سامي عبد الرؤوف (أبوظبي) 
قدم العرض الرسمي لاحتفال عيد الاتحاد الـ53 الذي أقيم مساء أمس في جبل حفيت بمدينة العين، مزيجاً متقناً يجمع بين التراث والحداثة، وبين الطبيعة والتكنولوجيا، احتفاءً باتحادنا. إنه عرض فريد يلهم كل من يعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة وطناً له للسير على خطى الأجداد الذين تبادلوا المعارف والقيم السامية من جيلٍ إلى آخر على مدى آلاف السنين، ليضمنوا لدولة الإمارات مستقبلاً مشرقاً ومستداماً.


 وشارك في تقديم فقرات العرض 10 آلاف شخص من 81 جنسية، للدلالة على المزيج الوطني المتنوع والمترابط والمجسد لحالة التسامح والتعايش التي تتميز بها دولتنا الحبيبة، واستخدمت الأوركسترا الفيلهارمونية الملكية المكونة من 66 عازفاً، بمشاركة 33 عازفاً إماراتياً، وقد تضمن العرض 7 فقرات ترمز إلى الإمارات السبع التي كونت الاتحاد، واستخدم في جميع فقراته مكونات صديقة للبيئة، وتدل على الاستدامة بمناسبة استمرار عام الاستدامة. 
 ويأخذ الحفل الحضور والمشاهدين والمتابعين، باستكشاف معاً خيوط التواصل التي تجمعنا، وقيمنا الموروثة المشتركة، وتقنياتنا المبتكرة التي تمهد لنا الطريق نحو المستقبل، يتضمن حفل عيد الاتحاد الـ53 قصائد من شعراء قدامى ومعاصرين، ومن الشعراء القدامى: المغفور له الشيخ خليفة بن زايد الأول، والمغفور له الماجدي بن ظاهر، وعوشة بنت خليفة السويدي (المعروفة أيضاً باسم فتاة العرب)، رحمها الله. 
 وتميز العرض باستخدام تقنيات السرد القصصي المبتكرة إضافةً إلى أدواتٍ حديثة، مثل الطائرات من دون طيار، وعروض الضوء والظل، والدعائم المصنوعة من أشجار النخيل التي تتكامل مع جمال الطبيعة المحيطة لتربط بين إبداعات أجدادنا والابتكارات الراهنة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، مما يعكس إرثنا المعرفي المشترك.
 واحتفل العرض هذا العام برحلتنا الجماعية نحو مستقبلٍ أكثر إشراقاً، وتكريم رواد الماضي والحاضر وألهم أصحاب الرؤى المستقبلية، وجسد في كل مكوناته روح اتحادنا، وتبنى الاستدامة والعمل التعاوني، باعتبارهما ركيزة أساسية في تقدمنا.

واتسمت أجواء حفل عيد الاتحاد الـ53، بالأجواء الشتوية الجميلة التي تتميز بها مدينة العين وعلى وجه التحديد جبل حفيت، وأيضاً اتسم بالعودة إلى زمن الأجداد الذين سطروا قصصهم على مدى آلاف السنين على هذه الأرض، تحت ذات السماء. نتتبع مسارات الرحلة عبر العصور، فنبدأ من إرث الأجداد، وصولاً إلى اتحادنا التاريخي، وقيام دولتنا، دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ترسخ مكانتها اليوم منارة للابتكار والذكاء الاصطناعي.
وتشبه منصة الحفل سلسلة جبال لتندمج مع جبل حفيت من خلفها دون المساس بالبيئة الطبيعية، ويعد مسرح هذه السنة هو الأضخم من بين المسارح التي بُنيت للحفل الرسمي على مدى السنوات الماضية من حيث مساحة البناء، كما تم استخدام تقنية الإسقاط الضوئي لتحقيق المؤثرات البصرية لمراحل الجبال.
حملت الفقرة الأولى من العرض، عنوان: «نجم الثريا»، تلك النجوم التي تلمع في فضاء الكون، التي تُراقبنا بصمتٍ عبر الأزمنة والأحقاب، كالحارس الأمين، الذي ينور دروبنا، ودليل الرحالة وإلهام الشعراء، ورمز تتابع الفصول التي تعكس عبق التاريخ في كل ومضة. 
ولقد لعبت الثريا دوراً حيوياً في نظام «الدرون» الذي استخدمه أجدادنا لمعرفة الطقس وتوقع الفصول. فكلما ظهرت في شهر مايو عرفوا أن فصل الصيف قد جاء، ومتى ما اختفت في شهر نوفمبر وغابت عن سمائهم أدركوا أن نهاية الموسم قد حانت.

بينما جاءت الفقرة الثانية، لتكون بعنوان: «على مر الأزمان»، لتحكي عندما يمر بنا الزمن أعواماً وقروناً، ومع تغير الحضارات وتبدل الأحوال، يبقى نمونا وتطورنا متواصلاً، حيث ازدهرت معارفنا، أصبحنا نعرف فنوناً جديدةً ونستخدم أدواتٍ لم نعتدها من قبل. ولقد قاد التطور الإمارات إلى اللحظة الفارقة حين أنشأنا أول فلج للاستفادة من الماء، فحولنا الأرض إلى واحةٍ خضراء تجذب المسافرين وترحب بالعابرين. 
وسردت هذه الفقرة، الفترات الرئيسية في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي 6 عصور، تضم فترة جبل حفيت 3000 - 2500 قبل الميلاد، وفترة أم النار 2500 - 2000 قبل الميلاد، ثم فترة وادي سوق 2000 - 1300 قبل الميلاد، بعدها العصر الحديدي 1300 - 300 قبل الميلاد، تلاها فترة ما قبل الإسلام 300 قبل الميلاد - العصر الإسلامي الكلاسيكي 600 - 1600، ومن ثم العصر الإسلامي 1600 - 1950. وفي هذا المشهد، نرى تمثيلات لكل فترة في تاريخ الإمارات وإنجازاتها وابتكاراتها المهمة. يجسد هذا المشهد مرور الزمن وانتقال المعارف.
أما الفقرة الثالثة، فكانت «أثر الأولين»، لتستقبل الإمارات زوارها من كل حدبٍ وصوبٍ، من الجبال الشامخة والسواحل الهادئة والصحاري القريبة، ومعهم نتبادل المعارف ونصون بعضنا البعض. 
وركزت هذه الفقرة على نخلتنا المباركة، هذه الشجرة الكريمة التي ما بخلت علينا قَط، كل جزء منها يدعمنا، ويمنحنا سبباً للحياة، فمعاً، ننسج مجتمعات تنمو وتزدهر في كل الأنحاء، وتبقى النخلة رمزاً يجمعنا ويوحدنا.

ولطالما اعتمد أجدادنا على شجرة النخيل وثمارها، فقد كان التمر ولا يزال مصدراً غنياً من مصادر الغذاء، كما وفرت الأجزاء الأخرى، منها مواد خام مستدامة، استُخدمت لبناء العريش وصنع الأدوات المنزلية المتنوعة، مثل أدوات المائدة ومعدات التنظيف ولأغراض الزينة. وتضمنت هذه الفقرة جِمالاً حقيقية تجسد التجارة بين القبائل المختلفة في جميع أنحاء الإمارات، وتشكل النخلة الركيزة الأساسية لهذه التجارة.
ثم جاءت الفقرة الرابعة التي سميت «تحت ظل النخل»، لتروي قصة مستقبل هذه الأرض بيدِ هذا الشاب اليافع «الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه»، مستعيناً بقيم الشجاعة والصبر والتسامح التي ورثها عن والدته، الشيخة سلامة بنت بطي القبيسي. وقد ظلت دروس والدته وقيمها حاضرة معه بعد أن أصبح قائداً يتعلم منه الآخرون، ليستزيد منها على يديه الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة العين، فيما بعد، لتكون سلسلة متصلة من المعارف والقيم المتبادلة، نتوارثها جيلاً بعد جيل، حتى أصبحت منهاجاً نتبعه لتنمية وطننا وتطويره.  وبعد وفاة والده في عام 1926، انتقل الشيخ زايد وهو طفل صغير مع والدته إلى مدينة العين، ليشغل فيما بعد منصب ممثل الحاكم في منطقة العين، من عام 1946 حتى 1966، ليصبح بعدها حاكماً لإمارة أبوظبي.
يجسد ظل الشيخة سلامة بنت بطي القبيسي استمرار دروسها في توجيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على مر السنين.

أخبار ذات صلة الشيخة فاطمة تشهد الاحتفال الرسمي بعيد الاتحاد  في مدينة العين احتفال شعبي وفعاليات متنوعة في منطقة الحلّاه بالفجيرة عيد الاتحاد تابع التغطية كاملة

وتتضمن هذه الفقرة، تكريماً للمغفور له الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، الذي تولى منصب ممثل الحاكم في منطقة العين عام 1971، واستمر في هذا المنصب حتى وفاته في 1 مايو 2024.
بعد ذلك، قدم العرض، فقرة «ازدهارنا بالاتحاد»، التي أكدت أن اتحادنا هو ثمرة كل المبادرات والابتكارات الذكية، والمعارف والتجارب المتبادلة التي غرسها ورعاها أجدادنا عبر عصورٍ طويلة. استجاب المؤسسون من مختلف أنحاء الإمارات لدعوات الشيخ زايد. 
وقد تلاقت رؤى الإباء المؤسسين واتفقت، فكان التوقيع على ميثاق الاتحاد في 18 يوليو 1971، ثم في الثاني من ديسمبر من العام نفسه، أصبحوا دولة واحدة. وبعدها بسنوات قلائل، في عام 1976، اجتمعت جيوش الإمارات السبع لتكون جيشاً واحداً، مُشكلةً القوات المسلحة الإماراتية، جيشاً قوياً يدافع عن دولتنا ويذود عن حِماها. يتحلى بالرحمة والتعاطف، ويمد يد العون لكل محتاج.
وأشارت إلى أنه في 18 يوليو 1971، وقع مؤسسو دولة الإمارات العربية المتحدة على إعلان الاتحاد ودستور الدولة الذي وحد كل الإمارات في 2 ديسمبر 1971. في هذه الفقرة، نسمع صوت معالي أحمد خليفة السويدي (والذي شغل منصب الممثل الشخصي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة)، وهو يقرأ إعلان الاتحاد للمرة الأولى في 2 ديسمبر 1971. كما نستمع أيضاً لاقتباس من الشيخ زايد، طيب الله ثراه: «هذا الوطن يتطلب أن يكون فيه جند قوي العزيمة.. يفهم ما هو عليه.. في الحاضر والمستقبل».

تلى ذلك، فقرة «أرث الحاضر»، والتي ذكرت أن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تعرف للابتكار حدوداً، فمثلما أبدع أجدادنا في الماضي وابتكروا أدواتٍ أسهمت في ازدهار الأرض واستدامتها، ها نحن اليوم نواصل مسيرة الإبداع والتميز، ونمضي بخطى واثقة نحو مستقبلٍ مستدام، نستلهم فيه جذورنا ونسير على خطى أجدادنا، نرعى أرضنا ونصونها، ونشجع التطور لنحول دولة الإمارات إلى مركزٍ للابتكار، ووجهةٍ رائدةٍ في أبحاث الذكاء الاصطناعي.
ولقد خَطَت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات واسعة نحو الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، ولتحقيق هذا الهدف وضعت الدولة الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031، إلى جانب إنشاء العديد من مراكز الأبحاث والمؤسسات والشركات الناشئة المتخصصة في هذا المجال.
يذكرنا هذا الجانب من العرض، بأنه بينما ننمو ونبتكر، يجب علينا أيضاً أن نعتني بطبيعتنا ونحافظ على سلامتها، حيث سلط العرض الضوء على عدة مشاريع بيئية مبتكرة في دولة الإمارات، بما في ذلك مشروع طباعة الشعاب المرجانية بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، مما يحقق معدلات عالية لاستعادة الشعاب في أعماق البحار، ومشروع ميد 42، وسبيس 42. كما عرض ابتكار هو عبارة عن روبوت على هيئة سمكة تجمع البيانات من البحر وترسلها إلى أجهزة حاسوب تعمل بالذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى مشروع استخدام البيولوجيا والهندسة لتحويل الموارد المهدرة إلى حلول قابلة للتوسع لإزالة الكربون والزراعة المستدامة.

كما تم عرض مشروع استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم تشخيص الحالات الصحية، وتحسين حياة أفراد مجتمعنا، بالإضافة إلى مشروع الأقمار الصناعية الذكية التي تقدم بيانات دقيقة عن الأحوال الجوية على كوكب الأرض لمعالجة التحديات العالمية.
زين العرض، فقرته السابعة التي كانت عبارة عن فن الحربية، للاحتفاء بما حقّقناه من نموٍّ وتطور، ونعزز المعرفة والقيم التي ورثناها عبر العصور ممن سبقونا على مدى آلاف السنين، لنبني على هذا الأساس المتين، ونغرس في نفوس الأجيال القادمة الشغف بموروثنا العريق، وأهمية صَونه والمحافظة عليه. وفن الحربية من الفنون التقليدية الإماراتية المتجذرة في الثقافة البدوية، وكانت من العروض المفضّلة لدى المغفور له الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان. تنطوي هذه الرقصة الإيقاعية على حركات متزامنة بالسيوف، وهي تحتفي بوحدتنا وصمودنا.
وشكلت الطائرات من دون طيار شكل نخلة يتساقط الرطب منها - باستخدام شرارات ملونة - إلى سلال يحملها أطفال الإمارات، وتُعد هذه الوسيلة أكثر استدامة للاحتفال تزامناً مع عام الاستدامة.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الحكام منصور بن زايد رئيس الدولة عيد الاتحاد زايد بن سلطان الثاني من ديسمبر الإمارات الشيوخ محمد بن راشد احتفالات عيد الاتحاد محمد بن زايد دولة الإمارات العربیة المتحدة الذکاء الاصطناعی عید الاتحاد قبل المیلاد هذه الفقرة الشیخ زاید آل نهیان فی منطقة جبل حفیت على مدى

إقرأ أيضاً:

الإمارات صوت الحكمة دعماً للشعب السوداني

أحمد مراد وشعبان بلال (أبوظبي)
مع كل أزمة تعصف بالسودان الشقيق، تسارع الإمارات للعب دور دبلوماسي محوري، من أجل سلام واستقرار الشعب السوداني، وبقائه بعيداً عن أيادي العبث التي تسعى لإغراقه في دوامة صراعات تأتي على مقدرات السودان، وترهق شعبه التواق للسلام والعيش الكريم.
ومنذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023، قدمت الدولة مقترحات ومبادرات عدة على مختلف الصعد دولياً وعربياً وأفريقياً، تهدف من خلالها لعودة السلام والاستقرار من أجل الشعب السوداني الشقيق. وشددت الإمارات، عبر المنصات كافة وفي المحافل الدولية، على ضرورة وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة، كما أكدت مراراً وتكراراً على موقفها من دعم إيجاد حل سلمي لإنهاء الصراع، خلال اجتماعات مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن والسلام للاتحاد الأفريقي.
 وأكد خبراء ومحللون على أهمية الدور الدبلوماسي الذي تلعبه دولة الإمارات للتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السودانية، مشيدين بالدعم الذي قدمته الدولة لمحادثات السلام التي استضافتها مدينة جدة السعودية، بحضور طرفي النزاع.
وثمن الخبراء والمحللون، في تصريحات لـ«الاتحاد»، المبادرات الإماراتية الرامية لإرساء السلام والاستقرار في السودان، ما تجسد في جهود دؤوبة لوقف إطلاق النار، والعودة إلى طاولة الحوار، وحماية المدنيين.
وأكدوا أن الإمارات تقدم نموذجاً يُحتذى به في التعامل مع الأزمة السودانية، يجمع بين الجهود السياسية والدبلوماسية، والتدخل الإنساني الإغاثي، والعمل البنّاء ضمن أطر جماعية.
منصات دولية
فور اندلاع النزاع في السودان، خلال أبريل 2023، سارعت دولة الإمارات إلى إصدار بيان طالبت فيه الأطراف المتنازعة بالتهدئة، وخفض التصعيد، والعمل على إنهاء الأزمة بالحوار والتفاوض.
وعلى مدى عامين، شاركت الإمارات بفاعلية في غالبية الجهود الإقليمية والدولية الرامية لإنهاء الأزمة السودانية دبلوماسياً وسياسياً، ما أسهم في إنشاء منصة دولية باسم «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان» (ALPS)، وتضم في عضويتها الإمارات والسعودية والولايات المتحدة ومصر وسويسرا والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وبدأت اجتماعاتها في سويسرا خلال أغسطس من العام الماضي.
وكانت الإمارات و14 دولة أخرى قد أصدرت في يوليو الماضي بياناً حذرت فيه من التأثيرات الوخيمة للوضع المتدهور على سلامة المدنيين، وتفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في السودان.

وفي الإطار نفسه، دعت الإمارات، في رسالة لمجلس الأمن الدولي، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب حدوث مجاعة وشيكة في السودان، وأكدت دعمها لجميع المبادرات الرامية لتحقيق وقف إطلاق النار، والعودة إلى حكومة شرعية تمثل جميع فئات الشعب السوداني.
محادثات سلام
أوضح أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي، الدكتور هيثم عمران، أن دولة الإمارات تلعب دوراً بارزاً ومتعدد الأبعاد لإحلال السلام في السودان، يجمع بين الجهود السياسية والدبلوماسية والإنسانية، في محاولة جادة لإرساء الاستقرار وإنهاء النزاع.
وقال عمران، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن دولة الإمارات تُعد فاعلاً إقليمياً ودولياً مهماً. وفي هذا الإطار، تسعى منذ سنوات إلى تعزيز مكانتها كوسيط نزيه ومؤثر، خصوصاً في الأزمات التي تمس الأمن القومي العربي. 
وأضاف أنه في حالة السودان، تتبنى الإمارات سياسة قائمة على الحياد البنّاء، إذ إنها تدعم التهدئة دون فرض أجندات، ما يجعلها تحظى بتقدير إقليمي ودولي.
وذكر عمران أن الإمارات شاركت بشكل مؤثر في دعم محادثات السلام في مدينة جدة، والتي قادتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لإنهاء الأزمة السودانية، مع تأكيدها على ضرورة وقف إطلاق النار، والعودة إلى طاولة الحوار، وحماية المدنيين.
وفي الإطار نفسه، دعمت الإمارات الجهود الدبلوماسية التي قادتها تركيا لإيجاد حل للأزمة السودانية، معربة عن استعدادها للتعاون والتنسيق مع الجهود التركية لإنهاء الصراع.
وشددت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان، على موقف دولة الإمارات الواضح والراسخ تجاه الأزمة في السودان، إذ إن تركيزها الأساسي انصب ولا يزال على الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار، ووقف الاقتتال الداخلي في أقرب وقت، ومعالجة الأزمة الإنسانية من خلال تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل للشعب السوداني.
وطالبت «الخارجية» الإماراتية أطراف النزاع باحترام التزاماتهم وفق إعلان جدة، ووفق آليات منصة «متحالفون لتعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان» (ALPS)، مشددة على أهمية الحوار والتفاوض كسبيل وحيد لإنهاء الصراع، وتأمين عملية سياسية، وإجماع وطني نحو حكومة بقيادة مدنية.
قوة ناعمة
أكد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي أن الجهود السياسية والدبلوماسية التي تبذلها الإمارات لإنهاء الأزمة السودانية سلمياً لم تنحصر في المسار الخليجي أو الدولي فقط، حيث دعمت أيضاً جهود الاتحاد الأفريقي، ومنظمة «الإيغاد»، والجامعة العربية، وعملت على التوصل لتسوية سياسية تُبقي السودان موحداً، وتمنع انزلاقه نحو الفوضى الشاملة.
وأشار عمران إلى أن الإمارات تسعى لتعزيز صورتها كقوة ناعمة تجمع بين الدبلوماسية، والمساعدات الإنسانية، والاستثمار في التنمية، مؤكداً أنها تتعامل مع الملف السوداني من منطلق هذا التوجه الأوسع.
وخلال بيانها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79 التي عُقدت خلال سبتمبر الماضي، حثت الإمارات الأطراف المتنازعة في السودان على وقف القتال بشكلٍ فوري ودائم، والسماح بدخول المساعدات عبر الحدود وخطوط النزاع بشكل مستدام ودون عوائق.
وشددت على عملها مع الشركاء الإقليميين والدوليين لرفع المعاناة عن الشعب السوداني الشقيق من أجل حياة أكثر أماناً وازدهاراً.
وشارك معالي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة، في الاجتماع الوزاري تحت شعار «متحدون من أجل السلام في السودان» الذي ضم ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأقيم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكداً التزام دولة الإمارات بدعم مبادرات السلام، وبذل الجهود للعودة إلى مسار العملية السياسية للتوصل إلى تسوية دائمة للأزمة السودانية.
آليات دبلوماسية
من جانبه، شدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، نبيل ميخائيل، على أن مواقف دولة الإمارات راسخة في حل الخلافات العربية سلمياً عبر الآليات السياسية والدبلوماسية، مؤكداً أن الإمارات تسهم بصورة كبيرة في التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السودانية، مع التركيز على خطط تنموية لإعادة إعمار السودان.
وذكر ميخائيل، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات تقوم دائماً بمساعدة أي دولة تحتاج للمعونة، وهو ما يتضح جلياً في دعمها الإنساني المتواصل للفلسطينيين في قطاع غزة. وفي الإطار ذاته، تقدم مساعدات كبيرة لمئات الآلاف من السودانيين النازحين واللاجئين، وتسهم بسخاء في المؤتمرات الدولية المعنية بإعادة إعمار السودان.
وأوضح أن الإمارات تقدم نموذجاً يُحتذى به في التعامل مع الأزمة السودانية، يجمع بين الجهود السياسية والدبلوماسية، والتدخل الإنساني السريع، والعمل البنّاء ضمن أطر جماعية، ما يمنحها موقعاً متقدماً في جهود إحلال السلام في السودان، ويعزز صورتها كقوة مسؤولة على المستويين الإقليمي والدولي.
وكانت الإمارات قد شاركت في قمة دول حركة عدم الانحياز في العاصمة الأوغندية «كامبالا» في يناير الماضي، وأكدت خلالها دعمها للجهود المبذولة للتهدئة، وخفض التصعيد في السودان.

أخبار ذات صلة الإمارات تجدد التزامها بالتعاون متعدد الأطراف «يونيفيل»: وقف إطلاق النار في لبنان يتطلب مساراً سياسياً

وفي يناير الماضي، دعا بيان مشترك صادر عن الإمارات ونيوزيلندا إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وتسهيل الوصول الإنساني الآمن والسريع دون عراقيل، والانخراط في محادثات السلام، والعمل على تشكيل حكومة مدنية تلبي تطلعات الشعب السوداني.
وأصدرت الإمارات، في 26 يناير الماضي، بياناً جددت فيه موقفها الداعي للتوصل إلى حل سلمي للصراع، وضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وعدم استهداف المدنيين والمؤسسات المدنية، وحماية المرافق والمؤسسات الطبية والعاملين في القطاع الصحي، مؤكدة أهمية العمل الجماعي من أجل تحقيق السلام والاستقرار في السودان.
مبادرات وساطة 
تحرص دولة الإمارات على نشر مبادئ السلام إقليماً ودولياً، عبر إطلاق العديد من مبادرات الوساطة لإنهاء النزاعات والخلافات بين الأطراف المتنازعة سلمياً، وعلى مائدة المفاوضات، وعبر الحوار الدبلوماسي الجاد والهادئ، بعيداً عن أصوات الرصاص والقنابل والمدافع.
وفي هذا السياق، تساند الإمارات تطلعات الشعب السوداني نحو تحقيق السلام والاستقرار، والوصول بالسودان إلى بر الأمان، عبر حزمة مبادرات سياسية ودبلوماسية تؤدي إلى الانتقال السياسي السلمي في إطار من التوافق والوحدة الوطنية.
وكانت الإمارات قد لعبت منذ سنوات عدة دوراً محورياً في تحقيق التوافق بين الحكومة الانتقالية في السودان وبعض الحركات الأخرى، ما أسفر عن توقيع اتفاق سلام بين الجانبين أنهى سنوات من الصراعات المسلحة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
وفي أكتوبر 2020، جرت في عاصمة جنوب السودان «جوبا» مراسم التوقيع على اتفاق سلام مع مجموعات رئيسية في إقليم دارفور، وتضمن الاتفاق 6 بروكوتولات، من بينها تقاسم السلطة، والترتيبات الأمنية، وتقاسم الثروة.
وعملت الإمارات على إنجاز هذا الاتفاق، حرصاً منها على ترسيخ السلام في السودان، ما يحقق تطلعات الشعب السوداني نحو السلام والاستقرار، ويعود بالخير والمنفعة على المنطقة بأسرها.
جهود تنموية
يتزامن الدور السياسي والدبلوماسي الفاعل الذي تلعبه الإمارات لإيجاد حلول سلمية للأزمة السودانية مع دور إنساني متواصل لنقل المساعدات الغذائية والطبية لملايين السودانيين، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، مثل برنامج الأغذية العالمي، و«اليونيسف»، ومفوضية اللاجئين، وذلك لضمان توزيع المساعدات بطريقة عادلة وآمنة، وتقديم الدعم اللوجستي.
ولا تقتصر المساعدات الإماراتية على المجالات الإغاثية، بل تمتد أيضاً إلى دعم مشروعات تنموية في المناطق الهادئة نسبياً لتعزيز صمود المجتمعات المحلية، من خلال بناء مدارس ميدانية، وتأمين مصادر مياه نظيفة، وتوفير سبل العيش المؤقتة.
مكانة عالمية
قالت الباحثة في الشؤون الدولية، إيرينا تسوكرمان، إن الإمارات تبذل جهود رائدة لإحلال السلام والاستقرار في السودان، وغيرها من البلدان التي تشهد صراعات مسلحة، ما يجعل الدبلوماسية الإماراتية تحظى بمكانة عالمية مرموقة، في ظل التزامها بترسيخ آليات الحوار والحلول السلمية للأزمات والنزاعات الإقليمية والدولية. وأضافت تسوكرمان، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات حرصت، منذ بداية الأزمة السودانية، على المشاركة في جميع المبادرات والجهود الإقليمية والدولية التي تستهدف وقف الحرب، مؤكدة أن إحلال السلام في السودان بات ضرورة ملحة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية.
وأوضحت أن تحقيق السلام في السودان يُعد أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للبنية الأمنية الأوسع في شمال وشرق أفريقيا، مشيرة إلى أن النظر إلى السلام كغاية أخلاقية أو إنسانية ليس إلا نصف الحقيقة، أما المنظور الأشمل فهو أن السلام شرط أساسي لأي شرعية سياسية مستدامة، ونمو اقتصادي، وأمن وطني طويل الأمد.

مقالات مشابهة

  • الإمارات صوت الحكمة دعماً للشعب السوداني
  • الإمارات تكشف عن جناحها في «إكسبو 2025 أوساكا – كانساي»
  • باحثان مغربيان يتوجان بجائزة الشيخ زايد للكتاب
  • باحثان مغربيان يفوزان بجائزة الشيخ زايد للكتاب
  • بدور العرض قريبا.. تركي آل الشيخ يروج لفيلم أحمد وأحمد
  • نيجيرفان بارزاني يلتقي رئيس دولة الإمارات (صور)
  • من درس وفهم تاريخنا سيستغرب من مزاعم عبدالرحيم طاحونة
  • 15 مليون عملية تثبيت لتطبيقات تداول العملات المشفرة في الإمارات
  • يجب استهداف الأماكن التي تنطلق منها المسيّرات المعادية في أي دولة كانت
  • الإمارات تحتفي غداً بـ يوم الصحة العالمي