لجريدة عمان:
2025-03-31@08:12:13 GMT

سياط العمل .. بين القبول والتنحي !

تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT

قالت لي قريبتي بأنّها تفكرُ بجدية فـي تقديم استقالتها، وعندما سألتها باهتمام عن السبب أجابت: «لم يعد ثمّة ما يُغذي شغفـي فـي بيئة ماصّة كتلك»، ولنا أن نتصور حياتنا المهنية الطويلة والمُستنزفة، وهي تغدو على حين غرة معول هدم وتدمير ذاتي لا يمكن احتماله !

تذكرتُ آنذاك كتابًا مهمًا بعنوان: «الرجل الذي ظن أنّ العمل حياته»، لناومي شراغاي، المُحللة النفسية المتخصصة فـي حل المشكلات المهنية، فقد طرحت سؤالًا مُهمًا حول بيئات العمل، إن كانت سامةً حقًا، ولا تجلب إلا المصابين بالنرجسية، أو أنّ المسألة مرتبطة بأوهامنا الفردية؟

فما الذي يدفعنا للسلوك الهدام فـي العمل؟ ما الذي يُغذي ضغائننا؟ ومن أي جرح تنبثقُ شرارة السخط؟ وفـي أي أرض تنمو نبتة التشاؤم، وكيف لمكان يستوجب البناء أن يُحولنا لشيء بالغ الدناءة أحيانًا !

من غير المُنصف حقًا أن تلقى الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي اهتمامًا بالغًا، بينما لم تُشغل التغيرات التي تصيبُ بيئات العمل العقل البحثي، على الرغم من أنَّ الكتاب يكشف أنّنا نقضي 50 عامًا من حياتنا فـي العمل المُحمل بالمخاوف والهموم الذهنية مقابل 18 عامًا مع العائلة ! وعلينا ألا ننسى أيضًا أنّنا نتحول الآن من فكرة «مهنة مدى الحياة» إلى ما يُطلقُ عليه «اقتصاد الوظائف المؤقتة»، أو ثقافة العمل غير الآمنة.

لاحظت الطبيبة شراغاي أنّ المرضى فـي السنوات الأخيرة يجلبون معهم هموم أعمالهم إلى العيادة. فقد باتت بيئات العمل مكانًا يُلقي بظلاله المتباينة على الروح الوثابة، عندما بدأت تفقد فرادة صوتها وخصائصها.

وقد يطرح الكثير منا هذا السؤال: «لماذا أعيش فـي نمط يجعلني تعيسًا؟»، فمن هذه النبرة المُتشنجة تتداعى تلك الرغبة المحمومة فـي انتزاع الذات من بيئات نصفها بالموبوءة، إلا أنّ ما يوقفنا دائمًا هو انجذابنا إلى المألوف والتقليدي، أكثر من رغبتنا فـي المغامرة والتغيير!

قد يبدو مكان العمل مكانًا عقلانيًا له أهداف مُحددة، مكان مجرد من المشاعر والأحاسيس، إلا أنّنا فـي حقيقة الأمر نذهبُ إليه «مُدججين بحمولاتنا العاطفـية». فهنالك من يستخدم الإنكار كآلية دفاع لدرء الشعور بالذنب، وهنالك من يجعل من نفسه موضع قوة بينما يئن فـي أعماقه السحيقة، فكلنا يأكله الخوف العارم من تلك اللحظة التي لا تعود المؤسسة فـي حاجة إلينا، كشيء تافه تذروه الرياح!

يذهبُ الناس إلى العمل مُحملين بعدتهم العاطفـية، وكأنّهم لا يفعلون أكثر من إعادة تجسيد صراعاتهم وانفعالاتهم العالقة فـي الماضي أو فـي حياتهم الخاصّة! ولذا يُعلمنا الكتاب ضرورة أن نعيش فـي مناطق رمادية دون انحياز لأبيض أو أسود، ضرورة استجلاء ردود أفعالنا الدفاعية، فبعض مشاعرنا مُضللة، فلو تمكنا من مواجهة مشاعرنا الجياشة بدلًا من تفاديها، سنكون أكثر استعدادًا لمواجهة حوادث العمل.

يُلقي الكتاب الضوء على بعض المسؤولين الذين يظنون بأنّ العمل هو انعكاس لذواتهم، ولذا يخشون تكليف الآخرين بالأعمال؛ لأنّ ذلك يعني بالنسبة لهم «مخاطرة»، والحقيقة أنّ ضعف الإيمان بكادرهم يُعميهم عن النظر إلى الصورة الكلية. يحدثُ ذلك لأنّهم يؤمنون بأنّ أسلوبهم الوحيد هو الصحيح، ولذا فهم يستعينون بنسخ أخرى مطابقة لهم، الأمر الذي يخلقُ مزاجًا قلقًا مُفعمًا بالاضطراب فـي بيئات العمل!

لا وجود «لعامل مثالي يعيشُ فـي شقة فارغة، يحمل حقيبة نوم، ويذهبُ إلى العمل بذهن صافٍ 24 ساعة فـي اليوم»، كما لا وجود لبيئات عمل مثالية للجميع، لكن ثمّة أفكار خلاقة تروم ذلك، عقولٌ تصرفُ الجهد فـي رتق الشقوق لا تعرية الثقوب، فلا يكفـي المسؤول أن يعتني بالتغذية الراجعة من الموظفـين، لا بد من حوارات صادقة، فالقيادي الجيد هو من يضع توقعات معقولة ويمنح الثقة، ويتدرج فـي منح الآخرين الاستقلالية والمسؤولية فـي آن. فمتى ما ترسخت الثقة يمكن للموظف الصغير أن ينمو أيضًا وأن يتحرر، فالقيادة تعني: إخراج أفضل ما فـي الآخرين من إمكانيات.

المشاعر الإيجابية المُبهجة مُعدية ومُلهمة، كما هو حال السخاء ومسامحة الأخطاء غير المُتعمدة. لكن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نغفلُ سياط سلطة العمل التي تُمارس علينا، بينما نسعى بدأبٍ للحصول على قبول ما أو نسعى للتنحي جانبًا !

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بیئات العمل

إقرأ أيضاً:

الجزائر تتضامن مع ميانمار إثر الزلزال الذي ضرب البلاد 

أعربت الجزائر عن تضامنها التام مع جمهورية اتحاد ميانمار إثر الزلزال العنيف والمروع الذي ضرب البلاد اليوم مخلفا عددا كبيرا من الضحايا وأضرارا كبيرة في الممتلكات .

وقدمت الجزائر في بيانها خالص العزاء والمواساة لأسر الضحايا مع تمنياتها بالشفاء العاجل للمصابين.

وأكدت الجزائر إن هذه الكارثة تذكرنا بضرورة التمسك بقيم التضامن والتلاحم الإنساني وبأهمية الوقوف إلى جانب شعب میانمار الصديق لتجاوز هذه الظروف الأليمة من خلال تقديم أي شكل من أشكال الدعم الإنساني والمشاركة في جهود الإغاثة للمساهمة في التخفيف من معاناة المتضررين.

مقالات مشابهة

  • القبول الموحد: 13 أبريل القادم بدء التسجيل للعام الأكاديمي الجديد
  • وداع رمضان.. الدعاء المستحب في آخر أيام الشهر الفضيل
  • سفينة ضخمة تدخل لبنان.. هذا مكان تواجدها
  • حماس توافق على مقترح وقف إطلاق النار الذي تلقته قبل يومين
  • بترحيب من الهداف التاريخي للدوري الإنجليزي.. الأمير هاري يهدد مكان محمد صلاح في ليفربول
  • الفلكي الخضيري: الطقس مهيأ في مكان ترائي هلال شوال
  • خبير تربوي يوضح الطريقة المثلى للتعامل مع زميل العمل الذي يقلل من أفكارك .. فيديو
  • الجزائر تتضامن مع ميانمار إثر الزلزال الذي ضرب البلاد 
  • نتنياهو: سنُهاجم أيّ مكان في لبنان يُمثل تهديداً لإسرائيل
  • عالم أزهري: استمرار الطاعات بعد رمضان دليل القبول