ما صحة الرواية التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا سلم من الوتر سبحان الملك القدوس؟صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول بعد سلامه من الوتر «سبحان الملك القدوس» ثلاثا، ويمد صوته بالثالثة، وفي بعض الروايات أنه يرفع صوته في الثالثة، ولذلك عند الإتيان بهذا الذكر بعد الوتر سنة مرغبا فيها، ينبغي للمسلم أن يأتي بها بعد أدائه لصلاة الوتر، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتحريا لما في هذا الذكر من عظيم تنزيه لله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وتوخيا لما أودعه الله عز وجل في هذا الذكر من الثواب العظيم، ومن تزكية للنفس، وشرح للصدر، وختم ليومه بذكر طيب مبارك.

وهذه الرواية وردت عند عدد من أصحاب السنن والمسانيد، وفي بعضها زيادات، لكن الأظهر أن هذا القدر الوارد في السؤال «سبحان الملك القدوس» هو القدر الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينبغي الزيادة عليه، وإنما الخلاف هل مده عليه الصلاة والسلام لصوته في الثالثة سنة يتأسى به فيها، أو كان ذلك من باب التعليم منه عليه الصلاة والسلام لأصحابه؟ وعلى كل فإن الذاكر ينبغي له في كل الأحوال أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلئن كان قد مد صوته في الثالثة أو رفع صوته بها فذلك أيضا ما ينبغي الإتيان به والحرص عليه دون تشويش على باقي المصلين.

ومعنى القدوس أي من القدس وهو التنزه والتطهر، وهو في حق الله تبارك وتعالى من صفات الذات الدالة على تنزهه جل وعلا عن كل ما لا يليق به، ومن الصفات الدالة على الكمال والجلال في حق الله تبارك وتعالى، فهذا هو معنى القدوس، وأما سبحانه فقد تقدم أن سبحانه معناها الشهادة لله عز وجل بكل ما يليق به من صفات الجلال والكمال، وتنزيهه سبحانه عن كل النقائص وما لا يليق به جل وعلا، والملك معناها ظاهرا معلوما، فهذا المعنى حينما يذكر العبد ربه جل وعلا بهذه الأوصاف بهذه الأسماء فإن ذلك لا شك يورثه انشراح صدر، لأنه واصف لله تبارك وتعالى بأسماء هي من أحب الأسماء إليه، دالة على معان جليلة وعميقة في حق الله تبارك وتعالى ما ينبغي أن يوصف به، فيورثه ذلك كما تقدم انشراح صدر وتزكية نفس ويدفعه إلى أن يكون قلبه عامرا بذكر الله تبارك وتعالى، وأن يكون لسانه رطبا بذكره جل وعلا، هذا والله تعالى أعلم.

الإمام الذي يقلقل الكاف في كل تكبيرات الصلاة ما حكم صلاته؟

أخطأ لكن لا يبلغ خطأه هذا حد إدخال الحرج والفساد على صلاة الجماعة، ينبغي أن يتعلم وأن ينبه من المأمومين وأن يعود على الإتيان بالنطق الصحيح، وإلا فغيره أولى بالإمامة، لما تحتاجه الإمامة من فقه وإتقان، لأن الإمام وفد المصلين إلى ربهم، ولا ينبغي له أن يلحن مثل هذا اللحن، فحرف الكاف لا في كتاب الله عز وجل ولا فيما سواه من أذكار الصلاة فيه قلقلة، ليس هو من حروف القلقلة أصلا، فهذا لو كان من حروف القلقلة لكان داخلا في الخلاف، يؤتى بالقلقلة في غير آيات كتاب الله عز وجل أو لا يؤتى بها، كيف وهو ليس من حروف القلقلة أصلا، ولذلك فالواجب أن ينصح ويعلم وأن يعتاد على النطق الصحيح، ولكن لا يبلغ الحال حد إفساد صلاتهم والله تعالى أعلم.

في قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ» نريد من فضيلة الشيخ تفصيلا حول معنى هذه الآية، ولمن يعود الضمير في وإنه؟

الأقرب لهذه الآية في سورة الزخرف أن الضمير يعود إلى القرآن الكريم، وهذا قول نسب إلى عدد من المتقدمين منهم قتادة والحسن ونسب إلى أناس من التابعين وإن كان القول بغيره قد نسب إلى قتادة أيضا لكن ممن انتصر لهذا القول من المتأخرين العلامة الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير، وهذا القول هو الذي أيضا رجحه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله تعالى وعفاه في رسالة له مختصرة فيما يتعلق بالمسيح، لأن القول الآخر هو أن الضمير في «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ» يعود إلى عيسى عليه السلام لكن قلت إن الموافق لنظم الآية الكريمة ولنظام السورة نفسها هو أن هذا الضمير يعود إلى كتاب الله عز وجل.

والحقيقة أن صيغة التأكيد الداخل على الخبر ترد في كتاب الله عز وجل كثيرا، وهي عائدة إلى القرآن الكريم، سواء ذكر ما تعود إليه أو لم يذكر، وقد يؤتى بها بعد الإتيان بالقرآن اسما ظاهرا، ولكن ترد في مواضع كثيرة ومنه في هذه السورة نفسها، وهي دالة على القرآن الكريم بلا خلاف، ونحن إذا نظرنا إلى سورة الزخرف فإن من أغراضها الثناء على القرآن الكريم وبيان منزلة كتاب الله عز وجل، وموقف المشركين المعاندين منه ودعوة هؤلاء المشركين إلى الإيمان به، وإقامة الحجة عليهم به من أول السورة الكريمة، فنجد في مطلع السورة أن الله تبارك وتعالى يقول في بدايتها: «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ» وفي السورة نفسها: «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)» هنا قال: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ» إذن هذه الصيغة استعملت في هذه السورة الكريمة لتعود على القرآن الكريم، واستعملت في القرآن في سور أخرى منه أيضا لتعود إلى القرآن الكريم، كقوله تعالى في سورة الشعراء: «وإنه لتنزيل رب العالمين» وهذا ما حدا بالعلامة ابن عاشور إلى ذكر أن هذه الصيغة ترد كثيرا وهي يراد بها القرآن.

أما نظم الآية أو نظم السورة فإنه لا يستقيم أن يقال إن الضمير يعود إلى عيسى عليه السلام، وإن كان قد تقدم ذكره، لأن هناك فاصلا بين ذكر عيسى عليه السلام وبين هذه الأية الكريمة، وهو قوله تبارك وتعالى: «وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ» انتهى قبل هذه الآية الكريمة الحديث عن عيسى عليه السلام، حينما قال ربنا تبارك وتعالى: «وَلَمَّا ضُرِبَ بْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ»

انتهى الحديث هنا بقوله تبارك وتعالى: «إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِى إِسْرَائيلَ» ثم قال: «وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ» وإنه لعلم للساعة، فرجع إلى الحديث عن القرآن الكريم، وعدّ ابن عاشور هذا الموضع ثامن المواضع في سورة الزخرف التي فيها ثناء على القرآن الكريم، وبيان امتنان الله عز وجل على عباده بإنزال هذا القرآن الكريم، وإقامة الحجة على العباد به، إذن نظم الآية ونظام السورة نفسها ونظم القرآن الكريم في استعماله لهذه الصيغة كل ذلك يدل على أن المقصود هو القرآن الكريم.

أما من حيث المعنى، فإن المعنى هنا أيضا ظاهر فإن الله تبارك وتعالى بعد أن قال «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ» والعلم هنا إما أن يكون بمعنى المعلم، فالقرآن الكريم هو المعلم بالساعة أو أن يكون هو المجتمل على علم الساعة، فالمصدر يكون مقصودا معنى أو أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل، ثم قال: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ» يقول «فَلَا تَمْتَرُنْ واتبعون» وينهى ربنا تبارك وتعالى عن الارتياب والمراء والمماراة في أمر الساعة، ويأمر باتباع أمره واتباع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يؤكد هذه الحقيقة «هذا صراط مستقيم».

أما عودة عيسى عليه السلام فيصبح معنى الآية الكريمة متكلفا لا سيما بعد أن قال ربنا تبارك وتعالى، «وجعلناه» يعني عيسى عليه السلام قال «وجعلناه مثلا لبني إسرائيل» هنا انتهى بيان ما ضربه الله تبارك وتعالى من مثل عيسى عليه السلام، ورجع الحديث إلى ما يخاطب به هؤلاء المشركين المعاندين المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما جاء به من القرآن العظيم، فبهذا يتبين أن المقصود من الآية الكريمة هو القرآن، وأن القرآن هو الذي اشتمل بما ورد فيه من تذكير وذكر وبيان للساعة، فهو المشتمل على هذه المعاني حتى أن بعض المفسرين يكاد تكون كلمتهم في هذا الموضع وفي غير هذا الموضع تنص على أن ما يتعلق بشأن الساعة في غير القرآن الكريم يسير جدا، مقارنة بما هو في كتاب الله عز وجل الخاتم، والله تعالى أعلم.

هل يصح أن تكون نية الإمام مختلفة عن نية المأموم كأن يصلي الإمام العصر قصرا ويصلي المأموم خلفه سنة الظهر في وقت الظهر؟

نعم لا مانع من ذلك، يكاد لا يوجد خلاف في هذه الصورة التي ذكرها، لأن المأموم هنا يصلي متنفلا لا يصلي فرضا فلا حرج عليه أبدا في متابعة الإمام المفترض، والله تعالى أعلم.

هل تصح الصلاة بالحذاء كما يفعل بعض الناس؟

الصلاة بالحذاء فيها خلاف، أولا هذه الأحذية اليوم هي ما يعرف في لغة العرب وما ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتسمية الخفاف لأنها تغطي أغلب القدم، أما ما نستعمله نحن أهل عمان فهو في الغالب النعل، وشأن النعل أيسر لأنه ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بنعلين مع خلاف في ثبوت الرواية، وأنه جاءه جبريل فأخبره أن فيها قذرا، فخلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعله وجعلها عن يساره، ففعل أصحابه من ورائه ذلك أيضا، فلما سألهم قالوا رأيناك خلعت نعلك فخلعنا، فقال إنما جاءني جبريل، الحاصل أن هناك روايات أخرى يؤخذ منها جواز الصلاة بالنعل، فشأن النعل أيسر مع اشتراط الطهارة، لأن الطهارة شرط في موضع الصلاة وفي اللباس ومن اللباس النعلان، وذكر المتأخرون شرط ألا يؤذي المسجد والمصلين.

ولذلك فإن الذين وسعوا ورأوا جواز الصلاة بالخفاف بالأحذية فإنهم أيضا اشترطوا طهارة الحذاء وألا يسبب أذى للمسجد ولا للمصلين، وكما قلت إن الأمر في النعل أيسر، لأن النعل لا يمنع أصابع القدمين من ملامسة الأرض أثناء السجود وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسجود على سبعة آراب، وجمهور العلماء على أن السجود على هذه الآراب إنما هو للوجوب، أما الحذاء فلا يتحقق فيه ذلك، ولذلك قلت إنه أكثر إشكالا، ومع ذلك فإن كثيرا من الفقهاء يرخصون في الصلاة بالحذاء، إذا كان المرء يصلي في بيته أو يصلي في خلاء، وقد تكون هذه الرخصة في بعض البلدان مما يحتاج إليه المسلم أخذا بما يرفع عنه الحرج، كالمناطق الحارة شديدة الحرارة ولا يجد بساطا ولا فراشا يصلي عليه، أو في المناطق المغطاة بالثلوج وقد اضطررت بنفسي إلى الأخذ بهذه الرخصة في بعض المناطق التي يغطيها الثلج، لا يمكن أن يؤمر المصلي بخلع الحذاء، ولا يمكن له أن يصلي بالنعلين، يعني نتحدث عن غطاء كثيف من الثلج، أما في المساجد وفي بيوت الله تعالى فالأذى ظاهر لفرش المسجد وهو من وقف المسجد، ومن إيذاء المصلين، فحتى الذين يرخصون في الصلاة بالحذاء فإنهم يشددون في أمر لبسهما داخل المساجد.

وكما تقدم فإن اشتراط الطهارة وعدم إيذاء المصلين هذا مما يشترطه الجميع وإن فعل ذلك فلا يقال بفساد صلاته حتى عند من يشدد في هذه المسألة، لأنه صادف قولا من أقوال المسلمين والله تعالى أعلم.

توجد عادة سيئة عند بعض الشباب وهي أن يقوم الشخص منهم بإلقاء النكت أو محاولة إضحاك المصلين من صحبه وهم يؤدون الصلاة ولا يذهب عنه حتى يراه ضاحكا، ما الحكم الشرعي في من يفعل هذا؟

هذا لا يجوز وهو آثم بهذا الفعل، فلئن كان التشويش على المصلين لا يصح، فكيف بإضحاكهم بإلقاء المضحكات، مما قد يكون كذبا، أو مما قد يكون فيه شيء من السخرية، أو مجاوزة الحدود أو ما لا يليق من القول، فكيف وهو متعمد أيضا أن يفسد على المصلين صلاتهم، فهذا فعل لا يصح أبدا وصاحبه آثم وهو واقع في حرج كبير، وعليه أن يكف عن ذلك، وليست بيوت الله عز وجل محلا لمثل هذه السفاهات بل هي محل لذكر الله تبارك وتعالى، وهي محل لتعظيمه جل وعلا، وهي بيوته الجديرة بالتعظيم والتقديس وتنزيهها عن كل ما لا يليق بها مما أقيمت من أجله، وكذلك المصلي فإنه في مناجاة لربه جل وعلا والواجب على المسلم أن يعين أخاه على الخشوع وأن يصرف عنه ما يمكن أن يشغله عن أمر صلاته لا أن يكون هو الذي يقوم بشغله عن صلاته وبصرفه عنها وبالتندر واتخاذ أمر الصلاة هزوا هذا من صنيع المنافقين الذين لا يرقبون في هذا الدين حدوده، ولا يؤدون للمسلمين حقوقهم فيجب عليهم الكف عن هذا والامتناع، وأن ينهى بعضهم بعضا عن مثل هذا الفعل وأن يتوبوا إلى الله تبارك وتعالى، وهذا إن استمر الناس عليه كما يذكر السائل أنه إذا كان هناك انتشار بمثل هذا الأمر فإنه مؤذن بتنقص من الدين نفسه، وبتحقير من أمر الصلاة، وبتقليل من أهمية الصلاة ومن فعل المصلين، وفيه إشاعة للمنكر والعياذ بالله وكل ذلك ظلمات بعضها فوق بعض، فعلى الجميع أن يتعاونوا على منع مثل هذه العادة الذميمة والله تعالى المستعان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم الله تبارک وتعالى على القرآن الکریم عیسى علیه السلام الصلاة بالحذاء الآیة الکریمة ما لا یلیق یعود إلى أن یکون فی بعض فی هذه فی هذا

إقرأ أيضاً:

محمد نجيب عوضين: آيات الميراث التفصيلية نزلت بسبب امرأة

عقد الجامع الأزهر أمس الثلاثاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان “فريضة الميراث شبهات وردود”.

وذلك بحضور كل من؛ الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وأدار اللقاء الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.

أمين عام هيئة كبار العلماء: أنصبة المواريث إلزامية ومن خالفها ضالأستاذ شريعة: الأنصبة الأكبر في الميراث تحصل عليهما المرأة دون الرجل|فيديو

في بداية الملتقى قال الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إن الميراث من المسائل القليلة التي نظمها الحق سبحانه وتعالى تفصيلًا في القرآن الكريم، لكي يغلق الباب أمام الأهواء الشخصية نظرًا لأهمية هذه المسائل، لذلك نرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يوحى إليه عدل فرضًا واحدًا من فروض الميراث، لأن الله سبحانه وتعالى تولى بيانها بشكل قاطع، والمتخصصون في الميراث يعلمون هذا جيدًا، لأنهم يفهمون الفلسفة الحقيقية من القيود التي وضعها الحق سبحانه وتعالى في أنصبة المواريث.

واضاف أنه من فلسلفات الميراث أن المحجوب في الميراث يؤثر في غيره، كما أن العدد من الأخوة ينزلون الأم من الثلث إلى السدس، وهي فلسفة راعى فيها الشرع مصلحة الجميع، وكلها أحكام روعي فيها المصلحة، ولدقة هذه الأحكام تكفل الحق سبحانه وتعالى بتوزيعها دون تركها لأهواء البشر.

وبين أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة، أن الإسلام هو الذي حفظ حق المرأة في الميراث " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلَّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا" لكن الأنصبة وضعها الشرع الحكيم لفلسفة معينة وليس بشكل عشوائي، وأن الدعوات التي تطالب بمساواة المرأة بالرجل في الميراث، لم يقف أصحابها على حقيقة وفلسفة الميراث.

وتابع: لو نظرنا إلى آيات الميراث التفصيلية نجد أنها نزلت بسبب امرأة "عندما توفى سعد بن الربيع في غزوة أحد، ولم تكن آيات الميراث نزلت بعد، فذهب أخوه وحمل تركته وانصرف، ولم يترك لزوجته وبناته شيئا، فذهبت زوجته للرسول صلى الله عليه وسلم تشكو له مما حدث، فقال النبي صلى الله: اصبري لعل الله ينزل في شأنك شيئا، ونزلت بعدها بوقت قصير آيات الميراث، وهو دليل على أن آيات الميراث على وضعها الحالي جاءت لإنصاف المرأة.

وذكر أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة، أن أضخم فروض الميراث النصيب الأكثر فيها للنساء، فتحصل المرأة على الثلثين في أربعة مسائل (البنت، وبنت الأبن، الأخت الشقيقة، الأخت لأب) ولا توجد مسأَلة واحدة للذكر يحصل فيها على هذا الفرض، كما أن النصف تحصل عليه المرأة في أربعة مسائل (البنت، بنت الأبن، الأخت الشقيقة، الأخت لأب) ويحصل عليه الذكر في حالة واحدة وهي (الزوج)، ونجد أن نسبة 1% من مسائل الميراث تأخذ فيها المرأة نصف نصيب الرجل، وباقي المسائل قد تساوي الرجل أو تأخذ أضعافه، وأحيانا تحجب المرأة الرجل فلا يرث مع وجودها كما في مسأَلة (العصبة مع الغير) وهي البنت أو بنت الابن (الفرع الوارث) مع الأخت الشقيقة أو لأب، في هذه الحالة تحجب (الأخ الأب، ابن الأخ الشقيق، ابن الأخ لأب، العم الشقيق، العم لأب، ابن العم الشقيق، ابن العم لأب)، وما ظهر من دعوات بخلاف ذلك فهي إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة، ووصف الميراث بأنه "حكم بشري" هو ضرب من العبث.

من جانبه قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء: مسائل الميراث من المسائل القطعية التي لا تحتمل الخلاف، لأن القرآن الكريم حسمها تفصيلا بكل حالاتها، وادعاء بأن المرأة مظلومة في الميراث هي دعوة باطلة، لأن الذي قسم أنصبة المواريث هو الحق سبحانه وتعالى، وما فرضه الله هو عين العدل، لأن المساواة المطلقة بين الرجال والنساء في الميراث، تظلم النساء وتضيع عليهن الكثير من الحقوق، كما في حالة الزوجة مع البنت (الفرع الوارث)، فالبنت تأخذ النصف والزوج يأخذ الربع، ثم تأخذ البنت الباقي تعصيبًا، وفي حالة الجدة لأم والجد لأم، فالجدة لأم تأخذ كل التركة، فتكون بذلك أخذت ثلاثة أضعاف الرجل، أما مساواة الرجال والنساء في المسائل التي تأخذ فيها المرأة أقل من الرجل، وهي حالات قليلة جدًا في الميراث، تعد انتقائية وهو أمر مخالف للمنهج العلمي، وجميع المسائل التي طرحها دعاة إنصاف المرأة في حقيقتها هي ظلم للمرأة، فالمرأة لم تُظلم في الميراث لأن الذي فرض الأنصبة في المواريث هو الحق سبحانه وتعالى، لهذا بدأت الأنصبة بقوله سبحانه وتعالى "نصيبًا مفروضًا" أي مقدرة وواجبة.

وبين وكيل الأزهر الأسبق، أن أنصبة المواريث إلزامية ومن خالفها كما جاءت في القرآن الكريم فهو ضال ومضل للناس "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم" لهذا جاء النص القرآني، بقوله "أن تضلوا" محذرا من الوقوع في مثل هذا الجرم، ولا يجوز لبشر كائن من كان أن يعدل على أحكام الميراث التي فرضت من قبل الحق سبحانه وتعالى، والقول بأن آيات المواريث تحتمل اختلاف الأفهام، هو تدليس واجتراء على كتاب الله.

في ختام الملتقى قال الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، آيات المواريث حسمت قضية الميراث بين المستحقين له، ومن يتكلم بخلاق ما جاء في القرآن الكريم، إنما يحاول أن يلبس على الناس دينهم، ومن ينظر إلى الإسلام في فقه المواريث، يجد أن الله سبحانه وتعالى قسمها بما يضمن المصلحة الحقيقية لمستحقي الميراث.

طباعة شارك الجامع الأزهر الميراث محمد نجيب عوضين الشريعة الإسلامية

مقالات مشابهة

  • هل الصلاة دون خشوع وتركيز صحيحة؟.. أمين الفتوى يجيب
  • هل صلاتي تنفع بدون خشوع وتركيز؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • ما حكم المتكاسل عن الصلاة والذي يصلي ويقطع؟ أمين الفتوى يجيب
  • حكم التكاسل والتقطيع في الصلاة .. أمين الفتوى يجيب |فيديو
  • محمد نجيب عوضين: آيات الميراث التفصيلية نزلت بسبب امرأة
  • أمين عام هيئة كبار العلماء: أنصبة المواريث إلزامية ومن خالفها ضال
  • الفرق بين الريح والرياح في القرآن.. الشيخ الشعراوي يوضح معلومات لا تعرفها
  • المفتي يحذر من تداول نسخة من القرآن الكريم
  • حكم صلاة المرأة في الأماكن العامة.. الأزهر للفتوى يجيب
  • فضل الصدقة على المسلم.. تبارك المال وتطهر القلب