سارة حواس تقدم عشرين شاعرا أمريكيا حازوا على جائزة بوليتز في كتابها الجديد
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
صدر عن بيت الحكمة للثقافة، كتابٌ جديد للدكتورة سارة حامد حوَّاس مدرس اللغويات التطبيقية بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة بعنوان «ولاؤهم للروح ..عشرون شاعرًا أمريكيا حازوا جائزة بوليتزر»، في أربعمائة صفحة من القطع المتوسط، متضمنًا مختارات شعرية وسِيَرًا للشعراء،وقد حرَّر الكتاب وقدَّمه الشَّاعر أحمد الشَّهاوي.
وعن تجربتها في الكتاب ذكرت الدكتورة سارة حواس: «أنها كانت رحلةٌ ممتعةٌ وشائقةٌ قطعتها في ترجمة ستين قصيدةً لعشرين شاعرًا أمريكيًّا مُتحقِّقين وحائزين على أرفع الجوائز الأدبية الكبرى ومنهاجائزة ''بوليتزر"».
وقالت: «لم أترجم قصائدهم فقط، بل عشت وتوحدت معهم من خلال قراءتي المستفيضة عن حيواتهم وأشعارهم ومراحل تطورهم خلال رحلاتهم الشعرية، بماذا مروا، والصعوبات والانتقادات التي واجهوها، وكيف استمروا وكافحوا للوصول إلى القمة، كيف كانوا يواجهون نواقصهم وكيف عالجوها، كيف تصدوا للانتقادات التي كانت من الممكن أن تثبط عزيمتهم، لكنهم أصروا على النجاح والاستمرار والتكيف مع الظروف؛ حتى يصلوا إلى مبتغاهم في رحلاتهم الشعرية الثرية الملأى بالنجاحات والجوائز وأيضا الكثير من الإخفاقات».
وأضافت سارة حواس: «لا أُقبل على ترجمة قصائد من دون قراءة كل ما يخص الشاعر من خلفيات اجتماعية وثقافية؛ لأفقه ما بين السطور وأقرأ ما يهمه، وما كان يشغله وما هدفه من كتابة الشعر، وما دوافعه الحقيقية لها.
كل هذه الأشياء تسهل علي بوصفي مترجمة فهم قصائده بشكل أفضل وأوضح، حتى أنها تجعلني أتوحد مع أفكاره ومشاعره، وأندمج أكثر مع ما يشغله، وذلك يجعلني أيضًا أُجيد فك شفرات كل شاعرٍ عندما يكتب كلماتٍ أو سطورًا أو حتى قصيدة كاملة بشكلٍ غير مباشرٍ، فأنا أؤمنُ أن القصيدة كالخزانة التي نملؤها بالأشياء الثمينة لنقتنيها، والإنسان يشبه دومًا ما يحب، وأيضًا من يحب، وكيف لنا أن نعرف ما بداخل تلك الخزانة، من دون أن نتعرف بالشاعر ونفهمه ونتقرب منه؛ حتى يفتح لنا خزانته، ونرى ما بداخلها من جواهر وكنوز خاصة به، ظل يجمعها طوال حياته؟ يتفق معي البعض أو يختلف معي البعض الآخر، ولكن ذلك ما أُؤمن به وأتبناه في ترجمة الشعر».
وأكدت أنها لا تبحث عن الاختلاف في ترجمة الشعر بقدر ما تبحث عن خلق روحٍ جديدة للنص الشعري، روح تجعل للنص معنى وشكلا جديدًا قريبًا من المعنى بقدر الإمكان ومن دون خيانة للنص الأصلي، وبعيدًا كل البعد عن التقليدية واستخدام المفردات القديمة التي تجعل شاعرًا أمريكيا في العصر الحديث يبدو كأنه ''المتنبي'' أو ''البحتري''، أبعد عن ''النقل الحرفي ''، و'' الإضافات الزائدة بإفراطٍ''، فكلاهما خيانة كبرى في حق النص الأصلي، أحب أن أنقل رسالة الشاعر كما هي من دون زيادةٍ أو نقصانٍ، لا أُؤلف تشبيهًا لم يذكره شاعر ولا أُنقص تشبيهًا ذكره».
وقالت: «كنت أحاول طوال الوقت أن أجمع بين المعنى والمقصد والأمانة والإبداع، وأن أترك بصمة روحي في أي نص أُترجمه، كما آثرت استخدام مفرداتٍ بسيطةٍ وعميقةٍ وحديثةٍ في الوقت نفسه؛ حتى تصل إلى الإنسان العادي والمثقف معا، حتى تقرأَني كل الفئات ولا يشعرُ بالملل أو الكلل من ترجمتي ولا حتى من قراءة مقدماتي لكل الشُّعراء».
وعن الشعراء الذين اختارتهم الدكتورة سارة حواس في كتابها قالت: «اخترت عشرين شاعرًا أمريكيا متحققا، وهم: ''بول مولدون'' و''چون أشبري''، و''بيتر بالاكيان''، و''چريكو براون''، و''چون بيريمان''، و''جاري سنايدر''، و''تشارلز رايت''، و''يوسف كومنياكا''، و''أرشيبالد ماكليش''، و''ويليام كارلوس ويليامز''، ''تيد كوزر''، و''چورچ أيكن''، و''مارك ستراند''، و''ويليام ستانلي مروين''، و'' ويليام موريس ميريديث چونيور''، و''ريتشارد ويلبر''، و''ريتشارد إيبرهارت''، و'' روبرت هاس''، وأخيرا ولأول مرة في تاريخ الشعر في العالم يفوز أب وابنه ''چيمس رايت''، الأب و''فرانز رايت '' الابن بجائزةٍ كبيرةٍ هي ''بوليتزر ''؛ ومن ثم جعلت الشَّاعرين يختمان كتابي؛ لأنني اتبعتُ ترتيبًا زمنيًّا من الأقدم إلى الأحدث».
وهؤلاء الشُّعراء جميعًا نالوا من الشُّهرة الكثير ، وجميعهم حازوا أكبر الجوائز الأدبية الأمريكية مثل : جائزة ''بولينجن'' و جائزة ''الكتاب الوطني'' وجائزة ''ماك آرثر جينيس'' التي نالها الشَّاعر ''جريكو براون '' في ٢٠٢٤ ؛ صاحبُ الشكل الشعري الجديد ''دوبلكس'' Duplex والذي ترجمتُ له ثلاث قصائد وكتبت عن سيرته الشعرية وعن كشْفِهِ لشكلٍ شعريٍّ جديدٍ ، كما أنه أصغرُ فائزٍ بجائزة ''بوليتزر'' حيثُ نالها في عام ٢٠٢٠ وهو في الرابعة والأربعين من عمره.وهناك أيضا ''زمالة الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم'' و ''زمالة أكاديمية الشعراء الأمريكيين'' و"زمالة جوجنهايم'' وغيرها الكثير من الجوائز الأدبية الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تنوَّعت التيمات التي تناولها الشُّعراء في قصائدهم بين الحُب والفقدان ،وحُب الطبيعة والتأمُّل واليأس والظلم و'' الشعر'' أيضا ،حيث إنني ترجمتُ قصائد يتحدث الشعراء فيها عن ''الشعر'' كأنها شهادةٌ لهم في فن كتابة الشعر ،أو كيف يكون الشعر ، وكيف يرونه ويكتبونه ،وكيف يصيرون شعراء.
أحببتُ هذه القصائد لأنَّني اعتبرتُها درُوسًا مهمة للشُّعراء الشباب وأيضا الكبار المحترفين ،وبرغم أنَّ الشعراء جميعهم ينتمون إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فيوجد بعض الشعراء الذين ينتمون إلى جغرافياتٍ مختلفةٍ كالشاعر بيتر بالاكيان الذي ينتمي إلى أصولٍ أرمينيةٍ ، حيث ينتمي إلى جدة ناجية من الإبادة الأرمينية التي مات فيها الكثير من أفراد عائلته ،وظهر ذلك جليًّا في قصائده ،كما أنه رسَّام محترفٌ وظهر حبه للألوان وتعلقه بالرسم في قصائد وتشبيهات عديدة.
أما عن الشاعرين يوسف كومنياكا وچريكو براون ،فهما من أصولٍ أفريقيةٍ وتشابها في الحديث عن الظلم والتفرقة العنصرية والاضطهاد والقهر وفقد الهُوية ،وهذا ما يعاني منه معظم - إن لم يكن كل - الشُّعراء والشاعرات الذين ينتمون إلى أصولٍ أفريقيةٍ ،وكأنهم دولةٌ أخرى داخل دولة.
أمَّا عن الشاعر بول مولدون ، فينتمي إلى أصولٍ أيرلندية جعلته يتقنُ اللغة الأيرلندية أيضا مثل الأمريكية ، وهذا كان سلاحًا ذا حدَّين بالنسبة إليه ، فإتقانه اللغتين أثرى حصيلته اللغوية ،وأصقلت لغته الإنجليزية ،حتى أنه مارسها باحترافٍ في قصائده التي اتسمت بالثراء اللغوي الذي أضفى على قصائده بعضًا من التعقيد والزخرفة ،وكثيرًا من الجمال الإبداعي واللغوي الذي يفوق أكبر لغوي في العالم.أما عن بقية الشعراء ،فهم ينتمون إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقط ،وتشابهوا إلى حدٍّ كبيرٍ في الموضوعات التي تناولوها في أشعارهم مثل الحُب والفقد والتيه وفقدان الإحساس بالذات وحب الطبيعة والتأمل في الذات الإنسانية وما خلقه الله من بشرٍ وحيوانٍ ونباتٍ ،ولكن يوجد شعراء مثل ''جاري سنايدر '' و''تيد كوزر'' و ''تشارلز رايت '' و ''ويليام ستانلي مروين '' قد اتخذوا من الطبيعة موضُوعًا رئيسًا لهم حتى أنهم افتتنوا بالعُزلة والوحدة والابتعاد عن الأضواء لينعموا بذلك الجمال الربَّاني الذي يتطلب البُعد عن الناس والملتقيات الاجتماعية والتَّفرُّغ للتَّأمُّلِ والبحث عن الذَّاتِ من خلال ملاحظة وتدوين ما يجدونه في بيئتهم من تفاصيلَ دقيقة حتى يرى البعضُ أنها عاديةٌ ولكنها غير عادية قد تصل إلى حد الإعجاز.
أما عن الشاعر ''چون بيريمان '' الذي تبنَّى ''الشِّعْر الاعترافي'' فكانت نهايته ''الانتحار'' مثل أقرانه من الشاعرات اللاتي كُنَّ يكتبن ''شعرًا اعترافيًّا'' أيضًا وانتحرن مثل ''سيلفيا بلاث '' و ''سارة تيسيديل'' و ''آن سيكستون".
وعن كتابها أكدت الدكتورة سارة حامد حواس قائلةً : "اخترتُ عشرين شاعرًا من بين خمسةٍ وستين شاعرًا أمريكيًّا حصلوا على جائزة "بوليتزر" حتى عام ٢٠٢٤، بينما بلغ عدد الشاعرات اللاتي حصلن على "بوليتزر" خمسًا وعشرين شاعرة حتى العام نفسه ،كما وقع اختياري على هؤلاء الشعراء الذين حازوا هذه الجائزة ؛لأنها تُعتبر من أبرز الجوائز الأدبية الممنوحة لهم في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث يبقى الفائزون بها بارزين في المشهد الثقافي الأمريكي ،وتُدير جامعة كولومبيا هذه الجائزة، التي تُمنح تقديرًا للإنجازاتِ في مجالاتِ الصَّحافة والمجلَّات والصَّحافة الإلكترونية والأدب والتأليف والموسيقى وتأسَّست عام 1917بناءً على وصية جوزيف بوليتزر، الذي جمع ثروته كناشرٍ للصحف.
وبعد اطِّلاعي على قائمة الشُّعراء الفائزين بجائزة '' بوليتزر''،بدأتُ قراءة قصائد لكل شاعرٍ منهم ،واخترتُ منها ما يناسبني ،ويتوافق مع رُوحي وذائقتي الشعرية ،فأنا أُترجِمُ ما يلمَسُ رُوحي وأكتُب عمَّا أُحبُّه،وفي الوقت نفسه أسعى نحو الجديد ، وأُفضِّل ترجمةَ القصائد التي لم تُترجم من قبل ،وأبحث عن الشُّعراء المُتحقِّقين البارزين في المجتمع الأمريكي ،الذين لم يُكتب عنهم بصورةٍ كافيةٍ من قِبل الوسط الثقافي العربي، فأحبُّ أن أُضيفَ جديدًا ، وتلك هي رسالتي في الترجمةِ والكتابةِ، فأنا أعلمُ جيدًا أنَّ لكلِّ مُترجمٍ رسالةً وبصمةً خاصة وأيضًا معاييرَ يختارُ نصوصه التي يُقبِل على ترجمتها بُناءً عليها كما أنَّ اختيارَ كل مترجمٍ مرآة لروحهِ وذائقته وشخصيته وثقافته الخاصة.
وقالت الدكتورة سارة حواس عن طريقتها في ترجمة الشعر :"في ترجمتي للشِّعرِ، أتبعُ حِسِّي اللغوي الذي ورثته من والدي بروفيسور حامد حواس،أستاذ اللغويات الإنجليزية وعميد كلية الآداب بجامعة دمياط،فكنتُ أجلس معه بصورةٍ دائمةٍ لأتعلم منه فنون الصوتيات والنحو ،وكان يتحدث معي عن الأدب بفنونه المختلفة الرواية والمسرح والشعر ،فكان أبي مطلعًا على الثقافات المختلفة ، فمكتبته ملأى بالكنوزِ الأدبية والمعرفية والثقافية من مختلفِ أنحاء العالم ، فكان دائمَ السفر إلى أوروبا وأمريكا ، يجلب معه الكثير من الكتبِ حول اللغويات والأدب ،كما كان مهتمًا بالأدبِ العربيِّ ،تأثرتُ بأبي كثيرًا وبجلساتنا معًا ،حتى تشرَّبتُ منه حُبَّ الُّلغةِ والأدب والبحث عن المعرفةِ واقتناء الكُتب.
وعن مكانة هذا الكتاب عند الدكتورة سارة حواس بين كتبها ذكرت أن : «هذا الكتاب – عندي - بمنزلةِ تحدٍّ لذاتي في ترجمة الشِّعر ، حاولتُ أن أتركَ بصمةَ رُوحي وعقلي في ترجمتي لهؤلاء الشُّعراء، حاولتُ أن أكونَ نفسي فقط ،أقرأ ترجماتٍ كثيرةً وأطَّلع على القديم والحديث منها وأتعلَّم ،ولكن تبقى رُوحي ورؤيتي الخاصَّة هما السَّائدان والمتحكمَّان في ترجمتي بعيدًا عن مدارس أو قوانين أو قوافٍ أو أوزان، لا أخِلُّ بمعنى أو مقصدٍ من أجل وزنٍ أو قافيةٍ ، ولا أستغنى عن استخدامِ المفردات البسيطة والحديثة والمُناسبة للسِّياق من أجلهما، مع الحفاظ على شكلِ وبنيةِ القصيدة من دون الإخلال بموسيقاها».
وقال الشاعر أحمد الشهاوي إن الشاعرة والمترجمة الدكتورة سارة حامد حوَّاس قد التزمت في ترجماتها بالبنيةِ الطبيعيةِ للجُملةِ العربيةِ ،وليس ببنية الجُملةِ الإنجليزية، وقد تطلَّب الحرصُ على القراءةِ الطبيعيةِ إعادة ترتيب الأسطر الشِّعرية في بعض الأحيان ،حتى بدا النصُّ الذي ترجمته سارة في أحيانٍ كثيرةٍ أصلًا أكثر من الأصل ، فلا شكَّ أنَّ شيئًا من لُغة المترجمةِ قد دخلَ في نسيجِ القصيدةِ التي ترجمتها إلى العربية.
حيث اتبعت سارة حوَّاس بلاغة التنسُّكِ اللغوي ،أو قل بلاغة الصَّمت، إذْ كانت مقتضبةً ومُكثَّفةً وموجِزةً في تعاملها مع النصِّ الشِّعْري، وكانت خياناتها في الترجمة مُحبَّبةً ومحمُولةً على الغُفران والشُّكر،حيث تعاملت مع المجازاتِ والإيقاعاتِ بذكاءٍ وحسٍّ عالييْن.
و قد ترجمت الشِّعْرَ الذي تحبُّه وتتفاعلُ معه ؛ ورأت أنه لا بدَّ أن يكون هناك نوعٌ من التواصل الرُّوحي بين المُترجم والنصِّ الذي يترجمُه، وهذا ما خفَّف من فقدان النصِّ الشِّعْري لهذه الرُّوحية التي يتضمَّنُها.
وتعرفُ سارة حوَّاس – حقَّ المعرفة – أنَّ الشِّعْرَ الحقيقيَّ دائمًا ما يحتفظُ بأشياءٍ من جمالياته ومعانيه ،حتى لو دخل عملية "العنعنات " في الترجمة أي الترجمة عن لغاتٍ وسيطةٍ.
وأشار الشاعر أحمد الشهاوي في مقدمته للكتاب إلى أن الدكتورة سارة حواس "لا تُغالي في أمانتها حتى لا تتحولُ الترجمةُ إلى ترجمةٍ مدرسيةٍ أكاديميةٍ".
وأكد أنها "حاولتْ واجتهدت في معرفة أسرار اللغتين خُصوصًا موضع المُفردة الشِّعرية في البناءِ النصِّي للقصيدة ؛لذا جاءت ترجماتُها بعيدةً عن الجُمُود وقصيَّةً عن الخُلو من الرُّوح ،بمعنى آخر كثُر ماؤُها وتدفَّق، كما أنها حافظت على القيم الجمالية التي تعتمدُ على التركيب الشِّعري ،والقيم التعبيرية في النصِّ الذي ترجمته ، مثلما كانت حريصةً على بيئة الشَّاعر ،حيثُ تقرأ مسيرةَ كل شاعرٍ وتاريخ حياته والدراسات التي تناولت شعرَهُ وتجربتَهُ؛ وتقفُ على أسرارِ نصِّه ،والعوامل التي جعلته فريدًا أو مختلفًا بين مُجايليه من الشُّعراء.
وذكر أن كتاب سارة حوَّاس (ولاؤُهم للرُّوح..عِشْرون شاعرًا أمريكيًّا نالوا جائزة بوليتزر- مُختاراتٌ شِعريةٌ وسِيَر)هو"معملُ ترجمةٍ" ؛لأنها تعاملت مع عشرين طريقةً في كتابة الشِّعْر ، حيثُ الاختلاف في اللغة الشعرية ،وتعدُّد البناء ،والتنوُّع في الأسلوب والعالم الشعري ؛ولذا كان عليها أن توائم رُوحها مع تباين هذه العوالم واختلافاتها.
إن سارة حوَّاس لم تعزف عن ترجمة الشِّعْر ،بل ذهبت فيه إلى الأقصى في زمنٍ يعزفُ فيه أهلُ الشِّعر والترجمة عن ترجمة الشِّعْر ،أو قُل يتهيَّبُون هذا النوعَ من الترجمة ويخشونه ،ويذهبُ معظمهم نحو ترجمة الرواية وكتب العلوم الإنسانية ،فالترجمة عند سارة ليست مغامرةً محفوفةً بالمخاطر ؛لأنها غامرتْ وخاطرتْ ،وصارتْ تسعى طوال الوقت إلى البناء.
هذه مُترجِمةٌ ، الترجمة لديها تحدٍّ ، فهي لا تنحُو نحو الوعُورة والاستغلاق التي نجدها عند كثيرين من الجيل السَّابق عليها في ترجمة الشِّعْر ؛ لأنها تدركُ أنَّ الشِّعر يوحِي ولا يُصرِّحُ، ويومِئ ولا يبوحُ ، وبدا إتقانها في كلِّ من الإيجاز والتكثيف، والحذف والذِكر، والتقديم والتأخير.
وأشار أحمد الشهاوي في مقدمته للكتاب إلى أنه "عندما تترجمُ سارة حوَّاس ترى العالم بأكثر من عينين، على الرغم من وعيها اللافت بأنَّ صُعُوبة الترجمة ومشقَّتها تتبدَّى ظاهرةً في ترجمة الشِّعْر، ولذا فهي تنصتُ إلى المُكوِّنات والقيم الشِّعرية داخل النصِّ الشِّعْري،فلا استسهالَ في عملها، بل يرى المتلقِّي لترجماتها جدِّيةً وصرامةً وبحثًا دؤوبًا فيما وراء النصُوص والمحسُوسات من معانٍ تعبيريةً وقيمٍ جماليةٍ ، مُستلهمة ما تفيضُ به النفوس ،وما ما يعتملُ في القلوب من مشاعر ووجدانيات.
ولعل جهد الدكتورة سارة حامد حوَّاس الأساسي فيما أنجزت من ترجماتٍ شعريةٍ من الإنجليزية إلى العربية ،ومن العربية إلى الإنجليزية قد تركَّز في تطويعِ اللغة لتقبُّل المعاني الأجنبية قبولًا لا يظهرُ فيه شذوذٌ أو التواء، وجهدها الآخر في اندماجها مع من تترجمُ له ،فتحسُّ بروحه ،وترى بعينيه،وتنطقُ بلسان تعبيره، وتكُونُ في حال تطابقٍ حدّ الاتحاد ،وأظنُّها الدرجة العليا في الترجمةِ،أو ما يمكنُ تسميته " النقل الإبداعي.
إنَّ القصيدةَ المُترْجَمةَ عند سارة حامد حوَّاس تصيرُ نصًّا موازيًا للقصيدة الأصلية،فالمترجم العارف من وجهة نظري يرتفع فوق النصِّ الذي يترجمه بعدما يصبحُ متمكنًا من كل مفاصله.
وإلى جانب إدراكها المعنى وظلاله والنصوص الغائبة الكامنة في النصِّ ،فإنها تُحاولُ طَوال الوقت نقلَ الجو العام للنصِّ الشِّعري ، مُستقرئةً المعاني الكامنة ، مستنكهةً الخيارات الدلالية ولا تغفلُ الفروقَ الإيقاعيةَ في اللغتين المُترجَم منها والمُترجَم إليها.
وذكر الشهاوي أن سارة حوَّاس قد ذهبت بوصفها مُتخصِّصةً في اللغوياتِ الإنجليزيةِ نحو أعقد المُنتجات اللغوية وهو ترجمةُ الشِّعْرِ ؛وذلك ما مثَّلَ تحديًّا أمامها ،لكنَّها تسلَّحتْ بشِعريَّتها، وشُعورها ،وحِسِّها ،وحدْسها ،ولُغتها العربيةِ الصافيةِ والدَّالة ،ودراستها الأكاديمية كونها أستاذًا أكاديميًّا ،فلم تقف حائرةً لتبحثَ عن دلالةِ صُورةٍ شعريةٍ أو إيقاعٍ بين اللغتين الإنجليزيةِ والعربيةِ أو بين العربيةِ والإنجليزيةِ ،بل وفَّقتْ بين المبنى والمعنى،ولم تقطع أيَّ رباطٍ بينَ الصَّوت والمعنى؛فهي تدركُ أن الشِّعْرَ هو لُغةُ الآلهة.
ومن يقرأ النُّصُوصَ التي ترجمتها ،وكذا الدراسات التي قدَّمتْ بها كُلَّ شاعِرٍ اشتغلت عليه يلاحظُ أنها لم تستغرقْ في الأكاديميةِ ،خُصُوصًا في النصُوصِ الشِّعريةِ التي حملتها إلى مكانٍ بعيدٍ على جناحيْ طائرِ الشِّعْر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: بيت الحكمة للثقافة مختارات شعرية المزيد الولایات المتحدة الأمریکیة الجوائز الأدبیة فی الترجمة ینتمون إلى ا أمریکیا الکثیر من أحمد الش فی قصائد التی ت من دون عن الش کما أن شاعر ا
إقرأ أيضاً:
عنان حامد: عودة بعد عشرين شهراً إلى السودان وتكهنات حول دوره القادم
عاد الفريق أول عنان حامد، المدير العام السابق للشرطة ووزير الداخلية الأسبق المكلف، إلى السودان بعد غياب دام عشرين شهراً، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية. وبينما أشاد البعض بعودته، واجه الرجل هجوماً حاداً من رواد وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وصفوه بأنه غير مهني ومنحاز لأجندات سياسية.
بورتسودان – كمبالا – التغيير
رغم الانتقادات، استُقبل عنان بحفاوة من قبل قادة الشرطة، تزامنت مع حديث متصاعد عن احتمال تعيينه وزيراً للداخلية، وهو ما فسرته بعض المصادر بالصورة التي ظهر فيها جالساً بين مدير الشرطة الحالي ونائبه خلال مأدبة عشاء انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
قيادات الشرطة تستقبل وزير الداخلية السابق في مأدبة عشاء ببورتسودانفي عام 2021، عُيّن عنان وزيراً للداخلية إلى جانب توليه منصب مدير عام الشرطة، وحسب تقارير صحفية، غادر الوزير البلاد قبل اندلاع الحرب متوجهاً إلى العراق ومنها إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة. وخلال فترة وجوده هناك، اندلعت المواجهات في البلاد. وأشارت التقارير إلى أن التواصل معه كان متعثراً خلال تلك الفترة، وهو ما اعتبرته القيادة العسكرية تقصيراً أو هروباً من المسؤولية في ظل حالة الطوارئ التي تمر بها البلاد.
خلال فترة توليه، واجه عنان ملفات شائكة، أبرزها قضية الضباط المفصولين تعسفياً، حيث أعاد حقوق المئات منه، واتهم بالفساد والخيانة والتقاعس، إلا أن مؤيديه نفوا هذه الادعاءات، مؤكدين أن قراراته كانت موثقة ومرتبطة بظروف المرحلة، و أعرب العميد شرطة مصطفى عبدالحميد الصادق عن دعمه للرجل، مستنداً إلى شهادته الشخصية. وأكد في مقال متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، أن عنان لم يتغير في مواقفه أو مبادئه، رغم تقلده مناصب قيادية حساسة، بما في ذلك منصب وزير الداخلية ومدير عام الشرطة.
ووصف الصادق الهجمة الإعلامية الموجهة ضد عنان بأنها “غير مهنية”، مشيراً إلى أنها تخدم أجندات سياسية تهدف إلى تشويه سمعته. وأضاف أن النقد الموجه إليه يفتقر إلى المصداقية والموضوعية، داعياً إلى ضرورة حماية المؤسسات الوطنية من التجاذبات السياسية التي تهدد حيادها ومصداقيتها أمام الشعب.
بينما اعتبر اللواء شرطة معاش حسن التجاني، عودة عنان، خطوة شجاعة ومسؤولة في ظروف حرجة وقال في مقال على وسائط التواصل الاجتماعي، ما أثير حول الفريق أول شرطة عنان حامد من اتهامات كانت مادة للرأي العام والإعلام، وهي حتى اللحظة مجرد اجتهادات دون أدلة قاطعة. وكمتخصص، أرى أن العودة الطوعية للفريق أول عنان إلى وطنه تعكس ثقة كبيرة في موقفه القانوني، وإيمانه بأن ساحات العدالة هي الفيصل النهائي بين البراءة والإدانة.
أما الفريق شرطة والخبير الحقوقي الطيب عبدالجليل حسين محمود، قدم رؤية تحليلية حول عودة الفريق أول عنان حامد، متسائلاً عن دوافع هذه الخطوة في هذا التوقيت الحرج. وأشار في حديثه مع ( التغيير)إلى أن قبول طلب خلو طرف عنان من قبل رئيس مجلس السيادة يثير العديد من التساؤلات الجوهرية، منها: لماذا تم قبول الطلب؟ وما هي الرسائل الكامنة خلف هذه الموافقة؟
وراي عبدالجليل أن الإجابة على هذه التساؤلات قد تكشف أبعاداً مهمة حول موقف عنان ، مشدداً على أن ما يُثار حول عودته يبقى في إطار التكهنات حتى تظهر الحقائق بشكل واضح.
الوسومتعيين عنان عودة وزير الداخلية