في ذكرى طه الفشني..اكتشفه ناظر مدرسة وكرمه عبد الناصر والسادات
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
يعد علم من أعلام مصر والعالم العربي والإسلامي كمنشد وقارئ للقرآن الكريم، إنه الشيخ طه الفشني الذي لم يترك صوته مجالا إلا وكانت له بصمة فيه، ما بين تلاوة القرآن وتراتيل التواشيح وإنشاد المديح، صوته واسمه محفوران في ذاكرتنا كأشهر مؤذن، لصوته عذوبة وحركة لم يمتلكها أحد غيره.
وينتقل بين مقامات الموسيقية بصورة غير مألوفة، وعندما تسمعه وهو يقرأ القرآن كأنك تسمع واحدا غيره وهو ينشد المديح، خصوصية وعزوبة صوته لم يمتلكها أحد سواه نشعر بها عندما يخرج بصوته في ساعة عصاري منشدا الأذان.
ويعد الشيخ طه حسن مرسي الفشني أحد أعلام قراءة القرآن والمنشدين المصريين، ولد سنة 1900م بمركز الفشن جنوب محافظة بني سويف، حفظ القرآن ثم تعلم القراءات، وتدرج الشيخ طه في دراسته الدينية والعامة وحصل على كفاءة المعلمين من مدرسة المعلمين سنة 1919م، حضر الشيخ طه إلى القاهرة، والتحق ببطانة الشيخ على محمود، ثم ذاع صيته بأنه قارئ ومنشد حسن الصوت.
كان والده الشيخ طه مرسي الفشني تاجر أقمشة من ميسوري الحال، اختار لابنه أن يكمل تعليمه بعد أن دخل الكتاب وحفظ القرآن وعمره 10 سنوات، وقبل أن يصل عمره للعشرين أكمل تعليمه وحصل على مدرسة المعلمين، وفي دراسته في تلك المدرسة.
اكتشف عذوبة صوت الشيخ طه الفشني، ناظر المدرسة وأسند إليه القراءة اليومية للقرآن في الطابور وحفلات المدرسة، وكان طموح والده كان أن يكمل ابنه دراسة القضاء الشرعي، وبالفعل ذهب الشيخ طه الفشني إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة القضاء الشرعي، إلا أن ثورة 19 كانت مشتعلة، والأحداث حالت دون استقراره في القاهرة، فعاد مرة أخرى إلى بلده الفشن، وإن كان اختار طريقه فذهب يحيي السهرات في المآتم كقارئ للقرآن في بلدته والقرى المجاورة له.
بدأ يأخذ سمعة أنه قارئ للقرآن الكريم، ولكنه لم يكن مضطرا للاستمرار في قراءة للقرآن، خاصة أنه من أسرة ميسورة الحال، وكان شيء ما يجذبه ناحية القاهرة عندما لم يتمكن في المرة الأولى عندما حضر إليها من أن يلتحق بمدرسة القضاء الشرعي، وعاد، لكن كان منظر حي الحسين في خاطره، التحق بالأزهر الشريف في هذه المرة ولكن بغرض أن يتعلم فنون القراءات، وحصل بالفعل على إجازة علم القراءات على يد الشيخ عبد الحميد السحار وأتقن علوم التجويد.
أقام بحي الحسين، وكان قريبا منه في السكن الشيخ على محمود، ملك التواشيح الدينية، وكان للشيخ على محمود فرقة تواشيح خاصة، فعرض على الشيخ طه الفشني أن ينضم لبطانته.
وكانت فرصة جيدة أن يتعلم الشيخ طه الفشني الطرب، خاصة أن الشيخ على محمود يعد مدرسة الطرب المصري، فعلى يديه تعلم محمد عبد الوهاب الموسيقى، وعلى يديه أيضا دخل الشيخ طه الفشني فن التواشيح والمديح، وكان زميل الشيخ طه الفشني في فرقة الشيخ على محمود الملحن زكريا أحمد.
ولكن طريق الشيخ الفشني كان مختلفا، ففي إحدى الليالي بحي الحسين عام 1937، كان في حفلة ضخمة وكان يحضرها سعيد باشا لطفي، رئيس الإذاعة المصرية، وكانت هناك علاقة خاصة تجمع بين الشيخ على محمود والشيخ طه الفشني لأنه يعتبره تلميذه وامتدادا له، وأعطى الشيخ على محمود الفرصة للشيخ طه الفشني أن يقرأ أمام رئيس الإذاعة، وأعطى الشيخ على محمود مقعده للشيخ طه وبدأ يقرأ القرآن.
وكان يوم تجلٍ للشيخ طه وغرد فيه بشكل غير طبيعي لدرجة أبهرت سعيد باشا لطفي، رئيس الإذاعة، وبعد أن أنهى الشيخ طه القراءة استدعاه رئيس الإذاعة وقال له: "يا شيخ طه بكره لازم تكون عندنا في الإذاعة المصرية، وصوتك لازم يأخذ فرصته ويستمع له الناس في كل بر مصر"، وفي اليوم التالي ذهب الشيخ طه الفشني للإذاعة وأجرى اختبارا والتحق بالإذاعة المصرية سنة 37، وقدرت لجنة الاستماع صوته بأنه قارئ من الدرجة الأولى الممتازة، وكان مخصصا له قراءة ساعة إلا ربع في المساء في الإذاعة المصرية.
كانت الإذاعة بمثابة محطة مهمة للشيخ طه الفشني، لأن اسمه انتشر في كل مكان في بر مصر، بعدها بفترة حانت له فرصة أن يلازم الشيخ مصطفى إسماعيل في السهرة الرمضانية في السرايا الملكية عند الملك فاروق.
ورغم أن نجم الشيخ طه الفشني لمع في عالم تلاوة القرآن لكنه استمر كمنشد ديني، وحانت له الفرصة عندما مرض الشيخ على محمود، وكانت هناك مناسبة كل شهر هجري تنظم فيها الإذاعة حفل إنشاد دينيا، وطلبت منه الإذاعة أن يحل محل شيخه على محمود، ولكنه رفض أن يقبل طلب الإذاعة إلا بعد موافقة الشيخ على، وذهب إليه فقال له الشيخ: "اذهب يا طه يا ابني اقرأ أنت خليفتي"، وأذيعت الحفلة وازدادت شهرة طه الفشني في فن الإنشاد الديني، ما دعاه لأن ينشئ فرقة خاصة به للإنشاد الديني عام 1942 مع استمرار عمله كمقرئ.
بعد التحاقه بالإذاعة المصرية، كان يذاع للشيخ الفشني أسبوعيًّا في المساء يومي السبت والأربعاء تلاوته على الهواء مباشرة مدة كل تلاوة 40 دقيقة، وظل الشيخ طه الفشني منذ عام 1943 وحتى قيام ثورة 1952 يقرأ القرآن الكريم بقصري عابدين بالقاهرة ورأس التين بالإسكندرية لمدة 9 سنوات، ويستمع الملك فاروق إلى تلاوته التي تمتد إلى 45 دقيقة، فضلًا عن الدعوة الملكية للشيخ طه الفشني لتناول طعام الإفطار على المائدة الملكية في شهر رمضان كل عام.
كان المبتهل الشيخ الفشني القارئ المفضل للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي أهداه طبقًا من الفضة الخالصة ممهورًا بتوقيعه، ومن بعده الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والتكريمات والصور التذكارية تشهد بذلك.
وفي عام 1991، كرمته الدولة بمنح اسمه نوط الامتياز من الطبقة الأولى، وأطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بمدينة نصر بجوار مدرسة ابن الأرقم.
وكان الشيخ طه الفشني خير سفير لمصر في البلدان العربية والإسلامية التي زارها مبعوثا أو مدعوا، كما كرمه زعماء ورؤساء وملوك دول السعودية وباكستان وتركيا وماليزيا وتونس والمغرب وليبيا والسودان وسوريا.
قال عنه المتخصصون في فن التلاوة وعلم الصوتيات إن الشيخ طه الفشني وهبه الله سبحانه وتعالي صوتا ملائكيا عذبا ومقامات صوتية تعدت نحو17 مقاما صوتيا يتنقل من بينها في سلاسة واقتدار لا مثيل له، فضلا عن تمتعه بطول نفس وعلمه الكبير بعلم الموسيقي العربية ومقاماتها.
تم إعداد عدة دراسات علمية بالجامعات المصرية في أسلوب أداء الشيخ طه الفشني وعلمه الواسع بفن الموسيقى العربية، ويقول عنه الدكتور أحمد عيسى المعصراوي، شيخ عموم المقارئ المصرية: "إن الشيخ طه الفشني من القراء العظماء القلائل الذين جمعوا بين فن تلاوة القرآن الكريم وفن التواشيح والابتهالات الدينية، بل تفوق على أقرانه في ذلك في صورة لم يدانه فيها أحد".
ساعد الشيخ الفشني على هذا الإبداع موهبة جمال صوته مع إتقانه لحفظ القرآن الكريم تجويدًا وترتيلًا، بالإضافة إلى قوة الصوت، أيضًا علمه بالفن الموسيقي وتوظيفه له في التلاوة دون الإخلال بإحكام القراءة.
ويشير الدكتور المعصراوي إلى أن الشيخ طه الفشني كان في أدائه للتلاوة يأتي بما يعرف بـ"جواب الجواب"، حيث يندر من يفعل هذا من القراء أو المبتهلين، كما كان لإجادته لحفظ القرآن الكريم بالقراءات السبع عامل مساعد في براعته في التلاوة والابتهالات مما جعله متفردا على غيره من القراء والمبتهلين.
وفي يوم الجمعة العاشر من ديسمبر عام 1971، رحل عن دنيانا الشيخ طه الفشني بعد أن ترك تراثا ضخما وكنزا من التلاوات القرآنية النادرة والتواشيح والابتهالات الدينية ليستمتع بها محبوه وتلاميذه في كل دول العالم الإسلامي، حيث قضى عمره كله في خدمة القرآن الكريم وأهله.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: بني سويف مدينة بني سويف الشيخ طه الفشني المزيد الإذاعة المصریة الشیخ طه الفشنی الشیخ على محمود القرآن الکریم رئیس الإذاعة
إقرأ أيضاً:
الشيخ محمد الصغير: التقوى مقياس التفاضل والخيرية ليست ميراثا
جاء ذلك خلال حلقة من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان" والتي ناقش خلالها مفهوم الأفضلية في القرآن الكريم، مؤكدا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يختار ويفاضل بين خلقه وفق حكمته وعدله، مستشهداً بقوله تعالى "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".
وأوضح الشيخ أن الله فضّل بعض الأنبياء على بعض، كما فضّل أزمنة وأمكنة على غيرها، فكما اختار الخمسة أولي العزم من الرسل، وفضل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق، فقد ميّز أماكن كالمسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأوقاتا كشهر رمضان وليلة القدر، مشددا على أن هذه الأفضلية ليست عبثية، بل لها حكم وأهداف ربانية.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4ما الإيمان؟ عن غزة وصلاة الاستسقاء في الصيفlist 2 of 4"الإِلهُ الأخلاقيّ" وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن الكريم والكتاب المقدّسlist 3 of 4بين رمضانين.. هكذا يعيش ذوو الشهداء بغزة أجواء الشهر الفضيلlist 4 of 4ما أسباب عداوة الغرب للمسلمين؟ ولماذا يعيش رعبا حاليا من الإسلام؟end of listوأشار إلى أن الفهم الخاطئ لمفهوم الرزق يؤدي إلى اختلال موازين التفاضل بين الناس، لافتا إلى أن الرزق لا يقتصر على المال، بل يشمل الصحة وراحة البال والعلم وصلاح الأبناء.
واستشهد بقول العلماء إن من نظر إلى نعم الله عليه بعيدا عن المقارنات المادية أدرك حجم فضله عز وجل وكرمه، مشيرا إلى أن البعض لا يدرك قيمة النعم التي يمتلكها حتى يفقدها، مثلما حدث مع الناس عند فقدان صوت الأذان خلال فترة جائحة كورونا.
العامل الماديكما بين الشيخ محمد أن النظرة الدنيوية القاصرة تجعل البعض يعتقدون أن التفاضل يقوم على الامتلاك المادي، مستشهدا بحال الصحابة رضي الله عنهم عندما مرّ رجل فقير على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا إنه لا يُلتفت إليه، ثم مرّ رجل غني فاعتبروه أفضل، لكن النبي عليه الصلاة والسلام بيّن لهم أن ".. هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا".
إعلانوفي سياق حديثه عن معايير الاختيار في المجتمعات، شدد الشيخ على أن المفاضلة بين الناس في الزواج والعمل والمكانة الاجتماعية يجب أن تكون وفق الدين والأخلاق، لا الجاه والمال، مستشهدا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" محذرا من أن تقديم الاعتبارات المادية في الزواج يؤدي إلى تفكك الأسرة والمجتمع.
وعرج الشيخ محمد على قضية الجهاد، مبيّنا أنه لا يقتصر على القتال في ساحات المعارك، بل يشمل جهاد المال والكلمة والعلم، وأشار إلى أن الله قدّم في أغلب مواضع القرآن الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، لما له من دور أساسي في إعداد الأمة وتقويتها.
وأوضح أن العلماء قديما أشاروا إلى أن الجهاد يشمل كذلك جهاد الرأي والخبرة، حيث يمكن للمرء أن ينصر الحق بعلمه أو قلمه أو حتى صوته.
كما لفت الشيخ إلى أهمية دور الإعلام في كشف الحقائق ونقل صورة عادلة عن القضايا العادلة، موضحا أن الجهاد الإعلامي بات سلاحا مؤثرا في مواجهة الدعاية الزائفة التي تستهدف تغييب وعي الأمة. وفي هذا السياق، أشاد بالدور الذي تلعبه القنوات الحرة في تسلط الضوء على المظلومين ونقل الحقيقة بموضوعية.
العلامة الكاملةوفي حديثه عن النصر والصبر، أكد الشيخ محمد أن أهل غزة جسّدوا نموذجا عمليا في الثبات، محققين "العلامة الكاملة" في هذا الاختبار، بينما تراوحت مواقف الأمة بين الدعم المحدود والصمت أو الانشغال بالماديات.
وأشار إلى أن بعض المسلمين الذين تخاذلوا عن دعم القضية الفلسطينية سيندمون حين يتحقق النصر، كما ندم البعض عندما رأوا الثورات تنتصر بعد أن كانوا محايدين أو متخاذلين.
وتناول الشيخ أيضا مسألة الافتراء على الإسلام والمسلمين، مشيرا إلى أن بني إسرائيل زعموا أنهم "أبناء الله وأحباؤه" وأن الأمم الأخرى أقل منهم شأناً، بينما يوضح القرآن أن الأفضلية ليست وراثية بل مكتسبة بالأعمال الصالحة.
إعلانوأضاف أن هذه القاعدة تنطبق على الأمة الإسلامية نفسها، إذ أن خيريتها مشروطة بالإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن تخلت عن هذه الشروط فقدت هذه المكانة.
ودعا الشيخ المسلمين إلى إعادة النظر في معايير التفاضل لديهم وفق الميزان الإلهي، مؤكدا أن الأمة الخاتمة لن تحتفظ بأفضليتها إلا إذا التزمت بشروطها، وأهمها الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وحذر ضيف "الشريعة والحياة في رمضان" من أن استبدال العلماء بالمشاهير والفنانين كقدوات في المجتمعات يعد اختلالا في الموازين، ينبغي تصحيحه بإعادة الاعتبار للعلماء والمصلحين والدعاة الذين يعملون لخدمة الأمة.
11/3/2025