سودانايل:
2025-01-07@20:35:18 GMT

اليسار السوداني بين التشظي ورهانات المستقبل

تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT

زهير عثمان

اليسار السوداني، كتيار فكري وسياسي، لعب دورًا محوريًا في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي في السودان منذ منتصف القرن العشرين. ورغم إسهاماته الكبيرة، فإن تشظيه وتحولاته تعكس صراعات داخلية وخارجية مرتبطة بالواقع السوداني المعقد. لفهم هذه الظاهرة، يتعين التعمق في جذور اليسار السوداني، ديناميكيات تطوره، وتأثير السياقات المحلية والعالمية عليه.


منطلقات الماركسية السودانية
اليسار السوداني بدأ بنهج ماركسي كلاسيكي مستلهَم من الأدبيات الأممية، حيث سعى إلى تفسير التناقضات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. تبنى الماركسيون السودانيون رؤى مستمدة من الأدبيات اللينينية، مع محاولات لتكييفها مع السياق السوداني، الذي يتميز بتنوع إثني وثقافي واسع. لكن، وبمرور الوقت، برزت تحديات كبرى تمثلت في غياب القدرة على تحقيق التوافق بين النظرية والممارسة، خاصة في ظل تدخلات الأنظمة الحاكمة وقمعها.

الانشقاقات والتحولات
شهد اليسار السوداني عدة انشقاقات كانت في جوهرها تعبيرًا عن خلافات أيديولوجية وتنظيمية. من أبرزها انشقاق مجموعة حق، التي جاءت كرد فعل على الجمود الأيديولوجي داخل الحزب الشيوعي السوداني. حركة حق، بمحاولتها إعادة قراءة الماركسية، عكست توجهًا جديدًا يميل إلى تخفيف النزعة الأيديولوجية لصالح مقاربات أكثر واقعية.

هذا الانقسام لم يكن ظاهرة منعزلة، بل يعبر عن جدلية الصراع داخل تيارات اليسار عالميًا، حيث تأثرت الحركات اليسارية في السودان بتراجع الماركسية التقليدية عالميًا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وصعود النيوليبرالية كأيديولوجيا مهيمنة.

مقاربات جديدة للماركسية
في أواخر حياته الفكرية، أبدى ماركس اهتمامًا بتنوع سبل التطور التاريخي، متخليًا عن التصور الآلي للتاريخ الذي كان حاضرًا في البيان الشيوعي. هذا التحول، الذي التقطه مفكرون عالميون، انعكس في محاولات قادة يساريين كنهرو وسنغور وماو تسي تونغ لتكييف الماركسية مع واقع بلدانهم.

بالنسبة للسودان، فإن هذا التوجه يفتح آفاقًا لإعادة قراءة الماركسية بما يتناسب مع التحديات السودانية، مثل التعدد الثقافي، والنظام القبلي، والتركيبة الاقتصادية الريفية. هذه القراءة قد تسهم في تطوير رؤية يسارية حديثة تنطلق من الواقع السوداني بدلًا من استنساخ نماذج خارجية.

اليسار بين الهوية الوطنية والعولمة
أحد التحديات الكبرى التي تواجه اليسار السوداني اليوم هو التوفيق بين الهوية الوطنية ومتطلبات العولمة. فبينما تسعى التيارات اليسارية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية داخل السودان، تجد نفسها مضطرة للتعامل مع أنماط اقتصادية وسياسية عابرة للحدود. هذا التحدي يستدعي إعادة صياغة المفاهيم التقليدية لليسار بما يضمن الحفاظ على الخصوصية السودانية مع الانفتاح على القضايا العالمية.

رهانات المستقبل
في ظل التحولات الراهنة، يحتاج اليسار السوداني إلى مواجهة عدة أسئلة جوهرية: كيف يمكنه استعادة دوره كقوة فاعلة في الحراك السياسي؟ ما هي الأدوات التي يحتاجها لتجاوز الانقسامات الداخلية؟ وهل يستطيع بناء مشروع سياسي يجمع بين الطموح الوطني والتحديات الكونية؟

الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب تجاوز الخطاب النخبوي والانفتاح على قضايا الجماهير. كما تتطلب تبني رؤية شاملة ترتكز على العدالة الاجتماعية، والمساواة، واحترام التنوع الثقافي. هذه الرؤية لن تتحقق إلا من خلال تجديد الفكر اليساري السوداني وتطوير أساليب عمله.

اليسار السوداني يقف اليوم على مفترق طرق، حيث تتقاطع فيه التحديات الداخلية والخارجية. وبينما يمثل التشظي عائقًا، فإنه أيضًا فرصة لإعادة بناء المشروع اليساري على أسس جديدة. هذا المشروع يحتاج إلى قراءة نقدية للتاريخ، واستلهام الدروس، مع الانفتاح على المستقبل بروح تقدمية تتجاوز الأيديولوجيات الجامدة.

اليسار السوداني، إذا استطاع تجاوز أزماته الراهنة، يمكن أن يكون قوة تغيير حقيقية تساهم في بناء سودان جديد قائم على العدالة والمساواة والحرية.

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الیسار السودانی

إقرأ أيضاً:

واشنطن تفرض عقوبات على حميدتي قائد قوات الدعم السريع السودانية

قال مصدران دبلوماسيان أمريكيان لوكالة رويترز للأنباء، إن الولايات المتحدة الأمريكية ستعلن فرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو، "حميدتي".

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، دعت الحكومة السودانية المجتمع الدولي إلى تصنيف قوات الدعم السريع جماعة إرهابية، مشددة على أن التصعيد الممنهج للمذابح والفظائع من القوات التي يتزعمها دقلو ضد المدنيين يهدف لاستدعاء التدخل العسكري الدولي في السودان.

واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، بابكر الصديق، قوات الدعم السريع بارتكاب مذبحة جديدة في مدينة الهلالية، بولاية الجزيرة، وسط السودان، حيث تجاوز عدد القتلى 100 شخص قتلوا بالرصاص أو نتيجة للتسمم الغذائي، وافتقاد الرعاية الطبية لمئات المدنيين من رجال ونساء وأطفال تحتجزهم رهائن في مواقع مختلفة من المدينة.

وقال الصديق، إن هذه الجريمة البشعة جاءت بالتزامن مع بيانات الإدانة الدولية للمذابح التي نفذتها قوات الدعم السريع، الأسبوعين الماضيين، في قرية السريحة وعشرات القرى الأخرى والمدن في شرق ولاية الجزيرة، وقتل خلالها المئات من المدنيين، في حملات انتقامية مروعة استهدفت المدنيين العزل، بعد انشقاق عدد من قادة قوات الدعم السريع وعناصرها.

وأضاف: "تتزامن المذبحة الشنيعة مع حملة انتقامية وحشية مشابهة تنفذها قوات الدعم السريع ضد القرويين العزل في شمال دارفور، بعد فشل هجماتها المتكررة على الفاشر، حيث حرقت خلالها أكثر من 40 قرية في الولاية".

وأوضح أن قوات الدعم السريع لا تعبأ بالإدانات اللفظية، أو القرارات الدولية غير المسنودة بإجراءات حاسمة لضمان تنفيذها، كما حدث مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2736 الصادر منذ قرابة ستة أشهر، الذي طالب قوات الدعم بفك الحصار عن مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وعدم استهداف المدنيين. مبينا أنها ردت عليه بتصعيد قصفها للمدنيين ومعسكرات النازحين بالفاشر، على عكس ما طالبها به القرار.

وأكدت الخارجية السودانية، أن التصعيد الممنهج للمذابح والفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع ضد المدنيين يهدف لاستدعاء التدخل العسكري الدولي في السودان، تحت ذريعة حماية المدنيين، بما يمكّن قوات الدعم السريع من تجنب الهزيمة العسكرية، والاحتفاظ بالمواقع التي تحتلها.

وطالبت الوزارة المجتمع الدولي بعدم الاستجابة لـ"الابتزاز الإرهابي" بطرح فكرة التدخل الدولي، مشيرة إلى أن المطلوب هو تصنيف قوات الدعم السريع جماعة إرهابية، وملاحقة قياداتها وعناصرها كمطلوبين للعدالة الدولية، واعتبار كل من يساعد أو يدعم قوات الدعم السريع أو يستضيف قياداتها والمتحدثين باسمها راعيا للإرهاب وشريكا في جرائمها.

مقالات مشابهة

  • أزمة الديمقراطية هي في الواقع أزمة اليسار
  • أمريكا تتهم "الدعم السريع" السودانية بارتكاب "إبادة جماعية"
  • واشنطن تفرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية
  • عاجل | رويترز: واشنطن تفرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو
  • واشنطن تفرض عقوبات على حميدتي قائد قوات الدعم السريع السودانية
  • رغم موقف بلادهم .. تفاصيل جلوس (60) طالباً تشادياً لامتحانات الشهادة السودانية في جدة
  • كل من جلس لامتحان الشهادة السودانية هذه السنة فهو ناجح
  • مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية
  • شبيبة اليسار الديمقراطي منزعجة من تراجع الحقوق والحريات على خلفية المتابعات