تُعد قضية اللاجئين من أخطر القضايا التي يعرفها المجتمع الدولي المعاصر، وباتت أزمة حقيقية تؤرق العالم في ظل حدة الصراعات والحروب الإقليمية، وتعتبر مصر من الدول الرائدة التي لعبت دورًا تاريخيًا في استضافة اللاجئين الفارين من الاضطهاد والصراعات وتوفير الملاذ الآمن لهم، ومع تزايد أعداد اللاجئين والنازحين نحو الحدود المصرية في الفترة الأخيرة، قامت مصر بوضع إطار قانوني ينظم وجود اللاجئين وطالبي اللجوء على أراضيها، وهو ما يُعرف ب" قانون لجوء الأجانب".

ويجدر بنا ـ بداءة ـ قبل أن نخوض في غمار المسائل المتعلقة بالاطار القانوني والتنظيمي لحقوق اللاجئين والتزاماتهم التي تناولها مشروع قانون لجوء الأجانب، أن ندرك مدى التفرقة بين مفهوم اللاجئ وبين المفاهيم الأخرى ( الهجرة غير الشرعية ـ الإقامة ـ التجنس ـ التوطن) لما تمثله من أهمية عملية في هذا الشأن.

فاللاجئ: كما عرفته المادة الأولى من اتفاقية جنيف 1951 هو " كل شخص يخشى بسبب جدي أن يعذب بالنظر إلى جنسه أو عقيدته أو انتمائه إلى تنظيم اجتماعي معين أو بسبب آرائه السياسية ويوجد خارج الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته ولا يستطيع ولا يريد بالنظر إلى هذه الخشية أن يطالب بحماية دولته"

وقد نصت المادة (91) من الدستور المصري الصادر في عام 2014 على أن " للدولة المصرية أن تمنح حق اللجوء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب أو حقوق الانسان أو السلام أو العدالة، وتسليم اللاجئين السياسيين محظور وذلك كله وفقًا للقانون"

وغالبًا ما تعود أسباب الاضطهاد إلى بواعث سياسية أو دينية أو عرقية ناتجة عن الاختلاف في المعتقدات السياسية والاجتماعية والدينية، كما تعود إلى اختلاف الجنس أو النوع، ويسعى اللاجئون عادة إلى الهروب من دولتهم الأصلية إلى إقليم دولة أخرى يطمئنون إلى التنظيم السياسي القائم فيها ويثقون في قدرته على حمايتهم، ويسمى طلبهم في الإقامة على إقليم هذه الدولة بحق اللجوء، وللدولة المطلوب اللجوء إليها الحق المطلق في قبول أو رفض طلب اللجوء وفقًا لما تقضي به مصالحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وإنطلاقًا مما سبق يختلف المفهوم الدقيق للجوء عن المفاهيم الآتية:

الهجرة غير الشرعية: وهي دخول المُهاجرين طواعية منهم إلى البلاد بدون تأشيرات أو أذونات دخول مسبقة أو لاحقة وقد يلجأ المُهاجرون غير الشرعيين إلى أساليب عديدة للوصول إلى تلك البلدان مثل التعاقد مع شركة التهريب، والتسلل من خلال الحدود والزواج المؤقت أو الزواج الشكلي الذي يهدف إلى الحصول على الإقامة، والبعض الآخر يستخدم الوثائق والجوازات المزورة.

ويكمن وجه التفرقة بين اللاجئين والمُهاجرين، فاللاجئين يغادرون أوطانهم قهرًا وإجبارًا بسبب خطر حقيقي يهدد حياتهم أو حقوقهم بينما يغادر المهاجرون طواعية لتحقيق أهداف شخصية أو اقتصادية.

التجنس: وهي تُمنح بقرار من وزير الداخلية طبقًا لنص المادة (4) من قانون الجنسية رقم 154 لسنة 2004 "لكل أجنبي جعل إقامته العادية في مصر مدة عشر سنوات متتالية على الأقل سابقة على تقديم التجنس متى كان بالغًا سن الرشد وأن يكون ملمًا باللغة العربية، وأن يكون سليم العقل غير مصاب بعاهة تجعلة عالة على المجتمع وأن يكون حسن السير والسلوك محمود السمعة لم يسبق الحكم عليه عقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف ما لم يكن رد إليه اعتباره".

التوطن: استخدم المشرع تعبير الاقامة العادية قي التعريف بالموطن عندما نص في المادة 40 من القانون المدني المصري على أن الموطن هو " المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة، فالتوطن يقوم على عنصرين أساسيين أحدهما مادي ويعني الإقامة في الإقليم، وثانيهما معنوي ومعناه توافر نية الاستقرار، والعلة من أن تكون مدة العشر سنوات سابقة على تقديم طلب التجنس هي التأكد من تحقق اندماج الأجنبي طالب التجنس في الجماعة المصرية بعاداته وتقاليده.

الأقامة العادية: ويصدق هذا الوصف على الأشخاص الطبيعيين الذين يدخلون إلى القطر المصري بغرض السياحة أو الدراسة أو العمل أو الاستشفاء مع ضرورة أن يكون حاملا لجواز سفر صحيح ساري المفعول ومؤشر عليه بالدخول من السلطات المصرية المختصة كما هو منصوص عليه في أحكام القانون رقم 89 لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضي الجمهورية. ومن أجل تخفيف عبء اللجوء الواقع على كاهل الدولة المصرية كان لا بد من التدخل التشريعي وتحديد من هو اللاجي على وجه التحديد.

تتمثل أهم ملامح مشروع قانون لجوء الأجانب الجديد:

في إنشاء "لجنة دائمة لشئون اللاجئين" تكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع رئيس مجلس الوزراء وتكون هي الجهة المعنية بشئون اللاجئين بدلًا من الاعتماد على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويقدم طلب اللجوء للجنة المختصة من طالب اللجوء أو من يمثله قانونًا، وتفصل اللجنة في الطلب خلال ستة أشهر لمن دخل إلى البلاد بطريق مشروع، وخلال سنة بحد أقصى لمن دخل البلاد بغير الطريق المشروع، ويلتزم كل من دخل البلاد بطريق غير مشروع وتتوافر فيه الشروط الموضوعية لطالب اللجوء أن يتقدم طواعية بطلبه إلى اللجنة الدائمة لشئون اللاجئين في موعد أقصاه 45 يوم من تاريخ دخوله، على أن يعاقب المخالف بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد على مائة ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين.

أهم حقوق اللاجئ وفقًا لمشروع القانون الجديد:

الحق في الحصول على وثيقة سفر تصدرها وزارة الداخلية بعد موافقة اللجنة المختصة، الحق في العمل والحصول على الأجر المناسب لقاء عمله، الحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة، الحق في الاشتراك في عضوية الجمعيات الأهلية أو مجالس إدارتها، الحق في العمل لحسابه وتأسيس الشركات، حظر تحميله أي ضرائب أو رسوم أو أي أعباء مالية أخرى، الحرية في الاعتقاد الديني، حظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها، خضوعه في مسائل الأحوال الشخصية بما في ذلك الزواج وآثاره والميراث والوقف لقانون موطنه أو إقامته إذا لم يكن له موطن.

التزامات اللاجئ:

الالتزام باحترام الدستور والقوانين واللوائح المعمول بها داخل القطر المصري، مراعاه قيم المجتمع المصرى واحترام تقاليده، حظر القيام بأي نشاط من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام أو يتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية أو أي منظمة تكون مصر طرفًا فيها، حظر مباشرة أي عمل سياسي أو حزبي.

لا يقبل طلب اللجوء إذا توافرت في طالب اللجوء أسباب جدية لارتكابه جريمة ضد الإنسانية أو السلام أو جريمة حرب أو إذا ارتكب أي أعمال مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة أو إذا كان مدرجًا على قوائم الكيانات الإرهابية داخل جمهورية مصر العربية أو إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام.

في حال رفض طلب اللجوء تطلب اللجنة من الوزارة المختصة إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد ويعلن طالب اللجوء بالقرار

وهذا ليس إلا تطبيقًا لنص المادة (2) من إتفاقية جنيف 1951 " يترتب على كل لاجئ إزاء البلد الذي يوجد فيه واجبات تعرض عليه، خصوصًا أن ينصاع لقوانينه وأنظمته وأن يتقيد بالتدابير المتخذة فيه المحافظة على النظام العام"

وأخيرًا وليس آخرًا ونظرًا لأن العالم يقر بأن للدولة التي تستقبل أعداد كبيرة من اللاجئين الحق في الحصول على المساعدات المالية لكي تواجه الأعباء المالية الباهظة لهؤلاء اللاجئين وذلك من جهتين هما الأمم المتحدة ممثلة بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئي لذا يقترح الباحث أن يتضمن القانون الجديد نصًا يتيح لها الحق أن تعرف حجم ما ستحصل عليه من مساعدات وبالتنسيق مع الجهات المعنية، فإما أن تخول ذاتها حيث تعطى التسهيلات المادية لتتولى هي خلفية احتياجات اللاجئين أو إما من خلال المنظمات ذاتها باعتمادها آليه التنسيق في هذا الشأن.

وذلك تأسيسًا على ما تضمنته ديباجة اتفاقية 1951 عندما عالجت حقوق الدولة المضيفة المالية حيث نصت على أن " وإذ يضعون في اعتبارهم إن منح حق اللجوء قد يلقي أعباء باهظة على عاتق بعض البلدان وأنه من غير الممكن إيجاد حل مرضي لهذه المشكلة التي أقرت الأمم المتحدة بأبعادها وطبيعتها الدوليين إلا بالتعاون الدولي، يعربون عن أملهم أن تبذل جميع الدول إقرار منها بالطابع الإجتماعي والإنساني لمشكلة اللاجئين كل ما في وسعها للجوء دون أن تصبح هذه المشكلة سببًا للتوتر بين الدول"

خلاصة ما تقدم أن الدولة المصرية بموجب قانون لجوء الأجانب تسمح للاجئين بالاندماج المحلي وتعمل على تحقيق التوازن بين ظروف اللاجئين الإنسانية وما تستدعيه من اهتمام وتعاطف من جهة، ومراعاة مصلحة الدولة المصرية في المحافظة على استقرارها سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني من جهة أخرى، بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين الموقعة في جنيف بتاريخ 28 يوليو 1951.

*دكتوراه في القانون الدولي الخاص عضو الجمعية المصرية للقانون الدولي

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مجلس الوزراء الهجرة غير الشرعية مشروع قانون لجوء الأجانب لجوء الأجانب قانون لجوء الأجانب الأمم المتحدة طالب اللجوء طلب اللجوء الحصول على الحق فی أن یکون قانون ا على أن

إقرأ أيضاً:

أبو الغيط يرحب بوقف إطلاق النار في غزة مؤكدا ضرورة الالتزام الدقيق بتنفيذ بنوده


أبو الغيط يرحب بوقف إطلاق النار في غزة
---------------
رحب احمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية باتفاق وقف اطلاق النار في غزة، مقدما الشكر والتقدير للدول التي قامت بالوساطة؛ مصر وقطر والولايات المتحدة.
وقال جمال رشدي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام إن دخول المساعدات بأكبر قدر ممكن إلى غزة في أعقاب دخول الاتفاق حيز النفاذ يمثل الاولوية الأهم في المرحلة الحالية، فضلا عن عودة النازحين لبيوتهم في أسرع وقت خاصة في الشمال.
ونقل المتحدث عن أبو الغيط قوله إن الاتفاق لابد أن يقود لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة بشكل كامل ونهائي، مؤكدا ضرورة الالتزام الدقيق بتنفيذ بنوده في كافة المراحل بما يفضي إلى انسحاب اسرائيلي كامل من القطاع، وحتى حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧.
وشدد أبو الغيط على أن الضفة الغربية وقطاع غزة يمثلان معا إقليم الدولة الفلسطينية المستقبلية، وكل محاولات الفصل بينهما مرفوضة فلسطينيا وعربيا وعالميا، مضيفا أن حل الدولتين يظل المسار الوحيد الذي يضمن عدم تكرار المأساة التي تعرض لها الفلسطينيون والمنطقة خلال الشهور الماضية، وأن تجسيد الدولة الفلسطينية من شأنه ضمان الأمن للشعبين الفلسطيني والاسرائيلي.
وأوضح المتحدث الرسمي إن العمل على إعادة الاعمار لابد أن يبدأ فورا بعد مرحلة الإنعاش المبكر، لا سيما في ضوء الدمار المروع الذي تعرض له القطاع خلال ١٤ شهرا من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت كل مظاهر الحياة فيه.

مقالات مشابهة

  • طرق مراقبة الالتزام باتفاق غزة وضمانات استمراره.. من يلجم مراوغة إسرائيل؟
  • أبو الغيط يرحب بوقف إطلاق النار في غزة مؤكدا ضرورة الالتزام الدقيق بتنفيذ بنوده
  • ممثل مفوضية الأمم المتحدة: مصر احتضنت على مدى عقود ملايين اللاجئين بدون مقابل
  • الرئاسة الفلسطينية: جرائم الاحتلال بالضفة الغربية تهدف إلى إشعال الوضع الداخلي
  • والي الخرطوم يطالب بتطبيق القوانين الدولية تجاه اللاجئين وابعاد الذين حملوا السلاح ضد الدولة والمواطن
  • قانونية الشورى تناقش التعديلات التشريعية لمكافحة الاتجار بالبشر
  • كيف رد السير مجدي يعقوب على دعوات إطلاق اسمه على مطار أسوان الدولي؟
  • السيسي يوجه بتجهيز أفرع الجامعات المصرية وفقا للمعايير العالمية وجاذبة للطلاب الأجانب
  • ارتفاع استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية بـ2 مليار دولار
  • الأجانب يقودون صعود البورصة المصرية بمشتريات تتجاوز 2.5 مليون جنيه