الجزائر "العُمانية": قالت الروائيّة التونسية أميرة غنيم الحاصلةٌ على التبريز في اللُّغة والأدب العربي، وشهادة دكتوراه في اختصاص اللّسانيات والترجمة من الجامعة التونسيّة لوكالة الأنباء العُمانية الروائيّة: "إن المشهد الروائي في سلطنة عُمان شهد تألّقًا لافتًا خلال العقد الأخير رغم العمر القصير نسبيًّا.

ووضحت أنها تعرّفت على الرواية العُمانيّة من خلال الروائية جوخة الحارثية أوّلا، موضحة: أوّل من عرّفني بالأدب العُمانيّ عبر رائعتها "سيّدات القمر". منذ ذلك الحين، بدأتُ أتابع ما يصدر في سلطنة عُمان، لا سيّما وقد لفت كتّابٌ عُمانيُّون (بشرى خلفان وزهران القاسمي) أنظار العالم العربيّ بعد وصولهم إلى مراتب متقدّمة في الجوائز العالميّة والعربيّة". بعد تتويجها بجائزة الأدب العربي التي تمنحها مؤسسة جان لوك لاغاردير ومعهد العالم العربي (2024)، عن روايتها "نازلة دار الأكابر"، اعتبر الكثير من المتابعين للشأن الثقافي، ما حقّقته الروائيّة أميرة غنيم إنجازًا مهمًّا للرواية التونسية ككلّ. وحول فوزها بهذه الجائزة، قالت أميرة غنيم: "استقبلتُ خبر فوزي بسعادة وفخر، خاصّة وأنّه تزامن مع الوصول إلى القائمة القصيرة لواحدة من أهمّ الجوائز الأدبيّة في فرنسا، وهي جائزة الميديسيس الأجنبيّ. لا شكّ أنّ هذه الجوائز، مع ما يرافقها من تغطية إعلاميّة، تمنح النصّ شهرة توسّع من جمهور قرّائه، وتوفّر للثقافة التي ينتمي إليها فرصة أن تكون جزءًا من النقاش الأدبيّ، ولهذا السبب لا تكون هذه الجوائز وأمثالها تتويجًا للكاتب في شخصه بل تتويجًا للأدب الذي ينتمي إليه وللقيم التي يحملها نصُّه، وفي حالتي شعُرت أنّ اعترافًا أدبيًّا مرموقًا مُنح للأدب التونسيّ وفتح الباب لمقروئيّة أكبر لنصوص هذا الأدب". وتروي رواية "نازلة دار الأكابر" جزءًا من تاريخ تونس الحديث، وفي هذا الشأن تؤكّد أميرة غنيم، بالقول: "تعلّقت الرواية بحوالي قرنٍ كامل من الزمان، منذ بدايات القرن العشرين إلى زمان ما بعد الثورة التونسيّة. صحيحٌ أنّ الحادثة الرئيسة في الرواية (النازلة) وقعت في فترة الثلاثينات لكنّ الرواة الذين تناوبوا على فصول الرواية سردوا الواقعة في أزمنة مختلفة. الأكيد أنّ هذه الأزمنة لم يقع انتخابُها بصفة اعتباطيّة، فأغلبها توافق تواريخ مفصليّة في التاريخ التونسيّ (1956: تاريخ استقلال تونس/ 1978: انتفاضة الخبز/ 1984: الأزمة مع اتّحاد الشغل..)، ولمّا كانت بنية الرواية قائمة على مفهوم الحديث، وكانت الرواية الشفويّة قائمة على الاستطراد، فإنّ كلّ راوٍ لم يكتفِ بسرد تفاصيل اللّيلة الشنيعة التي كان شاهدًا عليها في ديسمبر 1935 بل سرد وقائع من حياته الشخصيّة ومن أحوال البلاد في لحظة القصّ، وهكذا كانت الرواية تعجّ بتفاصيل من التاريخ التونسيّ في مراحله الأساسيّة، ولكنّها تفاصيل مقدّمة من منظور روائيّ لا من منظور مرجعيّ". وبخصوص ما يُثار من حين لآخر، حول مسألة الحدود التي يُسمح بها للروائي المشتغل بالتاريخ، أو على التاريخ، والتابوهات، أو الخطوط الحمراء، التي عليه ألّا يتجاوزها عند بناء العمل السّردي، تقول أميرة غنيم: "بمجرّد أن يقتنع الروائيُّ بأنّ العقد الجامع بينه وبين القارئ هو عقد الكتابة التخييليّة، تسقط كلّ التابوهات، وتمحي كافّة الخطوط الحمراء؛ فالروائيُّ لا يدّعي أنّه يروي أقوالاً صادقة، ولا يدّعي أنّه يقدّم الرواية الحقيقيّة لما حدث في الواقع المرجعيّ، فحسبُه أن يُقدّم عالمًا محتمل الحدوث لا عالمًا حادثًا حقًّا. ومن خلال تجربتي، يُمكنني أن أميّز بين طرائق كثيرة من التعامل الروائيّ مع التاريخ، أحبُّها إلى قلبي اتّخاذُه خلفيّة للأحداث. ففي "نازلة دار الأكابر"، استقدمتُ شخصيّة تاريخيّة واحدة من ضمن كوكبة الشخصيّات الكثيرة التي تضمّنتها الرواية ولكنّ التاريخ ظلّ حاضرًا بقوّة في المشهد الخلفيّ، في الأطر المكانيّة، وفي أنماط الكلام، وفي العادات والثقافة السّائدة". أمّا عن استفادتها كروائيّة من عملها كأكاديميّة، فتؤكّد "غنيم" بالقول: شخصيًّا لا أقوم بالتعامل بين الجانب الأكاديميّ والجانب الإبداعيّ في تجربتي، ولكنّه موجود بلا شكّ وإن كان في مستوى لا واعٍ. ففي الحالتين، ثمّة مسؤوليّة فكريّة وأخلاقيّة تجعل من الكتابة التزامًا ذا متطلّبات، ليس أقلّها احترام ذكاء القارئ، واحترام ما يحتاجه المكتوب من الدقّة والمصداقيّة؛ فالرواية لا تروي حكايةً فحسب بل تقدّم معرفة أيضًا، والمعرفة تحتاج إلى الوثائق والبحث والتمحيص. ربّما في هذه النقطة بالذات تساعدني صفة الباحثة في النشاط البحثي لنشاط الكتابة وأعني في الوصول إلى الوثائق المرجعيّة المتعلّقة مثلاً بالفترة التاريخيّة التي أشتغل بها، وفي حسن التعامل معها. وفي كلّ الحالات، ورغم قلّة شعبيّة هذه الفكرة، فأنا على يقين بأنّ المشترك الأكبر بين أعمالي البحثيّة الأكاديميّة وأعمالي الأدبيّة هو القدرة على التخييل، فالخيال محرّك الإنتاج الفكريّ أيًّا كان هذا الإنتاج، وهو ما تحاول اللسانيّات العرفانيّة اليوم أن تستدلّ عليه". وحول سؤال عن الرواية العربيّة والمشهد الروائي العربي الحالي، تُجيبُ أميرة غنيم بالقول: "المشهد الروائيُّ العربيُّ الحاليّ غنيٌّ في رأيي بكتّابه المبدعين. ففي كلّ عام تصدر رواياتٌ جميلة جدًّا من كتّاب مكرّسين وآخرين مبتدئين، والأجمل أنّها روايات تجري في مضامير أسلوبيّة مختلفة من الواقعيّة الكلاسيكيّة، إلى التجريبيّة التي تعتمد تقنيات جديدة في السرد وفي بنية الزمان. أحاول الاطّلاع على أكبر عدد من المنشورات الجديدة وأتفاجأ في كلّ مرّة بأقلامٍ واعدة أقرأ لها لأوّل مرّة. يبعث هذا على التفاؤل بخصوص مستقبل الرواية العربيّة. المشكل الوحيد هو أنّ الكتابة المبدعة وحدها لا تكفي، فالرواية صناعة حلقاتها كثيرة، تبدأ من الكاتب، وتمرُّ بالناشر، وصولاً إلى المؤسّسات الثقافيّة التي تدعم الكتاب، سواء كانت رسميّة أو غير ذلك. وظنّي من خلال ما أراه وأسمعه من شهادات الكتّاب أنّ حلقة الناشر مازالت ضعيفة في العالم العربيّ، فرغم الارتفاع المذهل في عدد دور النشر، فإنّ أغلبها لا يقوم بوظيفته في صناعة الكتاب ويكتفي بدور قريب من دور المطابع. فلا متابعة للكتاب، إلّا في حالات قليلة، ولا دعم له للوصول إلى الساحة النقديّة والإعلاميّة خلافًا لما يحدث في دور النشر العالميّة. وحول سؤال بخصوص المُشْتَرَكات التي يمكن استخلاصها من المشهد الروائيّ العربيّ، سواء تعلّق الأمر بالأساليب أو الاهتمامات التي يُعبّر عنها الروائيُّون العرب، مغربًا ومشرقًا، تؤكّد أميرة غنيم بالقول: "أعتقدُ أنّ المُشترَك الأكبر هو هذا السعي الواضح لدى الكتّاب العرب إلى استكشاف الهويّة وطرح أسئلة الانتماء، لا سيّما بعد ما شهده جزءٌ كبيرٌ من العالم العربيّ من تحوّلات سياسيّة أفرزت مآزق على المستوى الاجتماعيّ والثقافيّ، فعددٌ كبير من الروايات الناجحة يناقش بصوتٍ عالٍ أزمة الهويّة الفرديّة في مواجهة الجماعة، عبر صراع الأجيال وقصص التمرّد على التقاليد الاجتماعيّة والنضال من أجل الحريّات الفرديّة، علاوة على انشغال روايات كثيرة بأسئلة حول الانتماء إلى الوطن واستكشاف الهويّة القوميّة في ظلّ التجزئة. وانتشرت في السنوات الأخيرة روايات تتّخذ المنظور الجندريّ منهجًا أساسيًّا في الكتابة وتناقش التقسيمات النمطيّة للهويّة الأنثويّة والذكوريّة. وفي الجملة، تعكس المضامين التي تتناولها الرواية العربيّة اليوم قلق الكاتب العربيّ إزاء التحوّلات السريعة التي يشهدها محيطُه، وهي تحوُّلاتٌ حفّزت من جديد سؤالاً قديمًا جدًّا: من نحن؟". أمّا بخصوص الروائيّين العرب الذين سطعت شموسُهم في المهاجر، سواء بأوروبا أو أمريكا، أو عبر أصقاع قصيّة من العالم، فهل تعتبر أميرة غنيم أنّ الروائيّ العربيّ الذي يكتب بغير لغته العربيّة، جغرافيًّا، مشمولاً بمصطلح "رواية عربية"، أم تعتبره أدبًا غير عربي؟ تقول: "الحقيقة أنّي أقدّر الأدب الجيّد أيًّا كان منشؤه، ولا يهمّني كثيرًا أن أبحث في الأسباب الاجتماعيّة أو السياسيّة لشهرة كاتب أو شاعر، كما أنّي لا أعتبر الشهرة معيارًا للجودة. ولكن إذا أردنا أن نفكّر في الأمر موضوعيًّا ودون خلفيّات أيديولوجيّة، فإنّ عددًا من المهاجر الغربيّة يوفّر للأدب الجيّد مساحةً لا توفّرها البلدان العربيّة، ولا أقصد هنا حريّة التعبير، فلكلّ عالم تابوهاته التي ينسى معها قيم الحريّة ويكشف بها عن وجهه الدكتاتوريّ المقيت، ولكنّي أتحدّث عن التقاليد الثقافيّة التي ترعى الأدب وتوفّر له حضورًا مرموقًا سواء في المهرجانات أو المعارض أو في المنصّات الإعلاميّة المتنوّعة. وربّما كانت بيئة المهاجر تسهّل الانتشار بسبب منزلة القراءة وبسبب القيمة الاعتباريّة التي تمنحها للكاتب الجيّد. تبقى مسائل أخرى متعلّقة بالأجندات السياسيّة، وتلك سيكنسها التاريخ ويكنس أصحابها". وتضيف بالقول: "ينبغي أن نتّفق حول مفهوم العروبة حتّى نستطيع الاتّفاق حول هويّة الأدب العربيّ، فأقول أن العروبة هي اللُّغة العربيّة لا أكثر ولا أقلّ. لكنّي لا أحبّ مع ذلك أن أصادر حقّ الكتّاب العرب الذين يكتبون بغير لسانهم الأمّ في الانتماء إلى مشهد الأدب العربيّ. قد يكون انتماؤهم مبرّرًا بنوعيّة المواضيع المطروقة، بخصوصيّة العوالم السرديّة المُنشأة، بمحليّة الأماكن وخصوصيّة التاريخ. ولكن هل يمكن لأهل فارس اليوم أن ينسبوا سيبويه أو ابن سينا إليهم لأنّ أصلهما فارسيّ؟ وهل يمكن لأحد اليوم أن ينكر انتماء ابن المقفّع إلى الأدب العربيّ؟ عاش كاتب ياسين بقيّة عمره حزينًا لأنّه لم يكتب نجمة بالعربيّة، فقد كان موقنًا بأنّ من يُعرَف عالميًّا خارج لسانه لن يندرج أبدًا في ثقافته". أمّا بخصوص سؤال مفاده هل ترى نفسها روائيّة مُقلّة، تجيبُ غنيم بالقول: " لا أعتبر نفسي مقلّة أبدًا. فأوّل رواية صدرت لي في 2020 (نازلة دار الأكابر)، ثمّ صدرت لي بعدها رواية في 2023 (الملفّ الأصفر)، وأخرى في 2024 (تراب سخون)، وثمّة رواية الآن عند الناشر قيد الطبع، وقد تصدر في (2025). وظنّي أنّ هذا معدّل جيّد بالنسبة إلى من ينشر أيضًا في حقل اختصاصه الأكاديميّ، وليس متفرّغًا للأدب".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العالم العربی الأدب العربی الروایة الع العربی ة الع مانی من خلال ع مانی التی ی ة التی

إقرأ أيضاً:

الأدب العراقي فقد أحد أعمدته.. تعزية من رئيس الحكومة بوفاة أحمد خلف

الأدب العراقي فقد أحد أعمدته.. تعزية من رئيس الحكومة بوفاة أحمد خلف

مقالات مشابهة

  • أردوغان يكشف قيمة الأضرار التي لحقت بسوريا خلال 13 سنة
  • السومة يودع العربي ويقترب من العروبة
  • الأدب والمرايا
  • الأدب العراقي فقد أحد أعمدته.. تعزية من رئيس الحكومة بوفاة أحمد خلف
  • إكسير "بوربس 50" الاستثنائي من أمواج.. رمز خالد لعبق اللبان العُماني
  • وزير الخارجية يبحث مع وزير التجارة والصناعة العُماني تعزيز التعاون بين البلدين
  • »أسئلة الرواية الفلسطينية«
  • رئيس الأهلي المصري: «المركزي» قوي ولا يستخدم «الهوت ماني» ولا يضيفها للاحتياطي
  • وزير المالية يكشف عن الجهة التي بادرت بتسديد حصة المرتبات