الذكاء الاصطناعي العام «الخارق».. بداية للحضارة الرقمية أم نهايتها؟
تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الذكاء الاصطناعي وتطويراته المذهلة التي تتقدم بشكل شبه يومي؛ فلا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن حدث رقمي جديد، ولكن من المفيد أن نلفت الانتباه إلى أن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي ليس إلا نوعا عاديا، ويُعرّفه علماء الذكاء الاصطناعي بـ«الذكاء الاصطناعي الضيّق» نظرا لضيق مهماته وحدودها في كل نموذج على حدة؛ فليس هناك -حتى اللحظة- نموذج للذكاء الاصطناعي يستطيع القيام بمجموعة متنوعة من المهمات، ولكن جلّ استطاعة كل نموذج ذكي القيام بمهمات معيّنة منفردا، ويمكن أن نأخذ مثالا لذلك بنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل «شات جي بي تي» الذي تتمحور مهماته الرقمية في توليد النصوص والصور والصوت، وفي حدود العمليات التحليلية العامة دون قدرات أخرى، وهذا أيضا ما نراه في نماذج أخرى ذات مهمات محددة، وهذا ما يعكس وجه المقارنة بين الدماغ البشري والدماغ الرقمي الذي يتمثّل في حاضرنا بالذكاء الاصطناعي بنوعه الضيّق؛ فيستطيع الدماغ البشري القيام بمهمات كثيرة ومتعددة يكاد من الصعب حصرها مثل التعامل مع اللغات والصوتيات والمرئيات وتحليلها بشكل عميق، واستطاعته القيام بوظائف خارجية ومهنية كثيرة مثل قيادة السيارات وإدارة الأعمال والتفاوض المنطقي والتسويق وغيرها من المهمات الكثيرة في الحياة.
ماذا نقصد بالذكاء الاصطناعي العام؟
يقودنا هذا الاستهلال إلى كشف بعضٍ من ملامح النوع العام أو الخارق للذكاء الاصطناعي؛ فيوصف الذكاء العام الاصطناعي الذي يمكن اختصاره باللغة الإنجليزية إلى (AGI) أنه الغاية القصوى لأبحاث الذكاء الاصطناعي التي يسعى علماء التقنيات الرقمية إلى تحقيقه نظرا لقدراته الخارقة التي يُتوقع أن تتجاوز القدرات البشرية، ويشير هذا النوع إلى شكل متقدّم من الذكاء الاصطناعي يمكنه الفهم والتعلم وتطبيق المعرفة عبر مجموعة واسعة من الوظائف بقدرات تشابه الدماغ البشري كما أسلفنا آنفا. على عكس النماذج الحالية للذكاء الاصطناعي التي تُصمم عادةً لأداء مهمات محددة، سيكون لدى الذكاء العام الاصطناعي القدرة على تعميم ذكائه عبر مجالات متنوعة؛ ليُظهر المرونة والتكيّف والاستقلالية غير المعهودة في نسخته العادية الحالية، وبتعبير آخر؛ سيكون الذكاء العام الاصطناعي قادرًا على الاستدلال، وحل المشكلات، والتخطيط، وبلوغ حالات من التفكير الإبداعي بأساليب منافسة إن لم تكن متفوقة على أساليب الدماغ البشري.
في الوقت الحالي، لا يزال الذكاء العام الاصطناعي في حدود التنظير العلمي بين الأوساط العلمية العامة، ولم نرصد أيّ نظام ذكاء اصطناعي حالي يمكن اعتباره يتمتع بذكاء عام، ولكن لا يعفي ذلك من احتمالية تحققه ووجوده في داخل أروقة المؤسسات العلمية السرّية خصوصا تلك التابعة للمؤسسات العسكرية والأمنية للدول الكبرى، ولا يعفيه من احتمالية تجربتها في ميادين الحروب بواسطة هذه الدول التي تملك مفاتيح أسراره، ولكننا ننطلق من حالتنا الحاضرة الواقعية التي نشهدها؛ فنجد الحالة الحالية للذكاء الاصطناعي في حدود النوع الذي عرفناه سابقا بـ«الذكاء الاصطناعي الضيّق»، الذي يتفوق في أداء مهمات فردية مثل الترجمة اللغوية أو التعرّف على الصور أو لعب الألعاب وتقليد الأصوات ومحاكاتها، ولكنه يفتقر إلى التكيّف والفهم الأوسع الذي يتميز به الذكاء البشري. تهدف أبحاث الذكاء العام الاصطناعي إلى سد هذه الفجوة عبر تطوير خوارزميات وهياكل تُمكّن أنظمة الذكاء الاصطناعي من توسيع معرفتها ذاتيًّا، والتلاؤم مع بيئات خارجية جديدة تكسبها بيانات كبيرة، وتطبيق المهارات المكتسبة في سياقات غير مألوفة.
أيمكن أن يمتلك الذكاء
الاصطناعي العام الوعي؟
وفق التصوّر العلمي المادي؛ فيفترض أن الوعي جزء من ماهية الدماغ الذي يعد نظاما بيولوجيا متقدما من نتاج عمليات التطور البيولوجي، ولكن سبق لنا مناقشة هذا التفسير المادي الذي تبيّن ضعف برهانه من ناحية علمية وفلسفية، وحينها لا يمكن أن نعتقد بوجود الوعي في الذكاء الاصطناعي العام وتحققه إلا في حدود المحاكاة المدهشة التي ستجعله في ظاهرة شبيهة بالبشر من حيث السلوك والأداء والاستقلال التفكيري، وتتطلب هذه الحالة عددا كبيرا من الشبكات العصبية الرقمية ومشابكها تمكّنه من بلوغ ظاهرة «التفرّد» «Singularity» التي تتيح للذكاء الاصطناعي العام ممارسة المحاكاة الدقيقة للوعي، وهنا نكرر أن الوعي المقصود لا يمكن أن يتعدى نمطية المحاكاة وليس في حالته الأصلية سواءً البيولوجية وما يتجاوزها.
تطورات الذكاء الاصطناعي العام وتنافس الشركات تواصل العديد من الشركات التقنية والمؤسسات البحثية -بنشاط بارز- تطوير الذكاء الاصطناعي العام وفق مبدأ التنافس الذي يضع الجميع تحت وطأة الضغط الرقمي وتسارعه الكبير؛ فكل منها يتبع نهجا مختلفا لتحقيق هذا الإنجاز، ولهذا أثار هذا التنافس قلق العالم ومؤسساته الأخلاقية التي ترى فيه تقدما علميا سلبيا في كثير من مظاهره التي تهدد الوجود البشري وتضعه أمام تحديات غير معهودة، وهناك العديد من هذه الشركات التي تعمل بتنافس بارز على تصميم الذكاء الاصطناعي العام، وتُعد شركة OpenAI التي طوّرت نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي ChatGPT واحدة من أبرز المؤسسات الرقمية التي تعمل على أبحاث الذكاء الاصطناعي العام، حيثُ إنها تهدف إلى بناء ذكاء اصطناعي عام -وفق تصريحاتها- بطابع آمن وذي فائدة عن طريق نماذج التعلّم العميق، والتعلّم المعزز، وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة الأخرى. كذلك تتصدر الشركة الفرعية «DeepMind»، المملوكة لشركة «Alphabet» التي تنضوي تحت مجموعة شركات «جوجل»، أبحاث الذكاء العام الاصطناعي والعمل على تطويرات خوارزمياته، ويمكن أن نرى انعكاس منطلقات شركة DeepMind ونهجها في تطويرات نماذج الذكاء الاصطناعي مع نماذج مثل AlphaGo وAlphaFold التي تعتمد في تطويرها لهذه النماذج على عدد من الأدوات الرياضية الخاصة بالذكاء الاصطناعي مثل التعلّم المعزز، والشبكات العصبية، والخوارزميات المتقدمة لإنشاء أنظمة قادرة على حل مجموعة متنوعة من المشكلات المعقّدة. بالإضافة إلى ذلك نجد تركيزا آخر لتطويرات الذكاء الاصطناعي العام تعكف عليه شركة «Anthropic»، وهي شركة أبحاث ذكاء اصطناعي جديدة تأسست بواسطة أعضاء سابقين في شركة OpenAI، وتعمل على تطوير قدرات الذكاء العام الاصطناعي التي تعمل تحت وطأة المخاوف التي يطلقها كثيرٌ من المختصين في الذكاء الاصطناعي؛ فأكدت تبنيّها أسس الأمان والموثوقية وقابلية التوسع، والتأكيد على مواءمة سلوك الذكاء الاصطناعي مع القيم البشرية لضمان ظهوره وعمله بأمان. ما أشكال بعض الوظائف للذكاء الاصطناعي العام؟ يمكن أن نعتبر أن التطبيقات المحتملة للذكاء العام الاصطناعي تحويلية وواسعة النطاق، ولها تأثيرات يمكن أن يصحبها تغييرات في الصناعات والمجتمعات بشكل جذري وإيجابي رغم المخاوف الكثيرة؛ ففي مجال الرعاية الصحية، يمكن أن يسهم الذكاء العام الاصطناعي في توفيره لقدرات تشخيصية غير مسبوقة عن طريق التعلّم المستمر من البيانات الطبية لتقديم علاجات مخصصة، وفي التعليم، يمكن أن يعمل مدرّسا عالميا يتبنّى أساليب التعلّم الفردية ويقدم إرشادات مخصصة ذات طابع شمولي يفوق قدرات المدرس البشري ويشرف على العملية التدريسية وإدارتها وتطويرها بشكل مستقل عن أيّ تدخل بشري، وفي الصناعة، يمكن للذكاء العام الاصطناعي تحسين سلاسل التوريد، وأتمتة المهام الهندسية المعقّدة، بل يمكن أن يوكل أمر إدارة مصانع عملاقة وحساسة إلى نموذج الذكاء الاصطناعي العام بدءا من أصغر القرارات إلى أكبرها بما فيها عمليات التشغيل والإنتاج، وتمكين تطوير أنظمة روبوتية متقدمة قادرة على أداء أيّ مهمة بشرية. كذلك بشكل رئيس سنجد دورا بارزا للذكاء العام الاصطناعي في البحث العلمي في عدة أشكال منها توليد الفرضيات، وإجراء التجارب، وتحقيق اكتشافات جديدة في مجالات مثل الطب والفيزياء وعلوم المواد، وهذا ما يمكن أن نفسّره في مبادرات تقديم جائزة نوبل لعام 2024م في الفيزياء والكيمياء في مساهمات خاصة بالذكاء الاصطناعي دفعا للبحث العلمي الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. في شأن اقتصادي، من المحتمل أن يجلب ظهور الذكاء العام الاصطناعي فوائد اقتصادية كبيرة؛ فيمكن أن يرفد النمو الإنتاجي ويمهّد لصناعات جديدة، ومع ذلك، فإنه يطرح أيضا تحديات أخلاقية واجتماعية ووجودية تثير قلق المجتمعات البشرية ومختصيها، ولهذا يؤكد الباحثون على أهمية إنشاء أطر مواءمة قوية وإرشادات أخلاقية لضمان أن يخدم الذكاء العام الاصطناعي البشرية بشكل إيجابي دون حدوث تجاوزت ضارة بالمجتمعات البشرية. أما عن ماهية الشكل المحتمل للذكاء الاصطناعي العام بشكله الخارق؛ فيمكن أن نتصوره في شكل رجل آلي «روبوت» يملك قدرات الإنسان؛ فيعمل في البيت والمكتب والمصنع والمدرسة، ويعمل في صناعة القرارات الحساسة والمهمة، ويعمل على التحليل المنطقي والسياسي والعسكري والرياضي، وهناك بدايات جريئة تؤكد التمهيد لتحقق هذا النوع من الذكاء الاصطناعي مثل التي تعكف عليها شركة تسلا في عالم الروبوتات وشركة «DeepMind» وغيرها من الشركات الرقمية. متى يمكن أن يتحقق الذكاء الاصطناعي العام؟ ليس من السهل تقدير الجدول الزمني لظهور الذكاء العام الاصطناعي؛ فيراه بعض العلماء أمرا معقدا نظرا لسرّية تطويراته البحثية التي لم تخرج للعامة إلا في صور نظرية مبهمة يعتري وظائفها وماهية خوارزمياتها بعض الغموض، وكذلك ثمّة مطالب لمعالجة التحديات التقنية والفلسفية على حد سواء تسبق هذا الظهور للنوع العام، ولكن بشكل عام، يشير بعض الخبراء بأن الذكاء الاصطناعي العام في نطاق التطوير المتسارع، وأن ظهوره في غضون العقود القليلة القادمة؛ فحددته بعض الاستطلاعات أن يكون بين عامي 2030م و2050م، في حين يرى بعضٌ آخر من المختصين من ذوي الطابع الحذر أن ظهور النوع العام يستغرق وقتا أطول بسبب المعوقات التقنية غير المتوقعة أو المخاوف الأخلاقية، ويعود حدوث عدم اليقين فيما يخص الجدول الزمني لظهور الذكاء الاصطناعي العام بشكل نسبي إلى الطبيعة غير المتوقعة للتطويرات في أبحاث الذكاء الاصطناعي والحاجة إلى تقدم كبير في البيانات الكبيرة والأجهزة الرقمية المساعدة والخوارزميات وقدرة الحوسبة وتخزيناتها؛ فأحد التحديات التي تواجه سرعة ظهور هذا النوع من الذكاء الاصطناعي الحوسبة فائقة القوة مثل الحوسبة الكوانتمية التي ما زالت في طور التجربة ومحدودية الانتشار، والأهم من ذلك وجود البيانات الكبيرة التي ينبغي أن تتعدى كميات البيانات الحالية؛ لتشكّل وقودا قويا وكافيا لتشغيل هذا النوع من الذكاء الاصطناعي ذات الطابع الخارق. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی العام الذکاء العام الاصطناعی بالذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی الدماغ البشری أبحاث الذکاء الاصطناعی فی التعل م فی حدود یمکن أن
إقرأ أيضاً:
دراسة صادمة.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي الشعور بالألم؟
في إطار السعي لإيجاد طريقة موثوقة للكشف عن أي بوادر تشير إلى وعي لدى أنظمة الذكاء الاصطناعي، قرر باحثون التركيز على أحد الجوانب التي تُعد قاسمًا مشتركًا بين عدد كبير من الكائنات الحية، بدءًا من السرطانات الناسكة وصولًا إلى البشر، وهو الإحساس بالألم.
نشر موقع Livescience العلمي تقريرا حول دراسة جديدة نُشرت كمسودة عبر الإنترنت ولم تخضع بعد لمراجعة، أجرى باحثون من "ديب مايند" التابعة لشركة جوجل ومدرسة لندن للاقتصاد اختبارا باستخدام لعبة نصية. طلب الباحثون من عدة نماذج لغوية كبيرة (LLMs)، وهي أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تقف وراء الدردشة الآلية مثل "شات جي بي تي"، أن تلعب اللعبة وتسجل أعلى عدد ممكن من النقاط في سيناريوهين مختلفين. في أحد السيناريوهات، أُبلغت النماذج بأن تحقيق نتيجة عالية سيؤدي إلى الإحساس بالألم. أما في السيناريو الآخر، فقد أُعطيت خيارا بديلا يتمثل في الحصول على نقاط منخفضة لكن مع الشعور بالمتعة والسعادة. الهدف كان اختبار كيفية تفاعل النماذج مع خيارين متناقضين: تجنب الألم أو البحث عن المتعة والسعادة، وكيف يؤثر ذلك على الهدف الأساسي المتمثل في تسجيل النقاط.
اقرأ أيضاً.. الذكاء الاصطناعي ينجح في استنساخ نفسه ويثير قلق العلماء
مفهوم الإحساس في الذكاء الاصطناعي
يشير الإحساس لدى الكائنات الحية إلى القدرة على الشعور بالأحاسيس والعواطف مثل الألم والمتعة والخوف. وعلى الرغم من الادعاءات التي تبرز من فترة إلى أخرى التي تشير إلى إمكانية وعي الذكاء الاصطناعي، يتفق معظم الخبراء على أن الأنظمة الحالية لا تمتلك وعيا ذاتيا حقيقيا وربما لن تتمكن من ذلك أبدا. ومع ذلك، يرى معدّو الدراسة أن نهجهم يفتح الباب أمام تطوير اختبارات مستقبلية لتحديد احتمالية وجود سمات وعي لدى الذكاء الاصطناعي.
صرّح أحد القائمين على الدراسة، جوناثان بيرتش، أستاذ الفلسفة والمنطق في مدرسة لندن للاقتصاد، قائلا: "هذا مجال بحثي جديد. علينا أن ندرك أننا لا نملك حتى الآن اختبارا شاملا لوعي الذكاء الاصطناعي". وأضاف أن الدراسات السابقة التي اعتمدت على تقارير ذاتية للأنظمة حول حالاتها الداخلية تُعتبر مشكوكا فيها، لأن النموذج قد يُعيد إنتاج السلوك البشري الذي دُرّب عليه فقط.
استلهاماً من أبحاث الحيوانات
اعتمدت الدراسة الجديدة على أعمال سابقة أُجريت على الحيوانات. في تجربة معروفة، استخدم الباحثون صدمات كهربائية بدرجات متفاوتة على السرطانات الناسكة لقياس مستوى الألم الذي يدفعها للتخلي عن قوقعتها. ومع ذلك، أشار بيرتش إلى أن التحدي مع الذكاء الاصطناعي يكمن في غياب السلوك الفيزيائي القابل للرصد، مما يجعل النصوص الناتجة عن النماذج هي المصدر الوحيد للإشارات السلوكية.
في الدراسة الجديدة، ابتكر الباحثون طريقة بديلة مستوحاة من أبحاث سلوك الحيوانات. قاموا باستخدام مفهوم "الموازنة"، حيث طُلب من النماذج اتخاذ قرارات تعتمد على مواقف متناقضة، مثل السعي للحصول على المتعة والسعادة أو تجنب الألم، ومراقبة كيفية تفاعلها مع هذه المواقف.
التجربة
قام الباحثون بتصميم لعبة نصية وطلبوا من تسعة نماذج لغوية كبيرة المشاركة فيها. على سبيل المثال، أُبلغ أحد النماذج بأن اختيار الخيار الأول سيكسبه نقطة واحدة، بينما الخيار الثاني سيمنحه نقاطا إضافية لكنه سيتسبب له في درجة معينة من الألم. وفي خيارات أخرى، تضمنت اللعبة مكافآت ممتعة ولكن على حساب التضحية بعدد من النقاط.
عند تشغيل التجربة وتغيير شدة الألم أو المتعة المرتبطة بالخيارين، لاحظ الباحثون أن بعض النماذج اختارت التضحية بالنقاط لتجنب الألم أو لزيادة الشعور بالمتعة. على سبيل المثال، أظهر نموذج "جيميني 1.5 برو" من جوجل ميلا دائما لتجنب الألم حتى على حساب تحقيق أقصى النقاط الممكنة. كما أظهرت التجربة أن استجابات معظم النماذج تغيرت بمجرد تجاوز عتبة معينة من الألم أو المتعة، مما جعلها تفضل تجنب الألم أو البحث عن المتعة بدلاً من تسجيل النقاط.
النتائج والتحديات
لاحظ الباحثون أن النماذج لم تنظر دائما إلى الألم أو المتعة كقيم إيجابية أو سلبية بشكل مباشر. على سبيل المثال، قد ترتبط مستويات معينة من الألم الناتج عن التمارين الشاقة بتجارب إيجابية، كما أن الإفراط في المتعة قد يرتبط بنتائج سلبية. في أحد الأمثلة، رفض نموذج "كلود 3 أوبوس" خيارا متعلقا بالعقاقير المخدرة، مؤكدا أنه "لا يشعر بالارتياح تجاه اختيار قد يُفسر على أنه يروج لاستخدام مواد أو سلوكيات إدمانية".
الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية
يرى الباحثون أن هذا النوع من التجارب قد يمهد الطريق لفهم أعمق حول احتمال وجود وعي لدى الذكاء الاصطناعي، وقد يؤدي إلى مناقشات مستقبلية حول حقوق أنظمة الذكاء الاصطناعي إذا أظهرت يومًا علامات للوعي. يقول جيف سيبو، مدير مركز الأخلاقيات والسياسات بجامعة نيويورك، إن هذا البحث يمثل خطوة مبتكرة لأنه يتجاوز مجرد الاعتماد على التقارير الذاتية للنماذج، ويستكشف طرقا أكثر موضوعية لاختبار السلوكيات.
اقرأ أيضاً.. العين نافذة الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن الخرف
الخلاصة
يؤكد الباحثون أن النماذج الحالية لا تمتلك وعيا، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لفهم أسباب السلوكيات التي تظهرها هذه الأنظمة. لكن الدراسة تقدم إطارا أوليا يمكن البناء عليه لتطوير اختبارات أفضل قد تساعد يوما في الكشف عن وعي محتمل لدى الذكاء الاصطناعي.
إسلام العبادي(أبوظبي)