كيف تمددت الصين وكسبت نفوذها في أميركا اللاتينية؟
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
بينما كان الرئيس الصيني شي جين بينغ يحضر افتتاح مشروع "تشانكاي" الضخم في بيرو يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني من الشهر الحالي، الذي حوَّلت فيه الصين بلدة صيد نائية هناك لا يتمتع ثلث سكانها بالمياه إلى ميناء كبير تكلف إنشاؤه 1.3 مليار دولار بحسب "أسوشيتد برس"، كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يستعد لحضور حفل تمنح فيه شركة "كالترين" الأميركية قطارات ركاب تعمل بالديزل طويل الأمد للعاصمة البيروفية ليما.
ورغم الاحتفاء الكبير الذي أظهرته الخارجية الأميركية بهذا الحفل، والتأكيد أنه يدل على حجم العلاقات بين البلدين، فإن الفارق بدا واضحا بين الزيارة الصينية وبين نظيرتها الأميركية. فبينما تتوسع الصين بمشاريع عملاقة في أميركا اللاتينية، تظهر الولايات المتحدة بطيئة وغير قادرة على منافسة الصين في ضخامة المشاريع المطروحة وسرعة إنجازها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2طبول الحرب حول تايوان فهل تستعد الصين فعلا للمواجهة الأخطر؟list 2 of 2حرب الأسماك تشعل صراع المياه الرمادية بين الصين وأميركاend of listفكيف تمددت الصين وكسبت نفوذها في منطقة أميركا اللاتينية، وما الوسائل التي استخدمتها، وكيف تنظر الولايات المتحدة الأميركية لهذا التمدد.
كثيرة هي المناطق المشتعلة في العالم اليوم، وأكثر منها تلك المناطق المهددة بالاشتعال. وفق هذا الواقع المتغير، تجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها في عالم جديد يتحول تدريجيا، بعد سنوات ظنَّت فيها أميركا ومن ورائها العالم الغربي أن البشرية وصلت إلى نهاية التاريخ كما وصفها فوكوياما، وأن العالم أصبح مستقرا على قُطب واحد تعلوه الديمقراطية الليبرالية الغربية.
بالنسبة للولايات المتحدة، بات المستقبل يُنذر بالكثير من المخاطر التي يقع بعضها على بُعد مسافة ضئيلة منها، فالصين تتحرك بحذر وبطء لتكسب نفوذا جديدا في مناطق مختلفة من العالم، وواحدة من تلك المناطق هي فِناء أميركا الخلفي.
ففي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لأميركا الجنوبية، وثاني أكبر شريك لأميركا اللاتينية كلها، التي تضم بحسب دائرة المعارف البريطانية قارة أميركا الجنوبية والمكسيك وجزر البحر الكاريبي وأميركا الوسطى، وهي الدول التي تسود فيها اللغات اللاتينية.
إعلانكما أصبحت الصين المصدّر الرئيسي للإقراض والاستثمار الأجنبي المباشر في أميركا الجنوبية في مجالات الطاقة والبنية الأساسية، بما يتضمنه ذلك من مبادرة الحزام والطريق، وذلك بحسب مؤسسة الأبحاث الأميركية "مجلس العلاقات الخارجية"، علما بأن القرن الحادي والعشرين شهد تجاوز حجم الدعم المقدم من مؤسسات التمويل التنموي الصينية لمشاريع البنية الأساسية في أميركا اللاتينية حجم نظيره المقدم من البنك الدولي والمؤسسات الممولة التقليدية.
منذ بداية القرن الحالي، بدا أن الصين مهتمة بشدة ببسط نفوذها الاقتصادي وما يتبعه من نفوذ سياسي في تلك المنطقة الخطيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. ففي عام 2000، كان حجم التجارة بين الصين وأميركا اللاتينية، بحسب منتدى الاقتصاد العالمي، هو 12 مليار دولار فقط، لكن بحلول عام 2010 ارتفعت قيمة التجارة بين المنطقتين إلى 180 مليار دولار، حتى وصل الرقم إلى 450 مليار دولار عام 2021، وسط توقعات بأن يصل بحلول عام 2035 إلى 700 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالتبادلات التجارية، ركزت الصين إستراتيجيتها على تبادل مفيد للغاية لاقتصادها، وهو مشابه للتبادلات التي تُجريها عادة الدول الكبرى مع الدول الأصغر شأنا، فهي تستورد المواد الخام من فول الصويا والنحاس والبترول، وهي المواد التي تحتاج إليها لتعزيز مشروعها الصناعي، بينما تُصدِّر لدول أميركا اللاتينية فائضها الصناعي على شكل منتجات ذات قيمة مضافة أعلى. ولكي تدفع الصين تلك الإستراتيجية نحو الأمام، فقد أبرمت اتفاقات للتجارة الحرة مع تشيلي وكوستاريكا والإكوادور وبيرو، واستطاعت أن تضم 21 دولة من أميركا اللاتينية لمبادرة الحزام والطريق.
وفي الوقت نفسه تدفع الصين باستثماراتها وقروضها في القارة، إذ بلغت استثماراتها بأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي 12 مليار دولار، أي 9% من إجمالي الاستثمار الأجنبي في تلك المناطق، وقد أقرض بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني حكومات دول أميركا اللاتينية عموما مبلغا ضخما وهو 137 مليار دولار، وتُعد فنزويلا أكبر المقترضين على الإطلاق، وتأتي بعدها مباشرة البرازيل.
إعلاناستطاعت الصين من خلال مشاريع اقتصادية متعددة أن تبسط قبضتها بشكل كبير على الاقتصاد الأميركي اللاتيني، وتجعل دول المنطقة معتمدة عليها اعتمادا كبيرا، دون أن تنقل إليها التكنولوجيا الفائقة التي تُمكِّنها من الاستقلال عنها مستقبلا.
وكان من بين المجالات التي اهتمت بكين بالتوسع فيها الاستثمار والتوسع في قطاع الطاقة المتجددة بالمنطقة، وصار ثمانية من أكبر عشرة موردين للألواح الشمسية في المنطقة شركات صينية، فضلا عن تمويل محطات الطاقة الشمسية في المنطقة، علما بأن شركة "باور تشاينا" وحدها لديها أكثر من 50 مشروعا جاريا متعلقا بالطاقة في 15 دولة بأميركا اللاتينية بحسب أرقام عام 2022.
استحوذت الصين كذلك على شركات ومناجم مهمة في البرازيل والأرجنتين وبوليفيا وتشيلي متعلقة بمعدن الليثيوم الذي أولته اهتماما كبيرا، وهو المعدن شديد الأهمية بالنسبة للدول الصناعية لدخوله في تصنيع بطاريات الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب وبطاريات السيارات الكهربائية، وتحتوي تلك الدول تقريبا على نصف احتياطات الليثيوم المعروفة في العالم. كما توسعت شركة "هواوي" الصينية في القارة، بالأخص في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والمكسيك وبيرو، إذ دخلت بقوة في مجالات البيانات والحوسبة السحابية.
وبحسب مسح أجرته جامعة المكسيك الوطنية، فإن أولويات الاستثمارات الصينية عموما في المنطقة تركزت على المواد الخام والمعادن بنسبة 34% في العقد الأخير، وقد استثمرت الصين بين عامي 2000-2018 مبلغا قدره 73 مليار دولار في قطاع المواد الخام بأميركا اللاتينية، ويشمل ذلك بناء المصافي ومصانع المعالجة في البلدان الغنية بالفحم والنحاس والغاز الطبيعي والنفط واليورانيوم، وهي تتجه أيضا بشكل كبير في السنوات الأخيرة إلى قطاعات أخرى مثل الطاقة غير الأحفورية والسيارات. وبصورة أعم، باتت الصين مؤخرا تولي أهمية خاصة في أميركا اللاتينية إلى تطوير وبناء ما تسميه "البنية التحتية الحديثة"، وهو ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والمدن الذكية وتكنولوجيا الجيل الخامس والحوسبة السحابية.
إعلانكل ما سبق، جعل الحضور الصيني في اقتصاد أميركا اللاتينية جاذبا بالنسبة للحكومات، فقد قدمت بكين نفسها باعتبارها بديلا أكثر نشاطا من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه فهي لا تعوق التعاون بطلبات كثيرة خاصة بالقيود البيئية وما إلى ذلك. ركزت الصين أيضا على وضع شعار التعاون بين بلدان الجنوب العالمي من أجل تحقيق التنمية بوصفه العنوان العريض لهذا التعاون.
على أرض الواقع، لم تستفد الصين من تعاونها مع أميركا اللاتينية من ناحية النفوذ الاقتصادي فقط، وإنما انعكس النفوذ الاقتصادي إلى مكاسب سياسية مباشرة. فبحسب مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، استطاعت الصين بجانب تعظيم نفوذها ومكاسبها الاقتصادية في القارة أن تعزز أيضا العلاقات الثقافية والتعليمية، وقد استفادت كثيرا من جائحة "كوفيد-19" حين تعاونت مع تلك البلدان ووفرت لها مئات الملايين من جرعات اللقاح بالإضافة إلى المعدات الطبية، واستطاعت بذلك أن تُظهر لحكومات دول أميركا اللاتينية أنها شريك حقيقي داعم، وليست شريكا اقتصاديا ينتظر الربح.
ومنذ عام 2001 لا تكف القيادات السياسية الصينية رفيعة المستوى عن تبادل الزيارات مع قادة المنطقة، وهو ما جعلها في النهاية توقع شراكات إستراتيجية شاملة، وهي أعلى مرتبة يمكن أن تمنحها الصين لحلفائها السياسيين، وذلك مع الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا وبيرو والمكسيك والإكوادور وتشيلي، وقد استطاعت الصين من خلال شراكاتها الإستراتيجية هذه أن تجعل دول المنطقة لا تعترف بسيادة تايوان، إذ بقيت 7 دول فقط في المنطقة تعترف بهذه السيادة.
ووفق مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، لم تكتفِ الصين بالجوانب "الناعمة"، بل عمدت إلى تعظيم نفوذها العسكري في أميركا اللاتينية، وهي المنطقة شديدة الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وقد جرى ذلك تنفيذا لخطة الصين الإستراتيجية للدفاع عام 2016. أَثَرُ ذلك يمكن ملاحظته في فنزويلا بشكل كبير، التي باتت تعتمد على المعدات العسكرية الصينية، بينما تشتري الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وبيرو من الصين الطائرات والمركبات الأرضية والرادارات والبنادق الهجومية، واستطاعت الصين أيضا أن تعزز تعاونها العسكري والاستخباراتي مع كوبا. وتوفر الصين تدريبات عسكرية وإمدادات شُرطية للعديد من البلدان في تلك المنطقة، ومن أهمها بوليفيا والإكوادور، فضلا عن تبرعاتها للشرطة في ترينداد وتوباغو.
إعلان الولايات المتحدة الأميركية.. خائفةكثيرا ما تتحدث الأوراق البحثية والمقالات الصحافية الأميركية والأوروبية عن أن الصين "تُغرق دول أميركا اللاتينية في القروض، وتُوقعها في فخ الاعتماد المفرط المستقبلي عليها، كما أنها تدمر بمشاريعها الحقوق العمالية الراسخة هناك، وأن مشاريعها في بعض مجالات الطاقة لها آثار بيئية مستقبلية خطيرة للغاية، فضلا عن أنها تدعم النظم الاستبدادية وانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة"، وتذهب بعض الصحف الغربية إلى تغطيات كاملة عن أن المواطنين في أميركا اللاتينية غاضبون من آثار الحضور الصيني المدمر للبيئة.
ولكن بعيدا عن تلك العناوين الرنانة التي تُخفي وراءها الكثير، فإن ما يُقلق الولايات المتحدة حقا هو أن هذا الحضور الصيني المكثف في تلك المنطقة شديدة القرب منها يُعد اقترابا خطيرا قد يُستَخدم لتهديد أمنها القومي في المستقبل، تماما كما تفعل أميركا بحضورها في بحر جنوب الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.
وقد نصَّت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي التي خرجت للنور عام 2022 على أنه لا توجد منطقة يمكن أن تؤثر على الولايات المتحدة الأميركية بقدر التأثير الذي يمكن أن يحدث من نصف الكرة الغربي، وتعترف تلك الإستراتيجية بأن شراكات الولايات المتحدة الأميركية مع دول أميركا اللاتينية قد أصابها الضمور على نحو واضح استغلته الصين لتحل محلها، مما خلق تهديدات أمنية واضحة للولايات المتحدة، إذ أصبحت الصين هي اللاعب الأقوى في أميركا الجنوبية تحديدا، واستطاعت تشكيل المنطقة لصالحها عبر وسائل السياسة والاقتصاد.
دفع الوجود الصيني القوي والسيطرة المتزايدة على البنية الأساسية والموانئ وشبكات الطاقة في تلك المنطقة العديد من السياسيين الأميركيين إلى إثارة المخاوف حول التمدد الصيني، في ظل غياب حل فعال لاحتوائه، بينما تركز الولايات المتحدة الأميركية على مناطق أخرى من العالم وتترك باحتها الخلفية عُرضة للتوسع الصيني على هذا النحو، ويُحمِّل بعض المحللين الرئيس السابق دونالد ترامب هذا التراجع بسبب إثارته انزعاج البلدان المجاورة وتراجعه عن العلاقات التجارية مع المنطقة، وهو ما استغلته بكين للتقرب من الحكومات اللاتينية.
إعلانوقد عبَّر الأدميرال كريج إس فالر، الرئيس السابق للقيادة الجنوبية الأميركية، عام 2021 عن هذا الانزعاج حين قال: "نحن نفقد ميزتنا التموضعية في هذا النصف من الكرة الأرضية، وهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية لعكس هذا الاتجاه".
ورغم أن الرئيس جو بايدن قد عبَّر عن احتياج بلاده إلى تولي زمام المبادرة دائما في أميركا اللاتينية منذ أن كان نائبا للرئيس أوباما، وتعهده خلال فترة رئاسته بتعزيز الشراكات الأميركية من جديد مع نصف الكرة الغربي في إطار منافسة الصين ومواجهة مبادرة الحزام والطريق، فإن العديد من الخبراء يرون أن بايدن لم يبذل الجهد الكافي للتركيز على أميركا اللاتينية الخطيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ولم يضخ القدر الكافي من المال اللازم لمواجهة المد الصيني في تلك المنطقة.
وبحسب مؤسسة "بروغل" الفكرية الأوروبية المخصصة للدراسات الاقتصادية ومقرها بروكسل، فإن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي هما مَن تسببا في النفوذ الصيني المتصاعد في أميركا اللاتينية، ولا ينبغي للغرب أن يلوم أحدا على هذا النفوذ الصيني إلا نفسه، إذ لم تتخذ الولايات المتحدة ولا أوروبا مسألة التوصل إلى اتفاقات تجارية واستثمارية مع أميركا اللاتينية بجدية منذ سنوات، ومن ثم فقد الغرب نفوذه تدريجيا في تلك المنطقة، وفي الوقت نفسه كانت الصين تستغل الفرصة التي تخلى عنها الغرب ببساطة.
وباختصار شديد، ترى "بروغل" أنه بينما كان الغرب يُجري مفاوضات معقدة وطويلة ومليئة بالتفاصيل المنفرة مع حكومات أميركا اللاتينية، كانت الصين تأتي بنشاط وتتوسع وتنمو في المنطقة دون الكثير من المفاوضات المرهقة، إذ لم تعد دول أميركا اللاتينية مضطرة لقبول الشروط الغربية المرهقة في وقت تمد فيه الصين أيديها بالكثير من المبادرات سريعة الفاعلية.
وبحسب الصحيفة البريطانية "فايننشال تايمز"، فإن مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد حذَّروه مرارا وتكرارا من أن التوغل الصيني بهذا الشكل لن يؤدي فقط إلى الاعتماد المفرط لدول أميركا اللاتينية على الاستثمارات الصينية، وإنما قد يؤدي إلى مخاطر أمنية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، إذ يمكن أن تستخدم الصين البنية التحتية اللاتينية في المستقبل لأغراض عسكرية.
إعلانفي حين أشار المراقبون الاقتصاديون إلى أن التركيز الصيني مؤخرا على الاستثمار في التكنولوجيا الفائقة في تلك المنطقة يُمثل تحديا مباشرا لأوروبا والولايات المتحدة في إستراتيجياتها الاستثمارية وفي ساحات التنافس الاقتصادي الحاسمة في القرن الحالي. وعلى سبيل المثال، تركزت استثمارات الصين في المكسيك مباشرة على التصنيع عالي القيمة، ونقلت الشركات الصينية الإنتاج إلى المكسيك بهدف الوصول المباشر إلى أسواق أميركا الشمالية.
وبحسب "فايننشال تايمز" أيضا فإن الولايات المتحدة الأميركية رغم ذلك لا تزال فاشلة في تقديم تمويلات لمشاريع البنية التحتية في تلك المنطقة، أو عقد صفقات تجارة حرة مع مسؤولي أميركا اللاتينية، أو تقديم منتجات بديلة للمنتجات الصينية في المنطقة بأسعار تنافسية.
في ورقة بحثية بعنوان "كيف ينبغي للولايات المتحدة أن تستجيب لنفوذ الصين في أميركا اللاتينية؟"، أصدرها معهد الولايات المتحدة للسلام الذي أسسه الكونغرس الأميركي عام 1984، يتحدث الباحث نيكولاس فالبوينا كثيرا عن كيف يؤدي النفوذ السياسي الصيني في أميركا اللاتينية إلى ترسيخ "الدكتاتورية السياسية والشمولية" بحسب وصفه، وكيف يضر بالبيئة ويُوقع تلك الدول في فخ الاستدانة، مع ذلك فحين بدأت الورقة تناولها بدأته بما يؤرق الولايات المتحدة بالفعل، وهو أن النفوذ الاقتصادي الصيني يؤدي إلى زيادة نفوذ الصين السياسي على المستوى الدولي.
تبدأ الورقة البحثية من حادثة جرت 21 أغسطس/آب 2023، حين صوَّت برلمان أميركا الوسطى الذي يُمثِّل غواتيمالا والسلفادور وهندوراس ونيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان وبنما على طرد تايوان بوصفها مراقبا دائما واستبدال جمهورية الصين بها، وسط اتجاه متزايد يدفع الدول التي يدخلها النفوذ الاقتصادي الصيني لأن تقف مع الصين بدلا من تايوان، حيث استطاعت الصين أن تجتذب 5 دول من المنطقة من عام 2017 حتى 2021 إلى صفها في تلك المعركة الدبلوماسية، ومن ثم لم يبقَ إلا 13 دولة تعترف بتايوان، منها 7 دول فقط في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ومن المتوقع أن تجتذب الصين المزيد من الدول مستقبلا، خاصة وقد أصبحت 21 دولة في المنطقة جزءا من مبادرة الحزام والطريق، حيث تتطور العلاقات التجارية بسرعة بين الصين ودول المنطقة إلى تحالف تنموي وثقافي.
إعلانوترى الورقة البحثية أن دول أميركا اللاتينية وحكوماتها، سواء اليسارية أو اليمينية، باتت ترى في الصين ذات النهضة الاقتصادية الجذابة فرصة حقيقية للنمو الاقتصادي، وزيادة التجارة والاستثمارات في قطاعات البنية التحتية والاتصالات والخدمات اللوجستية، فضلا عن تمويل الديون.
وتلفت الورقة الانتباه إلى أن مثل هذا النجاح الصيني يأتي في ضوء منافسة جيوسياسية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين تجعل مثل هذا التقدم الدبلوماسي والاقتصادي الصيني في أميركا اللاتينية يُمثل تهديدا مباشرا للمصالح الأميركية، كما تُنبِّه الورقة إلى أن العديد من صناع السياسة في الولايات المتحدة الأميركية يخشون بشكل مباشر من أن تكون القوات المسلحة الصينية تخفي بالفعل منشآت ذات استخدام عسكري داخل مشاريعها العملاقة في أميركا اللاتينية، مما يُشكِّل خطرا مستقبليا على الولايات المتحدة في حال ازداد التنافس والعداء بين البلدين.
في الواقع، تتفق جُلُّ التحليلات الغربية التي تتحدث عن النفوذ الصيني في أميركا الجنوبية واللاتينية عموما على أن هناك خطرا ينبغي الانتباه إليه بالنسبة للولايات المتحدة، وأن الصين قد تمددت على نحو قد يهدد مستقبلا الأمن القومي لها، لكنها مع ذلك لا تتمكن من تقديم حلول متماسكة للسير في اتجاه معاكس، فبينما تتحدث عن الآثار البيئية السلبية المحتملة للمشاريع والتمويلات الصينية، تبدو الحكومات اللاتينية متوافقة مع الحكومة الصينية وساعية لمد التعاون أكثر وأكثر، بينما تقف الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي في موقع يفتقد للفاعلية حتى الآن، ولا تُبدي التحركات النشطة اللازمة لمحاولة مقاومة المد الصيني في فنائها الخلفي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الأمیرکیة دول أمیرکا اللاتینیة فی أمیرکا اللاتینیة الخارجیة الأمیرکی النفوذ الاقتصادی أمیرکا الجنوبیة الحزام والطریق البنیة التحتیة فی تلک المنطقة ملیار دولار فی المنطقة الصینی فی الصین ت یمکن أن فضلا عن بینما ت التی ت
إقرأ أيضاً:
كيف هيمنت الصين بمجال الطاقة الخضراء والمتجددة؟
تتفوق الصين الآن على جميع دول العالم الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة، في مجال التقنيات الخضراء المستقبلية بعد أن حازت كل التقنيات اللازمة تقريبا لثورة الطاقة الخضراء بشكل تدريجي.
استثمرت الصين ما يقارب من 680 مليار دولار في تصنيع التكنولوجيا النظيفة بحلول عام 2024، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وهذا يعادل تقريبا إجمالي استثمارات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الحرارة وتغير المناخ رفعا الطلب على الطاقة في 2024list 2 of 2"الجدار الأخضر العظيم".. رهان أفريقي متعثر لوقف التصحرend of listوتتفوق الصين الآن على جميع الدول الأخرى في كل مجال رئيسي للطاقات المتجددة تقريبا، من إنشاء محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى السيارات الكهربائية، وهو تحول مذهل عما كان عليه الحال قبل 15 عاما، عززه شغف كبير بريادة الأعمال وتشجيع حكومي ثابت، بما في ذلك دعم بمئات المليارات من الدولارات.
وفي سباق نحو إتقان تكنولوجيات المستقبل، تعد الطاقة الخضراء أحد المجالات التي يتفق العديد من المحللين على أن الصين قد تفوقت فيها على الولايات المتحدة.
ومن المرجح -وفقا للمحللين- أن تتسع هذه الفجوة في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي بات يركز على تعزيز إنتاج الوقود الأحفوري وخفض تمويل مشاريع الطاقة النظيفة، في حين تواصل الصين زيادة استثماراتها في تقنيات الطاقة المتجددة.
يؤكد ميلو ماكبرايد، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، لصحيفة واشنطن بوست أنه "من الصعب المبالغة في تقدير ريادة الصين الفريدة في مجال تقنيات الطاقة النظيفة. فالفجوات هائلة وغير مسبوقة تاريخيا، مضيفا أن "الحد من ريادة الصين في كل شيء سيكلف أموالا طائلة، وسيكون صعبا".
ومع عودة الرئيس ترامب المتشكك في تغير المناخ، تجد بكين فرصة لتعزيز تقدمها القوي وتحقيق أهدافها والتحكم في كل جوانب الطاقة النظيفة، حيث إن نشر الطاقة المتجددة في الصين يحدث بشكل أسرع بكثير مقارنة بأي دولة أخرى.
ففي مجال الطاقة الشمسية، التي تعد أسرع مصادر الطاقة النظيفة نموا في العالم، تفوقت الصين على الاتحاد الأوروبي عام 2017 لتصبح الرائدة عالميا في مجال الطاقة الشمسية، وكان لديها آنذاك 130 غيغاوات من الألواح الشمسية المُركّبة. وقد بلغت الولايات المتحدة هذا الرقم عام 2023، عندما أضافت الصين 200 غيغاوات.
إعلانوينطبق الأمر أيضا على طاقة الرياح، فلم تكن الصين متقدمة على الاتحاد الأوروبي إلا بشكل طفيف حتى عام 2019. وبحلول عام 2023، أصبحت مزارع الرياح الصينية قادرة على توليد 450 غيغاوات من الطاقة، أي ضعف ما يولده الاتحاد الأوروبي. وإذا عملت هذه التوربينات بكامل طاقتها، فإنها قد تضاهي إجمالي قدرة توليد الطاقة لجميع مصادر الطاقة في الهند.
كما شهدت السيارات الكهربائية في الصين طفرة كبيرة أخرى، إذ أظهرت بيانات صادرة عن الرابطة الصينية لمصنعي السيارات أن مبيعات السيارات الكهربائية بجميع أنواعها عام 2024 سجلت نموا بأكثر من 40% وبلغ إجمالي المبيعات -بما في ذلك الحافلات والشاحنات- 31.4 مليون مركبة، بزيادة قدرها 4.5% مقارنة بعام 2023.
وفي أغلب التقنيات والمكونات الخضراء، تشكل الصين أكثر من نصف الإنتاج العالمي، وقد نمت هذه الحصة من عام 2021 إلى عام 2023.
تسيطر الصين عمليا على سلسلة توريد المواد الخام اللازمة للثورة الخضراء. وهي أكبر منتج على الإطلاق لمعظم المعادن الأساسية المُعالجة، مثل الكوبالت والنيكل والغرافيت، والمعادن النادرة الضرورية لصناعة البطاريات والألواح الشمسية.
ورغم أن رواسب الصين من هذه المعادن كبيرة الحجم، فإنها اكتسبت أيضا السبق في تكرير هذه المواد كيميائيا، رغم خطورة ذلك وتأثيراته على البيئة.
وفي عام 2024، كررت الصين ثلاثة أرباع الكوبالت و91% من الغرافيت في العالم. كما أنتجت 92% من جميع العناصر الأرضية النادرة المُعالجة، وهي معادن يصعب استخراجها، وتُستخدم على نطاق واسع في الصناعات التحويلية عالية التقنية. ومنح ذلك المصنّعين الصينيين أسبقية ووصولا سهلا ورخيصا إلى مكونات حيوية، وأعطى بكين أداة سياسية.
إعلانوكانت الصين، ردا على عقوبات أميركية وحظر على الشرائح، قد حظرت تصدير الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون والمواد فائقة الصلابة مثل الألماس الصناعي إلى الولايات المتحدة، وهي مكونات مهمة في الإلكترونيات والألياف الضوئية وأشباه الموصلات.
ازدهرت الصناعة في الصين بفضل الدعم الحكومي في العقد الثاني من القرن الـ21، وتغير موقف بكين من "الطاقة الجديدة"، كما كانت تسميها آنذاك، تغيرا مفاجئا. فقد كان يُنظر إليها كوسيلة متخصصة لتقليل الاعتماد على الفحم والنفط المستوردين. وفجأة، أصبحت وسيلة لإنشاء شركات قادرة على المنافسة عالميا في سوق يتقدم فيه المنافسون الأميركيون والأوروبيون ببضع سنوات فقط.
وكانت بكين قد حددت 13 تقنية مستقبلية اعتبرتها ذات أهمية إستراتيجية، وركزت بشكل خاص على ضمان التقدم السريع للصين في بطاريات الليثيوم والمركبات الكهربائية والألواح الشمسية.
وشجعت الدولة هذه الصناعات من خلال الإعانات المباشرة والحوافز الضريبية والدعم المالي من خلال صناديق الاستثمار الحكومية والقروض المصرفية الرخيصة.
ورغم النجاح الكبير، كانت هناك تأثيرات سلبية وعقبات كثيرة أيضا فقد، وسجلت مئات الشركات علامات تجارية جديدة للسيارات الكهربائية، لكن العديد منها لم يصنع سوى عربات تعمل بالبطاريات رخيصة الثمن، أو ضخّم مبيعاته للحصول على مساعدات أكبر، حسب واشنطن بوست.
من الصعب مقارنة مستوى الدعم الذي تتلقاه الشركات الصينية -بما في ذلك شركة صناعة السيارات الكهربائية "بي واي دي" (BYD) وشركة البطاريات العملاقة "كاتل" (CATL)، وشركة صناعة توربينات الرياح "غولد ويند" (Goldwind)، وشركة إنتاج الألواح الشمسية" لونجي" (Longi)- مع الشركات الرائدة في السوق في الولايات المتحدة، وخاصة أن العديد من أشكال الدعم في الصين غير مباشرة، مثل التخفيضات الضريبية.
وفي ظل التباطؤ في الاقتصاد الصيني، باتت الطاقة المتجددة إحدى النقاط المضيئة القليلة، وقد ساهم قطاع التكنولوجيا الخضراء بأكثر من 10% من نمو الصين العام الماضي، وهي مساهمة قياسية، وفقا لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، وهو مركز أبحاث مقره فنلندا.
إعلانوتُوفّر الثورة الخضراء فرص عمل واستثمارات في وقت تشتد فيه الحاجة إلى كليهما لتعويض التباطؤ في قطاعات أخرى. وبحسب تحليل وكالة الطاقة الدولية، ساهمت التكنولوجيا الخضراء بشكل كبير في الاقتصاد الصيني في عام 2023 مقارنة بالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو الهند.
وتأكيدا على أهميتها، استثمرت الصين ما يقارب 680 مليار دولار في تصنيع التكنولوجيا النظيفة بحلول عام 2024، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وهذا يعادل تقريبا إجمالي استثمارات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين.
وتملك الصين ميزة كبيرة من حيث التكلفة، وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن الجمع بين الدعم الحكومي القوي والسوق المحلية الواسعة وشبكة ضخمة من الموردين جعل إنشاء مصنع في الصين أرخص بكثير من إنشاء مصنع في الولايات المتحدة أو أوروبا أو حتى الهند.
حتى مع استبعاد أشكال الدعم الخفية، مثل انخفاض أسعار الأراضي، والقروض المصرفية الميسرة، والإعفاءات الضريبية، فإن انخفاض تكاليف المعدات والبناء في الصين يمثل حافزا، ويكمن الفرق الأكبر في الطاقة الشمسية، حيث تقل التكلفة عن 200 دولار للكيلووات في الصين، بينما تقارب 450 دولارا في الولايات المتحدة.
كما تنتج الصين أبحاثا ودراسات في مجال التقنيات النظيفة أكثر بكثير مقارنة بالولايات المتحدة والدول الغربية. وتُخرّج الصين أيضا أعدادا هائلة من المهندسين الحاصلين على درجة الدكتوراه، وتسمح أبحاثهم للشركات الصينية بتطوير منتجاتها ومشاريعها، مما يجعلها قادرة على الاحتفاظ بقدرتها التنافسية في المستقبل.
وتشير الأرقام إلى أن صادرات الصين من الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية وبطاريات الليثيوم تضاعفت 3 مرات تقريبا بين عامي 2020 و2023. كما تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن صادرات الصين من التكنولوجيا النظيفة ستتجاوز قيمتها 340 مليار دولار بحلول عام 2035، وهو ما يعادل تقريبا عائدات تصدير النفط للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مجتمعتين في عام 2024.
إعلانوتواجه الدول المتقدمة مهمة شاقة في اللحاق بركب الصين، إذ تجد نفسها متأخرة في دخول سوق التقنيات النظيفة، التي قدّرت قيمتها عالميا بـ700 مليار دولار في عام 2023.
ورغم التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الاقتصادات المتقدمة على الصين من أجل إلى إبطاء تقدمها، فقد تكيفت الدولة والشركات الصينية بسرعة من خلال التركيز على الأسواق الناشئة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية بدلا من ذلك، وتطوير شراكات متنوعة.