عربي21:
2025-01-15@01:14:33 GMT

عقدة نقص

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

"شعور قوي بعدم الكفاءة وانعدام الأمن، ناجم عن نقص جسدي أو نفسي حقيقي أو افتراضي مُتخيل".. هذا هو تعريف العالم النفسي ألفريد إدلر والمعتمد من جمعية علم النفس الأمريكية لعقدة النقص.

في العالم العربي تتجلى هذه العقدة بوضوح في سلوكيات بعض النخب التي يطغى عليها الرغبة في إظهار القوة والتماسك، بينما هي في الواقع تعاني من صراعات نفسية تعود لأزمنة سابقة على توليها سدة الحكم.



عقدة النقص مرض نفسي كما قلنا، ومن أبرز مظاهره هو الشعور بعدم الأمان أو انعدام القيمة ما يجعله قلقا طول الوقت وحذرا، إضافة إلى تدني احترام الذات وصعوبة تقبل النقد أو تصديق المديح، وعادة ما يرى صاحب عقدة النقص نفسه سعيدا حين يقارنه حواريوه بالشخصيات العظيمة والتاريخية، وربما يكون ذلك مصحوبا بالشعور بالكمال (أنا ربكم الأعلى)، لكنه في نفس الوقت يشعر بأن عارا ما يلحق به وأن ذنبه الذي ارتكبه يرافقه مثل كابوس في ليل شتاء طويل، وهروبا من نقصه الذي يطارده فإنه لا يحب المقارنة بالأشخاص العاديين. وفي ضوء هذه الأعراض والسمات فالناقص يميل إلى الابتعاد عن الناس، لذا يعيش جل وقته معزولا في قصره أو بعيدا عن المجتمع الذي يعرفه ويعرف عقدته النفسية.

البعض يطارد هذه الأيام نسل العالم الجليل القرضاوي متمثلا في الشاعر الأسير عبد الرحمن يوسف القرضاوي؛ لأنه يمثل بالنسبة لهم كابوسا، فالقوم ما لبثوا أن تخلصوا أو حاولوا التخلص من كابوس الشيخ القرضاوي ليحل مكانه كابوس الشاعر الثائر عبد الرحمن بن القرضاوي، فطاردوه وقاموا باختطافه في لبنان ثم قاموا على الفور بترحيله ليس إلى بلده مصر؛ بل إلى حكام الإمارات
سمعت جنرال مصر يوما ما وهو يتحدث عن زملاء الفصل الذين كانوا يضربونه وهو طفل في المدرسة، ولما شكا لأمه قالت له "بكرة تكبر وتضربهم"، وبالفعل كبر في السن وقام بالانقلاب وعاد بالذاكرة لينتقم من كل من ضربوه أو آذوه عن قصد أو غير قصد، بل عاد لينتقم من الشعب المصري بأكمله معتقدا أن الشعب كان ولا يزال ينظر إليه نظرة دونية، وبالتالي عاد لينتقم حتى من قادته العسكريين الذين اتهمه أحدهم بأنه ضابط "نتن" يضع الدبوس في "الأستيكة" كما قال ذات مرة.

التفاصيل الصغيرة تبقى في ذاكرة صاحب عقد النقص ولا تنفك تطارده ليل نهار، فهو يرى نفسه الأقل والأدنى والجدير بعدم احترام الناس له وازدرائهم لشخصيته المتهالكة، لذا فهو يبذل كل ما في وسعه لإثبات عكس ذلك، وفي كل مرة يفعل ذلك يفضخه سلوكه وتظهر سوءة نفسه.

أصحاب عقدة النقص يشعرون بالدونية أمام من يفوقونهم في الفهم والعلم والمعرفة، لذا فهم يميلون أكثر إلى التباهي بما لديهم من متاع الدنيا فتراهم يُشيدون القصور الفخمة على الأرض، واليخوت التي تجري في الماء والطائرات التي تطير في جو السماء، وينشرون صور كل ذلك ليس لشيء إلا لمحاولة بيان أنهم لم يعودوا صغارا كما يظن البعض ممن عايشهم أيام الفقر والجوع وقلة الحيلة وقصر ذات اليد.

لا يقتصر السلوك المعبر عن النقص على فكرة الامتلاك ومحاولة تغيير الصورة الدونية بصورة أكثر بهرجة وفخامة، فأحيانا يتحول سلوك "الناقص" إلى سلوك عدائي لكل ناجح أو متقدم على غيره في العلوم والفنون والرياضة والسياسة وحتى في علوم الدين وأصوله. وتحضرني هنا الحرب الإعلامية الشعواء على الإخوان المسلمين في العموم وعلى رموز الدعوة والعلماء المحسوبين على تيار الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم فقيه العصر الإمام يوسف القرضاوي، الذي استطاع على مدار خمسة عقود أن يطور خطابا إسلاميا وفقهيا راشدا وسط انتقادات من تيارات التطرف التي اتحدت تحت راية الجامية أحيانا وتحت لواء الوهابية تارة أخرى، ثم التحمت جميعها في تيار واحد يجعل من الجامية وهابية ومنهما الاثنتين سلفية والسلف منهم براء.

استطاع الشيخ القرضاوي الاستمرار وعدم الالتفات إلى قصار القامة الذين حاولوا بشتى الطرق النيل منه وتسفيه أفكاره وأحلامه؛ لا لشيء إلا بسبب شعورهم بالنقص وقلة الحيلة، فرموه حقدا وحسدا بكل نقيصة بعد أن حاولوا إغراءه وإغواءه وقاموا بتكريمه، بل قام أحد شيوخ الإمارات بتقبيل رأسه علانية ثم انقلب عليه حاكم الإمارات ابن زايد، خصوصا بعد دوره في دعم الربيع العربي والثورة السورية التي وبفضل الله نجحت في الإطاحة ببشار الأسد ونظام الأسرة العلوية الطائفي البغيض.

كان الشيخ القرضاوي هدفا لقصار القامة ممن شعروا ولا يزالون بأنه يفوقهم علما وخلقا وسمعة طيبة، بينما لم تُنتج بعض تلك البلدان سوى التطرف والإرهاب وفقها لا يواكب العصر ولا يلبي حاجة الزمان الذي يعيشون فيه.

لم تنتج البلدان التي يقودها أصحاب عقدة النقص علماء أو مفكرين حقيقيين، واستعانوا بغيرهم من بلدان أخرى، ولما فشلوا في أن يجبروا نقصهم بهؤلاء العلماء تصوروا أنهم قد ملكوهم بأموالهم وسلطانهم وهو ما لم يحدث، فانقلبوا عليهم وحاربوهم لعقود ولا يزالون.

يعاني بعض حكام المنطقة من عقدة نقص كان من الممكن إخفاؤها لو أن عندهم بعض الذكاء الوجداني أو الدبلوماسية، ولكنهم تصرفوا على نحو فضح سرهم وكشف أمرهم وأظهر حقدهم وغلّهم على من فاقوهم علما وأدبا وفقها ومكانة ومحبة راسخة في قلوب الناس
يسيطر الشعور بعقدة النفس على صاحبه أو أصحابه ويعيش معهم حتى بعد وفاة من كان يمثل لهم هذه العقدة، فقد مات الشيخان محمد الغزالي والقرضاوي ورغم ذلك لا يزال البعض ينظر بريبة إلى قبريهما حقدا وحسدا، ويطاردون وسائل الإعلام التي تتحدث عنهما بخير بعد وفاتهما، لا بل إن البعض يطارد هذه الأيام نسل العالم الجليل القرضاوي متمثلا في الشاعر الأسير عبد الرحمن يوسف القرضاوي؛ لأنه يمثل بالنسبة لهم كابوسا، فالقوم ما لبثوا أن تخلصوا أو حاولوا التخلص من كابوس الشيخ القرضاوي ليحل مكانه كابوس الشاعر الثائر عبد الرحمن بن القرضاوي، فطاردوه وقاموا باختطافه في لبنان ثم قاموا على الفور بترحيله ليس إلى بلده مصر؛ بل إلى حكام الإمارات الذين أثبتوا للعالم أن عقدة نقصهم مستمرة وربما ستستمر حتى تقضي عليهم ليموتوا بغيظهم.

يعاني بعض حكام المنطقة من عقدة نقص كان من الممكن إخفاؤها لو أن عندهم بعض الذكاء الوجداني أو الدبلوماسية، ولكنهم تصرفوا على نحو فضح سرهم وكشف أمرهم وأظهر حقدهم وغلّهم على من فاقوهم علما وأدبا وفقها ومكانة ومحبة راسخة في قلوب الناس.

عقدة النقص هي سر عداء الأقزام للأعلام الكبار، وهي سر نقمة هؤلاء على كل حر ذي رأي وإرادة مستقلة، لا يباع ولا يشترى، ورغم ما يقوم به هؤلاء الصغار الدونيين سيظل الكبار كبارا والصغار أقزاما أبد الدهر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه نفسي العقدة مصر القرضاوي الإمارات مصر الإمارات نفسي القرضاوي عقدة مقالات مقالات مقالات رياضة مقالات سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشیخ القرضاوی عقدة النقص عبد الرحمن

إقرأ أيضاً:

وصول المساعدات الإنسانية التي أرسلتها الجزائر إلى بوركينافاسو

وصلت المساعدات الإنسانية إلى العاصمة البوركينابية عبر 04 طائرات تابعة للجيش الوطني الشعبي.

المساعدات الإنسانية كان في استقبالها وزيرة العمل الإنساني والتضامن الوطني لبوركينافاسو باساواندي بيلاجي كابري كبوري

مقالات مشابهة

  • عبد الرحمن القرضاوي.. مَن شَراه ومَن اشتراه
  • دعوات لملاحقة ميقاتي بعد رفع الحصانة عنه عقب تسليمه القرضاوي للإمارات
  • هل ينهي نظام البكالوريا الجديد في مصر كابوس الثانوية العامة؟
  • 28 منظمة حقوقية تدعو الإمارات للكشف عن مكان وظروف احتجاز القرضاوي
  • ناشط مصري: اختطاف القرضاوي يثبت أن الثورة المضادة ما زالت حية
  • ناشط مصري: اختطاف القرضاوي يثبت أن الثورة المضادة ما تزال حية
  • براءة الإنتربول من تسليم عبد الرحمن القرضاوي
  • وصول المساعدات الإنسانية التي أرسلتها الجزائر إلى بوركينافاسو
  • السياح يعيشون كابوسًا في أولوداغ التركية