مستقبل سوريا والدور العربي المطلوب
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
د. عبدالله الأشعل
هناك حقائق يجب أخذها في الاعتبار واهمها هى:
أولاً: أن سوريا تاريخيا في مركز العالم العربي والإسلامي، وهناك فرق بين الدولة السورية والحكم الذى يتولى الإدارة. لقد كانت دمشق عاصمة الأمويين لثمانية عقود وأعقبها الدولة العباسية وكان مركز الخلافة بغداد فلم تكن العراق أو إيران بعيدة عن سوريا في العصور الوسطى.
ولاتزال سوريا في مركز السياسة في المنطقة فكانت مع مصر منذ العصور الوسطى محكومة بحكومة مقرها اما في دمشق أو القاهرة. هي الوحدة التي قامت مع مصر هي الجمهورية العربية.
وسوريا عانت طويلاً من نظام كشف عن أنه قمع الشعب السوري بطريقة لا إنسانية.
ثانياً: أن نظام الأسد كان يُساند المقاومة ولذلك فإنَّ القوى التي أزاحته لغرض أساسي وهو تحويل سوريا عن مساندة المقاومة.
وليس الهدف مصلحة الشعب السوري أو إنقاذ السوريين من توحش النظام. خاصة وأن واشنطن تعتبر أن إزاحة نظام الأسد كسبا كبيرا لجهودها وهو تحويل سوريا للعمل ضد المقاومة بدليل أن واشنطن اشترطت على القيادة الجديدة إبعاد إيران وروسيا عن سوريا وهو هدف سعت واشنطن وإسرائيل وحلفاؤهما من العرب إلى فصل إيران عن سوريا لسبب بسيط وهو أن الثورة الإسلامية في إيران قامت منذ اليوم الأول معادية لأمريكا وإسرائيل.
أما التقارب الإيراني السوري فكان لأهداف كثيرة يهمني منها دعم المقاومة التي أسمتها واشنطن أذرع إيران في المنطقة. ويبدو أنَّ الأسد اعتقد أن توجهه القومي المعادي لإسرائيل والداعم للمقاومة يُبرر له أن يرتكب الجرائم علما بأنَّ حلفاءه إيران وروسيا وحزب الله لا علاقة لهم بجرائمه ولا يُمكن أن يتدخلوا في المساحة بينه وبين شعبه. فهم يساندون الدولة السورية وليس بالضرورة النظام السوري لكن من الصعب الفصل بين الدولة والنظام.
ثالثاً: الانطباع العام بأن النظام الجديد يحول سوريا عن المقاومة ولكن وزير خارجية الكويت وضع النقاط على الحروف فطالب النظام الجديد أن يحافظ على وحدة الأراضي السورية ويتصدى للتجاوزات الإسرائيلية. وقد صدرت تصريحات في هذا الموضوع من القيادة الجديدة لا تطمئن على علاقته بإسرائيل. وكل الشواهد تشير إلى أنَّ النظام الجديد يتمتع برضى واشنطن وإسرائيل لدرجة أنَّ كثيرا من التحليلات في هذا المجال تقول إن إسرائيل نجحت في إزالة الأسد المناوئ لإسرائيل حتى في الحد الأدنى خاصة وأن إسرائيل اعترفت رسمياً بأنها انتصرت على المقاومة عن طريق إزالة نظام الأسد واستبداله بنظام ترضى عنه. كما أن واشنطن والاتحاد الأوروبي وعدوا برفع العقوبات عن سوريا ورفع الحركة من قوائم الإرهاب.
رابعاً: إذا كان العالم العربي خاصة مصر التي ساندت نظام الأسد رحب بالنظام الجديد، فإنِّه ترحيب دبلوماسي وليس سياسياً، وكان الاتحاد الأوروبي قد تحفظ بحذر بأنَّ العبرة ليست بالأقوال وإنما بالأفعال. والمهم الآن المحافظة على الدولة السورية والترحيب بأي نظام يحافظ على أراضي سوريا ولا يعادي المقاومة وليس بالضرورة في صراع مع إسرائيل وهو بالضرورة إذ دعم المقاومة يكون ضد إسرائيل.
خامساً: يجب على النظام الجديد ألا يقبل الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية بمعاداة روسيا وإيران وحزب الله. ليس بالضرورة أن تكون سوريا حلقة الصلة كالسابق بين إيران والمقاومة بشكل كامل.
سادساً: غض الطرف عن حلفاء النظام السابق وأعدائه وإنما يختار النظام الجديد ما يصلح للمصالح السورية خاصة إذا نجح النظام في نقل السلطة بطريقة سلسة وسلمية ويجب على العالم العربي أن يساند النظام الجديد لما هو في مصلحة سوريا الدولة وآمل أن يتمكن النظام الجديد من استيعاب كل مكونات الشعب السوري.
سابعاً: يجب على كل الأطراف أن تدرك أنها تجربة فريدة. معظم الشعب السوري ابتهج لزوال نظام الأسد بسبب الجرائم التي تم الكشف عنها.
لكن هذا الموقف لا يعني بشكل تلقائي الترحيب بالنظام الجديد ومطلوب من النظام الجديد أن يلتزم بأعلى درجات التجرد والبعد عن الانتقام أو التطرف من أي نوع وأن يُركز على مصلحة سوريا الدولة. وليعلم النظام الجديد بأنَّ الذي تغير هو النظام وليس الدولة. صحيح أن نظام الأسد كان يلزم الدولة بمفهومه. ويجب إغلاق صفحة النظام السابق.
ثامنا: يجب على النظام الجديد أن يدرك أنَّه في مرحلة الاختبار ويجب على العرب دعمه لمصلحة سوريا وليس لمصالح كل دولة عربية.
تاسعا: ما حدث في سوريا فريد لا يقاس عليه وله ظروفه الخاصة.
فلا يعني إمكانية نجاح الثورات العربية الأخرى. كما إن النموذج السوري في يقيني يبعث برسالة واضحة مؤداها هو أن من تسانده إيران وروسيا ويساند المقاومة يمكن إزالته بخلاف النظم المدعومة من المعسكر الآخر.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: النظام الجدید الشعب السوری نظام الأسد عن سوریا یجب على
إقرأ أيضاً:
دعوات ولقاءات حوارية من أجل مراجعة شاملة: ماذا أنجزنا وما هو المطلوب اليوم؟
تشهد الساحة الإسلامية والعربية حركة متواصلة من اللقاءات والحوارات المعلنة، وغير المعلنة من أجل إجراء تقييم شامل للتطورات التي حصلت منذ معركة طوفان الأقصى إلى الحرب على لبنان وغزة، وصولا لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد والتداعيات الحاصلة من وراء كل ذلك.
وفي العاصمة اللبنانية بيروت تعقد العديد من الحلقات الحوارية من قبل مراكز دراسات وأبحاث، حيث شهدنا في الأسبوع الماضي عقد حلقة حوارية بدعوة من مركز الزيتونة للدراسات والأبحاث، وكذلك ندوة حوارية بدعوة من مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي. وتناولت الحلقتان تقييم معركة طوفان الأقصى ونتائجها، وكذلك الحرب على لبنان وفلسطين ودور قوى المقاومة ومحور المقاومة، وكيفية التعاطي مع التطورات المقبلة وخصوصا مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين والعودة لمشروع التطبيع وكيفية توحيد الموقف الفلسطيني، والتطورات الأخيرة في سوريا.
وبعيدا عن الأضواء، عقدت سلسلة لقاءات بين قيادات إسلامية فاعلة في لبنان والعالم العربي مع عدد من الكوادر الإسلامية الفاعلة في لبنان لتقييم مختلف التطورات وكيفية مواجهة التحديات المختلفة، وخلال هذه اللقاءات دعت هذه القيادات إلى إجراء مراجعة شاملة لكل ما حصل خلال السنوات الأخيرة في العالم العربي ولا سيما منذ معركة طوفان الأقصى إلى اليوم، وذلك بهدف استخلاص العبر ووضع رؤية جديدة للحركات الإسلامية للمرحلة المقبلة.
هناك تحديات عديدة تواجهها الحركات الإسلامية وقوى المقاومة اليوم تتطلب إعادة تقييم الأداء لمعالجة كافة المشكلات التي برزت من خلال رؤية واقعية، ومن خلال إعادة دراسة كل التجارب الإسلامية السابقة
واعتبرت هذه القيادات أن القوى والحركات الإسلامية في لبنان والعالم العربي تواجه اليوم تحديات كبرى من جرّاء التطورات المتسارعة خلال السنتين الأخيرتين، ولذلك يجب دراسة السلبيات والإيجابيات التي حصلت وتقييم كل التطورات على مستوى الرؤية والأداء وتحقيق الأهداف التي وضعت، وطرح الأسئلة الصعبة حول المعارك التي جرت ونتائجها، والشعارات التي رُفعت ومدى تطابق هذه الشعارات مع القدرات والإمكانيات، وأنه لا بد من تقييم كل الأحداث من خلال الحوار مع القيادات المعنية والتي تمتلك المعطيات والمعلومات حول التطورات المختلفة وخصوصا في الجانب الأمني والعسكري.
وأضافت هذه القيادات الفاعلة خلال هذه اللقاءات الخاصة، والتي تعتبر جزءا من سلسلة لقاءات تقييمية وحوارية تشهدها الساحة الإسلامية اليوم، أن هناك تحديات عديدة تواجهها الحركات الإسلامية وقوى المقاومة اليوم تتطلب إعادة تقييم الأداء لمعالجة كافة المشكلات التي برزت من خلال رؤية واقعية، ومن خلال إعادة دراسة كل التجارب الإسلامية السابقة، وحتى التجارب والمعارك التي خاضها الرسول محمد (ص) وكيف كان يتعامل الرسول مع هذه المعارك وخصوصا عند حصول الأخطاء أو الثغرات والتي تحدث عنها القرآن الكريم، ولا سيما معركتي أُحد وحنين، وعلى ضوء ذلك يمكن دراسة التجارب التي تحصل اليوم ومعالجة الثغرات التي برزت.
وتؤكد القيادات الإسلامية الفاعلة أن دور الحركة الإسلامية لا ينحصر فقط بالمقاومة العسكرية، مع أهمية دور المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني، فالمشروع الإسلامي هو مشروع شامل على كل المستويات السياسية والثقافية والفكرية والعلمية والاجتماعية، وهناك تحديات كبيرة يواجهها هذا المشروع اليوم سواء على مستوى الأهداف أو على أرض الواقع، وأن على القوى والحركات الإسلامية أن تقدم نموذجها الواقعي والحقيقي كي تقدم للناس والجمهور الصورة العملية وعدم الاكتفاء بالشعارات الكبيرة.
ومع تأكيد القيادات الإسلامية على أن المعارك الأخيرة في لبنان وفلسطين تضمنت مؤشرات إيجابية مهمة على مستوى الصمود والمقاومة ومنع العدو من تحقيق أهدافه، لكن في المقابل برزت أخطاء وثغرات تتطلب المعالجة والتفكير والبحث في آليات جديدة للعمل في المستقبل، وخصوصا على صعيد المعركة التكنولوجية والأمنية.
لا بد أن يكون هناك دور فاعل في المرحلة المقبلة للنخب الثقافية والفكرية كي تأخذ دورها الفاعل على صعيد الشأن العام، واعتماد الكفاءة والمعايير العلمية في اختيار القيادات والمسؤولين
ودعت هذه القيادات الإسلامية لمراجعة الأداء السياسي طيلة السنوات الماضية وتعزيز التشاور والحوار بين القيادات الإسلامية وأهمية الانفتاح على بقية الشركاء في الوطن؛ لأن ما جرى خلال الحرب على لبنان من احتضان كبير للنازحين من قبل كل أطياف المجتمع اللبناني أكد أهمية الوحدة الوطنية وأنه لا بديل عن العيش المشترك، وفي المقابل لا بد من مراجعة الأداء الثقافي والديني والتأكيد على أهمية الارتباط بالمشروع السياسي والإسلامي العام، والابتعاد عن الغلو والتطرف، وأنه لا بد أن يكون هناك دور فاعل في المرحلة المقبلة للنخب الثقافية والفكرية كي تأخذ دورها الفاعل على صعيد الشأن العام، واعتماد الكفاءة والمعايير العلمية في اختيار القيادات والمسؤولين.
وأضافت هذه القيادات الإسلامية أن المطلوب اليوم تقييم كل التطورات السياسية في لبنان وسوريا وإعادة قراءة ما جرى في السنوات الماضية والاستفادة من الاخطاء التي حصلت، والعمل لتحويل التطورات في سوريا إلى فرصة جديدة لتجاوز المشكلات التي حصلت خلال السنوات الماضية، وعدم التعاطي مع المتغيرات في سوريا وكأنها خسارة لمحور ضد محور، بل المطلوب إجراء حوارات واتصالات بعيدا عن الأضواء من أجل التعاون لمواجهة التحديات الجديدة وخصوصا التوغل الإسرائيلي في سوريا وما يخطط له الأعداء لتصفية القضية الفلسطينية.
وركز المشاركون في هذه اللقاءات على التعاون الإيراني- التركي- العربي وعدم العودة للصراع مجددا، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتجاوز مختلف التحديات القادمة.
فهل تلقى دعوات القيادات الإسلامية تجاوبا من الحركات الإسلامية وقوى المقاومة وقادة دول العالم العربي والإسلامي؟ أو سنغرق في صراعات جديدة طائفية ومذهبية تخدم الأعداء؟ وهل سنشهد المزيد من الورشات الحوارية كي نجيب على السؤال المركزي اليوم: أين كنا وماذا أنجزنا وأين أصبحنا وما هو المطلوب اليوم؟
x.com/kassirkassem