شهد لها الكثيرون بالنجاح، ربما عضد من شهادتهم تلك قدرة القائمين عليه على تخطي عقبات التأجيل وتجنب أزمة الإلغاء التي كان قاب قوسين أو أدنى منها، والأهم أنه بينما يصارع هذا وذاك، كان اختيار عروس الصعيد المنيا لتكون ذلك الجبل الذي يأوي إليه من الغرق، ولينطلق مؤتمر أدباء مصر في دورته السادسة والثلاثين معلنا أن الرغبة في النجاح كثيرا ما تكون أقوى من محاولات العرقلة مهما كثرت.

كثيرة هي النقاط التي تميز مؤتمر هذا العام عن غيره في دورات فائتة، وعديدة هي النقاط التي أثرناها في حوارنا مع الشاعر الكبير الدكتور مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية.

بداية أردت أن أتعرف منه على تلك الاختلافات في تلك الدورة التي تحتضنها محافظة المنيا، وبين الدورات السابقة، فقال:

المختلف في تلك الدورة عن الدورات الماضية عدة أمور، أولها أن المؤتمر قد شهد ظروفا خاصة، الانتقال به من محافظة لأخرى والاضطرار لتأجيله عدة أيام، بعد تأهلنا تماما لإقامته بالاسماعيلية، كلها إشكاليات لم تحد من انطلاقه، 
نحن لدينا طاقات ممتازة استطعنا من خلالها إنجاز كتب المؤتمر، والجديد فيها هو إصدار كتاب توثيقي عن كل دورة، فالدورة الماضية أصدرنا كتابا عن ذاكرة أدباء مصر، على مدى ٣٥ دورة، ضم الأبحاث المقدمة لكل دورة ومكرميها وتوصياتها، أما هذا العام فقد أنجزنا ببلوجرافيا النشر الإقليمي، عبر ربع قرن، وهو مجهود كبير أن نرصد عناوين الكتب ومؤلفيها وانتماءاتهم الجغرافية، والترتيب الموضوعي، لأن ذلك سيمنحنا قراءة جيدة ودقيقة للمنتج الإبداعي لكل محافظة خلال ربع قرن، ومميزات كل محافظة عن غيرها.

ويتابع د.شومان: الأمر الثاني المختلف في تلك الدورة هو أننا نقدم فيلما عن كل ما تتميز به المحافظة، بمصاحبة أغنية كتبت كلماتها في السابق، فقد وضعت لكل محافظة أغنية خاصة بها، وأما أغنية دورة هذا العام والخاصة بمحافظة المنيا فقد لحنها عبدالله رجال، وقدمتها على المسرح في حفل الافتتاح فرقة المنيا مع المخرج أسامة عبدالرؤوف.
ثم قدمنا الفيلم التوثيقي عن تاريخ المؤتمر بمكرميه وامنائه ورؤسائه.
ثالث تلك الأمور أننا نعقد المؤتمر بالتعاون مع الجامعة، ربما قابلتنا بعض المعوقات التي سببها الاختلاف بين سياسة الجامعة والهيئة، إلا أن الجميع كان متعاونا، ولأول مرة يضم حفل الافتتاح كل هذا العدد من الحضور.

وعن قرار وزير الثقافة بإعلان المنيا عاصمة للثقافة المصرية عام ٢٠٢٥، يقول شومان إنه يجعلنا نضع خريطة كبيرة لأنشطة العام المقبل، فستكون الأنشطة كثيفة جدا وذات زخم، سواء المشاريع القومية الثقافية أو الأنشطة النوعية مثل: مواهبنا مستقبلنا، مصر جميلة، أو المؤتمرات النوعية لذوي الهمم، وسيتم رسم الخريطة الثقافية للمنيا على مستوى جغرافيا المنيا مع إدارات مركزية أخرى مثل الشئون الفنية والثقافية وإدارات البحوث، إذن سيكون لدى المنيا نشاط ثقافي يوميا على مدار عام ٢٠٢٥.سألته: هل للمؤتمر القدرة على الوصول للجمهور وخاصة الشباب بعيدا عن الحضور المعتاد والتقليدي، أتحدث هنا عن مدى أثر المؤتمر وتحقيقه لأهدافه بعد انتهائه؟.

فأجابني: بالنسبة لي أحب كثيرا عبارة الأبنودي، حين قال: إذا مش نازلين للناس فبلاش .
إذن فمن المهم بمكان أن تنزل الثقافة للناس، ذلك أن المؤتمرات النخبوية لا تفيد على الإطلاق، فالمناقشات في غرف مغلقة لا تؤتي أكلها.
لذلك كان التعاون مع الجامعة لعقد فعاليات المؤتمر في قاعاتها، 
لتكون فرصة لحضور طلاب وأساتذة الجامعة، فالأجواء الأكاديمية مع أجواء المثقفين قد تصنع نوعا من الحراك، كما أن الأكاديميين يتعاطون النقد مع المبدعين في قصور الثقافة ونوادي الأدب.

ومن مظاهر محاولتنا للنزول للشارع، فقد قدمنا السنوات الماضية السيرة الهلالية في المقاهي، فأقمنا ما أسميناه "لقاء في مقهى"، استضفنا من خلاله عفيفي مطر ومحمد مستجاب على مقاهٍ.
أما في مؤتمر هذا العام فقد خرجنا لأماكن أخرى وانتقلنا من أماكن الجلسات إلى أماكن أخرى مثل مغاغة وسمالوط وتونة الجبل، فالحراك هنا كونك لست حبيسا بين القاعات.

وعن دور المثقف في ذلك الحراك وكيف يكون مثقفا فاعلا، قال رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية :

إن الثقافة إن لم تتحول لفعل وأثر فلا قيمة للمثقف، فالمثقف يجب أن يكون مثقفا عضويا، ينزل للناس ويتوجه اليهم، لأن ذلك الحراك لابد أن يكون مؤثرا، خاصة أن لدينا موجات عارمة من الجهل مع تدني مصادر الثقافة التي صارت الآن تعتمد تماما على السوشيال ميديا، وهي ليست صادقة في معظمها، وبالتالي فإن هناك مشكلة في تلقي المعلومة، وموضوع مثل أدب العبور والأمن الثقافي عندما يتم عرضه بشكل مبسط، مع عرض الأفلام وغيرها، كل ذلك قد يصنع حراكا وأثرا فارقا. 
 

أما دور هيئة قصور الثقافة في ذلك الحراك، فيقول د.مسعود شومان عنه: 

نحن كثقافة جماهيرية منتشرون في كل ربوع مصر، وأنشطتنا جميعا تتعلق بالجغرافيا الثقافية، وأرى أنه إن لم يكن المسئول الأول في أي مؤسسة ثقافية ومن معه من قيادات يدركون معنى الرؤية الأنثربولوجية التي تراعي ثقافة المجتمع المحيط أثناء تقديم الأنشطة الثقافية، فما يتناسب مع محافظة القاهرة مثلا لا يمكن تقديمه كما هو في محافظة أخرى، فلكل مكان طبيعته وعاداته وتقاليده ونوع النشاط الذي يتقبله سكانه.
 

وأخيرا لم يكن بد من طرح سؤال راودني كثيرا خلال عقد تلك الدورة، وهو: بعد نجاح الدورة السادسة والثلاثين لمؤتمر أدباء مصر بمحافظة المنيا، هل ترى أن هناك سلبيات لابد من تداركها مستقبلا؟


ليجيبني د.مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية قائلا: المؤتمر بحاجة لتعديلات جذرية، فلابد من النظر في لوائحه، لأن حضور المؤتمر هذه الأعداد الكبيرة يكون عبئا في التحرك والحضور والتسكين، إذن لابد أن يتم اختيار الأدباء الذين يشاركون فيه بدقة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مؤتمر أدباء مصر مسعود شومان محافظة المنيا حوار الدورة ٣٦ مسعود شومان تلک الدورة هذا العام د شومان

إقرأ أيضاً:

الهوية الثقافية في ظل المتغيرات

لكل شعب من الشعوب هويته الثقافية الخاصة به والتي يفتخر بها ويعمل على الحفاظ على أصالتها وتميزها، وربما في بعض الثقافات المنفتحة تعمل على غرسها في الشعوب الأخرى؛ لكي تؤكد قبول واتساع هذه الثقافة بالإضافة إلى السعي للسيطرة والتغيير، والثقافة كما عرفها إدوارد تايلور في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي (الكل المركب والمعقد الذي يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع).

حدد إدوارد تايلور المفردات اللامادية غير المحسوسة في حياة البشرية مثل الأخلاق والأعراف وغيرها، وهذه تنشأ كما يحللها علماء الاجتماع نتيجة التفاعل الاجتماعي أو الاحتكاك الاجتماعي بين الأفراد أو الجماعات وهذا التفاعل أو الاحتكاك يُنتج عادات وسلوك وثقافة معينة وتصبح نمطاً من أنماط حياة الشعوب تٌمارس بشكل دائم أو مؤقت، لذلك أن نظرة العالم اليوم تجاه الهوية الثقافة تغيرت عن الماضي نتيجة لأن العالم في حال متغير بشكل سريع وهائل وأصبحت الهوية الثقافية يتحكم فيها متغيرات خارجية بطمسها أو تكريسها أو الرقي بها كما يظن بعضهم.

وهنا تساؤل مهم : هل يظن بعضهم أن هذه المتغيرات عندما تأكل في جسد الهوية الثقافية تقدم لنا حياة راقية؟
أن هذه الحياة الراقية والوصول إلى قمتها على حساب الهوية الثقافية من خلال ذلك الوهم الذي يعيشه الكثير من الناس أصبحت صيغة أعجمية براقة تسعى لطمس الهوية الثقافية ويمكن الرد عليهم بأن الثقافة العربية والإسلامية من أجمل وأسمى الثقافات العالمية وتعيش في أي زمان ومكان، ولأنها ثقافة بقيت صامدة كالجبل أمام الكثير من التيارات سواءً التيارات العسكرية أو الفكرية أو الثقافية التي اجتاحت العالم العربي والإسلامي في العصور الماضية.
إن معرفة هذه المتغيرات وتحليلها أمر في غاية الأهمية ، ولكن إذا كُشف الستار عن من يقود هذه المتغيرات التي تسعى لطمس الهوية الثقافية ولذلك فأنه من ذات الأهمية بمكان الكشف عن المستفيدين من طمس الهوية الثقافية وخصوصاً عندما أصبح الغزو الثقافي ذراع مهم للسيطرة والتغيير .

لقد درج في الواقع الثقافي العالمي مصطلح (إصلاح الثقافات) لأن هذه الثقافات ثقافات بائدة لا تتفق مع اتجاهات دعاة التغيير ولا تتوافق مع نظام ثقافي متطور – كما يعتقدون – ولهذا السبب فأن الكثير من البشرية أصبحت نظرتها واعية لمحيطها الثقافي وأصبحت بعض المجتمعات تأخذ كل ما يتوافق معها وتنبذ كل ما يتعارض مع ثقافتها ، وعملت بعض الدول للحفاظ على هويتها الثقافية من متغيرات العصر حيث كلفت في هذا الجانب المؤسسات الثقافية لوضع برامج وقائية لحماية هويتها الثقافية من كل عارض يشكل خطر جسيم .

أن المحافظة على الهوية الثقافية يأتي من المهام الأساسية للمجتمعات ثم دور المؤسسات الثقافية والتعليمية للحفاظ على الأجيال القادمة من خطر الانسلاخ الثقافي حتى يتعامل الأجيال مع جميع الأخطار التي قد تمس هويتهم الثقافية بالشكل الوقائي الصحيح .

مقالات مشابهة

  • مسعود سليمان يناقش آليات دعم رفع معدلات الإنتاج في شركة الخليج العربي للنفط
  • جواد ظريف يستقيل من منصبه مساعدًا للرئيس الإيراني
  • مسابقة ” المهارات الثقافية ” بوابة الإبداع في صنع الثقافة والفنون
  • رحلة بحرية تتحول إلى كابوس ينتهي بإصابة 16 شخصا .. فيديو
  • الهوية الثقافية في ظل المتغيرات
  • بسبب انهيار الريال..البرلمان الإيراني يقيل وزير الاقتصاد
  • شخصيات إسلامية.. الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي
  • عدد جديد من «الشارقة الثقافية»
  • لمعاينة الأضرار.. مدير عام الشؤون الثقافية يتفقد المكتبات العامة في النبطية
  • وزارة الثقافة تفتح باب الترشيح للاستفادة من دعم المشاريع الثقافية والفنية لهذا العام