في ذكراها السادسة طبيعة وأهداف ثورة ديسمبر
تاريخ النشر: 6th, December 2024 GMT
تاج السر عثمان
(1)
أشرنا سابقا إلى أن الذكرى السادسة لثورة ديسمبر تمر في ظروف الحرب اللعينة الجارية التي أشعلها الإسلاميون مع صنيعتهم الدعم السريع، بهدف السلطة والثروة، بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر 2021 الذي أعاد التمكين لهم في الأرض، وأكد ذلك الصراع الجاري حاليا بين الإسلامويين والبرهان، فهي حرب تهدف للمزيد من التمكين لهم، وتصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الإقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب التي أدت إلى نزوح الملايين، ومقتل وإصابة وفقدان عشرات الآلاف، وتدمير البنيات التحتية ومرافق الدولة الحيوية، والأسواق والبنوك ومواقع الإنتاج الصناعي والزراعي، وباتت تهدد بتقسيم البلاد، إضافة لتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية، مع إطالة أمدها والمزيد من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب كما في التهجير الجاري من مناطق الجزيرة ودارفور وكردفان والخرطوم.
في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر، نعيد نشر هذا المقال حول طبيعة وأهداف ثورة ديسمبر التي يجب العض عليها بالنواجذ، والسير بها قدما حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية.
(2)
جاءت ثورة ديسمبر استمرارا لتقاليد شعبنا الثورية والقانون الأساسي لثوراته ضد الأنظمة الاستعمارية والديكتاتورية التي تبدأ بتراكم المقاومة الجماهيرية ضدها التي ما أن يتم إخماد كل منها علي انفراد، حتى تشتعل من جديد في مواقع أخرى، ويستمر التراكم النضالي حتى الثورة أو الانتفاضة الشاملة التي تطيح بالنظام بعد توفر الظروف الموضوعية والذاتية للثورة، والتي أهمها أن تصبح الحياة لا تطاق من الجماهير ووجود القيادة الثورية التي علي استعداد لقيادة الثورة حتى النصر، حدث ذلك في الثورة المهدية 1885 التي اتخذت شكل الكفاح المسلح، وثورة الاستقلال 1956، وثورة أكتوبر 1964 وانتفاضة مارس – أبريل 1985 التي اتخذت شكل النضال السلمي الجماهيري، وأطاحت بالنظام عن طريق الإضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي أصبح من التجارب الراسخة في تاريخ السودان الحديث وكسلاح تشهره الجماهير عندما تنضج الظروف الموضوعية والذاتية لتغيير الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التي تسومها سوء العذاب بمصادرة حقوقها وحرياتها الأساسية والحروب والفقر والمسغبة والدمار، ونهب ثروات البلاد والتفريط في أراضيها وسيادتها الوطنية.
(3)
ما يميز ثورة ديسمبر التي مازالت جذوتها متقدة، أنها واجهت تنظيما إسلامويا فاشيا بمليشياته الدموية سخر كل موارد وثروات البلاد لمصلحة وحماية أقلية طفيلية إسلاموية ضيقة، وبذل جهدا كبيرا في أن يسد منابع الثورة باقتلاع المؤسسات الحديثة والخدمية والمشاريع الزراعية والحيوانية في المدن والريف، فقام بتصفية وخصخصة السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية والبحرية، والمصانع وقومية الخدمة المدنية والنظامية والتعليم، ومشاريع الجزيرة والنيل الأبيض والأزرق والقاش وطوكر وجبال النوبا.الخ، وحاول السيطرة علي النقابات تحت اسم نقابة المنشأة ودمجها في الحزب الحاكم كما فعل نظام النميري.
(4)
كما فعل الاستعمار البريطاني عمق النظام سياسة” فرق تسد” بإحياء عصبية القبيلة والتناحر القبلي والعنصري، وسؤال القبيلة في الوثائق الرسمية، والتمييز بسبب الدين، وقمع المرأة، في محاولة يائسة لضرب وتدمير الوطنية السودانية وقيم التسامح الديني التي تبلورت قبل حوالي قرنين من الزمان، في المدن والمشاريع الحديثة ومؤسسات التعليم والخدمة المدنية والنظامية، وأشعل نيران الكراهية والعنصرية، ونيران حرب الإبادة في الجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وارتكب جرائم حرب أدت إلى أن يكون رموز النظام مطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما مارس النظام أسوأ أنواع القمع في تاريخ السودان الحديث من تشريد لأكثر من 350 ألفاً من الخدمة المدنية والنظامية، إضافة لما تم تشريدهم بسبب الخصخصة وبيع أصول وممتلكات الدولة والقطاع العام.، كما مارس التعذيب الوحشي للمعارضين السياسيين والنقابيين بهدف كسر إراداتهم.
(5)
قام النظام بالدعوات الكاذبة للحوار والحلول الجزئية، ونقض العهود والمواثيق بهدف إطالة عمره، مما أدي لفصل الجنوب وإعادة إنتاج الحرب والأزمة بشكل أعمق من السابق.
قام بتفتيت الأحزاب وقوى المعارضة، باستخدام سياسة “سيف المعز وذهبه”، واحتكار السلاح والإعلام والمال بضرب الرأسمالية الوطنية المنتجة، بهدف إطالة عمره، والإعلان غير الرسمي لحالة الطوارئ لمدة ثلاثين عاما.
كل هذا القمع المهول لم يحم النظام، ربما يكون قد أطال عمره، لكن مقاومة شعب السودان لم تتوقف في الداخل والخارج. استمر التراكم النضالي الذي فت من عضد النظام، حتى انفجر في ثورة ديسمبر الحالية بعد أن نضجت ظروفها الموضوعية والذاتية.
(6)
أكدت تطورات الأحداث أن الأوضاع بعد هذه الثورة واستمرارها لن تكون كما كانت في السابق، وأن تحولا سياسيا واجتماعيا وفكريا بدأ يتخّلق، ارتفعت فيه رايات الوطنية السودانية، وشعارات الديمقراطية وحكم القانون واستقلال القضاء، وقيم التسامح واحترام المرأة ورفض التمييز ضدها، ودولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو الثقافة أو الجنس، استنادا للتجربة المريرة التي عاشها شعب السودان الذي أدرك أن سر قوته في وحدته، وسلمية وجماهيرية الثورة، ولا بديل غير السير قدما حتى نجاح الفترة الانتقالية وتفكيك النظام الفاسد ومؤسساته القمعية والاقتصادية والإعلامية.
(7)
هزت الثورة ساكن النظام، وفشل القمع في إخماد نيرانها بما في ذلك حالة ومحاكم الطوارئ التي زادت نيران الغضب ضده، وأعادت للأذهان أيام الديكتاتور نميري الأخيرة التي أعلن فيها حالة ومحاكم الطوارئ بعد تطبيق قوانين سبتمبر 1983 بهدف وقف المقاومة الجماهيرية التي كانت متنامية ضده، لكن ذلك لم يعصم النظام من مصيره، وسقط في انتفاضة أبريل 1985.
(8)
واجه النظام حصارا من الرأي العام المحلي والعالمي بسبب استخدامه للقمع المفرط بالضرب بالهراوات والغاز المسيل للدموع، وإطلاق الرصاص الحي مما أدي لاستشهاد الكثيرين، وجرح المئات، واعتقال الآلاف، والتعذيب الوحشي للمعتقلين حتى الاستشهاد، واقتحام البيوت وحرقها ب” البمبان”، وخرق الدستور بإعلان حالة ومحاكم الطوارئ والأحكام بالسجن والغرامة والجلد للمشاركين في المظاهرات والمواكب السلمية التي يكفلها الدستور.
إضافة لمجزرة فض الاعتصام البشعة التي فشلت في إخماد نيران الثورة، بل زادتها اشتعالا واستمرار المطالبة بالقصاص ولجنة التحقيق الدولية المستقلة.
(9)
استمرت الثورة بمختلف الأشكال من مليونيات ومظاهرات ووقفات احتجاجية وعرائض وإضرابات.الخ، رغم التسوية بعد التوقيع علي “الوثيقة الدستورية” التي كرّست هيمنة المكون العسكري، وقننت دستوريا مليشيات الدعم السريع، وأبقت علي التحالفات العسكرية الخارجية التي زجت بالسودان في محور حرب اليمن واستمرار إرسال القوات لها، وأبقت على القوانين المقيدة للحريات، وإعادة إنتاج السياسات الاقتصادية التي أبقت على استمرار التبعية لمؤسسات الرأسمالية العالمية من بنك وصندوق نقد دوليين، والخضوع لشروطهما في تخفيض العملة ورفع الدعم عن السلع، والاعتماد علي العون الخارجي بديلا للتوجه للداخل، والإسراع في استعادة الأموال المنهوبة، وإصلاح النظام المصرفي، وعود شركات المؤتمر الوطني والجيش والدعم السريع من ذهب وغيرها للمالية. الخ.
(10)
كما رفض بعض أفراد القوات النظامية في الجيش والشرطة ضرب المواطنين العزل؛ مما أدي لفصلهم من الخدمة، مما يتطلب مواصلة النضال لعودتهم مع المفصولين العسكريين من النظام الفاسد، ورفض بعض القضاة العمل في محاكم الطوارئ التي نسفت أسس الإجراءات للمحاكم العادلة التي تكفل حق الدفاع والاستماع لشهود الدفاع..الخ، وغير ذلك من تفكك وتصدع بنية النظام القمعية وتنظيماته الفوقية.
(11)
أكدت الثورة استمرار جذوة الثورات في المنطقة العربية” الربيع العربي” ضد الأنظمة الفاسدة التي امتدت لتشمل شعوب أوربا وأمريكا، وتزامنت مع ثورة شعب السودان ثورة الشعب الجزائري ضد العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة. كما وجدت تضامنا واسعا من شعوب العالم والأحزاب الشيوعية والعمالية والوطنية ومنظمات حقوق الإنسان، وبعض الدول التي استنكرت القمع الوحشي للمظاهرات السلمية وحالة الطوارئ، وطالبت باحترام حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين فورا.
(12)
طرحت الثورة قضايا مهمة تحتاج إلى متابعة إنجازها ومواصلة النضال من أجلها مثل:
– سياسة خارجية تقوم علي الاحترام والمنفعة المتبادلة وحسن الجوار والسيادة الوطنية، وعدم الارتباط بالأحلاف العسكرية، وسحب القوات السودانية من اليمن.
– استعادة أراضي وموانئ السودان مثلاً” حلايب وشلاتين والفشقة..الخ.
– استعادة أموال الشعب المنهوبة التي هربها الإسلامويون الفاسدون إلى دول مثل: ماليزيا التي تبلغ عشرات المليارات من الدولارات إضافة لقيمة الأصول في تلك الدول، مما دمر اقتصاد البلاد، وأوصلها للدرك السحيق الذي تعيشه الآن. إضافة لفتح ملفات صفقات تأجير وبيع ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية التي بلغت مدة بعضها 99 عاما، واستعادة أصول وممتلكات الدولة المنهوبة.
– الخروج من الحلقة المفرغة” ديمقراطية – انقلاب- ديمقراطية..الخ”، وقيام نظام ديمقراطي راسخ ومستدام تتصارع فيه الطبقات والأحزاب ببرامجها المختلفة بحرية، وحل مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية، وعدم إعادة إنتاج الأزمة بتسويات تبقي علي جوهر النظام السابق مع تعديلات شكلية في رأس النظام، ولا بديل غير تفكيك النظام وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات والترتيبات الأمنية لقومية القوات النظامية تحت إشراف الحكومة المدنية، وحل وتفكيك المليشيات” دعم سريع، الدفاع الشعبي، جيوش الحركات. الخ”.
– الترتيبات الأمنية والحل الشامل والعادل لقضايا مناطق الحروب بوقف الحرب ومحاسبة مجرميها، وتسليم البشير والمطلوبين للجنايات الدولية، وعودة النازحين أراضيهم ومنازلهم وتعويضهم، وعودة المستوطنين لمناطقهم والتنمية المتوازنة، ودولة المواطنة التي تسع الجميع، وقيام المؤتمر الدستوري الذي يحدد شكل الحكم، وإعداد دستور ديمقراطي بمشاركة الجميع، وقانون انتخابات ديمقراطي بمشاركة، يفتح الطريق لقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية تشارك فيها كل المناطق المتأثرة بالحروب، وعدم الوقوع في خطأ التسرع في قيام انتخابات مبكرة تجاهلت مناطق الحروب، كما حدث بعد ثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985.
– قيام الخدمة المدنية علي أساس المهنية والكفاءة والشفافية، لا علي محاصصات سياسية، تعيد إنتاج أساليب النظام الإسلاموي الفاسد.
(13)
وأخيرا، فإن ضمان نجاح الفترة الانتقالية رهين بترسيخ الآتي:
الديمقراطية التي تستهدف انتشال الوطن من الأنقاض والدمار الفظيع الذي تعرض له علي أساس الوطنية السودانية، ودولة القانون واستقلال القضاء، والقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين، وفصل السلطات التنفيذية – التشريعية – القضائية، وحرية تكوين الأحزاب والنقابات والاتحادات والصحافة والتعبير والنشر. الخ. قيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو الثقافة أو العرق أو اللون أو الجنس. وقف الحرب بالحل العادل لقضايا مناطق الحروب الذي يخاطب جذور الأزمة. وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان. إعادة تأهيل المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية ودعم الصادر وتقوية الجنيه السوداني، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وجذب الكفاءات السودانية للمشاركة في تنمية ونهضة البلاد. التسوية العادلة بدون تسويف لأوضاع المفصولين تعسفيا. سياسة خارجية تقوم علي المنفعة المتبادلة والسيادة الوطنية وحسن الجوار. توفير حق ومجانية التعليم العام والعلاج والخدمات. قيام المؤتمر الدستوري، وإجازة دستور ديمقراطي بمشاركة الجميع، والمحاسبة إعادة ممتلكات وثروات البلاد المنهوبة. المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب،. حل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية. قانون انتخابات ديمقراطي لضمان انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.alsirbabo@yahoo.co.uk
الوسومتاج السر عثمان بابوالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الفترة الانتقالیة الخدمة المدنیة ثورة دیسمبر
إقرأ أيضاً:
سوريا: موجة جـديدة للثورات وتكرار النتائج والصيرورات
محمد الأمين عبد النبي
"الثورة منتصرة وبالغة أمرها ولو بعد حيـن، وأن الإستبداد حتماً الي زوال لا محالة، ولا عذر لمن يمسك عن مواكب خلاص وطنه المحتضر" مقولة ملهمة أطلقها الامام الصادق المهدي عليه الرضوان حينها وهو ينظر بعيون زرقاء اليمامة، مدركاً لحال ومآل ثورات الربيع العربي، ومبشراً بالعهد الديمقراطي الجديد، وكثيراً ما كان يردد: أعـاذلتي مهلا إذا ما تأخرت قوافلنـا حتماً فسوف تعود .. ولا بد من ورد لظمأى تطاولت ليالي سراها واحتواها البيد.
اخيراً وليس أخراً إنتصرت إرادة الشعب السوري وسقط نظام الأسد الدكتاتوري الذي ظل جاثماً على صدر السوريين عقودا طويلة وارتكب مجازر وانتهاكات وحشية طالت ملايين السوريين.
إنتصـرت الثورة السورية بعد ان ظنت الأنظمة الاستبدادية بعد أكثر من عقدٍ من الربيع العربي أنها قد أعادت سيطرتها، وأنه لن يحدث أي تغيير وستستمر الأنظمة القائمة، وتعزيزاً لهذه الفرضية فتحت جامعة الدول العربية ابوابها لعودة نظام الأسد ومشاركته في اجتماعاتها، ولسان حال الجامعة والانظمة العربية يقول: "ما دمت تحتفظ بالسلطة إذاً انت شرعي ومعترف بك ومرحب بك ولا عزاء للشعب المكلوم".
صحيح أن الدور الاكبر والحاسم في سقوط الأسد يرجع بالأساس للمعارضة السورية الباسلة، ولكن مما لا شك فيه ان الدور الامريكي والتركي والاسرائيلي كان حاضراً بقوة في مشهد التغيير والتخلص من نظام الأسد نتيجة لتحالفه مع روسيا وإيران كمحور في صراع النفوذ مع الغرب تحديداً في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا، وبالتالي فإن إستراتيجية تقليل نفوذ روسيا بإسقاط حلفائها ومحاصرتها تسير في اتجاه احداث تحولات كبيرة في المنطقة.
مثل نظام الأسد قدوة ونموذجاً لأنظمة الربيع العربي في التمسك بالسلطة أو استعادتها من جديد بوسائل قمعية وانقلابية وحروب كما حدث في السودان من مقاومةً للتغيير ورفضاً للتحول الديمقراطي، كما ان سقوط نظام الأسد بالتأكيد سيكون له تأثير على مجمل الأوضاع في المنطقة والسودان ليس بعيداً عن التاثير، فقد تبنى المخلوع البشير ونظامه البائد وصفة بشار الأسد في قمع المعارضة، وفي ذات الإتجاه سار خلفه للإستمرار في السلطة بالعنف والحرب والتسويق الي مؤامرة خارجية، مما يشير إلي تشابه الحالة وإمكانية تكرار النتيجة والصيرورة.
ذهب البعض الي أن لا مخرج من الأزمة السودانية إلا بتبني سيناريو إتفاق نيفاشا بكل أبعاده من حل ثنائي بين المتحاربين ووقف العدائيات وإعادة تموضع الجيوش ووجود نظامين في دولة واحدة دون النظر إلي نتيجته بإنفصال جنوب السودان كحالة ذهنية قابلة للتكرار، فيما تمترس آخرون في ترجيح نصر عسكري لطرف على الآخر، دون النظر إلى خطورة الحل العسكري الذي يطول أمد الحرب، خاصة ان مقاربة الحالة السورية تشير الي ان النضال السلمي تراجع لصالح خيار العمل العسكري الذي استمر لاكثر من ثلاثة عشر عام نتيجة لتدخلات أطراف إقليمية ودولية سيما روسيا التي مهدت الطريق للتدخل الامريكي، وعليه فإن الدرس المستفاد والقراءة الصحيحة لإنتصار الثورة السورية هو ان مستقبل المنطقة لا يزال في يد قوى التغيير والتحول الديمقراطي، وان الواجب يقتضي إعادة ترتيب الصف المدني وتوحيد أدوات النضال السلمي لإنطلاق موجة جديدة من الثورة أكثر نضجاً وحكمة وإصراراً على إنهاء الحروب والاستبداد، واستخلاص العبر مما حدث للأسد الذي قتل شعبه واستقوى بالسلطة والعنف واستعان بالقوى الأجنبية، فانتهى به المطاف هارباً، مخلفاً وراءه ملايين الضحايا، هذا هو الطريق الأسلم الذي ينبغي ان تسلكه القوى المدنية السودانية لإنتاج مقاربة اكثر واقعية وموضوعية لإنهاء الحرب واستعادة التحول المدني الديمقراطي دون الانحياز لأي من طرفي الحـرب أو الاستقواء بأي بندقية.
مازال أمام الثورة السورية تحديات جمة في بقاء سوريا موحدة، وتجسيد أهداف الثورة، وتأسيس سلطة ديمقراطية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتفويت الفرصة على التدخلات الخارجية الخبيثة، وتفكيك الدولة العميقة، وبناء جيش مهني واحد، ومحاربة الإرهاب. ومازال أمامنا في السودان فرصة إنجاز حل سياسي سلمي عبر مائدة مستديرة تضع حداً لمعاناة وعذابات الشعب السوداني، فالعاقل من إتعظ بغيره.
wdalamin_2000@hotmail.com