حلقة عمل خليجية تستعرض بمسقط أثر "إجازات الأمومة" على سوق العمل
تاريخ النشر: 22nd, January 2025 GMT
مسقط- العُمانية
نظمت وزارة العمل بالتعاون مع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل بدول مجلس التعاون، الأربعاء، بمسقط، حلقة عمل بعنوان "واقع وأثر تشريعات وأنظمة إجازات الأمومة في سوق العمل وآفاق التطوير في دول مجلس التعاون".
وتأتي الحلقة تنفيذًا للقرار الصادر عن الاجتماع العاشر للجنة أصحاب المعالي والسعادة وزراء العمل بدول مجلس التعاون، بشأن تكليف المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ومجلس وزراء الشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع الأمانة العامة بعقد حلقة عمل متخصصة تتناول واقع وأثر تشريعات وأنظمة إجازات الأمومة في سوق العمل وآفاق التطوير.
وقالت المهندسة أمل بنت سعيد السبتية مدير عام التخطيط وسياسات العمل بوزارة العمل في كلمة لها: إن حلقة العمل "واقع وأثر تشريعات إجازات الأمومة على سوق العمل وآفاق التطوير في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية" تمثل فرصة مميزة لتبادل الخبرات والأفكار، والإسهام في تعزيز المساعي لتطوير سياسات العمل بما يتواكب مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها العالم. وأضافت أن التشريعات الأخيرة المتعلقة بإجازة الأمومة في سلطنة عُمان، تعكس الالتزام الراسخ لدعم المرأة العاملة وتعزيز دورها في بناء الأسرة والمجتمع بما يحقق رفاهية الإنسان واستقراره انسجامًا مع أهداف رؤية عُمان 2040 نحو مجتمع مستدام وشامل.
وأوضحت أن نجاح أي سياسة أو تشريع يتطلب متابعات دقيقة لقياس أثره الفعلي على واقع العمل والأسرة والمجتمع بشكل عام، مشيرة إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية لتطوير هذه التشريعات بما يضمن توفير بيئة عمل تدعم المرأة الخليجية.
وبيّنت أن تشريعات إجازات الأمومة تعد من أبرز الحقوق الاجتماعية التي يجب أن تحظى باهتمام خاص، لما لها من تأثيرات مباشرة على العاملات وأسرهن، وعلى استقرار سوق العمل بشكل عام، مشيرة إلى أن التحديات لا تزال قائمة في بعض الجوانب التي تتعلق بتنظيم هذه الإجازات وتحقيق التوازن بين حقوق المرأة والاقتصاد الوطني، وذلك على الرغم من التطورات التي شهدتها دول مجلس التعاون في السنوات الأخيرة في مجال حماية حقوق المرأة.
وأشادت في الختام بالجهود التي قام بها جميع العاملين بالمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية لدول الخليج العربية، في التحضير لإقامة الحلقة ودور المكتب التنفيذي في تحقيق التكامل في السياسات العمالية، وتعزيز التنمية المستدامة لسوق العمل في دول مجلس التعاون.
من جانب آخر، أكد خليل بوهزاع مدير الشؤون العمالية في المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل بدول الخليج العربي- في كلمة له- أن تنظيم حلقة العمل يأتي في إطار اهتمام سلطنة عُمان بتعزيز أطر وشمولية الحماية الاجتماعية، ودعم جهود المكتب التنفيذي في نقل وتبادل التجارب بين دول مجلس التعاون في تعزيز نظم الحماية الاجتماعية.
وقال إن سلطنة عُمان عملت على العديد من الإصلاحات في نظام الحماية الاجتماعية، من حيث توسيع مساحات التغطية وشموليتها لبعض المخاطر الخاصة بالعمالة الوافدة، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تشكل مبادرة متقدمة تستطيع بقية دول المجلس الاستفادة من نتائجها في ضوء التطبيق العملي.
وأوضح أن الحلقة تتناول واقع وأثر تشريعات وأنظمة إجازات الأمومة في سوق العمل وآفاق التطوير، وتتطرق إلى مناقشات مستندة على معلومات وإحصائية ومؤشرات من أجل الاستفادة من تجارب الدول الأعضاء في هذا الشأن.
وتهدف الحلقة إلى تبادل الخبرات بين الدول حول إجازات الأمومة، وتطوير سياسات عمل مرنة لدعم العاملات، بالإضافة إلى تقديم توصيات لتحسين التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة.
وتتضمن الحلقة 4 محاور، تتمثل في: تأثير إجازات الأمومة على دوران العمالة النسائية مقارنة بالرجالية، والعوامل التي تسهم في عدم الاستقرار الوظيفي، وتحليل أسباب عزوف أصحاب العمل عن توظيف المرأة بسبب الالتزامات المتعلقة بإجازات الأمومة، وتأثير ذلك على المنافسة والأسواق، وقياس حجم العمل المفقود وتعويضه في المنشآت وكيفية تنظيم صرف التعويضات بشكل مركزي، وتطوير التشريعات وسبل تقليص الفجوة في امتيازات المرأة بين القطاعين العام والخاص.
وتشمل الحلقة استعراض دول مجلس التعاون أوراق عمل حول التجارب الوطنية في موضوع الحلقة مع التركيز على مجالات تطوير تشريعات إجازات الأمومة وتحسين بيئة العمل لدعم العاملات واستعراض التحديات والحلول المقترحة، بالإضافة إلى تقديم عدد من العروض من منظمة العمل الدولية ومعهد الدوحة الدولي للأسرة.
يُشار إلى أن المكتب التنفيذي قد أعد تقريرًا حول إجازات الأمومة والرعاية في تشريعات دول مجلس التعاون، تم عرضه على لجنة أصحاب المعالي والسعادة وزراء العمل بدول مجلس التعاون، واستعرض التشريعات مقارنة بالاتفاقيات الدولية، خاصة الاتفاقية 183 بشأن حماية الأمومة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: دول مجلس التعاون وزراء العمل بدول إجازات الأمومة الأمومة فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
عيد الأم .. والندم على الأمومة!
في تراثنا حكاية عن امرأتين تنازعتا على طفل؛ بحيث ادعت كلٌّ منهما أنه ابنها، واحتكمتا في النهاية إلى النبي سليمان -عليه السلام- الذي حكم أن يُشطَر الطفل إلى نصفين، تأخذ كلّ واحدة منهما نصفًا! لكن إحدى المرأتين صرخت رافضةً هذا الحكم: «أعطوها الطفل ولا تقتلوه»، بينما قالت الأخرى: «لن يكون لي ولا لك، اشطروه!». عرف سليمان -عليه السلام- حينئذ من هي الأم الحقيقية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه القصة نموذجًا لما يُعرف بـ«الأم الصالحة»؛ تلك التي تضحّي بكل شيء، حتى بابنها؛ لتحميه.
أوردتْ هذه الحكاية الكاتبة الفرنسية ستيفاني توماس في كتابها الجريء «الندم على الأمومة: عشر نساء يروين قصصهن» (ترجمة كارول حداد، دار نوفل، 2022). وأقول «الجريء» لأننا اعتدنا أن نقرن الأمومة دائمًا بالتقديس وبالمشاعر الإيجابية، أما ربط الندم بالأمومة فهو يبدو للجميع - بمن فيهم مؤلفة الكتاب - «أمرًا يناقض الطبيعة»، وأنه يمكن للمرأة أن تعضّ أصابع الندم؛ لأنها قررتْ في فترة ماضية من حياتها عدم الإنجاب، لكن من غير المعقول أن تندم لأنها أنجبت.
في هذا الكتاب لا تعود الأمومة كما صوّرتها الكتب الدينية، والأعراف الاجتماعية، والأفلام السينمائية؛ ذلك الحُلم الورديّ الذي يتوِّج وجودَ المرأة في الحياة، وإنما تجربة إنسانية شديدة التعقيد، تختلط فيها المشاعر النبيلة بأخرى لا تقل عنها عمقًا وإنْ كانت أقل تقبّلًا من الناحية الاجتماعية. تعرض ستيفاني توماس قصص عشر نساء فرنسيات مع الأمومة (والندم عليها بعد ذلك)، مقدمةً ما يشبه الدراسة التحليلية حول سؤال: «لماذا تندم النساء على الأمومة؟»، رغم أنها تشدد في مقدمة الكتاب وخاتمته أنها ليست عالمة اجتماع ولا عالمة نفس، ولم يكن هدفها وضع نظريات عامة حول هذا الموضوع، وإنما أرادت فقط أن تقدم للنساء اللواتي وثقن بها فرصة الحديث بدون خجل وخوف من أن ينتقدهن أحد، ولذا؛ فقد غيّرت أسماءهنّ في الكتاب.
تنتمي هؤلاء النسوة اللواتي وثقن في ستيفاني إلى خلفيات متنوعة، وتشترك شهاداتهن في شيء واحد: أنهن نادمات؛ ليس على أولادهن، بل على الأمومة نفسها بوصفها مؤسسة قائمة على الاستنزاف والتهميش وإلغاء الذات، كما يسردن. إلسي؛ على سبيل المثال، قضت سنوات ترفض فكرة الإنجاب وترى في الطفل عبئًا على حياتها، حتى إنها أجهضت نفسها في 2011، لكن بعد عشر سنوات، قررت أن تحاول إنجاب طفل؛ لأنها خافت أن تندم لاحقًا على عدم المحاولة. المفارقة أنها ندمت بالفعل، ولكن على الإنجاب هذه المرة، أما كولين فسبب ندمها يعود إلى طفولتها السيئة مع أمها التي شعرتْ دومًا أنها لا تحبها، كان لسان حال الأم مع ابنتها هذه القصيدة للشاعرة البولندية أنّا سوير بعنوان «أمومة» (وقد أوردتها الكاتبة المصرية إيمان مرسال في مفتتح كتابها «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، الكتب خان، 2017): «أقول: أنتِ لن تهزميني/ لن أكون بيضةً لتشرخيها/ في هرولتك نحو العالم/ جسرَ مشاة تعبرينه/ في الطريق إلى حياتك/ أنا سأدافع عن نفسي». ولعل هذه المعاملة السيئة من الأم لابنتِها هي التي أوحت لكولين بأن الأمومة أمر سيء. صحيح أنها أنجبت لاحقًا، لكنها ندمت، وسعت إلى الإجهاض في اللحظة الأخيرة، قبل أن تتراجع.
لكن لماذا تندم النساء على الأمومة؟ في محاولتها للإجابة تكشف ستيفاني توماس أن هذا الندم يستند إلى تاريخ طويل من الكبت الثقافي والضغط الاجتماعي، وتقول: إن الحروب، والنظم الاقتصادية، والدين، كلها أسهمت بهذا الشكل أو ذاك في تقديس الأمومة بوصفها وظيفة قومية أو مقدسة، وليست خيارًا شخصيًّا. وكانت الروائية التركية إليف شافاق قد سبقت ستيفاني في محاولتها لفهم هذا الندم، بإحالته على عدم تعلّم الأمومة. تقول في كتابها «حليب أسود»: «هناك سببٌ يجعل ما لا يحصى من النساء يقلن إنَّ الأمومة هي أحنُّ ما جرى عليهنَّ في الحياة، وأنا أتفق مع ذلك من أعماق قلبي، غير أنَّ المرأة لا تصير أمًّا بمجرد الإنجاب، بل عليها أن تتعلَّم الأمومة، إنَّها معرفة، يأخذ استيعابها عند البعض أطول من الآخرين». بيد أن هذه المعرفة عن الأمومة كانت متأتية بامتياز لدى كلارا (إحدى النساء العشر النادمات على الأمومة في كتاب ستيفاني توماس). تقول كلارا: إنها لم تستمتع بطفولتها ولا مراهقتها؛ لأن أمها المكتئبة دومًا حمّلتها مسؤولية رعاية إخوتها. وحين تزوجت لاحقًا وأنجبت أطفالًا، لم تشعر بالفرح بل بالثقل؛ لأن الأمومة عندها بدأت مبكرًا جدًّا، من قبل أن تصبح أمًّا فعلًا.
تتنوّع أسباب الندم، لكن الشعور بالذنب يبدو «وكأنه الشعور الذي يوحد الأمهات على اختلافهن» كما تكتب إيمان مرسال في كتابها الذي سبقت الإشارة إليه، وتضيف أن هذا الشعور بالذنب غير مرتبط بالتقصير فقط، ولا بتمزق المرأة الحديثة بين العمل والأمومة، بل «ينبثق أحيانًا من نموذج مثالي للأمومة حيث لا نهاية لما يمكن أن تقدمه الأم لطفلها من حب وحماية واستثمار في الوقت والتعليم... إلخ. وقد يأتي أيضًا من التاريخ الشخصي السابق على الأمومة».
لا أدري إلى أي مدى هو أمر حصيف الحديث عن أمهات نادمات على الأمومة، في هذه الأيام بالذات، حيث يحتفل العالم بالأم، وبصورتها المثالية. غير أنني أؤمن أن هؤلاء الأمهات اللواتي أدلين بشهاداتهن لستيفاني توماس، وكذلك إليف شافاق، وإيمان مرسال، والشاعرة البولندية، كل هؤلاء الأمهات لم ينطلقن في ندمهن من كراهية للأمومة أو رفض لها. بل من أجلها؛ من أجل أمومة أكثر صدقًا، ونبلًا، وإنسانية.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني