عربي21:
2025-04-25@02:40:10 GMT

فن إدارة التغيير: النموذج السوري (1)

تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT

المقدمة:

المعنى تفرضه الكلمة، فإن التغيير هو بحكم طبيعته ضد للحياة الطبيعية حتى ولو كانت مكروهة، فكم من تغيير فشل رغما عن كونه كان اختيار الأغلبية ونتاجا لثورات بُذلت فيها أرواح تقيّة من أجل نصرة الحق وإزهاق الباطل، وكم من عروس تزينت والتحفت برداء الديمقراطية فاستيقظت على حلم قد مات وتحول إلى كابوس من رفات.



ولست اليوم هنا بصدد حديث سياسي أكثر منه علمي أو استراتيجي ولست هنا للرسم خريطة عقلية لتصور إدارة التغيير بعد الثورة السورية، فهذه التفاصيل ليس هذا مكانها ولا منزلها، ولكنني وبحكم تخصصي وخبرتي أردت من خلال هذه السلسلة أن أزيل الغطاء على بعض آليات إدارة التغيير واستراتيجياته ومسببات النجاح والفشل، وأن أرسم خطوطا عريضة لاستراتيجيات إدارة التغيير ومكوناته، عسى أن ينفع الله بها إخواننا في سوريا وكل من عاش تجربة فاشلة للتغيير كلفته الكثير والكثير وقد يتوق إلى مراجعتها من جديد.

حتمية الفشل وحتمية التغيير:

بادئ ذي بدء دعونا نؤكد أن الأبحاث الخاصة بعلم إدارة التغيير قد أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن أكثر من 70 في المئة من عمليات إدارة التغيير تنتهي بالفشل، وأن هذا الفشل يكون في المراحل الأولي للعملية بين 6 أشهر وعام واحد، وأن هذا الفشل تنبت جذوره مع عدم الإلمام بمكونات العملية وعدم القدرة على الانتقال الناجح من مرحلة تلو الأخرى، خاصة وأن كل مرحلة تبني على التي قبلها. ولذلك فالمتخصصون في هذا العلم هم قلة قليلة بسبب تعقيده وصعوبة تحقيق نتائج مرضية في وقت قصير.

إدارة عملية التغيير تعتمد على ذراعين رئيسيين، السرعة والحجم، وأن التركيز على حجم التغيير كما يفعل الغالبية (كونه يصنع عناوين الأخبار) يؤدي إلى الفشل فسرعة اتخاذ القرار قد تكون أهم من القرار نفسه، وكم من قرارات متميزة ماتت لأنها صدرت متأخرة
وأعتذر مرة أخرى عن عدم قدرتي على الخوض في التفاصيل نظرا لضيق المساحة وطبيعة المعلومات، ولكن التغيير حتمي فهو مرتبط بطبيعة الخلق والتكوين والموت والحياة، والأمم التي لا تستطيع التغيير تختفي وتتبخر مهما طال بها الزمن أو حكمها الفراعين.

فن إدارة التغيير: استراتيجيات وآليات:

أولا: خلق الحالة الطارئة المطلوبة لإحداث التغيير في المجتمع:

يجب الحفاظ على الحالة الطارئة (الثورية) المطلوبة وتغذيتها بآليات مختلفة تناسب كل مرحلة، وإعلاء رمزية الثورة في كل مكان وتولي لجنة مختصة هذا الأمر.

والحالة الطارئة هي تلك المحرك الذي يحرك الملايين في الميادين، إحساس الحرية بعد العبودية والديمقراطية بعد الديكتاتورية، فهذه الحالة الثورية هي أدرينالين الثورة الذي يحافظ على مرجعيتها ويؤكد دورها في بناء دولة حديثة.

ويجب الوقوف وبشدة ضد القوى المعادية للتغيير في الداخل والخارج، والتخلص من محترفي تجميد التغيير.

ويجب معرفة أن إدارة عملية التغيير تعتمد على ذراعين رئيسيين، السرعة والحجم، وأن التركيز على حجم التغيير كما يفعل الغالبية (كونه يصنع عناوين الأخبار) يؤدي إلى الفشل فسرعة اتخاذ القرار قد تكون أهم من القرار نفسه، وكم من قرارات متميزة ماتت لأنها صدرت متأخرة.

ثانيا: الانضمام للمجموعات الدولية المؤثرة وتكوين الأحلاف الاقتصادية والسياسية التي تحقق التوازن الدولي.

لا بد لنا أن نعلم بأن مقدرات التغيير مرتبطة بالقدرة على كونه مدعوم من قوى دولية بعينها، فبدون الوصول لصيغة تفاهمية مع القوى الدولية وخاصة في المرحلة الأولى لتأسيس الدولة سيكون من الصعب جدا دعم عملية التغيير وإنجاحها.

ولكن الأهم من تكوين التحالفات فهم التوازنات الخاصة بالمعسكرين الشرقي والغربي والسعي وراء الاستفادة من هذا التوازن، فمثلا بدلا عن الإنصات لشروط المعسكر الغربي يمكن الدخول في تحالفات قوية مع روسيا والصين، الهدف دائما هو صنع توازنات للصالح العام.

ولا يجب على قوى التغيير انتظار المبادرة من الطرف الآخر، بل عليها فورا تكوين فريق متخصص يبدأ في بناء تلك التحالفات أو الإعداد لها.

لا بد لقوى التغيير أن تكون قادرة على صناعة صورة ذهنية واضحة للمستقبل، تلك الصورة يجب مشاركتها مع كل المهتمين بعملية التغيير وعلى رأسهم الشعب والقوى الوطنية والأحزاب والقوى الدولية وغيرها، ويلعب الإعلام المحترف دورا رئيسيا في ذلك
وهنا يجب تأسيس ذلك الفريق الدبلوماسي بعد نجاح الثورة مباشرة، لأن الاعتماد على توظيف مؤسسات تم تكوينها بعيدا عن الثورة قد يعطي انطباعات مختلفة، ويجب أن يبقى قائد العمليات العسكرية (السيد أحمد الشرع) في الصدارة طوال الوقت لضمان عدم تحييد الحالة الثورية وضمان التأسيس لحالة تغييرية ناجحة. ويجب العلم أن العملية معقدة ولكنها أساسية، والفشل فيها يؤدي إلى حتمية فشل التغيير.

ثالثا: تخليق رؤية مرنة ذات اتجاه واضح:

في كل عملية تغيير ناجحة لا بد لقوى التغيير أن تكون قادرة على صناعة صورة ذهنية واضحة للمستقبل، تلك الصورة يجب مشاركتها مع كل المهتمين بعملية التغيير وعلى رأسهم الشعب والقوى الوطنية والأحزاب والقوى الدولية وغيرها، ويلعب الإعلام المحترف دورا رئيسيا في ذلك.

ويجب علينا أن نعي أن الرؤية ليست قرآنا ولا دستورا ولكنها توضح اتجاه الدفة نحو تأسيس دولة ديمقراطية حديثة، فهي صورة ذهنية مكوناتها واضحة ولكن يمكن تعديلها، والإضافة إليها مع الحفاظ على الاتجاه. يجب على الجميع أن يتحدث نفس اللغة، حتى وإن كانت الجُمل مختلفة (سوريا الجديدة، سوريا لكل السوريين).

وتمثل الرؤية روح العملية التغييرية، فهي تمثل الواقع والحلم وكيف يمكن تحقيقه، بجب أن تكون أمام أعين الجميع طوال الوقت، مع العلم بأن عدم وضوح الرؤية سيؤدي لحالة من التخبط ومحاولات ملء الفراغ وتغيير الاتجاه، وكلها من العوامل التي تساهم في إفشال عملية التغيير بلا عودة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التغيير سوريا رؤية سوريا التغيير رؤية مدونات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إدارة التغییر عملیة التغییر

إقرأ أيضاً:

بين أن تكون قائداً أو بائع آيس كريم !!

“إذا كنت تريد إرضاء الجميع، فلا تكن قائدًا، بل بع الآيس كريم.”
“If you want to make everyone happy, don’t be a leader, sell ice cream.”

هكذا قال ستيف جوبز، مؤسس شركة أبل – آيفون – وصاحب البصمة الفريدة في عالم التكنولوجيا. وربما لا يوجد وصف أدق لطبيعة القيادة من هذه الجملة القصيرة التي تجمع بين الطرافة والعمق.

القيادة ليست مهمة سهلة، وليست وظيفة مَن يبحث عن التصفيق الدائم والوجوه الراضية من حوله. لأن الحقيقة البسيطة هي: لا أحد يستطيع أن يُرضي الجميع، حتى لو كان نبياً أو عبقرياً. كل من اختبر موقعًا قياديًا، في أي مجال، يعرف جيدًا أن اللحظة التي تحاول فيها أن تُرضي الكل هي اللحظة التي تبدأ فيها بخسارة نفسك، ومبادئك، ومسارك.

في واقعنا، كثيرون يدخلون عالم القيادة معتقدين أنها مجرد توزيع للمهام، أو لعب دور الحكم بين الفرقاء. لكن سرعان ما يصطدمون بالحقيقة: القيادة قرارات. والقرارات، لا سيما الصعبة منها، لا تُرضي الجميع. فأحيانًا يجب أن تختار بين السيئ والأسوأ، أو بين ما هو شعبوي وما هو صحيح.

ستيف جوبز نفسه لم يكن ذلك المدير “المحبوب” في أبل. بل كان حادًا، حاسمًا، يقرر ويواجه العواصف، لأن رؤيته كانت واضحة: بناء شيء مختلف، عبقري، لا يشبه أحدًا. لذلك لم يكن يسعى إلى كسب القلوب بقدر ما كان يسعى لتحقيق الحلم. واليوم، نعرف النتيجة.

رغم أن ستيف جوبز توفي في العام 2011، إلا أنه وحتى أبريل 2025، تُقدّر القيمة السوقية لشركة أبل بنحو 3 تريليونات دولار أمريكي، ما يجعلها الشركة الأعلى قيمة في العالم من حيث رأس المال السوقي.
وذلك بفضل القيادة الملهمة القوية لستيف جوبز الذي أرسى دعائم استقرار ونظام عمل لم يتأثر برحيله، وهذه واحدة من سمات القائد الاستثنائي: خلق جيل يحمل الراية بعده.

القيادة تتطلب جرأة. تحتاج لقلب يتحمّل العزلة حين يصبح الطريق ضبابيًا، ولعقل يرى أبعد مما يراه الآخرون. وفي بعض الأحيان، يتطلب الأمر أن تقول “لا”، حتى حين تكون تلك الكلمة غير محبوبة. في مؤسسات الدولة، في الشركات، في الإدارات، بل حتى داخل الأسرة، هذه الحقيقة لا تتغير.

وفي هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا، نحن في أمسِّ الحاجة إلى وزراء ومسؤولين لا يبحثون عن الأضواء، بل يتحمّلون المسؤولية بشجاعة وصدق. نحتاج إلى من تتجسّد فيهم صفات القيادة الحقيقية: وضوح الرؤية، والقدرة على اتخاذ القرار في أحلك الظروف، والاستعداد لتحمّل النقد والضغوط دون أن يتراجعوا عن المبادئ. نريد قادة يصغون للناس لا ليجاملوا، بل ليفهموا ويستجيبوا، يعملون بصمت وإخلاص، ويضعون مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية أو الحزبية. لقد آن الأوان أن يُدار الوطن بعقلية رجال دولة لا موظفي سلطة، بقيادات تصنع المستقبل، لا تُدار بالأزمات.

القيادة ليست تعنتًا ولا قسوة، ولكنها ليست أيضًا طبطبة دائمة. هي توازن دقيق بين الاستماع للجميع، واتخاذ ما تراه صائبًا، ثم تحمّل النتائج. القائد الحقيقي لا يتهرب من المسؤولية، ولا يُغريه رضا الآخرين عن قراراته بقدر ما يشغله أن تكون قراراته عادلة وصحيحة.

إذا كنت تطمح لأن تكون قائدًا، فاستعد أن تُنتقد، أن يُساء فَهمك، أن تُرفض أفكارك أحيانًا. لكن في النهاية، ما سيُذكرك به الناس ليس كم شخصًا أحبك، بل كم أثرًا تركته. أما إن كان همّك أن تسعد الجميع وتسمع كلمات المديح باستمرار، فقد يكون بيع الآيس كريم خيارًا ألطف، وأهدأ، وأقرب للسلام النفسي!

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • بين أن تكون قائداً أو بائع آيس كريم !!
  • صحيفة عبرية: إدارة ترامب تقترح على إيران النموذج الإماراتي
  • العدوان الأمريكي على اليمن.. فشل ذريع ومآل مخزي وخسائر باهظة
  • أوبن أيه آي.. إطلاق أول نموذج لغوي مفتوح يشعل السباق في عالم الذكاء الاصطناعي
  • بنك أهداف أمريكا.. من الفشل إلى الانتقام من المدنيين
  • وزارة العدل تدشن نموذجًا مركزيًّا للمحاكم لتعزيز الجودة الموضوعية
  • بوزعكوك: لا يجب تحميل المواطن أعباء الفشل وتمويل المليشيات
  • المخابرات العامة يسقط شبكة تهريب مخدرات في عملية نوعية شرق السودان
  • شات جي بي تي تحت المجهر.. ما نقاط ضعفه؟
  • مرضى الفشل الكلوي في غزة يكافحون للبقاء وسط ركام الحرب ونقص الرعاية