لجريدة عمان:
2025-01-22@13:12:00 GMT

سياط العمل .. بين القبول والتنحي !

تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT

قالت لي قريبتي بأنّها تفكرُ بجدية فـي تقديم استقالتها، وعندما سألتها باهتمام عن السبب أجابت: «لم يعد ثمّة ما يُغذي شغفـي فـي بيئة ماصّة كتلك»، ولنا أن نتصور حياتنا المهنية الطويلة والمُستنزفة، وهي تغدو على حين غرة معول هدم وتدمير ذاتي لا يمكن احتماله !

تذكرتُ آنذاك كتابًا مهمًا بعنوان: «الرجل الذي ظن أنّ العمل حياته»، لناومي شراغاي، المُحللة النفسية المتخصصة فـي حل المشكلات المهنية، فقد طرحت سؤالًا مُهمًا حول بيئات العمل، إن كانت سامةً حقًا، ولا تجلب إلا المصابين بالنرجسية، أو أنّ المسألة مرتبطة بأوهامنا الفردية؟

فما الذي يدفعنا للسلوك الهدام فـي العمل؟ ما الذي يُغذي ضغائننا؟ ومن أي جرح تنبثقُ شرارة السخط؟ وفـي أي أرض تنمو نبتة التشاؤم، وكيف لمكان يستوجب البناء أن يُحولنا لشيء بالغ الدناءة أحيانًا !

من غير المُنصف حقًا أن تلقى الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي اهتمامًا بالغًا، بينما لم تُشغل التغيرات التي تصيبُ بيئات العمل العقل البحثي، على الرغم من أنَّ الكتاب يكشف أنّنا نقضي 50 عامًا من حياتنا فـي العمل المُحمل بالمخاوف والهموم الذهنية مقابل 18 عامًا مع العائلة ! وعلينا ألا ننسى أيضًا أنّنا نتحول الآن من فكرة «مهنة مدى الحياة» إلى ما يُطلقُ عليه «اقتصاد الوظائف المؤقتة»، أو ثقافة العمل غير الآمنة.

لاحظت الطبيبة شراغاي أنّ المرضى فـي السنوات الأخيرة يجلبون معهم هموم أعمالهم إلى العيادة. فقد باتت بيئات العمل مكانًا يُلقي بظلاله المتباينة على الروح الوثابة، عندما بدأت تفقد فرادة صوتها وخصائصها.

وقد يطرح الكثير منا هذا السؤال: «لماذا أعيش فـي نمط يجعلني تعيسًا؟»، فمن هذه النبرة المُتشنجة تتداعى تلك الرغبة المحمومة فـي انتزاع الذات من بيئات نصفها بالموبوءة، إلا أنّ ما يوقفنا دائمًا هو انجذابنا إلى المألوف والتقليدي، أكثر من رغبتنا فـي المغامرة والتغيير!

قد يبدو مكان العمل مكانًا عقلانيًا له أهداف مُحددة، مكان مجرد من المشاعر والأحاسيس، إلا أنّنا فـي حقيقة الأمر نذهبُ إليه «مُدججين بحمولاتنا العاطفـية». فهنالك من يستخدم الإنكار كآلية دفاع لدرء الشعور بالذنب، وهنالك من يجعل من نفسه موضع قوة بينما يئن فـي أعماقه السحيقة، فكلنا يأكله الخوف العارم من تلك اللحظة التي لا تعود المؤسسة فـي حاجة إلينا، كشيء تافه تذروه الرياح!

يذهبُ الناس إلى العمل مُحملين بعدتهم العاطفـية، وكأنّهم لا يفعلون أكثر من إعادة تجسيد صراعاتهم وانفعالاتهم العالقة فـي الماضي أو فـي حياتهم الخاصّة! ولذا يُعلمنا الكتاب ضرورة أن نعيش فـي مناطق رمادية دون انحياز لأبيض أو أسود، ضرورة استجلاء ردود أفعالنا الدفاعية، فبعض مشاعرنا مُضللة، فلو تمكنا من مواجهة مشاعرنا الجياشة بدلًا من تفاديها، سنكون أكثر استعدادًا لمواجهة حوادث العمل.

يُلقي الكتاب الضوء على بعض المسؤولين الذين يظنون بأنّ العمل هو انعكاس لذواتهم، ولذا يخشون تكليف الآخرين بالأعمال؛ لأنّ ذلك يعني بالنسبة لهم «مخاطرة»، والحقيقة أنّ ضعف الإيمان بكادرهم يُعميهم عن النظر إلى الصورة الكلية. يحدثُ ذلك لأنّهم يؤمنون بأنّ أسلوبهم الوحيد هو الصحيح، ولذا فهم يستعينون بنسخ أخرى مطابقة لهم، الأمر الذي يخلقُ مزاجًا قلقًا مُفعمًا بالاضطراب فـي بيئات العمل!

لا وجود «لعامل مثالي يعيشُ فـي شقة فارغة، يحمل حقيبة نوم، ويذهبُ إلى العمل بذهن صافٍ 24 ساعة فـي اليوم»، كما لا وجود لبيئات عمل مثالية للجميع، لكن ثمّة أفكار خلاقة تروم ذلك، عقولٌ تصرفُ الجهد فـي رتق الشقوق لا تعرية الثقوب، فلا يكفـي المسؤول أن يعتني بالتغذية الراجعة من الموظفـين، لا بد من حوارات صادقة، فالقيادي الجيد هو من يضع توقعات معقولة ويمنح الثقة، ويتدرج فـي منح الآخرين الاستقلالية والمسؤولية فـي آن. فمتى ما ترسخت الثقة يمكن للموظف الصغير أن ينمو أيضًا وأن يتحرر، فالقيادة تعني: إخراج أفضل ما فـي الآخرين من إمكانيات.

المشاعر الإيجابية المُبهجة مُعدية ومُلهمة، كما هو حال السخاء ومسامحة الأخطاء غير المُتعمدة. لكن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نغفلُ سياط سلطة العمل التي تُمارس علينا، بينما نسعى بدأبٍ للحصول على قبول ما أو نسعى للتنحي جانبًا !

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بیئات العمل

إقرأ أيضاً:

ترامب: لا مكان للشواذ في أمريكا

أدى الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، اليمين الدستورية اليوم الاثنين، ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، خلفًا لجو بايدن. جاء ذلك في مراسم رسمية أُقيمت في إحدى قاعات الكابيتول بالعاصمة واشنطن، حيث أدى جيمس ديفيد فانس اليمين كنائب للرئيس.

وفي أول خطاب له عقب توليه المنصب، كشف ترامب عن ملامح سياسات إدارته الجديدة، مؤكدًا أن حكومته ستتبنى سياسة ترتكز على “قيم الأخلاق والكفاءة، بعيدًا عن اللون”.

وصرح ترامب بأن إدارته ستعمل على تعزيز الأمن الداخلي، مشيرًا إلى عزمه إرسال قوات إضافية لحماية الحدود ووقف تدفق المجرمين، مع تصنيف العصابات الإجرامية كإرهابيين. وأكد أنه لن يسمح باستخدام سلطة الدولة كأداة قمعية ضد المواطنين، متعهدًا بإصلاح القضاء لضمان عدالته.

كما أعلن عن خطط لدعم الاقتصاد الوطني من خلال فرض ضرائب على المنتجات المستوردة وتشجيع الصناعة المحلية، مضيفًا: “سنمكن الأمريكيين من شراء السيارات التي يرغبون فيها، وسندعم العاملين في جميع القطاعات”.

وعلى الصعيد الدولي، تحدث ترامب عن استعادة قناة بنما، واصفًا ذلك بأنه جزء من استرجاع النفوذ الأمريكي التاريخي. كما أشار إلى خطط لتقوية الجيش وجعله “الأقوى عالميًا”، مؤكدًا أن القوات المسلحة ستركز على “مهمتها الوحيدة وهي هزيمة أعداء أمريكا”.

وأضاف أن إدارته ستسعى لتحقيق إنجازات علمية كبرى، مثل رفع العلم الأمريكي على سطح كوكب المريخ، مشددًا على أن الولايات المتحدة على أعتاب “أعظم سنواتها”.

 

مقالات مشابهة

  • تشكيل لجنة لاعداد سياسة القبول بالمعهد العالي للقضاء
  • مجلس المعهد العالي للقضاء يقر تشكيل لجنة لإعداد سياسة القبول للدفعة الـ26
  • ترامب يكشف عن مواقفه من حرب أوكرانيا: على بوتين الموافقة القبول بهذا الأمر فورا
  • اليوم التالي في غزة.. جثث في كل مكان وفظائع مرعبة
  • ترامب: لا مكان للشواذ في أمريكا
  • تغير سياسة القبول بالجامعات وإلغاء مكتب التنسيق .. التعليم العالي توضح
  • “الهلال الأحمر” بالرياض ينهي المرحلة الأولى من مشروع “معاذ” لتعزيز السلامة في بيئات العمل
  • خلال خطاب تنصيبه.. ترامب ينتقد بايدن بينما كان يقف وراءه
  • التعليم العالي تنفي تغيير سياسات القبول بالجامعات وتؤكد التوسع في التعليم
  • وزارة التعليم العالي: لا تغيير في نظام القبول بالجامعات ومكتب التنسيق مستمر