هناك العديد من الأصوات التي تتغنى باستخدامات الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة من أجل تعزيز خدماتها وتحسين تجربتها بشكل كبير، ورغم هذا، فإن قلة من الهيئات والجهات استطاعت دمج الذكاء الاصطناعي في خدماتها اليومية التي يحتك بها الأشخاص المعتادون يوميًا، وفي مقدمة هذه القلة يأتي القطاع المصرفي الأسترالي.

تمكن "مصرف الكومنولث الأسترالي" (Commonwealth Bank of Australia) في الشهور الماضية من دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدماته بشكل كبير، وبفضل هذا الدمج، استطاع خفض عمليات الاحتيال على العملاء إلى أقل من النصف فضلًا عن تسريع عمليات منح القروض للمستخدمين ووصولهم إلى الخدمات التي يحتاجونها، ولكن كيف هذا؟

دمج الذكاء الاصطناعي في مركز خدمة العملاء

يعد "الكومنولث" أحد أكبر المصارف الأسترالية التي قررت تبني تقنيات ذكاء اصطناعي مماثلة لتقنية "شات جي بي تي"، وذلك إلى جانب 3 بنوك أخرى توازيه في الحجم، ليصبح إجمالي البنوك الأسترالية التي قررت تطبيق هذه التقنية 4 بنوك.

قام البنك بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراكز خدمة العملاء مباشرةً، وذلك ليتمكن من إجابة التساؤلات التي ترد إليه إن كانت بسيطة وموجودة في المعلومات الخاصة بالمستخدمين فضلًا عن تسريع عملية توثيق المستندات والتأكد من سلامتها، وعبر هذا الدمج تمكن من حل 15 ألف مشكلة دفع تم تقديمها من قبل المستخدمين.

إعلان

إدخال الذكاء الاصطناعي في قطاع خدمة المستخدمين عبر تطبيق دردشة فوري أسهم في خفض حالات الاحتيال على المستخدمين بنسبة تتخطى 30%، فضلًا عن أنه أسهم في خفض وقت الانتظار من أجل الوصول إلى ممثلي خدمة العملاء بنسبة تخطت 40% هذا العام.

وأما عملية توثيق المستندات عبر الذكاء الاصطناعي، فقد ساعدت البنك في توثيق المستندات والموافقة على منح قروض العقارات خلال 10 دقائق بدلًا من الحاجة إلى تدقيق وتوثيق المستندات خلال عدة أيام كما كان يحدث في الماضي.

تسعى البنوك الأسترالية أيضًا إلى توسيع عملية دمج الذكاء الاصطناعي مع خدماتها، إذ يأمل مصرف "الكومنولث" أن يستطيع الذكاء الاصطناعي الإجابة على 10% من إجمالي التساؤلات المعقدة التي ترد من العملاء قبل تحويلها إلى موظفي خدمة العملاء.

وأما بنك "إيه إن زد" (ANZ) أعلن أنه ينوي دمج هذه التقنيات بشكل أكبر ليتم ملء استمارات الطلبات والوصول إلى معلومات المستخدمين بشكل أسرع من السابق فضلًا عن تحليل وضع المتقدمين إلى القروض وتقديم تقييم سريع عن هذه الحالة من أجل تسريع عملية اتخاذ القرار بمنح القروض أو عدمه.

عندما يتوسع الذكاء الاصطناعي إلى قطاع جديد فإن المخاوف من استبدال العمالة البشرية بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتصاعد بشكل كبير (وكالات) استخدامات متنوعة مستقبلا

كشف مصرف "كومنولث" أيضًا عن خططه لتطوير استخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل، وهو ما يتناسب مع إنفاق البنك سنويًا، إذ ينفق ما يقارب مليار دولار سنويًا على تطوير تقنيات جديدة تيسر عمل الموظفين وحياة المستخدمين.

أحد الاستخدامات التي ينوي البنك التوسع إليها هو القيام بفحص جميع عمليات الدفع التي تتم يوميًا من الحسابات المختلفة قبل الموافقة عليها، وذلك في خطوة لاكتشاف عمليات الدفع الخبيثة التي تتم من حسابات المستخدمين أو يتم سرقتها من حساباتهم.

إعلان

كما توسعت التقنية أيضًا إلى عمليات مراجعة الحسابات السنوية لتنخفض مدتها من 14 ساعة إلى ساعتين فقط، وينوي البنك توسيع خدمات الذكاء الاصطناعي لتصل إلى توليد نصوص والإجابة على الأسئلة المحددة التي يوجهها المستخدمون لخدمة العملاء، لذا يتعاون المصرف في الوقت الحالي مع "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" و"آنثروبيك" للوصول إلى أفضل حلول تقنية تلائم هذه الاستخدامات.

مخاوف من الاستغناء عن العمالة البشرية

كالعادة، عندما يتوسع الذكاء الاصطناعي إلى قطاع جديد، فإن المخاوف من استبدال العمالة البشرية بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتصاعد بشكل كبير، وهذا ما حدث في قطاع البنوك الأسترالية، التي نقل موقع "إيه بي سي" (ABC) معظمها.

إذ تحدث الموقع مع مجموعة من موظفي خدمة العملاء ومديري التقنيات في البنوك الكبرى في أستراليا، وقد تضاربت الآراء بين من يرى أن الذكاء الاصطناعي يسهل على الموظفين القيام بعملهم دون أن يستبدلهم بشكل كامل، وبين من يرى بأن الذكاء الاصطناعي يستبدل العمالة البشرية أو يخفضها في أفضل سيناريو مستقبلًا.

ولكن في الوقت الحالي، تقوم البنوك بتدريب موظفيها على الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي وتسخيرها لصالحها، فحتى إن كان هذا الانتقال متوقعًا، فإنه لن يحدث في المستقبل بعد 5 أو 10 أعوام كما وضح تيم هوغارث المدير التقني في مصرف "إيه إن زد" الأسترالي.

يعد الذكاء الاصطناعي أكثر سرعة في الكثير من الحالات من الموظف البشري إلا إنه يفتقر إلى الدقة الموجودة في الجانب البشري (الجزيرة) هل يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في العمليات المصرفية؟

رغم أن التطور الذي أحدث مصرف "الكومنولث" في أستراليا عبر استخدام الذكاء الاصطناعي واضح للغاية، فإنه ليس إلا قطرة في بحر من التقنيات التي يمكن استخدامها، وكالعادة، مع تطور التقنيات المستخدمة، تزداد المخاوف الأمنية.

ففي حين يعد الذكاء الاصطناعي أكثر سرعة في الكثير من الحالات من الموظف البشري، لكنه يفتقر إلى الدقة الموجودة في الجانب البشري، وهو الأمر الذي كان واضحًا مع حالات هلوسة الذكاء الاصطناعي وتلفيق المعلومات التي ظهرت في تطبيقات الدردشة، وفي حال ظهور هذه الأمور مع المستخدم الذي يواجه تحديًا مصرفيًا أو يرغب في القيام بعملية مصرفية ما، فإن النتائج ستكون كارثية.

فضلًا عن ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي في الكثير من الأحيان يعد أقل أمنًا من الموظفين البشر، إذ يمكن اختراقه عن بعد والوصول إلى جميع البيانات التي يقوم بتخزينها وفحصها تلقائيًا، وهو ما يضع البيانات المصرفية للعملاء في خطر التسريب والسرقة.

إعلان

بالطبع، تحاول البنوك بالتعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي تطوير آليات للتغلب على هذه التحديات بشكل واضح، ومن المؤكد أنها لن تقوم بتوسيع رقعة استخدام الذكاء الاصطناعي دون الوصول إلى هذه الحلول حفاظًا على أموال العملاء، لذا قد لا نرى الذكاء الاصطناعي ينتشر بشكل كبير في القطاع المصرفي في السنوات القريبة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تقنیات الذکاء الاصطناعی دمج الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی العمالة البشریة خدمة العملاء بشکل کبیر فضل ا عن

إقرأ أيضاً:

AI Drones: تأثير مُسيّرات الذكاء الاصطناعي في نتائج الحروب

 

تشهد الساحة الدولية والإقليمية سباقاً مُتسارعاً للتسلح بتقنيات الذكاء الاصطناعي العسكرية والحربية، خاصة بعد أن أثبتت تلك التقنيات قدرتها على إعادة رسم مسار الحروب، والتأثير في التوازنات العسكرية في العديد من الصراعات الراهنة، ومن بين تلك التقنيات التي تسارع العديد من البلدان إلى الحصول عليها، مسيرات الذكاء الاصطناعي الحربية التي يعتقد البعض أنها قد تُعيد هندسة العمليات القتالية في المُستقبل وتغير شكل الحروب بشكل واضح.

نوعان مُتمايزان:

يمكن التمييز بين نوعين من الطائرات المسيرة المستخدمة في المجالات العسكرية والحربية والاستخباراتية، حيث يختلفان في جوانب متعددة تتعلق بمستوى التكنولوجيا، والقدرات التشغيلية، والوظائف التي يمكن تنفيذها، وهما:

1. الطائرات المُسيّرة التقليدية (UAVs): تُعد الطائرات المُسيّرة التقليدية ضمن الأكثر استخداماً في العمليات العسكرية خلال الفترة الماضية؛ نظراً لانتشارها وانخفاض تكلفة إنتاجها وصيانتها، وهي طائرات من دون طيار (نصف آلية)، وتعتمد بشكل رئيسي على التحكم البشري في جميع مراحل أداء عملياتها (الإقلاع، والملاحة، والهجوم، والهبوط) عبر أجهزة التحكم والتوجيه عن بُعد، وفي أغلب الأحيان قد لا تستطيع تلك الطائرات أداء مهامها من دون تدخل بشري، ولا تتمتع هذه الطائرات بقدرة على التعلم أو التكيف الذاتي مع تغيرات الظروف العسكرية، حيث لا يمكنها إحداث تغيير في مهامها في إطار استجابتها لظروف غير متوقعة، فهي تتطلب تدخلاً بشرياً لتعديل المسار أو تكليفها بمهمة جديدة.

وثمّة صعوبة واضحة في تحديد مدى دقة تنفيذ تلك الطائرات لمهامها؛ إذ تعتمد بشكل كبير على مهارات المشغلين البشريين والأدوات المستخدمة، ولا يمكن استخدامها في ضرب أهداف مُعقّدة أو بيئة مليئة بالتحديات، فهي لا تستطيع التعامل بشكل فعال مع الأهداف المتحركة أو الأهداف التي تظهر فجأة في بيئات مُعقّدة. وهناك قدرة محدودة على توظيف تلك الطائرات في الهجمات الجماعية؛ لأنها لا تملك القدرة على التنسيق التلقائي بين عدّة طائرات، ويتسم توظيف تلك الطائرات باحتمالات حدوث أخطاء بشكل أكبر في تحديد الأهداف والتحليل أو التوجيه.

2. مُسيّرات الذكاء الاصطناعي (AI Drones): تأمل العديد من القوى والجيوش الكبرى تحقيق إنجاز حقيقي في استكمال برامج أتمتة قواتها عبر تطوير وتحديث الطائرات المُسيّرة عبر دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي فيها، حيث يتم دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل (التعلم الآلي، والرؤية الحاسوبية، والتخطيط المستقل) للقيام بالمهام بشكل مستقل أو شبه مستقل؛ بما يسهم في تمكين مسيرات الذكاء الاصطناعي من اتخاذ قرارات بشأن التوجيه والتنفيذ بناءً على البيانات المتاحة مثل (التعرف على الأهداف، وتحديد المسارات المُثلى، وتجنب العقبات). ويفترض أن تتمتع تلك الطائرات بقدرة عالية على الاستقلالية في أداء مهام معقدة مثل (الاستطلاع، والهجوم، وتحليل البيانات، واتخاذ القرارات) من دون تدخل بشري.

ويتم تزويد جهاز المراقبة الخاص بتلك الطائرات بصورة للهدف، وإمكانية استخدام الصور والفيديوهات، كما تُزود عادة بصواريخ الطائرات وصواريخ إسكندر. تختار الطائرة المسيرة المزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي ضرب هذا الهدف على وجه التحديد، من بين عدة أهداف موجودة أمامها.

وفي السياق ذاته؛ تتمتع تلك الطائرات بقدرة عالية على التكيف مع المواقف المتغيرة، والتعلم من تجارب سابقة أو من البيانات الميدانية، وتحسين استراتيجياتها، كما تتكيف مع ظروف مُعقّدة مثل الطقس المتغير أو التغييرات في التضاريس. بالإضافة إلى ذلك تستطيع تلك الطائرات تحديد الأهداف المتحركة، والعمل على تجنب الأهداف غير العسكرية؛ مما يُقلل من الأضرار الجانبية، فهي تتمتع بدقة عالية بفضل استخدام تقنيات الرؤية الحاسوبية وتحليل البيانات المتقدم؛ مما يساعدها على سرعة واتخاذ القرارات الفورية بشأن الهجوم أو التراجع. وتستطيع تلك الطائرات التنسيق بشكل مستقل بين عدة طائرات مسيرة في سرب؛ مما يعزز فعالية الهجوم الجماعي.

توظيف مُستمر:

على الرغم من أن صناعة مسيرات الذكاء الاصطناعي العسكرية ذاتية التحكم بشكل كامل لم تتحقق بعد؛ فإن ثمة بعض الحروب والصراعات التي استخدم فيها بعض من تقنيات تلك المسيرات، ووضعت تحت الاختبار والتجربة والتطوير من أجل تحسين كفاءة الهجمات العسكرية، وزيادة الدقة، وتقليل الخسائر البشرية. ومن أبرز تلك الحروب والصراعات:

1. الحرب الإسرائيلية في غزة: شهدت الحرب الإسرائيلية على غزة توظيف تقنيات وقدرات مُختلفة للذكاء الاصطناعي في الأعمال الحربية والقتالية والاستخباراتية، منها تقنيات تحديد الأهداف والأفراد وجمع المعلومات والصور الفضائية عن المناطق الخطرة، بالإضافة إلى استخدام الروبوتات القاتلة والطائرات المسيرة المفخخة والملغمة، كما أدت الطائرات المسيرة دوراً في تنفيذ عمليات الاغتيال الدقيقة وتنفيذ مهام قتالية مختلفة.

وفي هذا السياق؛ أشارت تقارير عدّة إلى أن إسرائيل قامت بدمج بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي في الطائرات من دون طائرات لتنفيذ عمليات هجومية واستخباراتية في حربها على غزة ولبنان، ولجأ الجيش الإسرائيلي إلى استخدام مسيرات الذكاء الاصطناعي لتحديد الهويات، كما يمكنها العمل تحت الأرض؛ أي يمكنها الدخول إلى الأنفاق ورؤية أبعد مما تسمح به الوسائل التقليدية، حيث استخدمت مسيرات من صنع شركة روبوتيكان الإسرائيلية الناشئة التي تضع طائرة من دون طيار داخل صندوق روبوتي.

2. الحرب الروسية الأوكرانية: تُعد الحرب الروسية الأوكرانية الساحة الرئيسية لتطوير واختبار مسيرات الذكاء الاصطناعي ذات الطابع العسكري، حيث يتسابق الطرفان في توظيف تلك المسيرات لإحداث توازن قتالي وميداني.

فعلى الجانب الروسي، صرّح وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف، في أكتوبر 2024، أن مسيرات الذكاء الاصطناعي تؤدي دوراً محورياً في ساحة المعركة في أوكرانيا. كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سبتمبر 2024، إن روسيا تزيد إنتاج الطائرات من دون طيار بنحو 10 أضعاف إلى ما يقرب من 1.4 مليون هذا العام؛ بهدف تأمين النصر للقوات المسلحة الروسية في أوكرانيا. وفي أغسطس 2024؛ أعلن المسؤولون الروس عن استراتيجية دفاعية جديدة مدتها 10 سنوات تتميز بالتركيز المنصب على الذكاء الاصطناعي. وتُشير بعض التقارير إلى أن وزارة الدفاع الروسية تخطط لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في طائرات شاهد- 136 الانتحارية الإيرانية [التطوير الروسي هو Geran-2]. وذلك لتجاوز أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية.

أما على الجانب الأوكراني، فصرّحت نائبة وزير الدفاع الأوكراني، كاترينا تشيرنوهورينكو، أن دمج الذكاء الاصطناعي في الطائرات من دون طيار الهجومية أحادية الاتجاه يمكن أن يجعلها أقل عرضة للحرب الإلكترونية الروسية؛ مما يسمح للطيارين بالتحكم فيها من مسافات أكثر أماناً. وتسعى أوكرانيا إلى تطوير وتحديث طائراتها من دون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي عبر ثلاثة مجالات رئيسية هي: تحديد الهدف، ورسم خرائط التضاريس للملاحة، وإنشاء “أسراب” مترابطة من الطائرات من دون طيار.

وفي هذا الإطار، تعمل مجموعة من الشركات الناشئة مثل شركة “سوارمر” على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي للمساعدة على تسيير أسطول ضخم من الطائرات من دون طيار، حيث تأمل أوكرانيا أن يُساعد نشر الطائرات من دون طيار المزودة بالذكاء الاصطناعي عبر خط المواجهة في التغلب على التشويش المتزايد للإشارة من قبل الروس، فضلاً عن تمكين المسيرات من العمل في مجموعات أكبر.

3. الحرب في ليبيا: أشار تقرير للأمم المتحدة في 2021، إلى أول استخدام لمسيرات الذكاء الاصطناعي القاتلة، حيث تم استخدامها في الحرب الليبية، ووفقاً للتقرير الأممي بأنه تم استخدام طائرات عسكرية من دون طيار ذات “أنظمة أسلحة ذاتية قاتلة” تعمل بالذكاء الاصطناعي استخدمتها القوات المدعومة من الحكومة في غربي ليبيا (حكومة عبد الحميد الدبيبة)، حيث تم تعقب الجنود الهدف والاشتباك معهم عن بُعد بواسطة مركبات جوية قتالية من دون طيار أو أنظمة أسلحة مستقلة قاتلة.

تأثيرات مُحتملة:

يؤدي توظيف مسيرات الذكاء الاصطناعي في الحروب إلى مجموعة من الانعكاسات والارتدادات الميدانية المؤثرة في مسارات الحروب، من أبرزها:

1. إحداث توازن ميداني: يمكن لمسيرات الذكاء الاصطناعي العسكرية والحربية أن تحقق قدراً من التوازن الميداني بين الأطراف المتحاربة كما حدث في حالة الحرب الروسية والأوكرانية، حيث أتاحت تلك الطائرات لأوكرانيا فرصة لاستعادة التوازن الميداني مع روسيا.

2. إطالة أمد الحرب: إن استخدام الأطراف المتحاربة لتلك المسيرات قد يطيل أمد الحروب والصراعات، حيث إنها ستدفع في اتجاه عدم تمكن طرف ما من حسم المعركة عسكرياً؛ لما تتيحه من توازن بين الأطراف المختلفة.

3. تقليل الاعتماد على البشر: إن تمكن هذه المسيرات من العمل بشكل مستقل سيعني عدم الاعتماد على الإشارات الصادرة من المتحكمين البشر كما في حالة الطائرة التقليدية؛ وهو ما يعني عدم فاعلية أجهزة التشويش في مواجهة هذا النوع.

4. تعزيز العمليات العسكرية: قد تؤدي زيادة الاعتماد على مسيرات الذكاء الاصطناعي إلى تعزيز العمليات العسكرية من خلال القدرات المستقلة ومعالجة البيانات في الوقت الفعلي وتحسين عملية اتخاذ القرار، وأداء مهام معقدة بشكل مُستقل، مثل الملاحة وتخطيط المهمة، دون إشراف بشري مباشر، حيث تسمح خوارزميات الذكاء الاصطناعي للطائرات من دون طيار بجمع وتحليل كميات هائلة من البيانات؛ مما يسهل عملية اتخاذ القرار السريع والكفاءة التشغيلية.

5. تطور أنظمة الدفاع الجوي: قد يؤدي تكثيف استخدام مسيرات الذكاء الاصطناعي إلى التأثير في مُستقبل أنظمة الدفاع الجوي والسيبراني حيث سيبرز التوسع في إنتاج مسيرات الذكاء الاصطناعي أهمية إنتاج أنظمة دفاع مخصصة لها. وقد تتضمن أنظمة الدفاع المستقبلية بالطائرات من دون طيار أسلحة ليزر من النوع الذي تجربه إسرائيل حالياً، والمصممة لمعالجة مشكلة أسراب الطائرات من دون طيار.

6. تراجع أهمية سلاح الجو التقليدي: قد تتراجع نسبياً أهمية سلاح الجو التقليدي الذي يعتمد على الطائرات القتالية الضخمة التي لن يتم استخدامها إلا في حالات الضرورة القصوى، وهو ما قد يؤثر في مُستقبل الاستثمار في تلك الطائرات القتالية التي قد تتحول إلى عبء اقتصادي ومالي وعسكري، إلّا أن ذلك لا يعني أن مسيرات الذكاء الاصطناعي سوف تحل محل الطائرات القتالية التقليدية، حيث لا تزال الأخيرة شديدة الأهمية في تحقيق الحسم الجوي.

7. تعزيز سباق التسلح: قد يؤدي تكثيف الاعتماد على مسيرات الذكاء الاصطناعي إلى تعزيز سباق تسلح الأطراف المتصارعة لامتلاك وتطوير تقنيات أحدث من مسيرات الذكاء الاصطناعي العسكرية؛ ومن ثم زيادة أعباء وتكلفة الحروب الذكية والإلكترونية.

8. تغيير أنماط الصراعات: كما قد يؤدي ذلك إلى تغيير أنماط الصراعات من الحروب الشاملة والتقليدية إلى الحروب الذكية التي تعتمد على ضرب أهداف حيوية مؤثرة (اغتيال المسؤولين، استهداف مراكز الطاقة الحيوية، ضرب البنى التحتية الحيوية) بدرجة أكثر دقة.

9. تحول حروب مكافحة الإرهاب: كما قد يؤدي إلى تحول حروب مكافحة الإرهاب من الأنماط التقليدية إلى الحروب الذكية الدقيقة، حيث تسهم تلك الطائرات الذكية في كشف مخابئ الجماعات الإرهابية، والتعرف على الأشخاص المطلوبين، والتعرف على طرق التهريب والتمويل، وقد تقوم تلك الطائرات باستهداف المطلوبين وتنفيذ عمليات تصفية لقيادات الجماعات الإرهابية.

10. تغيير في مهام الاستخبارات: من المرجح أن يؤدي الاعتماد على مسيرات الذكاء الاصطناعي إلى إعادة تخطيط مهام أجهزة الاستخبارات وتقنياتها المختلفة، حيث تُسهم مسيرات الذكاء الاصطناعي في جمع بيانات ضخمة من الأهداف والبيانات والصور التي قد تؤثر في عمل تلك الأجهزة.

وفي التقدير؛ يمكن القول إن ثمّة مجموعة من التحديات والمخاوف التي يثيرها مستقبل التوسع في صناعة مسيرات الذكاء الاصطناعي الحربية والعسكرية. وتُثير تلك الصناعة العديد من المخاوف الأخلاقية والإنسانية في حال ترك الأمر لهذه الطائرات لتنفيذ عمليات حربية بشكل مستقل، وما قد يقع جراء ذلك من أضرار على المدنيين والأهداف الحيوية، كذا حدود التحكم والتوجيه لهذه الطائرات، وما قد تُعرض تلك الطائرات الجيوش له من مخاطر؛ في حال تم الاستحواذ عليها من قبل قوى مناوئة، كما تثير مخاوف حول المساءلة والمحاسبة والمسؤولية عن الأضرار التي قد تقع جراء أخطاء محتملة من تلك الطائرات. بالإضافة إلى ذلك؛ ثمة تخوفات ومحاذير من وصول تقنيات تلك الطائرات إلى الجماعات المسلحة أو الجماعات الإرهابية؛ مما قد يسهم في تطوير قدراتها في مواجهة الدول ومؤسساتها؛ مما يؤثر في الاستقرار السياسي الوطني والإقليمي.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يحل سر منشأ قمري المريخ
  • نظارة بالذكاء الاصطناعي لتسهيل العمليات الجراحية والترجمة الفورية
  • باستثمارات 100 مليون دولار.. إنشاء أول مركز عالمي للذكاء الاصطناعي في مصر
  • باستثمارات 100 مليون دولار| إنشاء أول مركز عالمي للذكاء الاصطناعي في مصر.. تفاصيل
  • AI Drones: تأثير مُسيّرات الذكاء الاصطناعي في نتائج الحروب
  • الذكاء الاصطناعي يُهدد 92 مليون وظيفة
  • الذكاء الاصطناعي يُهدد 92 مليون وظيفة عالمياً بحلول 2030
  • «معاكم خدمة العملاء يا فندم».. حيلة «مستريح المنيا» لاستقطاب ضحاياه
  • حجم سوق الذكاء الاصطناعي خليجياً.. 15 مليار دولار
  • تعزيز الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي