كيف أفلت الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
على مدى السنوات الماضية، لم تتخذ المحكمة الجنائية الدولية أي إجراء بحق رئيس النظام السوري بشار الأسد، رغم أن اسمه واسم القوات التي يقودها، ارتبطا بأخطر الجرائم الدولية، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وضد الإنسانية.
فما السر وراء إفلاته من السيف القانوني الخاص بهذه المحكمة؟ وبماذا تختلف حالة الأسد عن حليفه الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت؟.
وكانت الجنائية الدولية قد أصدرت، الخميس، مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت. وفي مارس 2023 اتخذت ذات الإجراء بحق بوتين، بعد مرور 3 أسابيع من الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا.
هذه الإجراءات بحق كل من بوتين سابقا ونتانياهو وغالانت حاليا، "استندت على مخارج قانونية وقضائية تقوم عليها الآلية المتبعة لإحالة أي ملف وقضية إلى الجنائية الدولية"، وفقا لخبراء قانونيين تحدث إليهم موقع "الحرة".
ومع أن هذه "المخارج" لم تنطبق خلال السنوات الماضية على الحالة السورية، فإنه كان للدعم المقدم من قبل روسيا والصين للنظام السوري (على صعيد الفيتو) بمجلس الأمن، دورا في عرقلة إصدار أي مذكرة توقيف بحقه، خاصة في عام 2014.
ما هي المحكمة الجنائية الدولية؟هي أول محكمة دولية دائمة ومستقلة، أنشئت لمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب أخطر الجرائم الدولية، مثل "الإبادة الجماعية"، والتي تشمل تدمير مجموعة قومية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية، بالكامل أو جزئيا.
ويضاف إليها "الجرائم ضد الإنسانية"، التي تضم الجرائم الممنهجة أو واسعة النطاق ضد السكان المدنيين، مثل القتل، والتعذيب، والاغتصاب، والتهجر القسري. وكلها ارتبطت بالأسد، حسب منظمات حقوقية محلية ودولية.
وتنظر الجنائية الدولية أيضا في جرائم الحرب التي تشمل حصول انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، مثل استهداف المدنيين، وتعذيب الأسرى، واستخدام الأسلحة المحظورة، كما فعل النظام السوري لأكثر من مرة عندما استخدم الأسلحة الكيماوية ضد مناطق مأهولة بالسكان.
وتنظر أيضا بـ"جرائم العدوان"، مثل شن الحرب بشكل غير قانوني أو انتهاك سيادة دولة أخرى.
ما اختصاصها القضائي؟للمحكمة ولاية على الجرائم المرتكبة في الدول التي وقّعت وصدّقت على نظام روما الأساسي. وحتى الآن توجد 123 دولة طرف فيها، لكن روسيا وإسرائيل وسوريا ليست من بينها.
علاوة على ذلك، يستند اختصاصها القضائي على إحالات مجلس الأمن، حيث يمكن للأخير أن يحيل أية قضية إلى المحكمة، حتى لو لم تكن الدولة المعنية طرفا في نظام روما الأساسي، كما حدث في حالة ليبيا والسودان.
الاختصاص القضائي يذهب بمسار ثالث أيضا، يقوم على "الإحالة الذاتية"، إذ يمكن للدولة نفسها أن تطلب التحقيق في الجرائم المرتكبة على أراضيها أو من قبل مواطنيها.
وأخيرا، يمكن للمدعي العام في المحكمة (كادعاء مستقل) أن يفتح تحقيقا في قضية ما، إذا كانت هناك أدلة كافية على وقوع جرائم تدخل ضمن اختصاصها.
لكي تتمكن الجنائية الدولية من فتح تحقيق في حالة ما، أو وضع ما، أو نزاع مسلح ما، فإنه يتوجب عليها أن تسلك مسارين، كما يشرح مدير "المركز السوري للعدالة والمساءلة" في واشنطن، محمد العبد الله.
المسار الأول: أن تكون "الدولة موقّعة على نظام روما الأساسي (اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية)، أو أن تقبل الدولة اختصاص المحكمة، كما حالة أوكرانيا.
المسار الثاني: قرار من مجلس الأمن يحيل الوضع أو الحالة للمحكمة من أجل دراساتها والتصرف بها. وفي حال ثبت وجود جرائم حرب أو ضد الإنسانية أو إبادة جماعية، تصدر الجنائية الدولية اتهامات ومذكرات توقيف.
ويوضح العبد الله لموقع "الحرة"، أن سوريا ليست طرفا في نظام روما ولم توقع عليه، كما لم تقبل بشكل طوعي اختصاص المحكمة.
في المقابل، كانت روسيا والصين قد استخدمتا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قانون ينص على إحالة سوريا إلى محكمة الجنائية الدولية عام 2014.
ويقول الحقوقي السوري: "على أساس ما سبق، فشل مجلس الأمن في إصدار إحالة. وفي الوقت ذاته، لم تقبل الحكومة السورية صلاحيات الجنائية الدولية، ولم توقع على نظام روما".
وفي غضون ذلك، يضيف المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أن "نجاة" الأسد من الجنائية الدولية تعود أسبابها لعدة معوقات قانونية وسياسية، مشيرا إلى أن "سوريا ليست طرفا في نظام روما، مما يمنع المحكمة من ممارسة ولايتها تلقائيا".
كما أن أي إحالة من مجلس الأمن الدولي تعرقلت بفعل الفيتو الروسي والصيني.
وإضافة إلى ذلك، يوضح الكيلاني لموقع "الحرة"، أن الجنائية الدولية "لا تستطيع ممارسة ولايتها إلا على أرض دولة موقعة على نظام روما الأساسي، أو أن يكون المشتبه به ينتمي لدولة موقعة على هذا النظام.
ماذا عن حالة بوتين ونتانياهو؟مذكرة الاعتقال التي أصدرتها الجنائية الدولية في 2023 ضد الرئيس الروسي، جاءت نتيجة أوضاع قانونية استثنائية، رغم أن روسيا ليست طرفا في نظام روما الأساسي، وفق الكيلاني.
وأوضح أن القضية "أحيلت من خلال ما يسمى بالولاية القضائية الاستثنائية".
وتمتلك الجنائية الدولية صلاحية التحقيق في الجرائم المرتكبة في أوكرانيا، لأنها سبق أن قدّمت إعلانا رسميا بموجب المادة 12(3) من نظام روما الأساسي، في 2014 و2015.
وبموجب الإعلان، منحت أوكرانيا المحكمة صلاحية النظر في الجرائم المرتكبة على أراضيها، حتى لو لم تكن طرفا في نظام روما الأساسي.
وبناءً على ذلك، اكتسبت المحكمة ولاية قضائية على الجرائم الدولية المرتكبة في أوكرانيا، بما في ذلك الجرائم التي يُتهم بوتين بارتكابها أو المسؤولية عنها، مثل ترحيل الأطفال الأوكرانيين قسرا.
ورغم أن أوكرانيا ليست عضوا، فإن إعلانها قبول اختصاص المحكمة وفقا للمادة الاستثنائية، يعاملها كأنها أعطت إذنا مؤقتا للمحكمة للتحقيق في الجرائم الواقعة على أراضيها.
أما بالنسبة لنتانياهو وغالانت، فتشمل صلاحيات الجنائية الدولية والولاية القانونية للمحكمة، "الجرائم المرتكبة في فلسطين بعد انضمامها كعضو في عام 2015".
ويقول الكيلاني: "رغم أن إسرائيل ليست طرفا في نظام روما، فإن انضمام فلسطين يعطي الصلاحية للمحكمة للتحقيق واتخاذ الإجراءات كدولة كاملة العضوية".
من جانبه، أكد الحقوقي السوري، العبد الله، أن "أوكرانيا قبلت اختصاص المحكمة عبر توقيع معاهدة معها، وبالتالي عوملت كأنها عضو في الجنايات الدولية أو أنها عضو في اتفاق المحكمة وطرف موقع على نظام روما".
وفيما يتعلق بإسرائيل، كانت السلطة الفلسطينية قد طلبت من الجنائية الدولية عام 2015، الانضمام والتوقيع على نظام روما. وبعدما بقيت القضية في نطاق الأخذ والرد لسنوات، أصدرت المدعية العامة في المحكمة عام 2020 تحليلها القانوني.
وتوصل التحليل أن "(السلطة الفلسطينية) تمثل السلطة الفعلية في فلسطين، وأن من حقها التوقيع والانضمام لاتفاقية الجنائية الدولية. ومن هنا بدأ اختصاص المحكمة بالأراضي الفلسطينية، وهو ما استُخدم في موضوع غزة لأن السلطة ذاتها هي الممثل القانوني للشعب الفلسطيني"، حسب العبد الله.
ماذا عن الحالات الأخرى؟سبق أن أصدرت الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق الرئيس السوداني السابق، عمر حسن البشير، عامي 2009 و2010 طبقا لتهم بالمسؤولية وراء جرائم الإبادة الجماعية وجرائم حرب في إقليم دارفور، بالإضافة إلى جرائم ضد الإنسانية.
والسودان ليس دولة موقعة على نظام روما، لكن في عام 2005 أصدر مجلس الأمن قرارا ملزما يحيل الحالة هذا البلد لمحكمة الجنايات.
وتعلقت الحالة السودانية حينها على نحو محدد بدارفور، وبعدما توصلت الجنائية الدولية إلى أن ما حصل هناك يندرج ضمن نطاق "الإبادة الجماعية" أصدرت مذكرة توقيف بحق البشير، بحسب الحقوقي العبد الله.
وشدد العبد الله على أن "الخطوات لإحالة حالة معينة أو قضية للمحكمة واضحة، ولا تنطبق على سوريا".
هل ثمة "مخارج"؟في 2019، أعلنت الأمم المتحدة أن هناك أكثر من مليون وثيقة ودليل جمعتها المنظمة الأممية ضد الأسد، تعكف لجنة مستقلة على تحليلها من أجل "تحقيق العدالة ومحاكمة كل من تورطوا في القمع والتعذيب وجرائم إنسانية أخرى".
وفي العام ذاته، تقدمت مجموعة من اللاجئين السوريين بشكوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد نظام دمشق، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الدائرة في سوريا.
وقدّم الشكوى ضد الأسد محامون بريطانيون، بوكالتهم عن 28 لاجئا سوريا غادروا بلادهم إلى الأردن.
وبين عامي 2012 و2013 كانت هناك أفكار حول احتمالية الاعتراف بحكومة المعارضة، كي تتمكن من التوقيع والانضمام لنظام روما، حسب العبد الله، لكن لم تصل هذه القضية إلى نتيجة في تلك الفترة وحتى الآن.
ويقول إن "المعايير التي تنظر إليها الجنائية الدولية، تتعلق بأن تكون السلطة هي الحاكم الفعلي على الأرض والدولة".
ويعتقد المختص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أنه "توجد طريقة واحدة متبقية لإحالة سوريا إلى الجنائية الدولية، لو استثنينا نقل الملف من مجلس الأمن واستثنينا أن توقع الحكومة السورية وتصادق على نظام روما الأساسي".
وترتبط هذه الطريقة بـ"تولي دولة موقعة على نظام روما هذه المهمة، وتكون تأثرت بشكل مباشر من الانتهاكات المرتكبة من النظام السوري".
وفي حين تنطبق الحالة على الأردن، وفق الكيلاني، "من منطلق التأثيرات السلبية والضرر الذي تعرض له بتدفق اللاجئين"، فإنه استبعد أن "تتخذ عمّان هذا الإجراء، وهي التي تقود الآن جهود التطبيع وإعادة العلاقات مع النظام في دمشق".
هل من أدوات أخرى للمساءلة؟في مايو 2023 كتبت المحامية في مشروع التقاضي الاستراتيجي في "المجلس الأطلسي"، إليز بيكر، تحليلا استعرضت فيه أدوات المساءلة التي يمكن أن تستهدف الأسد، وتعرقل جهود تطبيع الدول معه.
وأوضحت أنه باستخدام السابقة التي أنشئت لميانمار في عام 2019، يمكن لمدعي المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، "فتح تحقيق في الجرائم المرتكبة في سوريا، والتي أدت إلى الترحيل القسري إلى الأردن، وهي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية".
و"تلقى خان خلال السنوات الماضية، طلبات متعددة لفتح تحقيق في سوريا، لكنه فشل حتى الآن في القيام بذلك"، حسب بيكر.
وقالت المحامية إن إحالة سوريا من قبل دولة عضو في الجنائية الدولية، من شأنه أن يزيد بشكل كبير من احتمالية إجراء تحقيق.
كما أشارت إلى أنه "تم تحفيز العشرات من الدول في العام الماضي لإحالة قضية أوكرانيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وصولا إلى إصدار مذكرة توقيف بحق بوتين، وينبغي لها أن تفكر في القيام بنفس الشيء بالنسبة لسوريا".
من ناحية أخرى، أوضحت بيكر أن أحد أدوات المساءلة القليلة المستخدمة حاليا في سوريا، هي إطار "الولاية القضائية العالمية"، الذي يسمح للمحاكم المحلية بمحاكمة الجرائم الفظيعة المرتكبة خارج حدودها على أساس أن الجريمة خطيرة للغاية، لدرجة أنها تهدد المجتمع الدولي ككل.
ولا تسمح العديد من البلدان بمواصلة القضايا، إلا إذا كان المشتبه به موجودا داخل حدودها، وبالتالي كان هناك عدد محدود من القضايا المتعلقة بسوريا، فيما ركزت العديد منها على تهم الإرهاب. وكان عدد قليل منها فقط ضد مرتكبي الجرائم المرتبطين بنظام الأسد.
ووفق المحامية، فإن محاكمة القيادات العليا في المحاكم الوطنية تعد أيضا خيارا.
وفي حين تتطلب محاكمات الولاية القضائية العالمية عادة حضور الجاني، فإن بعض البلدان التي تطبق القانون المدني تسمح بإجراء بعض المحاكمات غيابيا، شريطة وجود ضمانات كافية لحماية حقوق المتهم في المحاكمة العادلة، وهو ما حصل في فرنسا مؤخرا.
وفي عام 2022 فتحت ألمانيا وكندا ودول أخرى، تحقيقات هيكلية لبدء بناء قضايا الولاية القضائية العالمية ضد الجناة الروس، و"يجب على هذه البلدان التحقيق بشكل استباقي في الروابط بين الصراعات في أوكرانيا وسوريا لضمان أن أي محاكمات مستقبلية تتعلق بأوكرانيا تتضمن أيضا روابط ذات صلة بسوريا"، حسب المحامية.
وضربت مثالا قائلة، أنه "ربما ارتكب قائد روسي مسؤول عن جرائم فظيعة في أوكرانيا، نفس الجرائم في سوريا، وربما فعل المسؤولون عن استخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية لتسهيل الجرائم الفظيعة في أوكرانيا، الشيء نفسه في سوريا، أو ربما ارتكب جنود سوريون تم تجنيدهم في أوكرانيا جرائم فظيعة في سوريا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة على نظام روما الأساسی فی الجرائم المرتکبة الجرائم المرتکبة فی جرائم ضد الإنسانیة الإبادة الجماعیة تحقیق فی الجرائم مذکرة توقیف بحق اختصاص المحکمة فی أوکرانیا بشار الأسد العبد الله مجلس الأمن فی سوریا عضو فی فی عام
إقرأ أيضاً:
وما أدراك ما صيدنايا.. وثائقي يكشف خبايا مسلخ نظام الأسد البشري
ويكشف الفيلم الوثائقي "وما أدراك ما صيدنايا"، الذي يبث عبر منصة "الجزيرة 360" والذي يمكن مشاهدته عبر هذا الرابط، تفاصيل مروعة تكشف لأول مرة عن هذا السجن الذي كان يوصف بـ"المسلخ البشري"، ويتتبع خصوصيته وسبب اكتساب شهرته الأسوأ عالميا بممارسات التعذيب.
وسجن صيدنايا، الذي دخل الخدمة رسميا عام 1987، كان في البداية مركزا لاحتجاز المعتقلين السياسيين والعسكريين، لكن مع مرور الوقت تحوّل إلى سجن مركزي للتعذيب والإعدامات الجماعية، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4صيدنايا: السجن الذي فضح عجز الطغاة عن سجن الأفكارlist 2 of 4القبض على "عزرائيل صيدنايا" خطوة نحو العدالة في سورياlist 3 of 4جراح لا تندمل.. كيف حطمت سجون الأسد أرواح معتقلين رغم الحرية؟list 4 of 4"رابطة معتقلي الثورة السورية" هيئة أسسها ناجون من صيدنايا للدفاع عن معتقلي نظام الأسدend of listوفي زنزانة ضيقة تحت الأرض حيث لا ضوء ولا هواء، يروي محمد علي عيسى -أحد الناجين من سجن صيدنايا العسكري- تفاصيل 19 عاما قضاها بين جدران هذا السجن، في حين يصف مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح السجن في شهادة ضمن الوثائقي بـ"الهولوكوست".
ويوثق الفيلم، من خلال استكشاف سجن صيدنايا من زوايا مختلفة، المنظومة التي قامت عليها إدارة السجون في التعامل مع المعتقلين داخل سوريا، وتفاصيل دقيقة -يرويها المعتقلون- خاصة بجميع مراحل رحلة السجين من لحظة الاعتقال وصولا إلى الحرية أو الترحيل إلى المستشفيات أو القتل.
وتم تصميم سجن صيدنايا بهندسة معقدة، حيث يتكون من طوابق فوق الأرض وأخرى تحتها، تربطها ممرات متداخلة، وجعلت هذه التصميمات من السجن متاهة يصعب الهروب منها.
إعلانووفقا لشهادات الناجين، فإن السجن يحتوي على زنازين ضيقة ومظلمة، وغرف إعدام مجهزة بمشانق وآلات تعذيب، وكان السجناء يُحشرون في زنازين لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين، مع حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
تعذيب ممنهج
وتكشف شهادات الناجين أن التعذيب في صيدنايا كان ممنهجا ومنتظما، حيث كان السجناء يُعذبون بالضرب المبرح والصعق بالكهرباء والحرمان من الطعام والماء لفترات طويلة، كما تم استخدام أساليب تعذيب نفسي مثل إجبار السجناء على مشاهدة إعدام زملائهم.
ووفقا لشهادة أحد الناجين، "كانوا يختارون 5 سجناء كل يوم ويعذبونهم حتى الموت، وكان هذا جزءا من الروتين اليومي".
ومن أحد أكثر الجوانب إثارة للرعب في سجن صيدنايا هو الإعدامات الجماعية، ووفقا لشهادة أحد الناجين، "كانوا يعدموا ما بين 100 و150 سجينا يوميا، وكانت الجثث تُنقل إلى مقابر جماعية دون أي إجراءات قانونية".
وتكشف شهادات الناجين من سجن صيدنايا حجم المعاناة التي عاشوها، ومنهم علي الزوابعة، الذي قال إنه قضى 4 سنوات في زنزانة مظلمة، حيث كان يُعذب يوميا، وقال "كانوا يضربوننا حتى نفقد الوعي، ثم يتركوننا نستيقظ لنكرر العملية مرة أخرى".
ومع تصاعد الاحتجاجات عام 2011، تحوّل صيدنايا إلى مقبرة جماعية للثوار، حيث يُقدَّر عدد من أُعدم فيه بين عامي 2011 و2014 بنحو 30 ألفا، وفقا لشهادات ناجين، في حين يصف منير الفقير -وهو سجين سابق- غرف الإعدام بأنها "منصات إسمنتية تتسع لسبعة أشخاص.. كانوا يعلقون الحبال على عوارض حديدية، ويتركون الجثث أياما قبل نقلها".
ولم يقتصر الأمر على الرجال، ففي مشهد صادم، عُثر داخل غرف الإعدام على ملابس نسائية وأحذية أطفال، رغم عدم وجود معتقلات نساء رسميا، ويُرجّح الفيلم أن النظام كان ينقل المعتقلات من سجون أخرى لتنفيذ الأحكام، ثم يُخفي أدلة الجريمة بحرق الغرف.
إعلان
أوامر مباشرة
ويسلط الفيلم الضوء على دور النظام السوري في إدارة هذه الآلة القاتلة، فوفقا للوثائق التي تم الحصول عليها، فإن الإعدامات والتعذيب كانت تتم بأوامر مباشرة من قيادات أمنية وعسكرية، ومع ذلك فإن معظم المسؤولين عن هذه الجرائم ما زالوا طلقاء، دون أن يحاسبوا على أفعالهم.
ولم تكن جرائم صيدنايا تنتهي بالإعدام. فالجثث كانت تُنقل إلى مشفى المجتهد في دمشق، حيث يُزوّر سبب الوفاة، ثم تُدفن بمقابر جماعية، يكشف نايف الحسن -وهو مشرف برادات الموتى بالمشفى- تفاصيل في هذا السياق قائلا "كانوا يجلبون 6 جثث يوميا.. شهادات الوفاة تُكتب بأسباب وهمية".
أما المقابر، فكانت تُحفر بطريقة ممنهجة، حيث يروي أحد الحفّارين "كل خندق طوله 200 متر، ويُدفن فيه 4-5 أشخاص.. كنا نرتدي كمامات بسبب روائح الجثث المتعفنة"، مضيفا أنه دُفن في مقبرة القطيفة وحدها آلاف الضحايا، بينهم نساء وأطفال، دون أي طقوس جنائزية.
ورغم سقوط النظام عام 2024، لم ينل الجلادون عقابهم، حسب المعتقل المحرر علي الزوابعة، الذي يقول "السجانون فروا.. لكننا لن نسامحهم"، في حين يطالب فوزي الحمادة بمحاكمات دولية وضرورة معرفة مصير المفقودين ومحاسبة كل من سفك دماء السوريين.
ويختم الفيلم بمطالبة لتحويل السجن إلى متحف، كما تقول منار شخاشيرو زوجة معتقل مفقود "هذا المكان يجب أن يبقى شاهدا على الجريمة.. كي لا تتكرر المأساة".
14/3/2025