واشنطن "د ب أ": تعد قناة بنما إحدى البنى الأساسية الأكثر أهمية في العالم، وهي تربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، مما يجعلها شريانا حيويا للتجارة العالمية. ومع أن السيطرة على القناة انتقلت إلى بنما منذ عقود، فإن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تعيد السيطرة على هذه القناة، نظرا لأهميتها الاستراتيجية في الأمن القومي الأمريكي.

ويقول ألكسندر جراي، الذي شغل منصب نائب مساعد للرئيس وكبير الموظفين في مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض في الفترة من 2019 إلى 2021، في تقرير نرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية ، إن ترامب أعرب مؤخرا عن أسفه لأن الولايات المتحدة تخلت عن السيطرة على قناة بنما لصالح بنما في عهد إدارة الرئيس الراحل جيمي كارتر، وهو موقف يتسم بالمنطق الاستراتيجي ويتوافق مع السياق التاريخي. وأوضح أن ترامب، الذي يعد الرئيس المحافظ الأكثر تأثيرا منذ عهد رونالد ريجان، يشترك مع ريجان في فهمه الغريزي للمصالح الوطنية الأمريكية، وبشكل أكثر تحديدا، في تشككه المنطقي تجاه التنازل عن القناة التي شقتها الولايات المتحدة.

وتعكس تصريحات ترامب الأخيرة بشكل وثيق مواقف ريجان خلال مناظرة عام 1978 بشأن التصديق على معاهدات توريخوس-كارتر، التي أنهت السيادة الأمريكية على القناة. وقال ريجان، الذي كان يستعد لمنافسة جيمي كارتر في انتخابات 1980، إنه "سيتحدث لأطول فترة ممكنة وبأعلى صوت ضد ذلك"، محذرا بحس استشرافي: "أعتقد أن العالم في الأساس لن ينظر إلى هذا (التنازل عن القناة) على أنه بادرة سخية من جانبنا، كما يريدنا البيت الأبيض أن نعتقد."

ومثل العديد من مبادرات ترامب في السياسة الخارجية، جلبت معارضة ريجان المستمرة للتخلي عن القناة سخرية الخبراء في السياسة الخارجية في ذلك الوقت. وحتى ويليام باكلي الابن، الأب الروحي للحركة المحافظة الحديثة، اختلف مع ريجان وأيد إعادة القناة إلى بنما. ومع ذلك، أدرك ريجان، مثل ترامب، أن المصلحة الأمريكية في القناة تتجاوز العلاقات الأمريكية مع البنميين أو احتمالية الحصول على قدر غامض من "حسن النية" من دول العالم الثالث (التي تعرف اليوم غالبا باسم الجنوب العالمي) من خلال منح السيطرة المحلية.

ويقول جراي إنه أولا، كما كان الحال في زمن ريجان، لا تزال قناة بنما اليوم تلعب دورا عسكريا حيويا للولايات المتحدة، وهو ما يبرر وحده استمرار السيطرة الأمريكية عليها. ويتطلب نقل الجزء الأكبر من القوة البحرية الأمريكية في أوقات الأزمات من السواحل الشرقية إلى الغربية، ومن ثم إلى منطقة المحيط الهادئ، وصولا غير معرقل إلى القناة.

وأوضح أن هذا المنطق هو نفسه الذي دفع الرئيس ثيودور روزفلت في أوائل القرن العشرين إلى الشروع في شق القناة في المقام الأول، والذي حدد أبعاد بناء السفن الحربية الأمريكية لعقود طويلة لضمان قدرة السفن البحرية على عبور نظام الغلق المتعلق بالقناة.

وعلى الرغم من أن السفن اليوم أصبحت أكبر حجما وأن الحرب باتت أكثر تعقيدا، لا تزال الضرورة الأساسية لنقل أطنان ضخمة من القوة البحرية عبر أقصر طريق ثابتة ولم تتغير منذ اكتمال القناة عام 1914.

وثانيا، كما كان الحال خلال الحرب الباردة، تقع قناة بنما اليوم في خطوط المواجهة لصراع القوى العظمى، وهذه المرة بين الولايات المتحدة و الصين. وبينما كانت واشنطن غارقة في حربين مستمرتين في أفغانستان والعراق، استحوذت شركة مقرها هونج كونج على اثنين من أهم خمسة موانئ في بنما، وهي الآن بصدد بناء ميناء عميق و محطة رحلات بحرية و جسر رابع عبر القناة. وكما هو الحال في أفريقيا و جنوب المحيط الهادئ، تستخدم الصين مثل هذه البنية التحتية للحصول على سيطرة اقتصادية وسياسية قسرية، كما تجسد ذلك في حملتها للضغط على بنما لإيقاف اعترافها بتايوان في عام 2017.

وسيكون من الغفلة القصوى الافتراض أن اهتمام بكين ببنما والقناة ليس له علاقة بالأهمية الاستراتيجية لهذا الممر المائي بالنسبة للدفاع الوطني الأمريكي، بحسب جراي. أخيرا، كان ريجان يرى أن السيطرة الأمريكية على القناة مرتبطة ارتباطا مباشرا بنفوذ الولايات المتحدة على الساحة العالمية و جدية الطريقة التي تؤخذ بها كلمات واشنطن في العواصم الأجنبية. وتساءل ريجان خلال الجدل حول نقل القناة: "ماذا يعني هذا لحلفائنا حول العالم بشأن نوايانا القيادية ودورنا الدولي ورؤيتنا لقدرتنا الدفاعية الوطنية؟". ومثل الرئيس الأسبق، يبدو أن ترامب يرى أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير ومواجهة تأثيرات الأعداء على القناة تعد حالة اختبار لقوة واشنطن العالمية. وإذا كان بإمكان واحدة من أعظم عجائب الخبرة الهندسية الأمريكية و الصلابة الوطنية أن تسلم بشكل متهور، رغم كل المنطق الاستراتيجي، وتوضع تحت تهديد التدخل الأجنبي المستمر، فما هي الرسالة التي سترسل إلى الأعداء من طهران إلى موسكو إلى بيونج يانج؟

وقوبلت تعليقات ترامب التي تشير إلى إمكانية استعادة الولايات المتحدة للقناة بهجوم متوقع من مراكز الأبحاث في واشنطن وحتى أبواق الدعاية التابعة للحزب الشيوعي الصيني. ومع ذلك، فإن الرئيس الخامس والأربعين والسابع والأربعين، مثل الرئيس الأربعين قبله، يمتلك إحساسا فطريا بمصالح أمريكا الوطنية الأساسية، وهو ما يبدو أنه يفلت من أيدي العقول الكبيرة في واشنطن. ويختم جراي بأنه مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ستجد هذه البصيرة عالما في حاجة ماسة إلى رئيس أمريكي مستعد لمتابعة قضايا مثيرة للجدل من أجل الميزة الاستراتيجية لبلاده وأمن مواطنيها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة على القناة قناة بنما

إقرأ أيضاً:

فون دير لايين: الولايات المتحدة حليفة الاتحاد الأوروبي

أكدت أورسولا فون دير لايين رئيسة المفوضية الأوروبية، اليوم الأحد، أن "الولايات المتحدة هي طبعا حليفة" الاتحاد الأوروبي، رغم التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الدفاع عن أوروبا.
وردا على سؤال عن ضرورة إحداث تغيير عميق في طبيعة الصلة مع الولايات المتحدة، قالت "بوضوح لا".
وأضافت أن "العلاقة التي لدينا مع الولايات المتحدة مختلفة تماما عن علاقتنا مع الصين".
وهدّد الرئيس الأميركي، أوروبا مؤخرا بفرض رسوم جمركية، فضلا عن إثارته شكوكا بشأن مواصلة الحماية الأميركية للأوروبيين في إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتابعت فون دير لايين، خلال مؤتمر صحافي لمناسبة مرور مئة يوم على ولايتها الثانية "نحن حلفاء (الأميركيين)، لكن هذا يعني أن على جميع الحلفاء تحمل مسؤولياتهم".
وسئلت عن اجتماع محتمل مع ترامب، فاكتفت بالإجابة "سنلتقي عندما يحين الوقت".
واشادت بالدعم الذي أعلنه رؤساء الدول والحكومات في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع لخطتها القاضية ب"إعادة تسليح أوروبا" والتي ستتيح رصد ما يصل إلى 800 مليار يورو للاستثمار في قطاع الدفاع الأوروبي، الأمر الذي تطالب به الولايات المتحدة.
وعلقت فون دير لايين "إنه (قرار) تاريخي. هذا الأمر يمكن أن يكون أساسا لاتحاد أوروبي للدفاع. نحتاج إلى عمل مشترك".
وأعلنت أنها ستنظم اجتماعات حول الأمن مع كامل هيئة المفوضين الأوروبيين.
وقالت "في الأسابيع المقبلة، سأدعو هيئة الأمن. سيكفل ذلك تلقي أعضاء الهيئة تحديثات منتظمة حول تطور الأمن، ويشمل ذلك مواضيع الطاقة والدفاع والبحوث. من الأمن السيبيراني إلى التدخلات الخارجية، مرورا بالتجارة".
وشددت على "أننا سنكون قادرين على المساهمة بفاعلية في الأمن المشترك فقط إذا كان لدينا فهم واضح ومعمق للتهديدات، بما فيها التهديدات الهجينة".

أخبار ذات صلة ترامب يُقيل مسؤولين بوزارة العدل كييف: «ملتزمون تماماً» بالحوار البناء مع أميركا المصدر: آ ف ب

مقالات مشابهة

  • لماذا اعلن الرئيس الأمريكي ترامب انه سيمدد مهلة بيع تيك توك في الولايات المتحدة؟
  • فون دير لايين: الولايات المتحدة حليفة الاتحاد الأوروبي
  • بنما تطلق سراح عشرات المهاجرين بعد ترحيلهم من أمريكا
  • الرئيس السابق لمؤتمر ميونخ يحذر ألمانيا من الاعتماد على "أف 35" الأمريكية
  • كيف يعيد دونالد ترامب إحياء الأسطورة الأمريكية المتعلقة بـ الحدود؟
  • المملكة ترحب باستضافة اللقاء المقرر بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا
  • أول عملية إعدام رمياً بالرصاص منذ 15 عاماً في الولايات المتحدة الأمريكية
  • السعودية تستضيف لقاء بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا
  • وزارة الخارجية: المملكة ترحب باستضافة اللقاء المقرر بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا الذي سيعقد في مدينة جدة الأسبوع المقبل
  • المملكة ترحب باستضافة اللقاء المقرر بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا في جدة الأسبوع المقبل