في ليلة هادئة، تحت سماء يملؤها الدعاء والأمل، وقف رجل بين جموع الحجيج في الحرم المكي، حيث تعلو الأصوات بالتكبير والتهليل، وحيث تلتقي القلوب على الطهارة والخشوع.. لكنه، وسط تلك الروحانيات، رفع يديه إلى السماء ليسأل الله.. لا بالرزق ولا بالعفو، بل بالدعاء على لاعب كرة قدم في الفريق المنافس لناديه!
مؤمن الجندي يكتب: الرحلة الأخيرة مؤمن الجندي يكتب: بالونة مزدوجة مؤمن الجندي يكتب: وصفة للفوضى مؤمن الجندي يكتب: حين تتلاشى الألوانكانت لحظة لا تصدق، أشبه بمشهد سريالي ينتمي إلى رواية خيالية لا إلى واقع نعيشه! هنا، في أقدس بقاع الأرض، حيث تتجرد الأرواح من أحقادها، وُلدت كلمات حارقة تعكس ثقافة مشوهة تجاوزت حدود الملاعب لتتغلغل في القيم والأخلاق.
توقفت أمام هذا المشهد مذهولًا: ألهذا الحد بلغ الهوس؟ ألهذا الحد استبد التعصب بالعقول حتى استباح قدسية المكان وأفسد قدسية الروح؟ دعوات لا تنم عن روح رياضية أو حتى إنسانية! وبدأت أسأل نفسي متى وصلنا إلى هذه النقطة؟ كيف يمكن أن تتحول الحماسة الرياضية إلى نيران تحرق الأخلاق قبل أن تصيب الآخرين؟
الرياضة التي كنا نراها مساحة للتنافس الشريف وروح الجماعة، تحولت في بعض الأوساط إلى حرب خفية، وقودها المشجعون، وسلاحها السخرية، وميادينها المدرجات والشاشات.. إنه عالم يزداد ظلامًا، حيث تنقلب الموازين، وتتوه المعاني، وتضيع المبادئ في زحام الهتافات.
وعلى الجانب الآخر، يتحول بعض المشجعين إلى قنابل موقوتة، يترقبون أقل شرارة لإشعال فتنة، معتقدين أن قصف الجبهات والسخرية من المنافسين هي السلاح الأمثل لإظهار الانتماء لناديهم! في ظل غياب الوعي، يصبح الهتاف في المدرجات أقرب إلى معركة، والشاشة الصغيرة منصة لتصفية الحسابات.
هل من حل؟من وجهة نظري، الإعلام الرياضي يلعب الإعلام دورًا مزدوجًا؛ فمن جهة، يُسلط الضوء على الجوانب الإيجابية للرياضة، لكنه من جهة أخرى، قد يسهم في تأجيج التعصب من خلال التحليلات المتحيزة أو إثارة القضايا الجدلية بلا وعي.
وأرى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منصة لتعزيز السخرية من المنافسين ونشر الكراهية في شكل تعليقات ومقاطع فيديو تسخر بلا حدود، مما يُغذي العداء بين الجماهير، في ظل غياب القوانين الرادعة وضعف الرقابة والعقوبات على السلوكيات المسيئة في الملاعب أو خارجها، مما يمنح الفرصة لاستمرار هذه الممارسات.
على وزارة الرياضة وكافة الأطراف المعنية التدخل فورًا، ليس فقط لمعالجة الظاهرة، بل لاقتلاع جذورها، يجب وضع خطة شاملة تتضمن من وجهة نظري:
1. إطلاق حملات توعية مواكبة: نشر ثقافة الروح الرياضية عبر وسائل الإعلام والمدارس والجامعات.
2. عقوبات صارمة: فرض غرامات أو عقوبات رياضية على الأندية التي تسمح لجماهيرها أو لاعبيها بتجاوز حدود الأخلاق.
3. برامج تأهيلية للاعبين: تدريب اللاعبين على التعامل مع الضغوط والجماهير بأسلوب لائق، وتحفيزهم ليكونوا قدوة للجماهير.
4. تنظيم دورات للمشجعين: تخصيص ورش عمل تُعلم الجماهير أهمية التشجيع الإيجابي وأثره على فريقهم ومجتمعهم.
سأقولها وأتمنى أن نتحرك، لا بد أن يحاول كل مسؤول في موقعه العمل مباشرة على الأزمة قبل أن تقضي علينا جميعًا ولا ننس مجزرة بورسعيد! فالرياضة هي مرآة للمجتمع، وإذا استمر التعصب في الهيمنة، فإن الخطر لن يقتصر على الملاعب فقط، بل سيؤثر على النسيج الاجتماعي ككل.. لذلك، لا بد من وقفة جادة وشجاعة لإعادة ضبط البوصلة، حتى لا نستيقظ يومًا على كارثة مميتة سببها مباراة كرة قدم.
في النهاية، يبقى السؤال مطروحًا هل يمكننا أن نعيد للرياضة وجهها النبيل، أم أننا سنظل رهائن للتعصب الذي يهدد بتدمير كل ما هو جميل وسط مسؤولين ودن من طين والثانية من عجين؟ الحقونا!
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: جماهير الأهلي جماهير الزمالك وزارة الشباب والرياضة الاتحاد المصرى لكرة القدم امام عاشور مؤمن الجندی یکتب
إقرأ أيضاً:
القاضي فرحان: النيابة العامة تتصدى لعنف الملاعب و “الإلتراس” تحتاج إلى التقنين
زنقة 20 ا الرباط
أكد حسن فرحان، قاض برئاسة النيابة العامة وعضو المجلس التأديبي للوكالة المغربية لمكافحة المنشطات، أن رئاسة النيابة العامة عملت على جعل التصدي للعنف المرتكب بالتظاهرات الرياضية أحد أولوياتها في تنفيذ السياسة الجنائية.
وأوضح خلال كلمة له بالمناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي، التي تنظمها ولاية جهة الرباط سلا القنيطرة، اليوم الثلاثاء، أن ” رئيس النيابة العامة الوكيل العام لدى محكمة النقض أصدر الدورية عدد 5 بتاريخ 8 فبراير 2003 إلى السادة الوكلاء العامون للملك لدى محاكم الإستئناف ووكلاء المحاكم الابتدائية حثهم فيها على تفعيل العقوبات الإضافية الواردة في القانون 090.09″.
واستحضر فرحان التوجيهات الملكية السامية الواردة في رسالة جلالته للمشاركين في المناظرة الوطنية المنعقدة بصخيرات بتاريخ 24 اكوبر 2008 والتي ابرز فيها جلالته مختلف العوائق الثغرات التي تعرق تطور الممارسة الرياضية ببالادنا وتمنع تحصين فوئادها على المجتمع ومنها تنامي ظاهرة العنف في الملعب الرياضية إذ قال “جلالته إذا كان من الصعب سد كل الثغرات التي يعاني منها مع كامل الأسف قطاع الرياضة ببلادنا تعدد الأسبقيات فإن التصدي لبعض المشاكل يتطلب الحزم في التعامل معهان خصاة وأنها أصبحت تكتسي طابعا إستعجاليا، فالشعور بالإحباط وخيبة الأمل الذي تولده الإخفاقات الممتالية للفرق الوطنية لايمكن أن بيرر ما تشهده الفضاءات الرياضية أحيانا من استفحال عدد من المظاهر المشينة المرفوضة أخلاقيا وقانونيا وأعمال العنف والاعتداء”.
و دعا المسؤول القضائي الى إعادة النظر في المقاربات المعتمدة في مواجهة عنف المدرجات وتوظيف الذكاء الجماعي في ابتداع الحلول الناجعة لصاينة الفرجة الرياضية وتطويرها لاسيما أن دستور 2011، تضمن العديد من المقتضيات التي تضع المسؤوليات على السلطات العمومية من اجل تمكين فضاء رياضي من منظومة حكماتية جيدة وبناء قانوني ومؤسساتي يسمح بتطوير الرياضة ويمكنها من لعب دورها في التنمية الاجتماعية والإقتصادية.
وتابع أنه “تجاوبا مع المضامين الملكية في الرسالة الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية حول الرياضة، صدر القانون 09.09 المتمم لمجموعة القانون الجنائي، وقد حول المشرع المغربي من خلال هذا النص القانوني توفير حماية جنائية للتظاهرات الرياضية”، مشيرا إلى أن “العقوبات تبدأ من شهر ولا تتجاوز خمسة سنوات حبسا حسب جسامة خطورة الأفعال المرتكبة من طرف الجناة خلال التظاهرات الرياضية بالإضافة إلى الغرامات المالية”.
كما تضمن القانون 09.09 تدابير اخرى في إطار العقوبات الإضافية مثل نشر مقررات الإدانة 316.06 ومصادرة الأدوات التي تستعمل في العنف لفائدة الدولة الفصل 300.15″.
وارتباطا بالتدابير الاحترازية، يضيف المتحدث ذاته، لمنع أعمال العنف في الملاعب نص الفصل 308.19 على إحداث لجان محلية بموجب نص تنظيمي خاص تتولى الإشراف والتدخل في الوقت المناسب في التظاهرات”.
وللحد من ظاهرة العنف بالملاعب اقترح فرحان، التفكير في تقنين عمل مجموعات محبي ومشجعي الفرق في إطار تنظيمات تنضوي تحت غطاء قانون الجمعيات، وإدخال تعديلات على القانون 09.09 تسمح باتخاذ تدابير وقائية لمجموعة من أعمال العنف المرتكبة من طرف القاصرين غير المرافقين”.
كما دعا إلى “نهج استراتيجية تحسيسية عبر وسائل الإعلام والمقررات الدراسية تتضمن قائمة من التدابير التي وجب إتباعها لتأطير السلوكيات المضطربة، وجعل المشجع فاعل رئيسي في تنظيم التظاهرات الرياضية عبر فتح حوار بصفة إستباقية مع هؤلاء، حيث يمكنهم أن يؤثروا تأثيرا إيجابيا عل سلوكيات الجماهير بشكل عام وتعزيز الإمتثال لتعلميات موظفي الملاعب والشرطة”، مشدد على أن “سيادة القانون لا تقوم دائما على الزجر وحده وإنما على حزمة من الإجراءات “.