دقة التشريع الإسلامي في الزمن والأمومة .. تفسير آية 233 من البقرة
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
في سياق تفسيره للآية 233 من سورة البقرة، أشار الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق، إلى أهمية الفهم الدقيق للأحكام الشرعية المتعلقة بالسنوات القمرية والأمومة، مبرزًا دقة التشريع الإسلامي في تنظيم حياة المسلمين بناءً على مبادئ واضحة ومتماسكة.
السنوات القمرية في الشريعة الإسلاميةيوضح جمعة أن المسلمين يعتمدون في شرائعهم على الحساب القمري، وليس الشمسي، في تحديد الزمن.
ومع ذلك، فإن الشريعة الإسلامية اختارت الشهور القمرية لتكون معيارًا للمواقيت والأحكام الشرعية، مثل تحديد بداية الأشهر الحرم، مواعيد العبادات كالصوم والحج، والمعاملات كالعدة والديات.
ويضيف أن هذه الشهور تُعرف اليوم بالشهور العربية أو الهجرية، موضحًا أن اعتمادها هو اختيار إلهي متميز يعكس توافق الدين مع الطبيعة الكونية ومرونة التقويم القمري مقارنة بالشهور الشمسية.
في تفسيره للجزء الخاص بالأمومة في الآية 233، أكد الدكتور جمعة أن الأمومة الأصلية تثبت بالولادة، حيث تصبح المرأة التي تلد الطفل أمًا له بالمعنى الشرعي والطبيعي. ومع ذلك، يشير إلى أن الإسلام وسّع مفهوم الأمومة ليشمل الأمومة بالرضاع، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".
وأوضح جمعة أن المرأة التي ترضع طفلاً تصبح أمًا له من الرضاع، سواء كان هذا الطفل ذكرًا أو أنثى، مما يعني أن أحكام المحرمية تتسع لتشمل الرضاع كما تشمل النسب. وهذا يدل على عمق التشريع الإسلامي في الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتنظيم العلاقات الأسرية بما يحفظ الحقوق ويمنع الحرج.
التشريع الإسلامي: تنظيم دقيق ورؤية شاملة
أشار جمعة إلى أن هذه الأحكام، سواء المتعلقة بتحديد الزمن أو الأمومة، تعكس عدل الإسلام ومرونته في التعامل مع طبيعة الإنسان وظروفه. فالاعتماد على الشهور القمرية يجعل الشريعة متصلة بحركة الكون، ويسهل على المسلمين في كل مكان وزمان الالتزام بها.
أما توسيع مفهوم الأمومة ليشمل الرضاع، فهو تأكيد على أهمية الأسرة وترابطها في الإسلام، مما يحفظ العلاقات بين أفرادها على أسس واضحة وثابتة.
تُظهر هذه التفسيرات الدقيقة للآية 233 من سورة البقرة، التي تناولها الدكتور علي جمعة، مدى الحكمة والتكامل في التشريع الإسلامي. فالسنوات القمرية ليست مجرد اختيار عشوائي، بل هي نظام رباني دقيق. كما أن مفهوم الأمومة يعكس اهتمام الإسلام بتوسيع الروابط الأسرية والاجتماعية بما يحمي المجتمع من التفكك ويعزز القيم الأخلاقية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البقرة سورة البقرة الرضاع النبى صلى الله الدكتور جمعه النبي صلى الله عليه التشریع الإسلامی
إقرأ أيضاً:
“الدنيا كما هي.. لكننا تغيّرنا”
بقلم : وسن زيدان ..
كثيرًا ما نسمع عبارات مثل: “الدنيا تغيرت”، “الزمن لم يعد كما كان”، وكأننا نحمل الزمن والدنيا مسؤولية كل ما نراه من تغيرات في القيم والأخلاق. ولكن، هل فعلاً تغيرت الدنيا؟ أم أن القلوب والنفوس هي التي تبدلت؟
الحقيقة التي قد يغفل عنها البعض هي أن الزمن في ذاته لا يتغير. الأيام تمر، والشمس تشرق وتغيب، والفصول تتعاقب كما كانت منذ الأزل. ولكن، نحن البشر، نحن من يضع بصمته على هذا العالم، ونحن من نرسم ملامح “الدنيا” التي نتحدث عنها.
كانت الأخلاق في الماضي قيمة جوهرية في المجتمعات. الاحترام، الأمانة، الكرم، والترابط الأسري كانت هي القواعد التي تحكم علاقات الناس. أما اليوم، فقد نلاحظ تراجعًا في هذه القيم بسبب الانشغال بالمظاهر والاهتمام بالمصالح الفردية. لقد تغيرت الأولويات، وأصبحت المادة والمكانة الاجتماعية هي المحرك الرئيسي للعديد من التصرفات.
هذا التحول في الأخلاق ليس مسؤولية “الدنيا”، بل مسؤوليتنا نحن كبشر. القلوب التي كانت تفيض بالمحبة والصفاء أصبحت أكثر قسوة بفعل الأنانية والتنافس غير النزيه.
المبادئ التي كانت تُعتبر خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه أصبحت مرنة في عيون البعض، تُعدل وتُكيف حسب المصالح. في الماضي، كانت الكلمة وعدًا، والعهد التزامًا. أما الآن، فالكثيرون يتحدثون عن “الظروف” و”المتغيرات” كأعذار لتبرير أخطائهم وتجاوزاتهم.
لكن، رغم هذا التغير، لا تزال هناك قلوب طيبة وأرواح صادقة ترفض الانجراف مع التيار. هذه الفئة القليلة من الناس هي التي تجعلنا نؤمن بأن الأمل لا يزال موجودًا، وأن الدنيا لم تفقد جمالها، بل نحن بحاجة إلى إعادة النظر في تصرفاتنا.
العودة إلى القيم الأصيلة تبدأ من داخلنا. علينا أن نتحمل مسؤولية أنفسنا بدلاً من إلقاء اللوم على الدنيا أو الزمن. التغيير يبدأ من التربية، من غرس القيم في الأجيال القادمة، ومن تعليمهم أن الأخلاق هي أساس كل شيء.
كما أن دور الإعلام والتعليم والمجتمع مهم جدًا في إعادة إحياء المبادئ والقيم. يجب أن يكون هناك وعي بأن التغيرات التي نلاحظها ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة لما نصنعه نحن بأيدينا.
الدنيا لم تتغير. هي كما هي، بعيدة عن كل
اتهام. نحن من تغيرنا. نحن من نحتاج إلى وقفة صادقة مع أنفسنا لمراجعة أخلاقنا وسلوكياتنا. ربما حينها، حين تتبدل قلوبنا إلى الأفضل، سنرى أن “الدنيا” أجمل بكثير مما نعتقد.
حين تتبدل قلوبنا إلى الأفضل، سنرى أن “الدنيا” أجمل بكثير مما نعتقد، لأن الجمال الحقيقي لا يكمن في الأشياء المحيطة بنا، بل في الطريقة التي ننظر بها إلى الحياة وفي القيم التي نحملها ونعكسها في تعاملاتنا. إذا أردنا تغيير الواقع، فعلينا أن نبدأ بإصلاح دواخلنا؛ بالعودة إلى الصدق، بالتسامح مع الآخرين، بإحياء روح التعاون والتعاطف التي كانت يومًا أساس مجتمعاتنا.
التغيير يبدأ بخطوة صغيرة، لكنها قادرة على صنع فرق كبير. فلنجعل من أنفسنا نموذجًا للخير، ولننظر إلى العالم من منظور إيجابي يحمل في طياته الإيمان بأن الخير لا يزال موجودًا، وأن الإصلاح ممكن. فالزمن لا يغير الإنسان، بل الإنسان هو الذي يملك القوة لتغيير نفسه والعالم من حوله.
اخيرا .. ، تذكروا دائمًا أن الدنيا ستبقى كما هي، محايدة وصامتة. لكننا نحن من نحدد ملامحها، بأفعالنا، بأخلاقنا، وبما نزرعه من قيم. فلنكن نحن التغيير الذي نتمنى رؤيته في هذا العالم.
user