أدب وسياسة.. حوريات كمال داود بين جدل جزائري واحتفاء فرنسي
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
تشهد الساحة الإعلامية والثقافية جدلا حادا موضوعه الكاتب الفرانكوفوني الجزائري كمال داود الذي يعيش بفرنسا وحصل هناك قبل أسابيع على أرفع جائزة أدبية عن رواية بعنوان "حوريات" التي تدور حول سنوات "العشرية السوداء" في الجزائر.
وتحكي "حوريات"، الصادرة عن دار "غاليمار" والفائزة مؤخرا بجائزة "غونكور" الأدبية العريقة، قصة شابة جزائرية تدعى "فجر" نجت بأعجوبة من مجزرة غرب البلاد عام 1999، وتنقل تفاصيل تلك الواقعة من خلال "مونولوغ" بين الشابة وجنين في بطنها.
الرواية لاقت نجاحا في فرنسا ونجح كاتبها، كمال داود الذي حصل على الجنسية الفرنسية قبل نحو أربع سنوات بقرار رئاسي، من انتزاع الجائزة المرموقة بعد حصوله على ستة من أصوات أعضاء أكاديمية غونكور العشرة.
وفي الجزائر، أثارت "حوريات" الجدل حتى قبل حصولها على الجائزة، وذلك لحديثها عن فترة حساسة من تاريخ هذا البلد المغاربي، والمعروفة شعبيا باسم "العشرية السوداء".
ويقصد بالعشرية السوداء الأحداث التي عاشتها البلاد بين 1992 و2002 إثر وقف الجيش للعملية السياسية ما تسبب حينها في حرب أهلية بين مسلحين من الجماعات الإسلامية وقوات الأمن، خلفت وفق تقديرات عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين.
أما الكاتب كمال داود، (54 عاما) فقد ولد في مستغانم الجزائرية عام 1970، ويعد من أبرز الكتاب الفرنكوفونيين المعاصرين، وسبق لروايته "ميرسو تحقيق مضاد" الصادرة عام 2013 أن رُشحت لجائزة غونكور عاما بعد صدورها.
كما يعد داود أيضا واحدا من الكتاب المثيرين للجدل في بلاده، وذلك لكتاباته التي يحاول فيها التطرق لمواضيع تعتبر حساسة في الذاكرة الجماعية الجزائرية، وأيضا لمواقفه المؤيدة لليمين الفرنسي.
أصل الجدلوالجدل المثار حول "حوريات" لا يربط فقط بتركيز فصولها على سرد جزء من "العشرية السوداء"، بل باتهامات وجهت لكاتبها بسرد قصة حقيقية لسيدة جزائرية تدعى سعادة عربان.
وظهرت هذه السيدة في قناة تلفزيونية محلية مؤخرا تتهم الكاتب باستغلال قصتها الشخصية دون إذنها، كما اتهمت زوجته، الطبيبة النفسية، بإفشاء السر المهني.
- سعادة & كمال داوود سعادة عربان (30 سنة) من مواليد الجلفة، تعيش حالياً في وهران, إحدى ضحايا العُشرية السوداء، فقدت...
Posted by Zakaria Habchi on Saturday, November 16, 2024وقالت سعادة، إنها لجأت للعلاج عند زوجة الكاتب منذ عام 2015، مفيدة بأنها حكت تفاصيل حياتها المؤلمة للطبيبة كجزء من العلاج غير أنها لم تكن تتوقع أن تصبح تفاصيل حياتها الخاصة موضوع رواية منشورة للعموم.
كما أكدت سعادة، أنها رفضت خلال لقاء جمعها بالطبيبة وبالكاتب كمال داود في منزلهما طلبهما بالموافقة على تحويل قصتها إلى عمل أدبي.
وتابعت "لم أرخص لكمال داود ليستلهم قصتي في روايته (...) زوجة كمال داود أفشت سرا طبيا".
وعن سؤالها كيف لها أن تعرف إن كانت رواية "حوريات" عنها، أجابت سعادة "الرواية تحدثت عن ندبتي عن أنبوب التنفس الذي يلازمني، الأوشام، صالون التجميل، علاقتي بأمي، العملية التي كنت سأجريها بفرنسا والتي كانت ستكون الأولى من نوعها في فرنسا، لقد تحدث عن جميع تفاصيل حياتي التي لم أخبر بها سوى زوجته الطبيبة النفسية".
القضية تصل القضاءوالخميس، قالت فاطمة بن براهم محامية سعادة، في تصريحات صحفية إنها رفعت قضيتين ضد الكاتب الجزائري الفرنسي كمال داود وزوجته الطبيبة النفسية.
ورفعت الأولى باسم "المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب"، بينما رفعت الثانية باسم الضحية، بحسب ما أكدته بن براهم في تصريح لـ"فرنس برس".
وأوضحت أن القضية وصلت القضاء مباشرة بعد صدور الرواية في شهر أغسطس/آب الماضي، وبأن المدعين لم ينتظروا فوز الكتاب بجائزة غونكور لطرق أبواب العدالة.
وأوضحت فاطمة بن براهم "تقدمنا بالشكويين أمام محكمة وهران، مكان إقامة كمال داود وزوجته، بعد أيام من صدور الكتاب، لكننا لم نرد الحديث عنهما حتى لا يقال إننا نشوش على ترشيح الكاتب للجائزة".
في المقابل، لم يعلق كمال داود حتى الآن على اتهامات سعادة، لكن دار "غاليمار" الناشرة لأعماله استنكرت مؤخرا ما قالت إنه "حملات تشهير عنيفة مدبرة من النظام الجزائري".
وأضافت "غاليمار" أنه "في حين أن رواية +حوريات+ مستوحاة من أحداث مأساوية وقعت في الجزائر خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، إلا أن حبكتها وشخصياتها وبطلتها خيالية بحتة".
وسبق للسلطات الجزائرية أن منعت مطلع الشهر الجاري مشاركة "غاليمار" في معرض الجزائر الدولي للكتاب دون ذكر الأسباب، بينما تأسف كمال داود على ذلك بالقول "كتابي يُقرأ في الجزائر لأنه مقرصن. لكن لم يُنشر فيها للأسف".
وإلى جانب تهمة "استغلال" قصة سعادة عربان، يتابع كمال داود أيضا وفق قانون "الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية" الذي سنه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019)، وخاصة بعض مواده التي تحظر التطرق للعشرية السوداء.
وجاء في المادة 46 من الميثاق "يعاقب بالحبس من 3 سنوات إلى 5 سنوات وبغرامة مالية من 250 ألف دينار إلى 500 ألف دينار (بين 1875 و3745 دولارا) كل من يستعمل من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية أو يعتدي بها للمساس بمؤسسات الجمهورية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية".
مواقف متباينة واتهامات لباريسوتباينت الآراء بشأن قضية كمال داود في بلاده، فبينما انتقده البعض بدعوى أنه يسيء لبلاده، دافع آخرون عنه وعن حقه في الإبداع.
وقبل إعلانه فائزا بالجائزة الفرنسية المرموقة، استغرب الكاتب الجزائري واسيني الأعرج ترشيح مواطنه للمنافسة على الجائزة بينما أقصي منها الكثير من الكتاب الجزائريين الذين ألفوا كتاباتهم "بهوية وطنية".
شيء يشبه النقد هل يكفي الأدب في منح الغونكور؟ كمال داود الروائي الجزائري الفرنكفوني الإشكالي، في نهائي أهم جائزتين...
Posted by واسيني الأعرج on Sunday, October 27, 2024وقال الأعرج في منشور له على فيسبوك، "فجأة يظهر كاتب صحفي من وهران هو كمال داود" وتساءل "هل القيمة الفنية هي المحدد الوحيد للجائزة أم موقف كمال داود من القضية الفلسطينية، اللغة العربية، ومما يحدث في بلده؟".
في المقابل، عزا البعض الآخر "الحملة الشرسة" على كمال داود وعلى فوزه بالجائزة المرموقة إلى "الغيرة من طرف أشباه المثقفين بعد حصوله على جائزة Goncourt الأدبية".
الغيرة وراء الحملة الشرسة التي يتعرض لها الكاتب كمال داوود من طرف أشباه المثقفين بعد حصوله على جائزة Goncourt الأدبية .
Posted by Benradi Ahmed on Monday, November 4, 2024ويتزامن هذا النقاش أيضا مع حالة فتور تشهدها العلاقات الجزائرية الفرنسية مؤخرا، لا سيما بعد الزيارة التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، وتأييد باريس لسيادة المغرب على الصحراء.
في هذا السياق وتفاعلا مع الدعوى القضائية التي رفعت ضد داود، كتبت صحيفة "الخبر" الجزائرية " أن محامية الضحية سعادة "لم يفتها التطرق إلى بعض الحقائق بخصوص علاقة كمال داود بالسلطة الفرنسية ومساهمة أطراف نافذة في منحه الجنسية وحتى في ضم اسم زوجته في صدارة قائمة اللاجئين التي تسهل حصولها على منصب عمل".
كما نقلت عنها الصحيفة أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، "هو من ضغط على داود لإصدار الكتاب، حسب ما قالت لي صديقة مقربة من الكاتب".
بدورها، عزت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية الضجة التي أثارها كمال داود ومواطنه بوعلام صنصال الذي أوقفته السلطات الجزائرية مؤخرا بعد عودته من فرنسا، إلى "تيار حاقد ضد الجزائر" و"لوبي لا يفوت أي فرصة للتشكيك في السيادة الجزائرية".
وأوضحت الوكالة أن "هذا اللوبي الحاقد قد مر بأسبوع سيء فيجب تفهمهم. أولا، أحد محميهم، وهو كمال داود، قد ضبط متلبسا باستغلال معاناة ضحية للإرهاب في الجزائر من أجل الحصول على جائزة +غونكور+".
المصدر: الحرة
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی الجزائر کمال داود
إقرأ أيضاً:
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد للإسلام وماكرون قلق على مصيره
في خطوة لم يتم تأكيدها بشكل رسمي، أقدمت السلطات الجزائرية على اعتقال الكاتب الجزائري بوعلام صنصال (75 عامًا) فور وصوله إلى مطار الجزائر يوم السبت 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، قادمًا من فرنسا، وفقًا لما أوردته تقارير إعلامية فرنسية.
اعلانويبدو أن الواقعة، التي أثارت جدلًا واسعًا، جاءت دون أي إعلان رسمي عن أسباب الاحتجاز، ما أضفى مزيدًا من الغموض على القضية. وذكرت مجلة "ماريان" الفرنسية أن صنصال، الذي لم يتواصل مع عائلته منذ لحظة وصوله، تم توقيفه واحتجازه من قبل الشرطة الجزائرية. وأكد أقاربه أن السلطات قررت سجنه، دون تقديم توضيحات حول خلفيات هذا الإجراء.
من هو صنصال؟يُعتبر صنصال، الحاصل حديثًا على الجنسية الفرنسية، من أبرز الكتاب الجزائريين المعروفين بآرائهم النقدية والجريئة. اشتهر بانتقاده للنظام السياسي في بلاده، وبمواقفه المؤيدة لإسرائيل، وواجه تهديدات مستمرة من الإسلاميين.
وعلى الرغم من أن أعماله تُنشر في فرنسا وتُباع بحرية في الجزائر، إلا أن صنصال يظل شخصية مثيرة للجدل، خاصة بعد زيارته لإسرائيل عام 2014، التي أثارت ردود فعل متباينة في الأوساط الجزائرية.
بوعلام صنصال خلال جلسة تصوير لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي الدولي، الخميس 9 فبراير 2012.Markus Schreiber/APفي حديث سابق مع مجلة "ماريان"، صرّح قائلاً: "في الجزائر، كل شيء مغلق بإحكام". ورغم الرقابة الصارمة على أعماله، لم يتخلَّ عن زيارة وطنه بانتظام.
حقق الكاتب الجزائري بوعلام صنصال شهرة واسعة منذ إصداره الأول لرواية "قسم البرابرة"، التي سلطت الضوء على صعود التيارات المتشددة في الجزائر، وهو ما أسهم في اندلاع الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من 200 ألف شخص بين عامي 1992 و2002.
ردود فعل غاضبة ودعوات للتحركأثار اعتقال صنصال ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية في فرنسا، بينما تواصل السلطات الجزائرية التزام الصمت حول ملابسات القضية.
أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه البالغ حيال اختفاء الكاتب، مؤكداً عبر مقربين منه أن "أجهزة الدولة تعمل بلا كلل لتوضيح ملابسات قضيته". وشدد ماكرون على موقفه الراسخ في الدفاع عن حرية التعبير، واصفاً صنصال بأنه "كاتب ومفكر عظيم يستحق الحماية والدعم".
Relatedصربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتيلازلزال سياسي: المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال في حق نتنياهو وغالانتجرائم حرب وإبادة: قادة صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من الجنائية الدولية.. تعرف عليهم؟وفي سياق متصل، دعت مارين لوبان، زعيمة نواب حزب التجمع الوطني، الحكومة الفرنسية إلى "التحرك للحصول على إطلاق سراحه الفوري". ووصفت صنصال بأنه "مناضل من أجل الحرية ومعارض شجاع للإسلاميين".
من جانبه، كتب رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، إدوار فيليب، على منصة "إكس"، قائلاً: "بوعلام صنصال يمثل كل ما نقدره: دعوته للعقلانية والحرية والإنسانية في مواجهة الرقابة والفساد والتطرف الإسلامي". وأضاف: "أدعو السلطات الفرنسية والأوروبية إلى العمل للحصول على معلومات دقيقة وضمان حرية تنقل هذا الكاتب العظيم، حتى يتمكن من العودة إلى فرنسا متى شاء".
بدوره، طالب لوران فوكييه، زعيم نواب حزب الجمهوريين، باستخدام "كل وسائل الضغط على الجزائر" لضمان الإفراج عن صنصال، واصفًا إياه بـ"الكاتب الكبير ومواطننا الذي يرمز إلى القيم الإنسانية في مواجهة الظلم".
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية