الجندي المظلوم ….
ومواقف مشابهة …
وهل تسببت عقيدة الخدمة الحكومية في إشعال الحروب ؟
كنت أستمع لحلقة عبد الرحمن عمسيب الأخيرة في برنامج تنوير مع سعد الكابلي ومرت علي قصته عن تنظيم أو مجموعة الجندي المظلوم الذين صادف وجودهم تمرد حميدتي سنة 2006م وهؤلاء كانوا ميليشيات سابقة قاتلت مع الحكومة وبعد توقيع إتفاق سلام تم توقيف رواتبهم وإلغاء تأمينهم الطبي ، بإختصار تم فكهم عكس الريح.


تذكرت فورا قصة شاهدت ضحاياها واستمعت منهم في 2012م.
المعلمين السودانيين المطرودين من جنوب السودان :
كنت في ذلك العام 2012م كثير التردد على وزارة العمل والإصلاح الإداري شمال مجمع أبراج وزارة العدل وقريتر نايل للبترول.
كان ترددي المستمر كل إسبوع تقريبا في سياق معالجة مسألة شخصية وكان المدير التنفيذي للوزارة يكرمني بالانتظار في مكتبه.
في ذات يوم دخل رجلين وإمرأة وإن كنت لا أذكر عددهم بدقة إلا أن جوهر مظلمتهم الواضح السهل الحل جدا ظل راسخا في ذاكرتي.
كانوا لجنة مصغرة تمثل حوالي بضعة وخمسين معلما ومعلمة منتدبين إلى المدارس في جنوب السودان حين كان جزءا من سودان المليون ميل مربع.
وما أن أكملت الدولة الجديدة إجراءات إنفصالها وظهرت إلى الوجود دولة كاملة الإستقلال عضوا في الأمم المتحدة حتى بدأت تتصرف بصورة فيها الكثير من الجحود والتشفي من السودانيين الشماليين فيها.
تمت مصادرة ممتلكات الكثير من التجار وهؤلاء ظلوا حتى لسنوات قبل حرب 2023م يلاحقون تعويضاتهم دون جدوى ، أما هذه المجموعة من المعلمين فقد طلب منهم المغادرة فورا خلال مهلة قصيرة جدا ، وكان طردا في حقيقة الأمر ولم تصرف لهم رواتبهم ولا تعويضات وغادروا على عجل بملابسهم وما تيسر حمله.
لم يكن ما آلمهم وأوجعهم أسلوب طردهم الجاحد ولكن آلمهم التعقيد الغير مبرر الذي إكتنف مظلمتهم حين وصلوا الخرطوم.
تقدموا في الخرطوم بعريضة لجهات الاختصاص شرحوا فيها وضعهم وطلبوا فيها إلحاقهم بالخدمة المدنية كمعلمين بإعتبارهم كانوا منتدبين في ما كان جزءا من الوطن مع صرف مستحقاتهم المتأخرة ، واعتقدوا أن الموضوع سهل جدا.
كان الرد الذي تلقوه أن متأخراتهم ومستحقاتهم من مسئولية حكومة جنوب السودان ، وهنا كانت بداية التعقيد ، ومن وزارة إلى وزارة ومن لجنة إلى لجنة حتى حفيت أقدامهم.
حكوا لي أنهم وصلوا حتى القصر الجمهوري ، وأن لديهم عوائل وأطفال يحتاجون للصرف عليهم وأن بعضهم نزل ضيفا على أقاربهم وقد طالت ضيافتهم ، وكنت أستغرب وأتعجب من كيف أن مشكلة بسيطة كهذه تتعقد ويتحول هؤلاء الضحايا من دولة جديدة جحدتهم وأهانتهم بالطرد إلى ضحايا في دولتهم الأم بالتسويف والمماطلة.
في اعتقادي أن مؤسسة الخدمة المدنية السودانية مؤسسة سادية وأن موظف الخدمة المدنية السوداني فيه درجة من السادية إلا من رحم الله ، والسبب هو أن عقيدة الخدمة المدنية قد تمت برمجتها وهيكلتها منذ الحقبة المصرتركوعثمانية 1821م – 1885م ثم من 1900م حتى 1955م على أنها جهاز من موظفين محليين مهمتهم خدمة الحاكم لا المواطن ولهذا تراكم في عقيدتها الخدمية وقوانينها ولوائحها الإستعلاء ونقص الرحمة والشفقة تجاه طالب الخدمة بينما طالب الخدمة هو السيد الذي يدفع راتب ومخصصات الخادم المدني Civil Servant الجالس خلف مكتبه.
لهذا كتبنا سابقا أكثر من مرة ما مفاده أنه في الوقت الذي ينهمك فيه التظلميين والإحتجاجيين في بلدنا بالمطالبة اللحوح في إعادة هيكلة الخدمة العسكرية فلا أحد يتحدث عن ضرورة إعادة هيكلة الخدمة المدنية وتصحيح عقيدتها الخدمية.
ربما في العام 2020م وفي جلسة ذات يوم جات السيرة فقصصت قصة تلك الثلة المنكوبة من معلمينا ففاجأتني إحدى الحاضرات وهي معلمة بالقول : هل تصدق أن المجموعة دي مشكلتها لسه ما إتحلت ؟!
من منا لم يسمع بقضية تعويضات السودانيين من الحرب العراقية الكويتية في 1991م وهي بالمناسبة لم تكن من جيب الحكومة السودانية ولا من بيت مالها بل كانت تعويضات أممية فرضت على العراق بعد تحرير الكويت وصرفت تلك التعويضات الدولارية لكل الجنسيات التي أجبرتها الحرب على فقدان أعمالها ووظائفها ومغادرة الكويت ، وحسب علمي فإن كل الدول المعنية صرفت لمواطنيها تعويضاتهم ما عدا دولتنا السودانية هذه التي يهوى موظف خدمتها المدنية تعذيب وإنهاك مواطنيه وتكريههم في بلدهم وتحولت قصة تلك التعويضات إلى قصة أم ضبيبينة أهدرت أعمارهم وجهدهم وهو ما لم يحدث في أية دولة فكم نحن مبدعين في تعذيب وإنهاك بعضنا بعضا.
إن التجارب والأمثلة كثيرة لا تحصى ولا تعد وفي تقديري أن الأداء المعتل للخدمة المدنية السودانية وموظفيها من أسباب السخط الذي يتحول إلى أن يحمل السلاح هنا وهناك على مر الحقب ولكن للأسف وبدلا من أن ينال ذلك الأداء المعلول قراءته الصحيحة وعلاجه الفعال فقد تحولت الخدمة المدنية بذاتها إلى جزء من المشكلة حين تصورت وأقتنعت مجموعات الإحتجاجيين والتظلميين من حملة السلاح بأن الخدمة المدنية سلطة وصاروا يحملون السلاح للمطالبة بنصيبهم في كعكتها لأنهم ونحن معهم أسرى سجن ثقافي وتعليمي جميعنا فيه محبوسين دون أن ندري.
إن دولة 56 لم تكن مبرأة من العيوب وبعض عيوبها موروثة لا تشعر هي بها ولكن هذا ليس مبررا لحمل السلاح وتحطيمها وإفقارها وإفقار شعبها ولأن حامل السلاح حتى لو إنتصر فإن غاية ما سيفعل هو أنه سيواصل السير في نفس المنهج المعتل لأنه وببساطة أسير لثقافة ومفاهيم مغلوطة لا يدري أنه ونحن معه أسراها وضحاياها.
#كمال_حامد ????

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الخدمة المدنیة

إقرأ أيضاً:

بيان في ذكرى الاستقلال .. حركة العدل والمساواة السودانية

حركة العدل والمساواة السودانية تتقدم بالتحية للشعب السوداني في الذكرى التاسعة والستين للاستقلال، وتؤكد أن الاحتفاء بذكرى الاستقلال لا يُقتصر على كونه يوماً وطنياً، بل هو تجسيد للعزيمة والكرامة التي مكنت السودانيين من نيل حريتهم بعد صراع طويل ضد الاستعمار، إن هذه المناسبة تذكرنا بأن الاستقلال لم يكن نهاية الطريق، بل بداية لمسيرة بناء وطن يسوده العدل والمساواة والسلام والتنمية المستدامة، وتدعو جميع السودانيين لانتهاز هذه السانحة لاستكمال مسيرة الاستقلال بمخاطبة جذور الازمة الوطنية بتجلياتها التاريخية وتجديد الروح القومية والمساهمة في بناء الوطن. وتؤكد أن المعركة ضد تمرد قوات الدعم السريع تمثل امتداد لنضالات السودانيين التاريخية، حيث يظهر مرة أخرى تلاحم الشعب وتضحياته من أجل وطنه. في هذه المناسبة الوطنية تود الحركة تبيان الاتي:الحركة تدعو إلى تحييد المساعدات الإنسانية عن أي صراعات سياسية، وتندد بالمخططات التي تهدف إلى دعم التمرد بالسلاح تحت غطاء الإغاثة. كما تستنكر تسويق بعض الدوائر الدولية لأكذوبة المجاعة لتبرير التدخلات الخارجية، وتوظيف هذه المساعدات لتأجيج الصراع وتوفير غطاء لتمويل المليشيات بالعتاد الحربي. وتؤكد الحركة أن لا شح في المواد الغذائية إلا في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا، حيث تقوم بالاعتداء على القوافل التجارية وتفرض حصاراً جائراً على المدنيين.الحركة تدعو القوى الدولية ممارسة ضغوط حقيقية ضد التمرد بفرض العقوبات على قياداته وعلى الدول التي تزوده بالسلاح والتي تسمح بمرور العتاد الحربي عبر أراضيها، وتصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية، فبسبب فشل المجتمع الدولي في إجبار الدعم السريع على الالتزام بإعلان جدة ترتكب المليشيا الانتهاكات ضد السودانيين.الحركة تعيد التأكيد على ترحيبها بالجهود المصرية للحل السياسي. لقد استضافت مصر السودانيين، ودعمت الشعب السوداني في مواجهة التمرد وتخفيف آثار الحرب. كما ترحب بمبادرة الاتحاد الإفريقي ودول المنطقة التي تهدف إلى إنهاء معاناة السودانيين، وتدعو لتوحيد الجهود الدولية لحل الأزمة السودانية.الحركة تحذر من أن أي تسوية لا تجعل الدعم السريع يسلم السلاح ويرد الحقوق ويخرج من مساكن المدنيين هي تسوية ستعيد انتاج الازمة من جديد، ويجب ان لا يكون للدعم السريع وجود في المشهد السياسي او العسكري.الحركة تؤكد أن القتال يجب أن يكون من أجل الوطن، تحت راية القوات المسلحة، دون الانخراط في صراعات حزبية أو إيديولوجية، وتجدد التزامها بعملية دمج قواتها في القوات المسلحة بعد الانتصار على متمردي الدعم السريع، وصولاً إلى جيش موحد يحتكر السلاح.الحركة تجدد التحية لشهداء الثورات السودانية المتعاقبة ولقواتنا المسلحة والقوة المشتركة والمستنفرين، والتضامن مع المتضررين. وتؤكد أن الاستقلال الذي تحقق بفضل وحدتنا وإرادتنا المشتركة هو رسالة دائمة بأن قوتنا تكمن في تلاحمنا، وهو مسار مستمر لنصل بسوداننا إلى آفاق المجد رغم التحديات الكبيرة التي تواجه بلادنا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونحن واثقون من قدرة شعبنا على تجاوز الأزمات.د. محمد زكريا فرج اللهأمين الاعلام الناطق الرسمي – حركة العدل والمساواة السودانية١ يناير ٢٠٢٥ إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مدرب أتالانتا: فشلنا في اختراق دفاع إنتر القوي
  • بيان في ذكرى الاستقلال .. حركة العدل والمساواة السودانية
  • الخدمة المدنية تعلن عن إجراءات صرف المرتبات من حساب الآلية الاستثنائية
  • تسببت في إغلاق الطريق.. انقلاب سيارة نقل بمطروح| صور
  • شاهد | رهان صهيوني على إشعال الجبهة الداخلية بعد الإخفاق في مواجهة اليمنيين
  • من إشعال النيران إلى الأناشيد الشعبية.. طقوس رأس السنة في سوهاج
  • تمديد موعد استبدال العملة السودانية
  • النعيمي يطلع على سير عملية الدمج ومشاريع التطوير الإداري بوزارة الخدمة المدنية
  • إحالة شاب إلى الجنايات بتهمة إشعال النيران فى غرفة بمستشفى الصدر بقنا