لجريدة عمان:
2025-01-07@07:55:00 GMT

رفض العولمة

تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

هل يتذكر أحد كتاب «الليكزس وشجرة الزيتون» الرائج لمؤلفه توماس فريدمان الصحفي وكاتب الرأي في نيويورك تايمز؟ أو كتاب «مستقبل مثالي»، وهو أفضل من الأول وإن يكن أقل شهرة، لجون ميكليثويت وأدريان وولدريدج، الصحفيين السابقين في مجلة الإيكونوميست؟ لقد كانت روايتا الكتابين اللتان أشادتا بالعولمة نادرتين للغاية في بابهما.

ولكن من خلال كتب هذه الفئة أصبحت لعملية تاريخية عابرة وجه ثقافي، وتجسدت بوصفها حتمية، ونظرية سيطرت على الفكر الاقتصادي والسياسة طوال عقود. غير أن هذا المنظور، ومن اتبعه اتباعا شبه ديني، باتوا في موقف دفاعي منذ الانتصارين المتماثلين لحركة البريكست ولدونالد ترامب في 2016. لكن انتصار ترامب الثاني في العام الماضي كان الهزيمة الأخيرة. ومن ثم بوسعنا أن نرى العولمة والمهللين لها بأثر رجعي للمرة الأولى، لنبدأ قياس غطرستهم المغرضة.

لقد استهدف خطاب ترامب الشعبوي مبادئ العولمة الأساسية ـ إذ يعد برفع التعريفات الجمركية، ويهاجم الهجرة، ويدين النخب، ويدافع عن العمال، ويدعو إلى قومية اقتصادية قائمة على شعار «اشتروا الأمريكي». ولم يتحرج ترامب في الإشارة إلى عدوه باسمه: ففي خطبة أمام عمال أوهايو في أغسطس 2020 اتهم «العولمة بصنع النخب المالية... وإثرائهم ثراء عظيما وتركها الملايين والملايين من عمالنا بلا شيء سوى الفقر والأسى، وتركها بلداتنا ومدننا خاوية المصانع والمعامل». وأضاف أن أمريكا قد «رفضت العولمة وتبنت الوطنية».

قارنوا هذا بالتاريخ الوردي الذي طرحه فريدمان ـ وروج فيه لـ« نظرية الأقواس الذهبية القائلة بأنه ما لبلدين يستضيفان فروع مكدونالدز أن يحارب أحدهما الآخر بسبب روابط المنفعة المشتركة واعتماد أحدهما اقتصاديا على الآخر. أكد فريدمان وأمثاله من المنظرين أن تقليل الحواجز أمام التبادل التجاري والتدفقات المالية ودمج الصين في الاقتصاد العالمي هو الطريق الأمثل لتعويم جميع القوارب وإفادة الجميع في كل مكان تقريبا بغض النظر عن الثروة أو المهارات أو الموقع في العالم. وعند سؤالهم عن الآثار السلبية ومنها تزايد التفاوت الاقتصادي أو خسران الوظائف أو خفض الأجور نتيجة «لإسناد الإنتاج إلى جهات خارجية»، كان فريدمان ورهطه إما يتجاهلون الأسئلة أو يجيبون بأن انخفاض الأسعار، وازدياد الابتكار، وارتفاع مستويات المعيشة الناجمة جميعا عن ازدياد التنافس والاستخدام الأقصى للعمالة ورأس المال سوف تطغى على هذه الآثار السلبية.

كان فريدمان يكتب في عام 1999، في نهاية عقد العولمة الانتصاري، وفي أوج حضورها. فقد ناصر النظام الاقتصادي الناشئ عقب نهاية الحرب الباردة إزالة القيود عن التبادل التجاري الدولي وتدفقات رأس المال عبر الحدود بدرجة غير مسبوقة خلال العقود الأربعة الأولى التالية للحرب العالمية الثانية. ولكن في بعض النواحي، وسع النظام الاقتصادي المبادئ التي سادت في معظم القرن العشرين. فقد كان عمودا أساسيا في نظام ما بعد الحرب يتمثل في الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات). تم توقيع الاتفاقية في عام 1947، وخفّضت التعريفات الجمركية من خلال ثماني جولات من المفاوضات متعددة الجولات، على أساس المعاملة بالمثل.

مضت العولمة في فترة ما بعد الحرب الباردة إلى أبعد كثيرا من ذلك. إذ دعت إلى تحرير التبادل التجاري في السلع، كما فعلت الجات، وفي الخدمات أيضا، وتدفقات رأس المال، والزراعة. وعملت منظمة التجارة العالمية، التي أنشئت في عام 1995، على مأسسة هذه الأفكار، فأصدرت أحكاما من أعلى في النزاعات بين الدول، وقلصت إلى حد كبير من هامش المناورة المتاح للحكومات لحماية الصناعات الوطنية من المنافسة الأجنبية. وفي أعقاب تخلي الصين عن الاقتصاد الماوي، بِدءا من أواخر سبعينيات القرن العشرين، وانهيار الكتلة السوفييتية بين عامي 1989 و1991، تجاوز نطاق العولمة الجغرافي نطاق النظام الاقتصادي الليبرالي السابق تجاوزا كبيرا.

وبات كل من يتحدى أصولية العولمة التي يدفعها السوق ـ ويكملها في المجال السياسي يقين «نهاية التاريخ» الذي روج به البعض انتصار الليبرالية في حرب الأيديولوجيات، والذي فقد الآن مصداقيته بعودة ظهور اليمين واليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى ـ يخاطر بأن يتعرض للاستهزاء باعتباره عضوا في جمعية الأرض المسطحة. شبَّه بيل كلينتون العولمة بـ«قوة من قوى الطبيعة - شأن الريح أو الماء». وجاء توني بلير فوسع نطاق الاستعارات البيئية، إذ سخر من دعوات الحد من العولمة باعتبار أنها تعادل المطالبة بإلغاء فصول السنة. وفي تلك البيئة المنتشية، ندرت التحديات لروح العصر السائدة. (وتمثل استثناء بارزا في جون جراي المنظر السياسي البريطاني والكاتب في نيو ستيتسمان. إذ استكشف كتابه «الفجر الكاذب»، وهو خليفة محترم لكتاب «التحول الأعظم» الكلاسيكي لكارل بولاني، انتشار الليبرالية الاقتصادية في القرن التاسع عشر وردود الفعل العنيفة في نهاية المطاف ضد الاضطرابات التي أحدثتها، وتنبأ بانبعاثها).

ما فهمه أمثال جراي هو أن كبار كهنة العولمة يفتقدون الإحساس بالتاريخ. فقد عجزوا عن فهم أن النظريات التي توصي بإطلاق التبادل الاقتصادي دونما قيود كانت دائما مدعومة من بلاد معينة في أوقات معينة وبدافع من المصلحة الذاتية. في حين أن هذه النظريات ليست حقائق خالدة. فقد كانت القوى الاقتصادية المهيمنة أو الصاعدة تمدح الليبرالية الاقتصادية عندما تكون مناسبة لمصالحها، وتنحرف عنها بل وترميها تماما، عندما تتغير الظروف. واليوم، بات من الواضح مرة أخرى أن السياسة الاقتصادية وسياسات القوة والقومية متشابكة لا انفصام بينها. ويعتمد موقف أي دولة من الأسواق الحرة العالمية على وضعها الاقتصادي قياسا إلى الدول الأخرى في وقت معين، وكذلك قياسا إلى تاريخها وثقافتها، ومصالح أقوى شرائح المجتمع فيها.

ولذلك ليس بغريب أن بريطانيا، التي كانت تصعد إلى قمة الهرم الاقتصادي الدولي في القرن التاسع عشر ـ وبشكل أكثر تحديدا منذ عشرينيات القرن التاسع عشر فصاعدا ـ كانت المدافع الرائد عن التجارة الحرة. وفي ضوء ثروة بريطانيا الفيكتورية الطائلة وقدرتها على الابتكار التكنولوجي، فقد كان بوسعها أن تتفوق على البلاد الأخرى في المنافسة، وكان لديها سبب واضح للزعم بأن من شأن خفض الحواجز التجارية أن يفيد على نطاق عالمي. ولكن هذا الحماس تضاءل في أوائل القرن العشرين بالتوازي مع تضاؤل هيمنتها الاقتصادية. ومع بدء انحدار بريطانيا النسبي، عادت التعريفات الجمركية إلى الظهور مرة أخرى، فبلغت ذروتها في قانون الرسوم الجمركية على الواردات لعام 1932. وبالمقارنة، لم تقتنع الولايات المتحدة، التي كانت قد شرعت في التصنيع في القرن التاسع عشر فقط، بإنجيل التجارة الحرة. فمارست سياسة الحمائية، وكان الحزب الجمهوري، الذي كان يعد بطل التجارة الحرة الدولية طيلة أغلب العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، من أنصار سياسة الحمائية في القرن التاسع عشر.

كان موقف الولايات المتحدة في النظام الاقتصادي الليبرالي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية مطابقا لموقف بريطانيا في القرن التاسع عشر. فقد خرجت الولايات المتحدة من الصراع بأقوى اقتصاد في العالم. نجت أراضيها من الدمار. وألحقت الحرب الضرر، بل والدمار الجزئي، بالبلاد التي كانت لتنافسها، بل التي نافستها في زمن ما، حتى بات كثير منها يعتمد على المساعدات والحماية الأمريكية. ولذلك كان من المنطقي أن تصبح الولايات المتحدة النصير الرئيسي للاقتصاد الدولي الليبرالي. وفي الوقت نفسه، حذر قادتها ومثقفوها من أن سياسة الحمائية تمثل طريق الردة إلى الخراب الاقتصادي وحروب ثلاثينيات القرن العشرين، وأن بلدهم هو الوصي على الانفتاح الاقتصادي.

ولكن ابتداء بأوائل سبعينيات القرن العشرين ظهرت علامات على أن الليبرالية الاقتصادية الدولية بدأت تفقد بريقها في الولايات المتحدة. وبدأت مراكز أخرى للقوة الاقتصادية العالمية في الصعود، من قبيل أوروبا الغربية واليابان، وفي وقت لاحق كوريا الجنوبية. وواجهت الصناعات التي هيمنت عليها الولايات المتحدة لفترة طويلة ـ من قبيل صناعات الصلب والسيارات والسلع الاستهلاكية الإلكترونية ـ منافسة غير مسبوقة. وباتت رفاهة العمال الأمريكيين الاقتصادية، بل ووظائفهم نفسها، على المحك. وهذا هو السياق الذي وضعت فيه إدارة ريجان (في عام 1981) حدودا لعدد السيارات اليابانية الصنع المسموح بدخولها السوق الأمريكية إلى 1.68 مليون سيارة، وهي الحصة التي رفعت في عامي 1984 و1985 وبقيت حتى عام 1994.

ورغم أن هذا القرار تقنَّع بقناع «ضبط الصادرات الطوعي»، فقد كان استجابة لمناشدات عمالقة صناعة السيارات، وبخاصة لي ياكوكا، رئيس مجلس إدارة كرايسلر، لتخفيف المنافسة الأجنبية. وقبل أمد بعيد من حملة دونالد ترامب الرئاسية الأولى، كان إياكوكا يسخر من التجارة الحرة باعتبارها «أسطورة» ويحذر من أنها ستدمر الصناعة الأمريكية وتعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر. ولكن من الجدير بالذكر أن هذه هي الفترة التي بدأ فيها دونالد ترامب يصقل صورة «رجل التعريفات الجمركية»، إذ دعا إلى فرض ضرائب على الواردات اليابانية من شاشات التلفزيون. وقال «إن أمريكا تتعرض للنهب»، ولم يكن ذلك للمرة الأولى.

مع نهاية الحرب الباردة وظهور العالم أحادي القطب، ظهرت نزعة الألفية الانتصارية بشأن انتشار الديمقراطية، مغذية نظريات من قبيل نظرية فريدمان. ولكن حتى مع تفاؤل «قادة الفكر» الأمريكيين بهذا المشهد الجديد، كانت الأرض تتحرك من تحت أقدامهم. إذ بدأ الاستياء ينتشر مع جني مكاسب العولمة (بعد الضرائب والفوائد الاجتماعية) بشكل متزايد لتصب لدى العشر الأعلى من أصحاب الدخول. وشهد أهل القاع ركود الأجور، وأعني أصحاب الحظ منهم، فقد كانوا أيضا الأكثر تضررا من تراجع التصنيع، في الولايات المتحدة فضلا عن أجزاء من أوروبا. وثمة بلا شك مناقشات حول مدى تراجع العولمة ودوره في النتائج ـ من قبيل ركود الأجور ـ التي أثرت نخبة اقتصادية على حساب العمال. ولكن مبادئها المقدسة باتت الآن بلا شك معرضة لهجوم غير مسبوق، وأصبح «رجل دافوس» هدفا للازدراء.

بات الآن لصعود ترامب تفسير واضح: فقد كان أمهر من منافسيه في استغلال هذا الاستياء. وفاز بالبيت الأبيض في عام 2016 وفق حزمة تضمنت وعدا بسيطا، هو رفع التعريفات الجمركية بما يمنع البلاد الأخرى من التهام غداء أمريكا. ولم يكن ذلك محض كلام. فقد رفع ترامب التعريفات الجمركية على مجموعة متنوعة من الواردات، وبخاصة القادمة من الصين، حتى ولو بدا أكثر حذرا وهو في الحكم مما كان عليه في الحملة الانتخابية. لكنه مضى خلال حملته الرئاسية لعام 2024 إلى أبعد من ذلك، فتعهد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60٪ على الواردات من الصين و20٪ على كل شيء آخر من أي مكان. وبرغم أن حمائية ترامب ركزت على الصين، فهي الآن تمتد إلى شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة: المكسيك وكندا، فضلا عن أوروبا.

في عام 2016، كان يمكن رفض ترامب باعتباره رجلا اقتصاديا متخلفا وشاذا، وكان يمكن القول بأن انتخابه كان عارضا، إن لم يكن مؤامرة روسية. لكن على منتقديه الآن أن يقوموا بإجراء إعادة تفسير سريعة: إذ إنه يمثل اتجاها أعمق، ويمثل إعادة التفكير في البديهيات الاقتصادية التي حكمت عقولنا وأجسادنا على مدى جيل كامل. غير أنه لا يمكن أن يوعز إلى ترامب وحده مصير الأفكار والسياسات المهيمنة التي كانت في السابق تناصر التدفق الحر للتجارة ورأس المال. فبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، احتفظ جو بايدن بتعريفات ترامب الجمركية ـ التي تجاوزت مائتي مليار دولار - على الصين. بل إن بايدن ـ في واقع الأمر ـ قام في مايو 2024 بمضاعفة الرسوم الجمركية على الخلايا الشمسية المصنوعة في الصين إلى 50% ورفع الرسوم الجمركية على بعض منتجات الألمنيوم والصلب الصينية من نطاقها الحالي الذي يتراوح ما بين صفر و7.5% إلى 25%. وفي سبتمبر، فرض تعريفة جمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين واستكمل هذه الخطوات بحظر تصدير الرقائق الحاسوبية عالية الجودة إلى الصين إلى جانب حظر تدفق رأس المال الاستثماري المرتبط بالولايات المتحدة إلى الصين. كما أدرج عشرات الشركات الصينية في القائمة السوداء لأسباب مختلفة، فأثار ذلك تدابير مضادة موازية من بكين فضلا عن حظر تصدير المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة، من قبيل الجاليوم والجرمانيوم والأنتيمون. وتبنى بايدن أيضا خطاب ترامب بشأن الصين، فلم يصورها فقط باعتبارها منافسا اقتصاديا لا يرحم ولكن باعتبارها أيضا التهديد الأكبر للتفوق الأمريكي.

ولكن إحياء الحمائية لا يقتصر على الولايات المتحدة. فقد رفعت كندا التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية إلى 100% وعلى منتجات الصلب والألمنيوم إلى 25%، محاكية في ذلك الولايات المتحدة. وفي أكتوبر، رفع الاتحاد الأوروبي التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية صينية الصنع إلى ما يبلغ 45.3% لمدة خمس سنوات، مما دفع الصين إلى تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية. قد يتم حل هذا النزاع بالذات بإلغاء الاتحاد الأوروبي زيادة التعريفات الجمركية في مقابل التزام بكين بتعويض دعمها بتحديد سعر أدنى للسيارات الكهربائية المباعة في الاتحاد الأوروبي. غير أن الخلاف في ذاته يبقى دالا. ففي الوقت الراهن، اقتصرت أوروبا على دعم شركات الألواح الشمسية ماليا بدلا من رفع التعريفات الجمركية على الألواح المصنوعة في الصين، ولكن هذا أيضا شكل من أشكال الحمائية. وقد يتبين أن هذه محض خطوات افتتاحية. فسوف تستمر شركات تصنيع الصلب الأوروبية، التي تضررت بشدة من المنافسة الصينية منخفضة التكلفة، في مناشدة حكوماتها طلبا للمساعدة. وبصفة أعم، لن ترغب أوروبا في ترك شركاتها وعمالها بلا دفاع أمام تدفق المنتجات الصينية الممنوعة من دخول السوق الأمريكية.

وثمة دلالة أيضا في لجوء الصين الآن إلى منظمة التجارة العالمية ـ التي تعدها بعض الأوساط أداة لفرض الهيمنة النيوليبرالية على العالم الثالث. فعلى مدى ثلاثة عقود بعد ثورة 1949 التي جاءت بالحزب الشيوعي إلى السلطة، كان اقتصاد الصين مملوكا للدولة ويدار من قبل الدولة، واعتمدت الحكومة على «استبدال الواردات» لحماية «الصناعات الناشئة». واليوم أصبحت الصين أشد المدافعين عن التجارة الحرة في العالم. ففي عام 2017، أشاد الرئيس شي جين بينج بالعولمة بالاسم، في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي نفسه. وفي قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في نوفمبر 2024، حذر من أن «الأحادية والحمائية تنتشران» وأن ذلك «يعوق التعاون الاقتصادي بذرائع مختلفة، مصرًّا على أن عزل العالم المعتمد بعضه على بعض يناقض مسار التاريخ». فكان يمكن أن يكون كلينتن وبلير هما كاتبا هذه السيناريوهات.

هذا الانقلاب في الدور الذي تلعبه بكين يعكس ظهور الصين بوصفها قوة اقتصادية. فقبل أن تكتسب إصلاحات دنج شياو بينج السوقية زخمها، كانت حصة الصين من الصادرات العالمية من السلع والخدمات بالغة الضآلة: 0.6% في عام 1970. وبحلول عام 2023، وصلت إلى 18%. وفي منتصف الثمانينيات، كانت المنتجات الأولية والسلع المصنعة الأساسية تمثل كل صادرات الصين تقريبا والآن أصبحت رائدة في مجموعة من المنتجات والتقنيات المتطورة. باختصار، على الرغم من مشكلاتها الاقتصادية الحالية، أصبحت الصين بلدا متقدما تكنولوجيا. ففي عام 2023، بلغ إجمالي صادراتها 3.5 تريليون دولار، بما يضعها في مرتبة متقدمة على الولايات المتحدة، وبرغم انخفاض بنسبة 11%، تجاوزت مبيعاتها من التكنولوجيا الفائقة وحدها 728 مليار دولار في عام 2023، بما يضعها في المرتبة الأولى.

ليس الاقتصاد العالمي متجها نحو سياسات «إفقار الجار» الكارثية التي سادت في ثلاثينيات القرن العشرين. ولكنه سوف يشهد زيادة في الحمائية والمزيد من النزاعات التجارية والاستثمارية. وسوف تتولى السياسة الصناعية الوطنية قيادة الدول القومية فتصبح هذه الدول أكثر حساسية لمخاطر الأمن القومي المترتبة على سلاسل التوريد التي تضم خصوما سياسيين وعسكريين. وفي الولايات المتحدة، وكذلك بريطانيا وأوروبا، نرى أن الشركات التي نقلت إنتاجها إلى الخارج في أوج العولمة على أساس مكاسب هامشية في التكاليف وهوامش الربح تعيد النظر في حساباتها، ويبدو أن العديد منها تعود إلى أسواقها المحلية (وهو ما يعكس ما يسمى «نهضة إعادة التصنيع الداخلي»)، سواء بسبب زيادة التعريفات الجمركية على الواردات في أسواقها المحلية أو الحوافز والضغوط من حكوماتها.

ويتعلق سؤالنا للمستقبل بما إذا كانت الحمائية ستقتصر إلى حد كبير على الدول الغربية التي تقيد الواردات من الصين أم أن تعهد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على جميع الواردات، في حال تنفيذه، سوف يؤدي إلى إشعال حرب تجارية أوسع نطاقا. الواضح في الوقت الحالي هو أن مسار الاقتصاد الدولي سوف يحطم آمال وأحلام أوائل المبشرين بالعولمة. فالتاريخ لم يحل نفسه بالطريقة التي يوحي بها عنوان كتاب وولدريدج وميكليثويت المثير الصادر عام 2000 وهو «مستقبل مثالي»، مستقر وطوباوي. بل إنه عاد بدلا من ذلك إلى الاحتمالات المضطربة التي طالما حكمت الوجود البشري. فالمستقبل مفتوح دوما، ومعيب دوما.

راجان مينون أستاذ فخري للعلاقات الدولية في كلية مدينة نيويورك، وباحث أول في معهد سولتزمان لدراسات الحرب والسلام.

عن نيوستيتسمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التعریفات الجمرکیة على الرسوم الجمرکیة على فی الولایات المتحدة فی القرن التاسع عشر النظام الاقتصادی القرن العشرین التجارة الحرة على الواردات التی کانت من قبیل فقد کان فی عام

إقرأ أيضاً:

الصين تهاجم إسرائيل لتحويلها المستشفيات ساحة معارك

سرايا - هاجمت الصين "إسرائيل" في الأمم المتحدة ودعتها للتوقف عن تحويل المستشفيات ساحات معارك بقطاع غزة.

وحث ممثل الصين في الأمم المتحدة فو كونغ تل أبيب على الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي والتوقف عن مهاجمة المرافق الطبية وضمان سلامة المؤسسات الطبية وإطلاق سراح جميع العاملين بها.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة  السبت الماضي، عن اعتقال جيش الاحتلال "الإسرائيلي" مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية بمحافظة شمال غزة.

وقبل اعتقال أبو صفية بيوم واحد، اقتحم جيش الاحتلال "الإسرائيلي" المستشفى وأضرم النار فيه وأخرجه عن الخدمة، واعتقل أكثر من 350 شخصا كانوا داخله.

 

 

إقرأ أيضاً : مدير مكتب الأسد سابقًا: "زيارته الأخيرة لروسيا كانت فاشلة ولم يتمكن من لقاء بوتين"إقرأ أيضاً : للمرة الأولى .. الكشف عن تفاصيل مغادرة 5 أفراد من عائلة الأسد من بيروت إقرأ أيضاً : العدوان على غزة يدخل يومه 457 وانفجارات وسط دولة الاحتلال



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 356  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 05-01-2025 09:14 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
لم يستحم منذ 32 عامًا .. "تشوتو بابا" يصبح مركز جذب في مهرجان ماها كومبه ميلا اليابان .. بيع سمكة تونة تزن 276 كغ بـ1.3 مليون دولار جريمة مروعة .. قطع امرأتين ووضعهما في وحدات تخزين تحذير للآباء .. تجنبوا استخدام هذا المصطلح مع أطفالكم “ذئاب بشرية” تقتحم منزل عائلة في العقبة .. وهذا ما... السجن 5 سنوات لمحاسب بتهمة الاختلاس تحذيرات من سمكة "أبو اللبن" على شواطئ العقبة أمطار رعدية تقترب .. "الأرصاد" تكشف... رئيس جمعية الرعاية التنفسية الأردنية: انتشار فيروس... إعلام عبري: من المتوقع أن تبلغ "إسرائيل"...اعتبارًا من 7 يناير .. مطار دمشق يستأنف الرحلات...بينهم هيلاري كلينتون .. بايدن يتأهب لمنح شخصيات..."الأمن السوري" يضبط مستودعًا للذخيرة في حمص8 قتلى و15 جريحًا بحريق نشب في سوق شمال الصين 59 شهيدا و273 إصابة في غزة خلال يوم"أونروا": حظر "إسرائيل"..."إف بي آي" يكشف تفاصيل جديدة عن انفجار...مراسم وداع جيمي كارتر تبدأ في الولايات المتحدة السبتكوريا الجنوبية تجمع نص التسجيل الصوتي للطائرة... تعليق قصي خولي بعد تصدره الترند بالدبكة بمسلسل القدر لطفي لبيب يعلن اعتزاله الفن نهائيا استعدادا لجراحة... أطلت برشاقة "وفستان تايغر" .. شيماء سيف:... ليلى أحمد زاهر تكشف عن سر سعادتها: هشام جمال هو... مصطفى شعبان يعلن زواجه بعد قصة حب طويلة قمصان باريس سان جيرمان باللغة العربية في كأس الأبطال الدوري الإنجليزي: مانشستر سيتي يواصل صحوته بفوز كبير وتعثر أرسنال البحرين بطلا لكأس الخليج العربي 2024 ليبرون جيمس يحطم رقماً قياسياً لمايكل جوردان رفض طلب برشلونة باستمرار مشاركة أولمو وفيكتور لم يستحم منذ 32 عامًا .. "تشوتو بابا" يصبح مركز جذب في مهرجان ماها كومبه ميلا اليابان .. بيع سمكة تونة تزن 276 كغ بـ1.3 مليون دولار جريمة مروعة .. قطع امرأتين ووضعهما في وحدات تخزين تحذير للآباء .. تجنبوا استخدام هذا المصطلح مع أطفالكم وفاة أكبر معمرة في العالم عن 116 عاماً إنقاذ طفل حياً بعد فقدانه 5 أيام وسط حيوانات مفترسة دراسات: التفكير الإيجابي يعزز المناعة ويخفض ضغط الدم بالسكاكين .. كاميرا توثق قتالاً دموياً بين روسي وأوكراني بعد وفاة "المرأة القطة" .. عمليات التجميل خطورة أم ضرورة؟ ضحى بحياته لإنقاذ شقيقته .. مأساة طالب توجع المصريين

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • الذهب يرتفع وسط ترقب لرسوم ترامب الجمركية
  • أسواق العملات والمعادن تتفاعل مع تصريحات ترامب بشأن عدم تقليص الرسوم الجمركية
  • أسواق العملات والمعادن تتفاعل مع تصريحات «ترامب» بشأن عدم تقليص الرسوم الجمركية
  • الدولار يتراجع بعد التضارب بشأن الرسوم الجمركية
  • هل تتولى الصين تسليح الحوثيين؟
  • الظواهر الاجتماعية والعولمة السلبية
  • الصين تهاجم إسرائيل لتحويلها مستشفيات غزة ساحة معارك
  • الصين تهاجم إسرائيل لتحويلها المستشفيات ساحة معارك
  • ارتفاع صادرات النفط الإيراني إلى الصين.. ضوء أخضر من ترامب؟