عن الازدحام والضجيج".

وتابع "بوصفي ناشرا، فإن الازدحام يضرني أكثر مما ينفعني؛ معرض الرباط أعتبره إلى حد ما أرقى من معرض الدار البيضاء… ربما معرض الدار البيضاء لم يكن في مكان مناسب.. كان مكانا شعبيا وممتلئا عن آخره، هنا الأمور مضبوطة أكثر ومنتقاة بما في ذلك الموقع".

تواجه بعض دور النشر بالمعرض تأخر بضائعها بسبب مشاكل في الشحن (مواقع التواصل)

ويقع مقر معرض الرباط بالقرب من غابة ابن سينا -التي تعرف أيضا باسم هيلتون- في بقعة هادئة على مساحة 8068 مترا مربعا.

إعلان

غير أن المعرض لم يتم بناؤه بعد، ويقام للعام الرابع على التوالي في خيام ضخمة مجهزة.

وقال مسؤول بدار نشر دار الحكمة بالمغرب -طلب عدم نشر اسمه- إن "المغرب هو الاستثناء الوحيد الذي منذ 4 سنوات يقيم معرضا في الخيام، ربما في فترة كورونا كان هناك مبرر، لكن لماذا لا يبنون معرضا، ربما في السنة الثانية لتنظيم المعرض في الرباط، كان هناك مبرر أيضا، لكن الآن ليس هناك أي مبرر".

واختيرت إمارة الشارقة ضيف شرف هذه الدورة التي يشارك فيها 51 بلدا، يمثلها 775 عارضا: 311 عارضا مباشرا و464 عارضا غير مباشر.

وتتجاوز عدد العناوين المعروضة 100 ألف عنوان.

كتب الفكر والفلسفة نجمة الدورة

من ناحيته، قال محمد فزيق ممثل دار صوفيا الكويتية للنشر في المعرض لرويترز: "أجد المشاركة خلال هذه الدورة ضعيفة من حيث الكم ومن حيث المبيعات لحد الساعة، ربما لأن المعرض في بداياته، كما أن هنالك بضائع أخرى لم تصل بسبب مشاكل في الشحن".

وأضاف أن الإقبال "هنا بالدرجة الأولى على الكتب الفكرية والفلسفية… معرض الدار البيضاء كان أفضل بكثير من ناحية الكم والزوار.. لا ننكر هنا أن مسألة التنظيم جيدة".

وقال "إن المبيعات ربما تأثرت بسبب الأزمة العالمية وارتفاع الأسعار، فالكتاب ظل سعره مرتفعا مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطنين بسبب الغلاء".

وفي السياق، قال كردي إن معظم كتب المركز الثقافي للكتاب "فكرية وإبداعية، جمهورنا من النخبة ومن المفكرين بالأساس".

وأضاف "عندي أسماء وازنة من عالم الفكر والفلسفة.. هي كتب فكرية من مستوى جامعي أكاديمي ونسبة الإقبال عليها جيدة، نسبة الزوار من ناحية الكيف موجودة".

وقالت طالبة الدكتوراه سمية الزرهوني، وهي تحمل مجموعة من الكتب في الفكر والفلسفة والسياسة، إنها "تنتظر مثل هذه الفرصة، المتمثلة في معرض الكتاب، لأن اختيار الكتب يكون كبيرا ومتنوعا".

إعلان

واعتبرت أن الأسعار مرتفعة، لكنها كتب نادرة ومهمة تستحق العناء، "لا يمكن أن أحصل عليها من غير المعرض، وأعتقد أنها ستساعدني كثيرا في بحثي الأكاديمي".

مقالات مشابهة

  • قداسة البابا تواضروس يتسلم النور المقدس | صور
  • النور حمد (نموذجاً): عندما يتحدث النخبوي عن نفسه بصفة (نحن عملاء)
  • شاهد بالفيديو.. سيدة الأعمال السودانية هبة كايرو تتحول لمطربة وتغني داخل أحد “الكافيهات” التي تملكها بالقاهرة
  • أندية روشن تتنافس على مدافع بايرن
  • عبد المحسن سلامة: مستشفى الصحفيين هيشوف النور في الدورة المقبلة
  • الفكر والفلسفة في الصدارة.. معرض الكتاب بالرباط يواصل فعالياته
  • مدافع المنتخب يرد على عرض الزمالك: «الاستمرار في نيس أولًا»
  • الهلال ينافس النصر لضم مدافع ريال مدريد
  • الاختلاف الإنساني حكمةٌ إلهيَّة*
  • خالد التيجاني النور: لا أبعاد قبلية للصراع الحالي في إقليم دارفور