لم تتوقع سلمى الطاهر (اسم مستعار) أن تُلم بها كُربة أقسى من التي عاشتها في جنوب كردفان، قبل أن تفر مع أسرتها إلى العاصمة الخرطوم التي لاحقتها فيها الحرب، فقدت سلمى التي بلغت عامها الـ 20 قبل أشهر، أبيها في الحرب التي اشتعلت في كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان في 6 يونيو 2011، لكن صمود أمها أمام العاصفة وصغر سنها آنذاك جعلها تتعايش مع قسوة الحياة.



منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
اعداد وتحرير/ سودان تربيون

الخرطوم 25 نوفمبر 2024 ــ لم تتوقع سلمى الطاهر ــ اسم مستعار ــ أن تُلم بها كُربة أقسى من التي عاشتها في جنوب كردفان، قبل أن تفر مع أسرتها إلى العاصمة الخرطوم التي لاحقتها فيها الحرب.
فقدت سلمى التي بلغت عامها الـ 20 قبل أشهر، أبيها في الحرب التي اشتعلت في كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان في 6 يونيو 2011، لكن صمود أمها أمام العاصفة وصغر سنها آنذاك جعلها تتعايش مع قسوة الحياة.
وقالت سلمى، لـ "سودان تربيون"، ... إن "أمها نزحت من كادقلي إلى الخرطوم بعد أشهر من اندلاع الحرب فيها، حيث استقرت في أحياء جنوب المدينة الأكثر فقرًا وحرمانًا، لتعمل بائعة شاي في السوق المركزي لإطعام أطفالها الثلاث".
وأفادت بأن والدتها، بعد اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023، اضطرت إلى العمل في السوق المركزي للخضر والفاكهة جنوبي الخرطوم، في بيع الشاي والقهوة والأكلات الشعبية رغم انعدام الأمن، وذلك قبل أن تلقى حتفها في غارة جوية.
وتابعت: "بعد مقتل والدتي وجدت نفسي مسؤولة عن إعاشة وتأمين حياة أخي وأختي، دون القدرة على العمل الذي امتهنته والدتي لإطعامنا، فلم أجد غير ممارسة الجنس مع جنود الدعم السريع وسكان آخرين مقابل المال".
وأشارت سلمى إلى أنها لا تجني الكثير من الأموال، لكنها تضطر إلى ذلك لردع أخيها من الاستنفار لصالح قوات الدعم السريع، حيث تقول له إنها تعمل في مكان والدته تبيع الشاي في السوق المركزي.
وأوضحت بأنها شقيقها يشعر بأنه مسؤول عن أعالتي، لكنه لا يزال طفلًا عمره 15 عامًا حيث أجاهد لمنعه من الاستنفار والعمل من أجل إكمال تعليمه بعد توقف الحرب وإعادة فتح المدارس.
وتتحدث تقارير عن أن تدمير سُبل العيش في الريف والحضر، دفع الأسر إلى تدابير متطرفة، منها تزويج الطفلات للمقاتلين خاصة في مناطق النزاع النشطة وانضمام الأطفال إلى الجماعات المسلحة؛ من أجل الحصول على الطعام.
وفي 9 أكتوبر الجاري، قال عمال إغاثة في 8 منظمات دولية تعمل في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إن بعض الفتيات تزوجن مقاتلين كوسيلة للبقاء على قيد الحياة للحصول على الطعام.
وأكدوا على أن الفتيات يُجبرن على الزواج من المقاتلين كما تمارس الشابات الجنس من أجل البقاء، مقابل الغذاء والماء والمال.

الشعور بالعار

وقالت سلمى الطاهر إنها تخشى على مشاعر شقيقها الأصغر، حال عرف سلوكها حيث باتت لا تقوى على النظر في عينيه.
ولا يتسامح معظم أفراد المجتمع السوداني على ممارسة النساء الجنس خارج نطاق الزواج، حيث يرى الرجال أن صون الفتاة إلى أن تتزوج بمثابة شرفه الذي دونه الموت.
وفي الفاشر التي تخضع لحصار قوات الدعم السريع منذ أبريل المنصرم وتعيش على وقع دوي المدافع وأصوات الاشتباكات، اضطر خالد إبراهيم ــ اسم مستعار ــ إلى تزويج أبنته إلى أحد مقاتلي القوة المشتركة للحركات المسلحة التي تُدافع عن المدينة بضرورة إلى جانب الجيش.
وقال إبراهيم، لـ "سودان تربيون"، إنه "كان يبيع الخضروات في سوق الفاشر، لكن بعد نشوب الحرب في المدينة اعتبارًا من 10 مايو 2024، بات عاطلًا ومع استمرار القصف المدفعي اضطر إلى النزوج لمخيم زمزم المجاور للمدينة".
وأفاد بأنه زوج صغرى فتياته إلى مقاتل لعدم قدرته على حمايتها وإطعامها، رغم أن عمرها لا يتجاوز الـ 16 عامًا، ممتدحًا أخلاق صهره الجديد رغم خشيته على مقتله في المعارك الدائرة في المدينة.
وأفاد بوجود فتيات صغيرات أُجبرن على الزواج لعدم قدرة آبائهن على أعالتهن وحمايتهن، نافيًا علمه بممارسة شابات الجنس مقابل الطعام.
ويعمل متطوعين على تقديم الطعام إلى ملايين السكان العالقين في مناطق النزاع النشطة في الخرطوم ودارفور، فيما عُرف بـ "التكايا والمطابخ الجماعية"، رغم القيود التي تفرضها أطراف النزاع على النشطاء وملاحقتهم.
وقال خالد إبراهيم إن لا يقوى على الوقوف ساعات من أجل الحصول على الطعام من المطابخ الجماعية، بسبب تقدم العمر والمرض، حيث يعتمد على الطعام الذي يوفره صهره الجديد رغم قلته.

الافتقار إلى آليات الحماية

ولم تستبعد مديرة وحدة حماية المرأة والطفل في وزارة التنمية الاجتماعي، سليمى إسحاق، ممارسة النساء للجنس وتزويج الطفلات من أجل الطعام، قائلة: "نتوقع حدوث ذلك في الحرب".
وأفادت سليمى، في تصريح لـ "سودان تربيون"، بأن الوحدة تعمل على توثيق حالات الاستغلال والإساءة الجنسية التي يمكن أن تحدث حتى في المناطق الآمنة ــ في إشارة إلى الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش.
وأشارت إلى أنها طلبت من وزير الداخلية في أبريل المنصرم، تكوين مكاتب شكاوى انتهاكات حقوق الإنسان والطفل في الوحدة لتقديم الخدمة القانونية والمساعدات ضحايا الاستغلال الجنسي، مع إلزام العاملين في المكاتب بمدونة سلوك.
وذكرت إن وزير الداخلية أصدر قرارات بإنشاء المكاتب في ولايات كسلا والقضارف والنيل الأبيض، بغرض زيادة آليات الحماية، مشددة على أن النساء "لا يبلغن عن حالات الاستغلال في ظل عدم وجود آلية تساعدهم".
وكشفت عن سعيهم لتكوين لجان حماية في دُور الإيواء للإبلاغ عن حالات الاستغلال الجنسي مع تدريب المتطوعين والعاملين في هذه المراكز.
وأفادت سليمى إسحاق بأن الوحدة لا تكشف المعلومات عن الانتهاكات في مناطق سيطرة الدعم السريع، خشية تعرض السكان هناك للخطر.
وتحمّل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان عناصر قوات الدعم السريع مسؤولية القدر الأكبر من الانتهاكات الواقعة على النساء، خاصة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والاغتصاب والاستغلال.
وتتكشف يومًا بعد الآخر مآسي النزاع خاصة فيما يتعلق بالجوع وتزايد معدلات سوء التغذية والاستغلال الجنسي، بعد أن فقد معظم السودانيين وظائفهم وأعمالهم التجارية.

أنا
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني

#SilenceKills
#الصمت_يقتل
#NoTimeToWasteForSudan
#الوضع_في_السودان_لا_يحتمل_التأجيل
#StandWithSudan
#ساندوا_السودان
#SudanMediaForum
#منتدى_الإعلام_السوداني

 

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: سودان تربیون الدعم السریع جنوب کردفان على الطعام من أجل

إقرأ أيضاً:

هل يحسم فك حصار القيادة العامة معركة الخرطوم؟

الحروب حبلى بالمفاجآت، فكثيرا ما لا تنتهي بما يريده من يشعلون وقودها، ففي الحرب العالمية الثانية انتهى هجوم هتلر الكاسح على الاتحاد السوفياتي، في قلب برلين، ووصلت جحافل الجيش السوفياتي العاصمة الألمانية بعد قتال دموي استمر لسنوات.

أدى الهجوم الألماني إلى هجوم مضاد، فانقلبت الدفة، وأصبحت موسكو المُهددة بالاجتياح الألماني تسيطر على شرق أوروبا بأكمله وصولا لألمانيا الشرقية ذاتها، لنحو نصف قرن، إلى أن انهار جدار برلين ثم تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كوابيس الحاكم الخفي.. هل اقترب ظهور "مملكة الحاخامات" في الضفة؟list 2 of 2"مدمن تعذيب الجزائريين" والسيرة البشعة لجان ماري لوبانend of list

ومن أوروبا إلى أفريقيا، وإن اختلفت الجغرافيا وأعداد المتقاتلين وهوياتهم، فإن المضمون يتشابه، فبعد قرابة عامين من اندلاع القتال في السودان، أعلن الجيش السوداني استعادته السيطرة على مصفاة الجيلي النفطية الواقعة على بعد نحو 70 كيلومترًا شمال الخرطوم، وسيطرته على منطقة التصنيع الحربي شمال مدينة بحري.

كما أعلن وصول قواته إلى سلاح الإشارة وسط بحري، وفك الحصار عن مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، ليواصل زخم هجومه المضاد الذي شمل إحكام السيطرة على ولاية سنار جنوب شرق السودان، ثم مدينة مدني عاصمة ولاية الجزيرة بوسط البلاد، وصولا لأماكن إستراتيجية في الخرطوم، مما يفتح الباب للجائزة الكبرى المتمثلة في استعادة السيطرة على كامل العاصمة مجددا.

التطورات الميدانية الأخيرة تعكس تصاعد النزاع في السودان، مع سيطرة قوات الدعم السريع وانتشار الفوضى والنزوح (الجزيرة)

 

تعكس تلك التطورات الميدانية تغير اتجاه دفة الحرب، والذي بدا سابقا أنه يميل باتجاه قوات الدعم السريع التي سيطرت على أغلب غرب السودان وأجزاء من الوسط وصولا لجنوب شرق البلاد، وتصاعدت آنذاك مخاوف من أن السودان على وشك فوضى عارمة تشبه ما حدث بالصومال في تسعينيات القرن العشرين من انهيار للدولة، حيث تحول البلد إلى إقطاعيات يتصارع عليها أمراء الحرب، وتتنافس القبائل في السيطرة على مقدرات البلد وموارده.

إعلان

وقد لاحت مؤشرات ذلك بالتدمير الواسع الذي طال العاصمة، والذي شمل المطار ومقرات الوزارات والبنوك والمشافي والمدارس، وسط شلل تام لمظاهر الحياة، وحركة نزوح داخلية وإلى دول الجوار طالت نحو ربع الشعب السوداني.

لم تقدم قوات الدعم السريع نموذج حكم جذابًا، وانتشرت عمليات السلب والنهب والاختطاف والقتل في المناطق الشاسعة التي سيطرت عليها، مما أكسبها نفورا واسعا بين عموم المواطنين، فيما سادت مخاوف من انتقال الحرب والفوضى إلى دول الجوار، مما يعني تأثر ليبيا وتشاد ومصر وأثيوبيا وإريتريا فضلا عن المحيط الأوسع في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وجنوب الصحراء وشمال أفريقيا.

من التمدد إلى الانحسار

بمضي الوقت، ظهرت بيد عناصر الدعم السريع أسلحة متطورة لم تكن منتشرة في السودان سابقا، ولم تظهر عند بداية القتال، مثل صواريخ الكورنيت الموجهة المضادة للدبابات، والطائرات المسيرة المزودة بصواريخ، والمسيرات الانتحارية، ومدرعات حديثة ثقيلة، فضلا عن أنظمة مضادة للطائرات المسيرة.

اعتمد الدعم السريع في حصوله على تلك الأسلحة المتطورة على دعم من أطراف إقليمية عبر استخدام مطار أم جرس في تشاد، وهو ما أثار خلافات في الداخل التشادي، فالنخبة الحاكمة التشادية تنتمي لقبيلة الزغاوة، التي يحارب أبناؤها ضد الدعم السريع في دارفور على الحدود السودانية التشادية.

وانتشر الحديث في تقارير الأمم المتحدة والصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز عن الأسلحة والذخائر المنقولة عبر تشاد إلى الدعم السريع، فبدأت محاولات لفتح خط إمداد إضافي عبر الحدود الإثيوبية، فدشن الدعم السريع نهاية عام 2024 هجوما باتجاه ولاية الجزيرة ومنها في منتصف عام 2024 إلى ولاية سنار التي تقع على حدود إثيوبيا.

ورغم نجاح الجيش في طرد قوات الدعم السريع من ولاية سنار ومدينة مدني عاصمة ولاية الجزيرة، فإن فلول الدعم السريع الهاربة تمددت إلى مناطق جديدة مستغلة المساحات الواسعة في السودان للوصول إلى مناطق في ولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق المتاخمتين لدولتي جنوب السودان وإثيوبيا.

إعلان

لقد انعكست تلك التطورات على علاقات الخرطوم مع جوبا، فمع انتشار اتهامات بمشاركة مقاتلين من جنوب السودان مع قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة وأماكن أخرى، حدثت اعتداءات بحق عدد من مواطني جنوب السودان عقب استعادة مدينة مدني، مما أحدث حالة غضب في جنوب السودان، فاندفعت جموع هائجة لمهاجمة محلات ومنازل المواطنين السودانيين المقيمين في العاصمة جوبا في يناير/كانون الثاني الجاري، وسط دعوات من الجيش السوداني وحكومة جنوب السودان للمواطنين بالهدوء وتجنب الانجرار لاعتداءات على أساس الهوية العرقية أو الإثنية.

وأضافت تلك الأحداث أزمة جديدة لدى جنوب السودان المتضرر بشدة من إغلاق خط أنابيب نقل النفط للتصدير من أراضيه عبر موانئ السودان بسبب الحرب. فيما سبق لقائد قوات الدعم السريع حميدتي أن اتهم عناصر من التغراي في إثيوبيا بالقتال مع قوات الجيش السوداني، مما يوضح بعض الأبعاد الإقليمية لما يحدث في السودان، وتداعياتها على دول وارتباطاتها بصراعات أخرى تدور داخل تلك الدول.

استعادة الدفة

حاولت عدة أطراف إقليمية ودولية دفع قيادة الجيش السوداني والدعم السريع للجلوس للتفاوض، ورعت واشنطن مؤتمرا للتفاوض بمدينة جنيف السويسرية في أغسطس/آب 2024، لكن الجيش رفض الحضور، فالواقع الميداني لم يكن في صالحه، والتفاوض آنذاك يعني تكريس المكتسبات الميدانية التي حصل عليها الدعم السريع بشكل سياسي.

وقد برزت عناوين للتفاوض تتضمن معاملة الأطراف المتقاتلة بشكل يتسم بالندية، وعدم الاعتراف بالجيش كممثل للشرعية إنما كطرف في خصومة مع طرف آخر يمثله الدعم السريع، وفي المقابل أصر الجيش على أنه يمثل شرعية الدولة في مواجهة جماعة متمردة.

إن امتناع الجيش عن حضور مفاوضات جنيف لم يمر دون ثمن، فقد أضافت وزارة الخزانة الأميركية قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى قوائم العقوبات في يناير/كانون الثاني 2025 بعد أن أضافت قبله بأيام قائد قوات الدعم السريع حميدتي لذات القائمة، وذلك للضغط عليهما، ودفعهما للجلوس معا.

إعلان

فواشنطن منزعجة من دخول أطراف منافسة على خط الصراع، مثل موسكو التي عدّلت بوصلتها نحو الجيش السوداني بعد أن دعمت شركة فاغنر سابقا قوات الدعم السريع، وصولا لاستخدام روسيا الفيتو ضد مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن الدولي اعتبرته قيادة الجيش السوداني يمس أمن البلاد ويضع الجيش مع الدعم السريع على قدم المساواة، فضلا عن التوجس الأميركي تجاه طلب روسيا من القيادة السودانية الحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان مما سيتيح لها الوجود في البحر الأحمر، وذلك بالإضافة لعودة العلاقات السودانية الإيرانية بعد انقطاعها منذ عام 2016، وإمداد طهران للجيش السوداني بعدد من الطائرات المسيرة.

في مقابل دعوات التفاوض، وبالتحديد مع نهاية موسم الأمطار في عام 2024، أطلق الجيش السوداني بحلول سبتمبر/أيلول 2024 هجوما مضادا واسعا بمشاركة عناصر هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة وكتائب المستنفرين والقوة المشتركة التي تضم أغلب الجماعات الدارفورية المتمردة سابقا. ونجح الجيش في عبور العديد من الجسور الإستراتيجية على نهر النيل لكسر معادلة سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق غرب النيل.

ونجح في بداية هجومه في رفع الحصار عن معسكره في الكدرو بمنطقة بحري، ثم توالت إنجازاته الميدانية، وصولا لنجاحه في فك الحصار عن سلاح المدرعات في منطقة الشجرة العسكرية، مما مهد الطريق أمامه للتمدد في حي جبرة والاستيلاء على منزل حميدتي قائد الدعم السريع وصولا إلى فك الحصار عن مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بقلب الخرطوم.

ويسعى الهجوم المذكور لاستعادة العاصمة مما يتيح للجيش تعزيز شرعيته بإنجازات على الأرض، وأملا في حسم المعركة عسكريا، أو على الأقل تحسين موقف الجيش فيجلس لاحقا للتفاوض من موطن قوة.

لقد نجح الجيش السوداني في التضييق على قوات الدعم السريع بالخرطوم، حيث قصف بواسطة الطائرات بشكل متكرر شحنات الأسلحة على الطريق الرئيسي لإمدادات قوات الدعم السريع، والقادم من تشاد ثم دارفور وصولا إلى أم درمان ومنها إلى العاصمة عبر جسر خزان جبل أولياء جنوب الخرطوم. وبالتالي بدأت قوات الدعم السريع تعاني لتوفير الإمدادات وتحصين خطوطها الدفاعية في مواجهة الجيش.

إعلان رد فعل الدعم السريع

ردا على تقهقرها الميداني، لجأت قوات الدعم السريع لاستخدام سياسة الأرض المحروقة، فدمرت منشآت مصفاة الجيلي النفطية قبل انسحابها منها، كما استخدمت تكتيك مهاجمة محطات توليد الكهرباء في مناطق سيطرة الجيش باستخدام أسراب من الطائرات المسيرة، فدمرت محولات محطة الغزالة مما أغرق مدينة مروي الإستراتيجية بالولاية الشمالية في الظلام، ثم تكرر الأمر بالهجوم على محولات محطة كهرباء الشواك التحويلية بالقضارف مما أدى إلى انقطاع الكهرباء في القضارف وكسلا وسنار شرقي وجنوبي شرق السودان.

كذلك حاولت قوات الدعم السريع حسم معركة السيطرة على كامل إقليم دارفور، فحشدت مقاتليها لمهاجمة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دافور الحصن الأخير المتبقي للجيش في الإقليم. وأعلن الدعم السريع في يناير/كانون الثاني 2025 مهلة 48 ساعة لإخلاء الفاشر قبل اجتياحها، وبالفعل هاجم المدينة من 5 محاور في وقت متزامن، لكن طيران الجيش قصف الأرتال المهاجمة فيما تصدت قوات الجيش والقوة المشتركة للهجوم الذي اعتُبر الأكبر من نوعه من حيث حجم القوات المشاركة فيه.

وفي الخرطوم تحاول قوات الدعم السريع لملمة صفوفها، وتشكيل خطوط دفاعية جديدة توقف زحف الجيش. فمدينة الخرطوم تختلف عن ساحات القتال الأخرى المنبسطة حيث توجد بها عمارات مرتفعة وكتل سكنية متقاربة ومتلاصقة، مما يمنح عناصر الدعم السريع موقفا دفاعيا يتلاءم مع قدراتهم القتالية، التي تناسب حرب المدن، ومن أبرزها مهاراتهم في استخدام الأسلحة النارية الخفيفة والمتوسطة، وامتلاكهم لأسلحة قنص وأسلحة محمولة مضادة للدروع، وقدرتهم على الحركة السريعة باستخدام عربات التاتشر، فضلا عن استخدامهم منازل المواطنين للاختباء وتخزين الذخائر وإعداد الكمائن.

في المقابل، يعتمد الجيش في معركة الخرطوم على الاستخبارات والطيران المسير ووحدات العمل الخاص فضلا عن مقاتلي هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، باعتبارها الجهة الأكثر خبرة في حرب المدن بالسودان. وتعمل تلك المكونات على تحديد ارتكازات الدعم السريع ومقرات القيادة والسيطرة ومخازن أسلحته وخطوط إمداده وأماكن انتشار القناصة لاستهدافها بالقصف الجوي والكمائن كمقدمة للتقدم بريًا للسيطرة على المناطق المستهدفة، وربط مقرات الجيش المحاصرة داخل الخرطوم مع القوات المتقدمة من محاور القتال المتعددة، وبالأخص من ولاية الجزيرة.

إعلان الوساطة التركية

تقدمت عدة جهات غربية وإقليمية بمحاولات وساطة دون جدوى، لكن في الآونة الأخيرة، وبالتحديد في 13 ديسمبر/كانون الأول 2024، اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وعرض عليه الوساطة بين الجيش السوداني ودولة الإمارات الحليف الأبرز لقوات الدعم السريع، وعقب الاتصال الهاتفي بأيام التقى برهان الدين دوران، نائب وزير الخارجية التركي، مع البرهان في بورتسودان، وأعلن البرهان ترحيبه بالوساطة التركية، لكنه لاحقا صرح بألا مستقبل للدعم السريع في السودان.

لم يرفض البرهان علنا الوساطة التركية، لكن لا يبدو أنه يراهن عليها حاليا كي لا يعرقل التقدم الميداني الذي يحققه الجيش أو يمنح فرصة للدعم السريع بالتقاط أنفاسه وتجميع شتات قواته أو تلقي أسلحة نوعية تغير مسار المعركة، كذلك فإن استعادة العاصمة الخرطوم ستمثل جائزة كبرى تعزز سردية الجيش بأنه يمثل الشرعية فضلا عن أهميتها السياسية والاقتصادية، فيما يشهد الشارع السوداني احتفالات جماهيرية عفوية وتأييدا شعبيا واسعا للقوات المسلحة، وهو ما لا يشاهد في مناطق سيطرة الدعم السريع، بل تشهد باستمرار احتكاكات بين مقاتليه وجموع المواطنين.

لقد سبق تناول دلالات استعادة مدينة مدني، وأنها تمهد الطريق لمعركة الخرطوم، وهو ما يجري حاليا بالفعل، ولذا فإن خيار التفاوض ستزداد فرص نجاحه بعد استعادة السيطرة على الخرطوم، ولكنه آنذاك لن يكون على أرضية النزاع بين كيانين متماثلين أو تقاسم السلطة أو إعادة هيكلة الجيش بشكل يلائم مطالب الدعم السريع، إنما سيكون على أرضية التفاوض بين سلطات دولة تسيطر على العاصمة وعلى معظم ولايات البلاد في مقابل كيان متمرد يسيطر على أجزاء من إقليم دارفور، وربما يؤدي نقل الجهد الرئيسي للقتال إلى دارفور إلى مزيد من الضغط على الدعم السريع، فيقبل قادته بشروط الجيش.

إعلان

ومع تبلور الملامح الجديدة لخريطة الصراع في الخرطوم، يترجح أن احتمال انهيار الدولة يتراجع، وأن السودان اجتاز خطر الصوملة، لتعود الأمور إلى الوضع الذي عاش السودان عليه لعقود بوجود تمردات في أطرافه، وهو وضع يظل خطيرا دون شك، فقد سبق أن أسفر عن انفصال جنوب السودان في عام 2011.

ولكن الفارق الآن أن الدعم السريع لا يحظى بإجماع شعبي في إقليم دارفور، حيث توجد خلافات عميقة داخل الإقليم بين المكونات القبلية ذات الأصول العربية والأفريقية، وهو ما يتجلى في القتال بين القوة المشتركة الممثلة لحركات دارفورية والدعم السريع، كما توجد خلافات حتى داخل المكونات العربية والحاضنة الاجتماعية للدعم السريع، فالقائد الشهير موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد يدعم الجيش السوداني في مواجهة الدعم السريع رغم أنه تجمعه بحميدتي صلة قرابة، وسبق أن عمل الأخير تحت قيادة هلال قبل أن يبزغ نجمه، وبالتالي فإن خيار الانفصال كما حدث في الجنوب فرصه ضئيلة.

وختاما، فإن الإدارة الأميركية الجديدة التي يقودها ترامب غير معنية باستمرار حروب مثل تلك التي تحدث في السودان، وربما تضغط من طرفها على بعض الجهات الخارجية المساندة للدعم السريع، فيما توجد جهات أخرى إقليمية منزعجة من استمرار الصراع، وفي مقدمتها مصر، وكذلك المملكة العربية السعودية. وبإمكان واشنطن وعواصم أخرى بالمنطقة تحجيم التدخلات التي تنفخ النار في الخلافات داخل السودان، وتقدم الإمدادات التي تتيح للدعم السريع مواصلة القتال وخوض معارك فقدت أهدافها السياسية التي دارت بمخيلة قادته عند بدء الحرب منتصف أبريل/نيسان 2023، فسيطرتهم على الحكم أصبحت أقرب للأماني والأحلام منها للواقع.

مقالات مشابهة

  • فك الحصار عن القيادة العامة في الخرطوم.. ماذا يحدث في السودان؟
  • التمرد يتجرع الهزيمة في السودان
  • البرهان من مقر قيادة الجيش: “الدعم السريع” إلى زوال
  • هل يحسم فك حصار القيادة العامة معركة الخرطوم؟
  • انتصارات الجيش.. آخر تطورات الأوضاع في السودان
  • إلى أبطال القيادة العامة.. تحرير الخرطوم ليس مجرد انتصار عسكري، بل هو رمز لصمودكم وإرادتكم
  • جرائم متصاعدة في إب.. حرائق حوثية تلتهم سيارة مغترب وأحد الشقق التي يسكنها نساء وأطفال
  • بي بي سي: قصص مروعة لسودانيات في أبوسليم مقابل ظروف أفضل في الشرق
  • الجيش السوداني يعلن كسر حصار الدعم السريع لمركز قيادته وسط الخرطوم
  • الأزمة السودانية تزداد تعقيدا.. ما المنتظر من إدارة الرئيس ترامب؟